قسمت الكتاب إلى قسمين: القسم الأول: في ملاحظات منهجية عامة تتصل بمجمل أضلاع المعرفة الدينية الإسلامية، بقطع عن هذا العلم أو ذاك. القسم الثاني: ملاحظات منهجية خاصة، أي حاولت هنا الاقتراب أكثر من بعض العلوم، فقسمت البحث إلى قسمين: علوم غير نقلية كالكلام والعرفان، وعلوم نقلية كالفقه والأصول والحديث، مقدماً جملة ملاحظات حول المنهج، إضافة إلى جملة اقتراحات متواضعة.
موقع الاجتهاد: يأخذ بنا الباحث والمفكِّر الإسلامي حيدر حب الله، في كتابه «مسألة المنهج في الفكر الديني… وقفات وملاحظات»، إلى نتيجة خلاصتها أن المنهج النقدي هو القادر على أن يرينا ما يربط الأخطاء ببعضها. كما يتيح لنا الكتاب فرصة الوقوف على ما تحقق على أيدي عدد من المفكرين العرب والمسلمين في تعاطيهم مع القضايا والمفاهيم والإشكالات التي ترتبط بالثقافة الإسلامية أولاً، والفكر الإسلامي ثانياً، بتعميقهم لطرق تفكير وأساليب لم تتأتَّ إلا باستجواب ومساءلة كثير مما ظلَّ قاراً من طرق التفكير وأساليبه، ولزوم طرق أيضاً بالتشكيك في محصلات بعض ما يُظن أنها فاعليات في ذلك الفكر.
حب الله الذي جمع بين التحصيل العلمي الحوزوي، إلى جانب التحصيل الأكاديمي، استفاد من الأخير استفادة كبيرة بالمنهجية والتحليل فيما يشتغل عليه في فضاء الثقافة والفكر الإسلامي، بحيث جاءت معظم كتبه شاقَّة على الذين اعتادوا المعالجات التي كثيراً ما يُعاد إنتاجها.
يوضح حب الله بأن مقولة المنهج تنتمي إلى الشأن المعرفي من علم الفلسفة، لا إلى الشأن الوجودي، منوهاً إلى جهود عدد من الأسماء الكبيرة في هذا المجال من بينها الإيراني عبدالكريم سروش، والجزائري محمد أركون وغيرهما؛ ما مهد إلى حصول تراجع في البحث الوجودي الأنطولوجي من الفلسفة، تلك التي تبدَّت الاهتمامات به في الحقبة الماركسية.
في الكتاب الذي بين أيدينا، يبدأ حب الله بالإشارة إلى أن مسألة المنهج، أو المحاور التي تلامسه، تحتفظ في العميق من أهميتها لسببين:
الأول، يمهد له بمفترقات الطرق التي تواجهها الأمة، وبالتالي حاجتها إلى نظريات في المنهج «أكثر من نظريات جزئية في هذه الفتوى أو تلك»، لأن المنهج في التفكير والممارسة؛ بحسب تعبيره، هو الذي يضيء للأمة سبيل العمل للتفكير في تلك الحلول أو المنعطفات الجزئية. ذلك المفترق يتطلب من مفكِّري الأمة درساً للمنهج «وبجدِّية عالية»، علاوة على رصد لمصادر المعرفة من جديد.
الثاني، وقد تمت الإشارة إليه سريعاً بداية هذا الاستعراض ويتحدد في أن المنهج النقدي هو القادر على أن يرينا الخيط الرفيع الذي يربط تمام الأخطاء ببعضها، ويقودنا إلى مركز الخلل لكي نقوم بإصلاحه، ويسبق تقريره هذا إشارته إلى أنه في كثير من الأحيان، قد لا تبدو عناصر الالتقاء بين أخطاء عديدة في علوم مختلفة.
الكتاب، ومن خلال فهم مؤديات ومسار الأبحاث المتفرقة فيه، ليس دراسة شاملة وبنيوية لموضوع المنهج، بل هو كما أسماه «أوراق في المنهج»، من خلال ما يقدمه من تصورات. تلك مسألة. مسألة أخرى أن الكتاب نفسه يختص بمسالة المنهج في الفكر الديني الإسلامي فقط، ولا يتجاوزه.
من الامور التي طرحها الشيخ حب الله هو التناقض المنهجي الموجود بين اليقين الذي ينتجه المنطق الارسطي عادة والامور التي تكون ضرورية لوجود حوار بين شخصين.. فان اليقين الارسطي يحكم بثبوت شيء لشيء واستحالة انفكاكه عنه.. يمعنى ان اثبات قضية ما بالمطنق الارسطي تلقائيا يؤدي الى نفي القضايا المخالفة، فيما الحوار يتطلب من الطرفين ان يعترفو بامكانيةالصحة في الطرف المخالف ولو كانت هذه النسبة ضئيلة والا فلا جدواية من مثل هذه الحوارات. من هنا سجل الشيخ ملاحظات على هذا النوع من اليقين واقترح استبداله بيقين استقرائي يعترف باحتمال الخطأ ولو بشكل اجمالي
طرح تساؤلات عديدة حول المنهج العرفاني ولعله كان هذا من افضل الفصول في هذا الكتاب نفسه.. ان العرفان يعاني من اشكالية عويصة وهو تقديم العرفان مبررات منهجية تكشف عن قدرة هذا العلم لكشف الواقع فان مجرد القول بان العرفان طريق اعلى وارقى من سواه لا ينفع كثيرا.. بل هذا يكون مصادرة على المطلوب.. وما حصل من عقلنة المنهج العرفاني على يد الحكمة المتعالية لا يعني صحة المنهج كما ذكر الشيخ فان النتيجة وان كانت صحيحة عقليا لا يعني بالضرورة ان المنهج الذي اعطانا تلك النتيجة كان صحيحا.
كما وقد أرفقت مع الكتاب في آخره، بضعة من الحوارات التي أجرتها معي بعض الصحف والمجلات و.. في إيران والعالم العربي، تتميماً للفائدة.
التصنيف
جعفر الجمري صحيفة الوسط
تحميل بصيغة pdf