الاجتهاد: الآخوند الخراساني الملّا محمد كاظم،فقيه أصولي ومرجع تقليد للشيعة وزعيم ديني سياسي في عهد الحركة الدستورية. هو الابن الأصغر للملّا حسين الواعظ الهراتي.
ولد الملا محمد كاظم بن الملا حسين الهروي الخراساني، والمشهور بالآخوند الخراساني، في مدينة مشهد “طوس سابقًا” عام 1255هـ/1839م، والده الملا حسين الهروي واصله من هرات شرقي خراسان.
وقد كان لآخوند ستة أبناء (5 أولاد وبنت) ولدوا في مدينة النجف الأشرف بالعراق وهم: ميرزا مهدي، وميرزا محمد، حاج ميرزا أحمد، حسين، وحسن، وكلهم كانوا طلبة العلوم الدينية، وأما بنته فقد كانت زوجة الشيخ إسماعيل الرشتي.
تعليمه
في عام 1277/1860 غادر مدينة مشهد” طوس” متوجهًا إلى سبزوار؛ حيث بقي هناك عدة أشهر. درس خلالها الفلسفة عند الحاج الملا هادي السبزواري (تـ 1289/1872). ثم غادرها إلى طهران؛ حيث واصل فيها دراسة الفلسفة عند الملا حسين الخوئي وميرزا أبي الحسن جلوه (تـ 1314/1896).
في عام 1278ه، سافر الآخوند الخراساني إلى مدينة النجف الأشرف في العراق، وقد تتلمذ على علمائها وفقهائها الكبار منهم الشيخ مرتضى الأنصاري، ودرس الآخوند الخراساني على الإمام الشيخ مرتضى الأنصاري الفقه والأصول، وقد أشار إلى ذلك بقوله: “اتخذت المحقق الأنصاري أو ما حللت النجف شيخًا لنفسي، واتخذت سيدنا الميرزا حسن الشيرازي أستاذًا فكنت اختلف إلى سيدي الأستاذ وأحضر أبحاثه الخصوصية والعمومية، ثم بصحابته نحضر معًا درس شيخنا الأنصاري فنكمل استفادتنا من بياناته”.
وتتلمذ الآخوند الخراساني، علي السيد محمد حسن الحسيني الشيرازي، والتحق في مجبس علمه بمدينة مدينة سامراء، استقل الآخوند بالتدريس، وقام بإعادة دروس أستاذيه، الشيخ الأنصاري، الشيخ الأنصاري، والسيد الشيرازي، وقد استفاد من مجلس دروسه أكثر طلاب مدرسة النجف وخصوصًا في درسي الأصولين، فلا يكاد يباريه في ذلك إلا العالمان الكبيران الميرزا حبيب الله الرشتي، والشيخ هادي الطهراني، وبعد وفاتهما انتهى التدريس إلى الشيخ الآخوند الخراساني.كما تتلمذ الآخوند على الفقيه الكبير الشيخ راضي النجفي، وأخذ عنه علم الفقه.
أساتذته
من أساتذته الآخوند الخراساني: الشيخ هادي السبزواري، صاحب المنظومة، والميرزا أبو الحسن جلوه، والشيخ حسين الخوئي، والسيد علي التستري، والشيخ راضي بن الشيخ محمد النجفي، الشيخ مرتضى الأنصاري، السيّد محمد حسن الشيرازي، المعروف بالمجدد الشيرازي .
عالم النجف الأشرف
ويبدو أن الآخوند الخرساني أصبح زعيم الحوزة العلمية في النجف الأشرف بعد وفاة السيد محمد حسن الشيرازي عام 1312هـ/1895م، وأصبح علم النجف في عصره، وكان مجلس دروسه يضم أكثر من مائتين وألف من طلاب العلم ما بين مجتهد ومراهق للاجتهاد.
ويقول الشيخ محمد محسن بن علي بن محمد رضا الطهراني النجفي: “وقد سمعت ممن أحصى تلاميذ شيخنا الأستاذ الأعظم المولى كاظم الخراساني في الدورة الأخيرة في بعض بعد الفراغ من الدرس أنه زادت عدتهم على الألف والمائتين”، وكانت حلقة درسه نم أعظم الحلقات العلمية في النجف الأشرف، فقد أنخرط فيها أكابر العلماء وجهابذة المجتهدين، وقد أشارت بعض المصادر إلى أنه آية عصره في الفلسفة النظرية وعلم الأصول.
