الحسين

أهداف المشروع الحسيني / العلامة السيد منير الخباز

الاجتهاد: عندما نقرأ الروايات نجد تركيز غريب وشديد من الأئمة على الحسين “عليه السلام” أكثر من غيره، من الإمام الباقر وحتى الإمام العسكري”عليه السلام”، روايات كثيرة تركز على الحسين “عليه السلام” من بين الأئمة الآخرين، لماذا؟!

الإمام علي”عليه السلام” أفضل من الحسين “عليه السلام” وهو أبوه، والإمام الحسن “عليه السلام” سيد شباب أهل الجنة، لماذا التركيز على الحسين “عليه السلام”؟ عندما نقرأ الروايات الشريفة التي تحث على زيارة الحسين”عليه السلام”، عن الإمام الباقر”عليه السلام”: ”مروا شيعتنا بزيارة قبر الحسين فإن الإتيان لقبره يزيد في الرزق ويمد في العمر، ويدفع مدافع السوء“

وعن الإمام الصادق “عليه السلام”: ”إن قبر جدي الحسين روضة من رياض الجنة فزوروه“

وعن الإمام الكاظم”عليه السلام”: ”من زار الحسين عارفاً بحقه غفر الله له ذنوبه ما تقدم منها وما تأخر“

وعن الإمام الرضا”عليه السلام”: ”من زار الحسين بشط الفرات كان كمن زار الله في عرشه“.

هذه الروايات الكثيرة في زيارة الحسين “عليه السلام” لماذا؟ ما هي الميزة؟ لماذا لم تأتي هذه الروايات في زيارة الإمام علي”عليه السلام”، أو الإمام الحسن”عليه السلام” أو في زيارات بقية الأئمة “عليهم السلام”؟! لماذا الحسين”عليه السلام” ؟

أو عندما نقرأ روايات البكاء، يقول الإمام زين العابدين “عليه السلام”: ”من فاضت عيناه لقتل الحسين”عليه السلام” بوأه الله من الجنة غرفاً يسكنها أحقاباً“

والإمام الصادق”عليه السلام” يقول للفضيل بن يسار: يا فضيل أتجلسون وتتحدثون؟ قلت: بلى سيدي. قال: ”تلك المجالس أحبها فأحيوا فيها أمرنا، يا فضيل من ذكرنا أو ذُكرنا عنده ففاضت عيناه ولو بمقدار جناح ذبابه غفر الله ذنوبه“.

عن الإمام الرضا “عليه السلام”: ”يا ابن شبيب إن كنت باكياً فابك الحسين”عليه السلام”“.

وقال: ”من ذكر مصابنا فبكى وأبكى لم تبكِ عينه يوم تبكي العيون، ومن جلس مجلساً يُحيا فيه ذكرنا لم يمت قلبه يوم تموت القلوب“.

لماذا الحسين”عليه السلام”؟ معناه أن للحسين”عليه السلام” خصوصية وإلا لماذا هذه الروايات وهذا الحشد من الأحاديث في الحسين”عليه السلام”، ولأن معركة كربلاء ما سبقتها معركة ولا لحقتها معركة، معركة متميزة بكل الصور، معركة كربلاء جمعت أهداف لم تجمعها معركة قبلها، لا معركة بدر التي خاضها الرسول ولا معركة صفين التي خاضها الإمام أمير المؤمنين علي “عليه السلام”، معركة متميزة بكل المعاني،

ومن الأهداف التي جمعتها كربلاء هي:

الهدف الأول: أن يوم كربلاء يوم إعزاز للدين والمسلمين، لو خضع المسلمون ليزيد لكان إذلالاً لهم إلى يومنا الحاضر، أراد الحسين “عليه السلام”أن يبقى الإسلام عزيزاً وأن يبقى المسلمون بعزة، كما قال تعالى: ﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ﴾ [المنافقون: 8] ولو استدعى الأمر قتل النفوس وإراقة الدماء، وسبي النساء، وذبح الأطفال، عزة الإسلام أهم من ذلك كله، أراد الحسين أن يحتفظ الإسلام بعزته وكرامته وشرفه اللامع، فأقام هذه المعركة الدامية ولذلك قال: ”هيهات منا الذلة يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون“.

