ان الحاق الاباحة بالاحكام التكليفية، لم يلحظ فيها انها في ذاتها تتضمن تكليفا او لاتتضمن، وانما لوحظ فيها فعل المكلف؛ اذ ان غالب فعل المكلف هو تكليف. فالحقت الاباحة بالمعنى الاخص بالاحكام التكليفية تغليبا، اي: لغلبة التكليف في فعل المكلف، مع لحاظ فعل المكلف.
خاص الاجتهاد: لقد قسّم الاصوليون الاحكام التكليفية الى خمسة احكام، هي: 1- الوجوب 2- الحرمة 3- الاستحباب 4- الكراهة 5- الاباحة. وقسّموا الحكم الشرعي الى قسمين وهما: الحكم الوضعي والحكم التكليفي، ومن امثلة الحكم الوضعي، الزوجية، والملكية، والصحة، والفساد، والبطلان.
وعرّف بعض الاصوليين الحكم التكليفي بانه:( خطاب الله المتعلق بافعال المكلفين طلبا أو تخييرا)، واضيفت لفظة تخييرا؛ حتى تكون الاباحة قسما خامسا من اقسام الحكم التكليفي، والاّ لو قلنا ان تعريف الحكم التكليفي هو: (خطاب الله المتعلق بافعال المكلفين طلبا)، لدخل الواجب والمستحب؛ لانهما داخلان تحت عنوان الطلب اي: طلب الفعل، ولدخل كذلك الحرام والمكروه ؛ لانهما داخلان تحت عنوان الطلب، اي: طلب الترك .
يدخل المستحب لانه مطلوب فعله، وان كان الطلب بدرجة اضعف من درجة الطلب في الواجب، ويدخل المكروه؛ لانه مطلوب تركه، وان كان الطلب بدرجة اضعف من الحرام.
وهذا التعريف للحكم التكليفي باعتباره: (خطاب الله المتعلق بافعال المكلفين طلبا او تخييرا)، يرد عليه اشكال عدم المانعية، اي عدم مانعية التعريف من دخول الاغيار؛ لانه سيدخل في التعريف الاباحة بالمعنى الاعم.
ولتوضيح المسالة اكثر نقول: أن الاباحة على نوعين: اباحة بالمعنى الاخص، وتكون في قبال الاحكام التكليفية الاربعة: الوجوب والحرمة والاستحباب والكراهة، اي: ان الاباحة بالمعنى الاخص، هي الحكم الخامس من الاحكام التكليفية: (وجوب، حرمة، استحباب، كراهة، اباحة)، واما الاباحة بالمعنى الاعم فهي: الاحكام التي رخص الشارع بفعلها او تركها، وهي: (الاستحباب، الكراهة، الاباحة بالمعنى الاخص)، فالمستحب مرخص بتركه، والمكروه مرخص بفعله، فكلمة (أو تخييرا) ستدخل الاباحة بالمعنى الاعم، لانها احكام ترخيصية؛ فيكون التعريف غير مانع من دخول الاغيار.
التبريرات في جعل الاباحة بالمعنى الاخص من اقسام الحكم التكليفي
الاباحة منطقة مصفرة، وخالية من التكليف، فكيف صارت قسما خامسا من اقسام الاحكام التكليفية؟، هناك تبريرات قدمها الاصوليون لهذه المسالة منها:
1- قال البعض: ان الاباحة ليست حكما تكليفيا، اذ ان التكليف ماخوذ فيه الكلفة والمشقة، ولاكلفة ولامشقة في الاباحة، وانما ادخلت في الاحكام التكليفية من باب التسامح.
وهذا التبرير لايقدم سببا مقنعا ومقبولا؛ اذ بامكان اي شخص حينما لايقدم رؤية مقبولة في تفسير الاشياء، ان يلجا الى مقولة التسامح والمسامحة.
2- وقال بعض الافاضل: (ان الواجب والحرام حكمان تكليفيان بدلالة المطابقة، اما المستحب والمكروه والمباح فتلحق بهما بدلالة التضمن اوالالتزام). وهذا الراي لايحل اشكالية كون الاباحة منطقة مصفرة تماما، وخالية من اي تكليف، فلا تكليف في البين، فكيف تدرج، وتلحق بالاحكام التكليفية ؟
3- وهناك راي يقول: ان سبب الحاق الاباحة بالمعنى الاخص بالاحكام التكليفية، هو التغليب، اي: ان الاباحة بالمعنى الاخص الحقت من باب الغلبة، وهذا التبرير فيه من المعقولية استنادا الى اعتبارت اللغة، ولكنه لايحل الاشكالية، اشكالية، ان الاباحة منطقة فارغة وخالية من اي تكليف .
4- الراي المختار: هو ان الحاق الاباحة بالاحكام التكليفية، لم يلحظ فيها انها في ذاتها تتضمن تكليفا او لاتتضمن، وانما لوحظ فيها فعل المكلف؛ اذ ان غالب فعل المكلف هو تكليف
فالحقت الاباحة بالمعنى الاخص بالاحكام التكليفية تغليبا، اي: لغلبة التكليف في فعل المكلف، مع لحاظ فعل المكلف .
وانما نقول: بلحاظ فعل المكلف، لان الافعال القسرية التي تصدر من الجمادات، وافعال التنفس والنمو والاحساس في النباتات، وافعال الحيوانات، كل هذه الافعال لاتدخل، ولايمكننا ادراجها ضمن الاحكام التكليفية؛ لانها ليست افعال مكلفين. وكذلك افعال الله تعالى، لاتدخل ضمن دائرة الافعال التكليفية؛ لانه تعالى مكلف بكسر اللام لامكلف بفتحها.
وخلاصة القول: ان الراي المختار الذي اميل اليه، ان ادراج الاباحة بالمعنى الاخص ضمن الاحكام التكليفية، انما هو بلحاظ فعل المكلف.
ويقول السيد عادل علوي في هذا المجال: التكليف من المعاني المشتركة فما يقال في تكليف العباد من الأفعال التي فيها كلفة ومشقّة وهي الواجبات في إتيانها والمحرّمات في تركها فكانت من التكاليف الشرعيّة، وهذا التكليف غير التكليف الذي يقال في كون الاباحة أو إصالة الجواز حكماً تكليفيّاً، فانّه ناظر إلى الحكم لا إلى فعل العبد المكلّف وهو يعني انه ممّا ثبت شرعيّته بحكم شرعي، فان اصالة الاباحة حكم تكليفي، أي الشارع أمضى هذا الأصل للمكلّفين عند عدم الدليل، فالأصل الاباحة والجواز، وتارة يطلق الحكم التكليفي في قبال الحكم الوضعي، فان الصحّة والبطلان، والطهارة والنجاسة مثلاً، من الأحكام الوضعيّة التي تقع موضوعاً لحكم شرعي.
ولكن الصلاة والصوم وما شابه من الأحكام التكليفيّة، والحكم التكليفي بدلالة المطابقة هو الواجب والحرام، ويلحق بهما بالتضمن أو الالتزام المستحبّ والمكروه والمباح فتدبّر.