المناهج المعاصرة لعلم الأصول

أهم المناهج المعاصرة لعلم الأصول منذ عصر الشيخ الأنصاري إلى اليوم

الاجتهاد: يتطرق المؤلف فضيلة الشيخ أحمد كاظم البغدادي في مقاله بعنوان “دور الشيخ المظفر في تطوير مناهج الحوزة العلمية كتاب أصول الفقه نموذجاً ” ضمن البحوث المشاركة في المؤتمر الدولي حول التجديد في فكر الشيخ المظفر”ره”، إلى أهم المناهج المعاصرة لعلم الأصول منذ عصر الشيخ الأنصاري إلى اليوم،

وأهم هذه المناهج: منهج الشيخ الأنصاري، منهج المحقق الخراساني صاحب الكفاية، منهج المحقق الشيخ محمد حسين الأصفهاني، والذي اتخذه شيخنا المظفر، أساسيا في تدوين كتاب (أصول الفقه)، حيث ينطبع الشيخ المظفر كثيراً بآراء أستاذه الشيخ الأصفهاني في الأصول والفقه والفلسفة وجرى على نهجه في البحث في كتابه هذا، حيث تبع منهجه في تبويب الأصول، كما يشير هو إلى ذلك في ابتداء الكتاب، كما تأثر بمبانيه الخاصة على ما يظهر ذلك من خلال كتابه الكبير ” أصول الفقه” فيما أنجز من هذا الكتاب.

وهناك مناهج أخرى هامة ساهمت في تطوير المنهجية الحديثة لعلم الأصول لا أتحدث عنها رغم أهميتها إيثارا للاختصار وهي:
1- منهجية المحقق النائيني “قدس سره”
۲- منهجية السيد الخوئي “قدس سره”

وإليك الآن شرح موجز للمناهج الثلاثة المتقدمة:

منهج الشيخ الأنصاري “قدس سره”
يقول الشيخ الأنصاري “قدس سره”، في بداية كتاب “فرائد الأصول”: اعلم أن المكلف إذا التفت إلى حكم شرعي فإما أن يحصل له الشك فيه أو القطع أو الظن، فإن حصل له الشك فالمرجع فيه القواعد الشرعية الثابتة للشاك في مقام العمل، وتسمى بالأصول العملية، وهي منحصرة في الأربعة؛ لأن الشك إما أن يلاحظ فيه الحالة السابقة أو لا.

وعلى الثاني فإما أن يمكن الاحتياط أو لا، وعلى الأول فإما أن يكون الشك في التكليف أو المكلف به، فالأول مجرى الاستصحاب، والثاني مجرى التخيير، والثالث مجرى أصالة البراءة، والرابع مجرى قاعدة الاحتياط.

وبعبارة أخرى: الشك إما أن يلاحظ فيه الحالة السابقة أو لا، فالأول مجری الاستصحاب، والثاني إما أن يمكن الاحتياط فيه أو لا، فالأول مجرى قاعدة الاحتياط، والثاني مجرى قاعدة التخيير.

وما ذكرنا هو المختار في مجاري الأصول الأربعة. وهو تنظیم جديد وجيد، وقائم على أساس علمي متين.
وعلى هذا الأساس استقر علماء الأصول في تنظيم أبحاث الأصول منذ عهد الشيخ الأنصاري إلى اليوم الحاضر.

وهذا التمييز بين الأدلة الاجتهادية والفقاهتية، وتبويب الأدلة على أساس منها مما يختص به فقهاء الإمامية المعاصرون منذ عصر الشيخ الأنصاري إلى الوقت الحاضر، وعندما نرجع إلى كتب الأصول للمذاهب السنية – المعاصرة منها والقديمة – لا نجد مثل هذا التفكيك، ونرى أنهم يذكرون هذه الأدلة في عرض واحد.

فالكتاب والسنة والإجماع يذكر في عرض القياس والاستحسان، وهما في عرض الاستصحاب والبراءة.

ملاحظات عامة على منهج الشيخ الأنصاري “قدس سره”

نشير هنا على نحو الاختصار إلى ملاحظتين تخصان منهج الشيخ الأنصاري ثم تعقبه بعد ذلك بملاحظة تعم المنهج الأول والثاني وهما نهج الشيخ الأنصاري وصاحب الكفاية.