الهدف الثاني: تربية المجتمع الإسلامي على رفض الظلم والمطالبة بالعدالة، كيف يمكن للإيمان أن يربي المجتمع؟ أراد الحسين”عليه السلام” أن يربي المجتمع تربية عملية وسلوكية على رفض الظلم والمطالبة بالعدالة، فلذلك نادى بهذا النداء: ”ألا وإني لا أرى الموت إلى سعادة والحياة مع الظالمين إلا برما“ امتثالاً لقوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ﴾ [النحل: 90] وقال تبارك وتعالى: ﴿وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى﴾ [المائدة: 8] الحسين جسد المطالبة تجسيداً عملياً.

الهدف الثالث: الحفاظ على منصب الإمامة، منصب الإمامة ليس منصب بسيط، وهنا فرق بين المنهج العلوي والمنهج الأموي، المنهج العلوي يرى أن الإمامة منصب خطير جعله الله تبارك وتعالى لصفوة أوليائه في قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ﴾ [المائدة: 55] وقال رسول الله يوم غدير خم: ألست أولى بكم من أنفسكم؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال: فمن كنت مولاه فهذا علي مولاه اللهم والي من والاه وعادي من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله.

المنهج العلوي يرى أن الإمامة منصب من الله وهو منصب خطير لأهل البيت صلوات الله عليهم، بينما المنهج الأموي يقول أن الإمامة بالوراثة أو ببيعة مجموعة من الناس، أو بشورى مجموعة من الناس تتم الإمامة، إذن بين المنهجين بون شاسع، الحسين”عليه السلام” بإصراره على معركة كربلاء أراد أن يبين خطورة منصب الإمامة، ما قام الحسين”عليه السلام” بثورته إلا للحفاظ على منصب الإمامة، وما أطلق الحسين “عليه السلام”صرخته إلا لبيان أن منصب الإمامة منصب يستحق أن يصان وأنا لا يدنس ويلوث، لذلك قال : ”ولعمري ما الإمام إلا القائم بالقسط الدائن بالحق، الحابس نفسه على ذات الله“.

الهدف الرابع: فضيحة الجريمة الأموية، لو سكت الأئمة لما انتبه الناس إلى الجريمة التي ارتكبها الأمويون يوم كربلاء، أبادوا نسل النبي يوم كربلاء، لم يبق من آل الرسول إلى علي بن الحسين لأنه كان مريضاً، والحسن بن الحسن المثنى كان جريحاً فأخذه أخواله لرعايته وإلا جميع آل الرسول من الذكور قتلوا يوم عاشوراء، وهذا ما قاله الحسين بن علي صلوات الله عليه: ”ثم إنكم زحفتم على ذريته تريدون قتلهم، لقد استحوذ عليكم الشيطان فأنساكم ذكر الله العظيم“.

إذن أراد الباقر، والصادق والكاظم والرضا والهادي والعسكري “عليهم السلام”من الأحاديث الكثيرة التي تركز على الحُسين”عليه السلام” وعلى مظلوميته وزيارته فضح الجريمة الأموية، وأن لا ينساها التاريخ مدى الدهر؛ أن بني أمية ارتكبوا أعظم جريمة في كربلاء؛ وهي إبادة عترة النبي صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.

الهدف الخامس: كربلاء خلاصة الأنبياء والمرسلين والأوصياء، إذا قرأت زيارة الحُسين”عليه السلام”: «السَّلامُ عَلَيْكَ يا وارِثَ آدَمَ صَفْوَةِ الله، السَّلامُ عَلَيْكَ يا وارِثَ نُوحٍ نَبِيِّ اللهِ، السَّلامُ عَلَيْكَ يا وارِثَ إِبْراهِيمَ خَلِيلِ اللهِ، السَّلامُ عَلَيْكَ يا وارِثَ مُوسى كَلِيمِ اللهِ، السَّلامُ عَلَيْكَ يا وارِثَ عِيسى رُوحِ اللهِ، السَّلامُ عَلَيْكَ يا وارِثَ مُحَمَّدٍ حَبِيبِ اللهِ»

الحُسين ورث الأنبياء والمرسلين والأوصياء؛ أي أن كل معارك الأنبياء والأوصياء تجسدت يوم كربلاء؛ أي أن معركة كربلاء تطبيق عملي لكل القيم والأهداف التي طلبها الأنبياء والمرسلون تحققت يوم كربلاء.

 

المصدر: موقع العلامة السيد منير الخباز محاضرة بعنوان: تجليات القيم السامية في المشروع الحسيني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign

Clicky