كما يقول ملا علي بن عبد العظيم الخياباني التبريزي: أنه عالم محقق وفاضل مدقق من أكابر علماء الإمامية، وجامعًا للعلوم العقلية والنقلية، وقد شهدت مدرسة النجف في عهد الشيخ الآخوند الخراساني نموا كبيرا، وقد ذاع صيتها العلمي في الآفاق، وقد تلقى حاكم النجف العثماني يومذاك من آل الآلوسي في الأستانة كتابا جاء فيه: بلغنا أن عالمًا خراسانيًّا ظهر في النجف، وجدد معالم الأصول، وأنه في هذا العصر كالعضدي في زمانه، فأرسل ترجمته بقدر ما تستطيع، وكان قد اتخذ من الجامع الهندي مكانًا للدرس، وكانت له الروعة والهيبة إذا استوى فوق منبره، فإن صوته كان يصل إلى جميع أرجاء الجامع على سعته، فقد وصف بصوت صافٍ نَفَّاذ، ولم يتأخر عن مجلسه على كبر سنه حتى إنه في ذات يوم خاض الوحول التي سببتها الأمطار الغزيرة إلى حضور درسه، معتمدًا على بعض المساندين له.
الخدمات الاجتماعية
ومن ضمن الخدمات الاجتماعية التي قدمها الآخوند الخراساني بناء ثلاث مدارس دينية علمية حملت أسمه في مدينة النجف الأشرف هي “مدرسة الآخوند الكبرى والوسطى والصغرى”، كما أنه أسس مدارس للعلوم الحديثة في النجف وكربلاء وبغداد.
تلامذته
ومن تلامذته: الشيخ محمّد حسين الغروي الأصفهاني المعروف بالكُمباني، السيّد أحمد الأعرجي الخونساري المعروف بالصفائي، الشيخ ضياء الدين العراقي، الشيخ محمّد القمّي المعروف بالأرباب، السيّد حسين الطباطبائي البروجردي، الشيخ عبد الكريم الحائري اليزدي، الشيخ جواد آقا الملكي التبريزي، السيّد محسن الطباطبائي الحكيم، الشيخ محمّد علي الشاه آبادي، السيّد هبة الدين الشهرستاني، السيّد محسن الأمين العاملي، الشهيد السيّد حسن المدرّس، الشيخ محمّد محسن المعروف بآقا بزرك الطهراني، الشيخ هادي كاشف الغطاء، الشيخ مرتضى كاشف الغطاء، الشيخ محمّد جواد البلاغي، الشيخ أبو الهدى الكلباسي، السيّد صدر الدين الصدر، السيّد عبد الله البهبهاني، والسيّد حسين القمّي.
الآخوند الخراساني سياسيًّا
كان له العديد من المواقف ضد الدولة القاجرية (هي مملكة أسسها القاجاريون عاصمتها طهران شملت معظم الأراضي الإيرانية الحالية، إضافة إلى أرمينيا وأذربيجان دامت الدولة من عام 1794 حتى 1925 حينما أطاح رضا بهلوي بآخر الحكام القاجاريين عام 1925، مؤسسًا لنفسه الدولة البهلوية).
واقترنت حركة “المستبدة” بالإمام السيد محمد كاظم اليزدي، وعند تزعم الآخوند لحركة المشروطة، أمر بعزل السلطان محمد على شاه القاجاري، وأفتى بوجوب المشروطة والاتحاد بين الأمة الإسلامية، فقد فضح كاظم الخراساني، السياسة التي كانت ينتهجها مظفر الدين شاه، بالخصوص اعتراضه على القرض الذي حصل عليه من روسيا، والذي أغرق البلاد ببحر من الديون.
وحينما اقتحمت القوات الروسية ولاية خراسان انتفض الإمام الخراساني في وجه الغزاة فأبرق قائلًا: “لئن تنسحب جيوشكم من خراسان لأصرخن في العالم الإسلامي صرخة”، وهو ما كان له دور قوي في وضع حد لتقد الروس في إيران.
وتشير بعض المراجع التاريخية إلى أن الآخوند الخراساني، قد أعد جيشًا من المجاهدين، وصمم على الذهاب بنفسه لمجاهدة الروس، فنصبت الخيام خارج سور النجف من الجهة الشرقية، ولكن المنية عاجلته في 18 ذي الحجة 1329هـ، المصادف ليوم 29 سبتمبر 1911م وكانت هذه الليلة هي ليلة عيد الغدير.
فقد ذاع صيت الآخوند كزعيم سياسي بدأ في الفترة التي كان يمارس فيها نشاطاته الجادة في حركة الدستور. وأصبح الآخوند في مقدمة زعماء الحركة مع اثنين من المجتهدين الكبار المعاصرين له، وهما ميرزا حسين الطهراني والشيخ عبدالله المازندراني، وذلك بإرسالهما الرسائل والبرقيات للزعماء الدينيين والسياسيين في داخل إيران، وإصدارهما منشورات للتوعية وكان العلامة ميرزا محمد حسين الناييني يساعد الآخوند في هذا المجال؛ حيث ألّف كتابًا عنوانه: “تنبيه الأمة وتنزيه الملّة”، سعى لتبرير النظام الدستوري من وجهة نظر الشريعة الإسلامية ورفض حجج العلماء المعارضين. وقد كتب الآخوند الخراساني مقدمة لذلك الكتاب أعلن فيها أن أسس الحركة الدستورية مأخوذة من الشريعة الإسلامية الحقة.
