الاجتهاد: ثلاثة مقرّبين من الشيخ الآخوند الخراساني ينقلون القصة التالية، ومفادها: حينما أفتى الشيخ الآخوند بوجوب تأييد “المشروطة” قرّر أحد تلامذته الفضلاء أن ينقطع عنه ويرتبط بالسيّد محمد کاظم اليزدي (صاحب العروة)، لكنّه لم يكتف بالانقطاع بل كان يسب الشيخ الآخوند ويلعنه!
وفي أحد الأيام أتى بعض أهالي بلد هذا الشخص إلى منزله، وكانوا من مريدي الآخوند ومقلّديه، جالبين معهم ثمانين سكة، وقد كان ذلك الطالب في وضع اقتصادي سيء، فقالوا له: نريد أن نذهب معك إلى الشيخ الآخوند لكي نأخذ منه إجازة بتسليمك هذا المبلغ.
بقي هذا الطالب حائرًا فهو من جهة أساء معاملة الشيخ، ومن جهة أخرى هو محتاج للمال، لكنّه في النهاية ضغط على نفسه وذهب إلى مجلس الآخوند وحينما شاهده الشيخ مع هؤلاء الأشخاص علم أنه لم يأت من أجل إبداء الاحترام، بل جاء لأنه محتاج، وبمجرد أن دخل عليه أكرمه واستقبله استقبالًا لافتًا وأجلسه إلى جانبه، وهمس في أذنه: بماذا يمكنني مساعدتك؟
فقال له: لقد جاء هؤلاء المؤمنون بثمانين سكة ويريدون أن يعطوني إيّاها بإجازتك والتفت مباشرة إليهم مشيرًا بأن يسلّموا كيس الأموال إلى الآخوند، ولما قرّبوها إليه قال لهم الشيخ الآخوند دون أن يمد يده إلى كيس الأموال: لماذا جئتم إليّ مع وجود هذا العالم الفاضل التقيّ، ألا تعلمون أنّ يده يدي، وأي قرار يتخذه فهو قراري، وقال لهم دون أن يلمس السكك ثانية، هي في خدمة الشيخ.
لكن أولئك الأشخاص حينما رأوا الشيخ الآخوند قد أبدى احترامًا كبيرًا لذلك الشيخ احتملوا أنه لم يعرفه فقالوا له: كيف حال السيّد الطباطبائي (اليزدي صاحب العروة؛ يريدون أن يذكّروه بالشيخ وعلاقته بقضية خلافه مع السيد اليزدي)، وكان الشيخ الآخوند في تلك اللحظة يريد أن يشرع في كتابة درسه، لكنه وضع الأوراق والقلم على الأرض وقال لهم: في طريق ذهابي إلى الدرس – أو عودتي منه – تشرّفت بخدمة آية الله السيد الطباطبائي ولقائه، وسألته عن أحواله، وكان بخير، ولله الحمد. وبعد أن انصرفوا من المجلس قام الشيخ الآخوند على غير عادته بوداع ذلك الشخص وتشييعه إلى عتبة الباب.
وبعد ذهابهم جميعًا التفت الشيخ الآخوند الخراساني إلى أصحابه (أفراد حاشيته) وقال لهم: إذا كنا نرى تأييد “المشروطة” واجبًا علينا فإنّ السيّد الطباطبائي [اليزدي] أيضًا يعتبر ذلك حرامًا، وهذا اختلاف في وجهتي نظر، كالاختلاف في سائر القضايا الجزئيّة، ولا معنى لأنّ تتدخلوا في الرأي بين فقيهين، ولا وجه حقّ لكم في ذلك، هو اختلاف نظر وحسب، فما هو مبرّر تدخلكم فيه؟
قالوا: مولانا إنّ هذا الشيخ الذي خرج الآن يلعنك! فكان جواب الشيخ: إنّني رجعت إلى الكتب الفقهية وبحثت فيها، فلم أجد من شروط استحقاق سهم الإمام (من الخمس) محبّة الآخوند الخراساني والميل إليه.
وبعد يوم من هذه القضيّة، كان جمع من أصحاب الآخوند، ومنهم المشايخ الثلاثة [الميرزا النائيني والشيخ ضياء الدين العراقي والشيخ عبد الحسين الرشتي] مجتمعين عنده، إذ دخل ذلك الشخص، وأبدى احترامه وشكره. لكنّ الشيخ انزعج من تصرفه، وقال له: مولانا، رأيك هو أن الطريق الذي نسلكه مخالف للواقع، ومسؤوليتك الدينيّة تحتّم عليك الالتزام بقناعتك، ولا يصح لك أن تتنازل عن قناعتك بسبب المبلغ الذي أعطيناك من الحقِّ الشرعيّ، وإنّني أعتبرك رجلا فاضلا تقيَّا، وما دمت كذلك في نظري فمن واجبي أن أستمرّ في محبّتك والعناية بك، وأنت أيضًا يجب أن تعمل وفقًا لقناعتك، وإنّ عليك مسؤوليّة شرعيّة وعليّ أنا مسؤوليّة شرعيّة، ولا ينبغي أن ندخل هذه الحسابات [الشخصية] في الالتزام بمسؤولياتنا.
لقد كان المرحوم الآخوند إنسانًا عجيبًا!
* القصة منقولة في كتاب يتحدّث عن شخصيّة الآخوند الخراساني بطريق في غاية الاعتبار، عن السيد محمود الشاهرودي نقلا عن الميرزا النائيني، وعن السيد عبدالله الشيرازي نقلا عن الشيخ ضياء العراقي، وعن الشيخ محمد الرشتي نقلا عن والده الشيخ عبد الحسين.
خاطرة مقتبسة من كتاب “جرعه ای از دریا“، للمرجع الديني آية الله السيد موسى شبيري الزنجاني حفظه الله، ج۱، ص ٥٢٣، بترجمة غير حرفية من “فضيلة السيد أمير كاظم العلي”.