من وحي عاشوراء الحسين (ع) يمكننا أن نستفيد جملةً من المبادئ التي تصلح كبِنْيةٍ معرفيّة وثقافيّة لحماية المجتمعات، على تعدُّدها وتنوُّعها، من الوقوع في فخِّ الاستلاب الفكري، أو الانهيار الدينيّ والسياسيّ والاجتماعيّ والاقتصاديّ والأمنيّ. بقلم: الشيخ محمد عباس دهيني
الاجتهاد: في خضم المواجهة الحضاريّة التي تعيشها الأمّة اليوم، ما هي أبرز المجالات المعرفيّة والثقافيّة التي يمكن استفادتها من كربلاء الحسين (ع)، وتوظيفها فيها؟
من شأن الحضارات أن تأتلف أو تختلف في جملةٍ من الأفكار والثقافات والمبادئ. لكنّه ليس ضروريّاً أبداً أن ينتهي الاختلاف بينها إلى قتالٍ دامٍ، أو اشتباكٍ إعلاميّ، أو أيِّ شكلٍ من أشكال المواجهة والتحدِّي.
من وحي عاشوراء الحسين (ع) يمكننا أن نستفيد جملةً من المبادئ التي تصلح كبِنْيةٍ معرفيّة وثقافيّة لحماية المجتمعات، على تعدُّدها وتنوُّعها، من الوقوع في فخِّ الاستلاب الفكري، أو الانهيار الدينيّ والسياسيّ والاجتماعيّ والاقتصاديّ والأمنيّ.
وبما أنّه لا يمكن الحديث عن جميع هذه المبادئ أختصر بالحديث عن ثلاثةٍ منها، وهي:
1ـ احترام الآخر: فمع الاختلاف الحاصل والظاهر بين الإمام الحسين (ع) وأنصار السُّلْطة الغاشمة آنذاك، الذين تجنَّدوا للدفاع عنها؛ رغبةً في مالٍ أو وظيفة أو منصب، أو رهبةً من سيف أو قَطْع عطاء، لم يكن(ع) ليتعاطى مع هؤلاء على أنّهم كفّارٌ خرجوا لقتال ابن بنت نبيِّهم، فلا طَمَعَ لهم بعد ذلك في جنَّةٍ أو رحمةٍ إلهيّة. فمثلاً: حين التقى بجيش الحُرّ بن يزيد الرياحي، وسايره في طريق كربلاء، وجاء وقت الصلاة، قال(ع) للحُرّ: «أَتصلّي معنا أم تصلّي بأصحابك وأصلّي بأصحابي؟»، ولم يحاول استفزازه بأنَّه لا صلاةَ لك؛ وأنت المفارِق لإمام المسلمين الشرعيّ.
2ـ استنفاد الجُهْد في هداية الآخر، وإقامة الحُجَّة عليه: ففي كلّ موضعٍ يحطّ به في سفره إلى كربلاء خطبةٌ يعِظ بها الناس، ويحذِّرهم من خِذْلانه، ويدعوهم إلى نُصْرته، ويبيِّن لهم مبادئ وأهداف ثورته، وأنّه هو جامع صفات الخليفة والوليّ، ووارث علم وحكمة النبيّ(ص). وحتّى في يوم عاشوراء لم يبدأهم بقتالٍ؛ عسى الله أن يهدي بعضهم، فينجو من أن يكون في عداد المقاتلين لسيِّد شباب أهل الجنّة.
3ـ رفض الظُّلْم، ومواجهة المُنْكَر، والسعي الكامل لاستنقاذ الناس من براثن الاستعباد المقنَّع، والمؤامرات المدبَّرة وصولاً إلى الانهيار الدينيّ والسياسيّ والاجتماعيّ والاقتصاديّ والأمنيّ. فإنّ يزيد ـ كما يصفه الإمام الحسين(ع) نفسه ـ فاسقٌ، وشاربٌ للخَمْر، وقاتلٌ للنفس المحترمة، ومُعْلِنٌ بالفِسْق في ما يشبه الاستحلال له، وكأنَّه يريد أن يكوِّن وَعْياً مجتمعياً لا يرى فيه بأساً، ولو صدر من الخليفة أو الحاكم، مثلُ هذا الشخص لا يمكن السكوت عنه، ولا بُدَّ من مواجهته، مهما غَلَتْ التضحيات.