وكان الآخوند وأنصاره المرافقون له ينظرون إلى النظام الدستوري على أنه وسيلة لوضع حد للظلم، ويرون أن على جميع المسلمين الاشتراك في هذه الحركة. وعندما أصبح محمد علي شاه ملكا (1324/1907) أرسل الآخوند له رسالة نصحه فيها، ودعاه إلى الالتزام بموازين الشريعة والعدالة والسعي في طريق تأمين استقلال البلاد. ولكن محمد علي شاه وعلى الرغم من تظاهره بتأييد الحركة الدستورية كان يريد أن يحكم البلاد بصورة ديكتاتورية، فأخذ ينسق مع قوات الأحرار الإيرانيين آنذاك، لإدامة الصراع مع الحكم الاستبدادي.
وأرسل الخراساني أيضًا برقية إلى مجلس سعادة الإيرانيين طلب فيها من سفراء الدول والصحف الرسمية بتوعية الناس وتنبيههم إلى مواد الدستور الإيراني، التي تؤكد عدم مشروعية أي معاهدة أو اتفاق، بين الحكومة ودولة أخرى إلا بموافقة مجلس الشعب.
وشارك كاظم الخراساني، مع الشيخ الطهراني والشيخ المازندراني في كتابة بيان، طالبوا فيه الثوار المسلمين في “القفقاز وتفليس مدن بدولة جورجيا حاليًا” وبعض المناطق الأخرى، مساعدة الثوار المسلمين في تبريز وهي عاصمة محافظة أذربيجان الشرقية التابعة لإيران حاليًا، للإطاحة بالحكم القاجاري المستبد، وعلى إثر تلك الأوضاع حاولت روسيا وبريطانيا التنسيق فيما بينهما، لتهدئة الأوضاع المضطربة في إيران.
وقد أشارت أحداث في تلك الفترة إلى وجود تيارين فكريين أحدهما يمثل التيار التقدمي وقد عرف باسم “المشروطة”، وثانيهما التيار المحافظ وقد عرف باسم “المستبدة”، وقد أدى هذا الانشطار إلى مناقشات ومحاججات عنيفة كادت أن تعصف بالمدرسة النجفية وتؤدي إلى كارثة اجتماعية خطيرة.
وأبرق الآخوند الخراساني إلى السلطان عبد الحميد الثاني عند إعلانه الدستور بأن المجتهدين في النجف يطالبون بالدستور كفرض ديني، وقد أراد أن تسلك إيران الطريق الذي سلكته الدولة العثمانية، وغرضه من ذلك تحجيم سلطة الشاه الإيراني وتقييد مقرراته عن طريق إعلان الدستور وتأسيس المجلس، وقد التف حول الإمام الآخوند، أعلام كبار ولهم المقام العلمي الرفيع وكان هو المحور الذي يدور الجميع من حوله.
لعل الكثيرين من الأعلام قد أيدوا الآخوند الخراساني بعد إصداره فتواه التي جاء فيها: “أن الإقدام على مقاومة المجلس العالي، بمنزلة الإقدام على مقاومة أحكام الدين الحنيف، فواجب المسلمين أن يقفوا دون أي حركة ضد المجلس، وأن ما ورد في كتاب الإمام محمد حسين النائيني “تنبيه الأمة وتنزيه الملة في وجوب المشروطية” يتفق مع مضمون فتوى الإمام الآخوند، وقد أراد به البرهنة على مقاومة الاستبداد والعمل من أجل حكم دستوري (شوروي) أمر يتفق والشريعة الإسلامية، ولا يتناقض معها، وقد استند في إثبات صحة ما ذهب إليه على القرآن والسنة ونهج البلاغة، وقد وجه الإمام النائيني نقدًا لاذعًا لآراء المؤيدين للاستبداد والمعارضين للدستورية (المشروطية)، فقد أحدث كتاب الإمام النائيني دويًّا في الأوساط العلمية والاجتماعية؛ وذلك بعد أن قام به الأستاذ صالح الجعفري من ترجمته من الفارسية إلى اللغة العربية ونشره في مجلة العرفان تحت عنوان “الاستبدادية والديمقراطية”.