أما التي تخص منهج الشيخ “قدس سره” فهي: أولا: تداخل الأقسام الثلاثة التي يقسم الشيخ “قدس سره” بموجبها كتابه (فرائد الأصول) … فإن المقصود بالظن لا محالة: الأعم من الشخصي والنوعي، ضرورة أن الأمارات لا تورث الظن الشخصي دائما، والمقصود بطنية الأمارات الأعم من الظن الشخصي والنوعي، فانها لدى غالب الناس توجب الظن دائما … وعليه فإن الأمارات تدخل في باب الشك والظن معا، في بعض الأحيان، بالاعتبار الشخصي والنوعي.

وثانيا: ليس كل مجاري الحجج والأدلة والطرق (الأمارات) من باب الظن، ولا كل مجاري الأصول العملية من موارد الشك.

فقد يكون المكلف شاكاً بالحكم، ولكن يقوم لديه دلیل معتبر شرعا، فيكون حجة عليه في الحكم الواقعي، ولا يجري فيه الأصل.

وقد يكون ظانا بالحكم الشرعي، ولكن لا يقوم لديه دلیل معتبر شرعا على حجية الطريق الظني، فيكون هذا المورد من مجاري الأصول العملية.

وعليه، فإن تثليث الأقسام بالطريق الذي ذكره الشيخ “قدس سره” لا يخلو عن مناقشة، وإن كان التفكيك بين الأمارات والأصول (الأدلة الفقاهتية والأدلة الاجتهادية)، على النهج الذي ذكره الشيخ “قدس سره”، انطلاقا من هذا التقسيم هو الصحيح، وهو الأساس الأول للمدرسة الحديثة في علم الأصول.

منهج المحقق الخراساني (رحمه الله):
وناقش المحقق الخراساني هذا التقسيم؛ لأن الظن ليس دائماً المساحة المخصصة للرجوع إلى الطرق والأمارات، كما أن الشك ليس دائماً المساحة المخصصة للرجوع إلى الأصول العملية.

فقد يرجع المكلف في مورد الظن إلى الأصول العملية لعدم وجود طريق معتبر، كما قد يرجع في مورد الشك إلى الأمارات لوجود طريق معتبر من ناحية الشارع، ولذلك فقد اقترح المحقق الخراساني “قدس سره” تثليث الأقسام بالطريقة التالية: (فالأولى أن يقال: إن المكلف إما أن يحصل له القطع أو لا، وعلى الثاني إما أن يقوم عنده طريق معتبر أو لا).

وفي هذا التقسيم يكون المعيار في الرجوع إلى الطرق والأمارات الطريق المعتبر، وإن كان المورد موردا للشك، ويكون المعيار للرجوع إلى الأصول العملية عدم وجود طريق معتبر من ناحية العقل أو الشرع، وإن كان المورد موردا للظن.

ملاحظة على منهجية المحقق صاحب الكفاية

وهذه المنهجية سليمة ولا تنقص من قيمتها العلمية المناقشة التي ذكرها المحققان العراقي والإصفهاني “قدس سرهما” على هذا التقسيم(1).

غير أن المحقق الخراساني “قدس سره” كان بصدد تنظیم بحث الحجج في الأصول وترتيبها وتقديم بعضها على بعض، ولم يكن بصدد تنظيم منهج عام لعلم الأصول ولذلك فإن هذا المنهج يصلح أن يكون منهجا لبحث الحجج، وهو ما خصص له الجزء الثاني من کتاب « كفاية الأصول» کما خصص له الشيخ “قدس سره” کتاب «الفرائد».

أما لو كان الشيخ وتلميذه صاحب الكفاية (رحمهما الله) يريدان وضع منهجية شاملة لعلم الأصول… فإن هذا التقسيم وتقسيم الشيخ “قدس سره” لا يخلوان عن نقاط للمناقشة.

ويكون للبحث عن القطع وأحكامه موضع آخر، ويكون منهج المحقق الأصفهاني والمحقق الخوئي والمحقق الشهيد الصدر (رحمهم الله ) أكثر استيعابا لأبحاث علم الأصول وقدرة على تنظيم مباحث هذا العلم، وإن كان أساس المدرسة الحديثة لعلم الأصول هو تقسيم الشيخ ومنهجه، على كل حال.

