الاجتهاد: أشيع في إحدى السنين في النجف الأشرف أنهم قد غيروا مكان مقام إبراهيم(ع) في المسجد الحرام ونقلوه إلى جوار بئر زمزم، ولكن الأمر لم يكن كذلك إذ أن كل ما حدث هو أنهم غيروا غطاء المقام ووضعوا الغطاء البلوري الحالي،
ومع ذلك فقد راجت الإشاعة تلك بقوة في النجف وغيرها، ولذلك فقد بعث الكثيرين من الحجاج ومن مسؤولي قوافل الحج الإيرانية استفتاءات إلى مراجع التقليد في النجف بواسطتي، تقول: هل الواجب إقامة ركعتي صلاة الطواف خلف المكان السابق لمقام إبراهيم أم خلف مكانه الجديد (طبقاً لتلك الإشاعة)؟
وقد عرضت هذا الاستفتاء على المراجع فأجاب كل منهم عليه بجواب معين، فأفتى بعضهم بإقامة الصلاة في كلا المكانين احتياطاً، وأفتى بعض آخر بوجوب إقامتها في المكان الأول معتبرين أن «مقام إبراهيم» هو إسم لمكان، ثم عرضتُ الاستفتاء على الإمام الخميني فأجاب فوراً بما يخالف الجوابين المتقدمين، وقال: تجب إقامة ركعتي صلاة الطواف في المكان الثاني لمقام إبراهيم ، وأضاف: إن المقام ليس إسماً لمكان الصخرة [التي وقف عليها إبراهيم] بل إسم للصخرة نفسهاه.
أخذت الجواب ثم أخذت بالتحقيق مساءً في منزلي بشأنه استناداً لما ورد بشأنه من الأحاديث الشريفة فعثرتُ على حديث مضمونه أن المقام كان لاصقاً بالكعبة ثم حولوه إلى حيث هو الآن، وأن أئمتنا قد رضوا بالصلاة خلف المقام في مكانه الثاني وصلّوا خلفه(١) ، وقد استفدنا من هذا الحديث أن الأصل في المقام هو الصخرة التي وقف عليها فيجب أداء صلاة الطوف خلفها حيثما كانت.
وفي الليلة التالية ذهبت للإمام وسألته عن الدليل الذي استند إليه في الافتاء بإقامة ركعتي صلاة الطوف في المكان الجديد لمقام إبراهيم ، قال: «استنبطت ذلك من الآية الكريمة نفسها أي قوله تعالى: (واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى) [البقرة : ١٢٥]، قلتُ : لقد عثرت في كتاب الوسائل على حديث بهذا المضمون، فهل تتذكرونه؟ قال : كلا، بل استندت إلى ظاهر الآية الكريمة نفسها، قلت: هل ترون أن مصداقية وصف المقام الذي يُصلى خلفه هي للصخرة؟ قال: نعم قلت: فإذا نقلوا الصخرة إلى بلد أخرى هل يجب السفر إليه للصلاة خلفها؟ أجاب: «نعم، فإذا لم يكن ثمة دليل لبقائها في المسجد الحرام، فإن بقاءها ضروري لإقامة الصلاة خلفها».
وبعد أن حصلت على الجواب النهائي للإمام بشأن هذه المسألة ذهبت فوراً إلى منزل ذلك المرجع الجليل الذي أفتى بوجوب الصلاة في المكان الأولي لمقام إبراهيم، ونقلت له جواب الإمام واستدلالاته، فقال: هذا هو الرأي الصائب، ثم أمرني أن أجلب له جوابه السابق على الاستفتاء المذكور فجلبته فغيّر فتواه وجعلها مطابقة لفتوى الإمام الخميني وقال: هذا هو الرأي الصحيح، ثم راجعت المرجعين الآخرين اللذين افتيا بالاحتياط وأخبرتهما بما جرى لكنهما لم يغيرا فتواهما السابقة بالاحتياط (۱).
(۱) راجع وسائل الشيعة لنحر العاملي، ج ۱۳، ص: ٤٢٣. من طبعة مؤسسة آل البيت ذات الثلاثين جزء، الحديث الأول من الباب الا من أبواب الطف من كتاب الحج. [المترجم)
المصدر كتاب: قبسات من سيرة الإمام الخميني في ميدان التعليم الحوزوي والمرجعية ، إعداد: غلام علي رجائي.
نبذة عن الكتاب
يختص هذا الجزء من هذه الموسوعة كتاب (الإمام في ميدان التعليم الحوزوي والمرجعية) بعرض لطائفة من الذكريات التي تبين جوانب من سيرة الإمام في الوسط الحوزوي في اثنتين من أهم الحوزات العلمية الشيعية هما حوزة النجف الأشرف وحوزة قم المقدسة.
ولا يخفى أن لهذه الحوزات دوراً مهماً ومحورياً في حفظ الإسلام والدفاع عنه وترويجه وتعريف الناس بأحكام مدرسة أهل البيت في الحوادث الواقعة المستجدة وفي شؤونهم الحياتية المختلفة وخدمتهم وقيادتهم على الصراط المستقيم, فهي التي تخرج الفقهاء الذين هم حصون الإسلام, والعلماء الربانيين الذين يبلغون رسالات ربهم ويخشونه ولا يخشون سواه, وطلبة العلم المجاهدين المرتوين من فقه الكتاب والسنة المحمدية النقية التي حفظها أئمة العترة النبوية الطاهرة- صلوات الله عليهم أجمعين
هوية الكتاب:
اسم الكتاب: الإمام في ميدان التعليم الحوزوي والمرجعية
النشر: الدار الإسلامية بيروت – لبنان
إعداد: علي الرجائي
عدد الصفحات: 162 صفحة