وعقب نشاط الآخوند السياسي، وجهت حكومتا روسيا وبريطانيا مذكرة مشتركة إلى الآخوند وبقية الزعماء الدستوريين المقيمين في العراق وطلبتا منهم إيقاف نشاطاتهم السياسية. كما طلبتا من زعماء الفئات المطالبة بالحكم الدستوري في داخل إيران الالتزام بالاعتدال. وجاء في المذكرة أن عملية إنهاء النشاطات السياسية ستعود بالنفع على المجتهدين انفسهم.
لكن العلماء لم يعبئوا بهذه المذكرة التي كانت تحمل طابع التهديد لهم، وبخاصة الآخوند الذي لا يلين. ومنذ ذلك الحين، نشرت وسائل الإعلام الانجليزية موضوعات معادية جدا للآخوند.
ولغرض الاطلاع أكثر على ما يجري في إيران، قرر الشيخ الخراساني السفر إلى إيران، إلا أن وفاته المفاجئة في النجف الأشرف حالت دون ذلك.
مؤلفاته
اتسمت مؤلفاته بالأصالة والتجديد والتدقيق في علمي الفقه والأصول، وهي:
1. الاجتهاد والتقليد.
2. الأصول في مباحث الألفاظ.
3. تعليقه على كتاب الطهارة.
4. تعليقه على أسفار ملا صدرا الشيرازي.
5. تعليقه على منظومة السبزواري.
6. التكملة للتبصرة، تلخيص كتاب التبصرة للعلامة الحلي.
7. تعليقه (حاشية) على رسائل الشيخ الأنصاري في الأصول.
8. حاشية على كتاب المكاسب للشيخ الأنصاري.
9. درر الفوائد في شرح الفرائد، تحقيق مهدي شمس الدين.
10. رسالة في الدماء الثلاثة (الحيض، والاستحاضة، والنفاس).
11. رسالة في الطلاق، لم تكمل.
12. رسالة في الإجازة، لم تكمل.
13. رسالة في العدالة.
14. رسالة في الوقف.
15. رسالة في الرضاع.
16. روح المعاني في تلخيص نجاة العباد.
17. روح الحياة في تلخيص نجاة العباد، وأضاف عليها فتاوى فقهية لمقلديه.
18. شرح التبصرة.
19. الشذرات والقطرات.
20. شرح تكملة التبصرة.
21. شرح خطبة أول الدين معرفته وكما لمعرفته والتصديق به الموجود في كتاب “نهج البلاغة”، بقلم تلميذه الشيخ عبد الرسول الأصفهاني.
22. الفوائد الأصولية والفقهية، يحتوي على خمس عشرة فائدة.
23. قطرات من يراع بحر العلوم، أو شذرات من عقدها المنظوم، وهو عدة رسائل جمعت بعد وفاته، وذلك عام 1331هـ.
24. القضاء والشهادات، لم يتم.
25. كفاية الأصول، يقع في جزأين، أحدهما في مباحث الألفاظ، والثاني في الأدلة العقلية، وهو من أعظم كتب أصول الفقه وعليه يدور التدريس في الجامعة النجفية ويقول الشيخ محمد حرز الدين: “أصبحت كفايته في الأصول عليها مدار تدريس الطلاب حيث جل تلامذته كتبوها ودرسوا تلاميذهم بكتابتهم ويعد كتاب “كفاية الأصول” حلقة من حلقات تطوير أصول الفقه في المضمون والمنهج، وقد فرغ الشيخ الآخوند الخراساني من تأليفه عام 1291هـ، وقد شرحه جماعة من أعلام النجف كالإمام السيد أبو الحسن الموسوي الأصفهاني، وكان تلاميذ الآخوند يكتبون تقرير دروسه ويعلقون الشروح والحواشي على كتاب الكفاية، ومن ثم كثرت حواشيها المختصرة والمطولة، المعتنية بشرح العبارة، وفك إغلاقها، أو بتعقيب مطالبها العلمية، بتقريبها للأذهان، وبعد ذلك قبولها أو ردها.
26. اللمعات النيرة في شرح تكملة التبصرة.
27. منهج الرشاد.
وفاته
توفي 18 ذي الحجة 1329هـ/ 29 سبتمبر 1911م وكانت هذه الليلة هي ليلة عيد الغدير، ودفن بالنجف الأشرف في العراق.
ويقول الشيخ هادي كاشف الغطاء: بعد صلاة الفجر من يوم الثلاثاء 20 ذي الحجة 1329هـ، غسل خارج البلد في خيمة ضربت على نهر الحيدرية، وجيء به محمولا على أعناق العلماء وطلبة العلم والجمع الغفير الذي لا يحصى وهم بين بكاء وعويل ولطم على الصدور والرءوس حتى وصل الصحن الشريف وصلى عليه الشيخ عبد الله المازندراني، ودفن في الحجرة الواقعة في باب السوق الكبير، على يسار الداخل إلى الصحن الشريف.