منهج المحقق الأصفهاني “قدس سره”
وميزة هذه المنهجية أنها شاملة لعامة مباحث هذا العلم، بينما المنهجيات السابقة تنظم فقط المباحث العقلية – لهذا العلم.

فإذا استعرضنا مثلا كفاية الأصول للمحقق الخراساني، نجد أن المجلد الثاني منها يتميز بمنهجية علمية منظمة، بينما المجلد الأول منه لا تنتظمه منهجية علمية دقيقة كالتي تنظم مباحث المجلد الثاني، وتتميز منهجية المحقق الأصفهاني بأنها شاملة ومستوعبة لكل مباحث هذا العلم وتنظم مباحث هذا العلم کما يقول الشيخ المظفر “قدس سره” في أربعة فصول وخاتمة.

الفصل الأول مباحث الألفاظ: وهي تبحث عن مداليل الألفاظ وظواهرها من جهة عامة نظير البحث عن ظهور صيغة (افعل) في الوجوب و ظهور النهي في الحرمة ونحو ذلك،

الفصل الثاني المباحث العقلية: وهي ما تبحث عن لوازم الأحكام في أنفسها ولو لم تكن تلك الأحكام مدلولة اللفظ، کالبحث عن الملازمة بين حكم العقل وحكم الشرع، وكالبحث عن استلزام وجوب الشيء لوجوب مقدمته المعروف هذا البحث باسم مقدمة الواجب، وكالبحث عن استلزام وجوب الشيء لحرمة ضده المعروف باسم مسألة الضد، و كالبحث عن جواز اجتماع الأمر والنهي، وغير ذلك.

الفصل الثالث مباحث الحجة: وهي ما يبحث فيها عن الحجية والدليلية كالبحث عن حجية خبر الواحد وحجية الظواهر وحجية ظواهر الكتاب وحجية السنة والإجماع والعقل وما إلى ذلك.

والفصل الرابع مباحث الأصول العملية: وهي تبحث عن مرجع المجتهد عند فقدان الدليل الاجتهادي، كالبحث عن أصل البراءة والاحتياط والاستصحاب ونحوها.

فمقاصد الكتاب – إذن – أربعة، وله خاتمة تبحث عن تعارف الأدلة وتسمى (مباحث التعادل والتراجيح) فالكتاب يقع في خمسة أجزاء إن شاء الله تعالى.

وقبل الشروع لابد من مقدمة بحث فيها عن جملة من المباحث اللغوية التي لم يستوف البحث عنها في العلوم الأدبية أو لم يبحث عنها.

وعلى هذه المنهجية يجري الشيخ المظفر في كتابه “أصول الفقه”.

المناهج الأخرى

ومن المناهج المعاصرة الأخرى : منهج السيد الخوئي، ومنهج الشهيد الصدر “رحمهما الله” (راجع المحاضرات للشيخ إسحاق الفياض “دام ظله” تقريراً لبحث آية الله الخوئي “قدس سره” 1 : 8 -6. وبحوث في علم الأصول للسيد محمود الهاشمي (رحمة الله عليه) تقريراً لبحث آية الله الشهيد السيد محمد باقر الصدر (رحمة الله عليه) 1 : 57 – 62.)

ولفقهائنا الأحياء حفظهم الله اقتراحات وتصورات جديدة وجيدة لتنظيم مباحث وأبواب علم الأصول لا يسعها المقام(راجع كتاب الرافد في علم الأصول للسيد منير خباز القطيفي 1 : 43 – 56، والأصول العامة للفقه المقارن لآية الله السيد محمد تقي الحكيم: 85 – 94.)

الهوامش
(1) راجع نهاية الأفكار للشيخ محمد تقي البروجردي، تقرير بحث المحقق العراقي 3: 5، ونهاية الدراية للمحقق الأصفهاني 3:2 الطبعة الحجرية.

المصدر: مقالة بعنوان” دور الشيخ المظفر في تطوير مناهج الحوزة العلمية كتاب أصول الفقه نموذجاً ” لفضيلة الشيخ أحمد كاظم البغدادي.

تحميل المقالة

موسوعة الشيخ محمد رضا المضفر – دور الشيخ المظفر في تطوير مناهج الحوزة العلمية كتاب أصول الفقه نموذجاً

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign

Clicky