الفتوى

نظام الفتوى عند الشيعة الإمامية في منطقة الخليج .. محمد المحفوظ

الاجتهاد: ثمة موقعية مركزية تحتلها المؤسسة المرجعية في المجتمعات الإسلامية – الشيعية، بوصف هذه المؤسسات هي المعنية بترتيب الحياة الدينية في المجتمع، والدفاع عن قضاياه الجوهرية، لذلك على المستوى التاريخي كان لنظام المرجعية أدوار ووظائف عديدة، من الفتوى وبيان الأحكام الشرعية للمكلفين، إلى صياغة مفاهيم الإسلام العامة، وصولاً إلى التصدي لشؤون المجتمع العامة..

وبفعل هذه المركزية نستطيع القول: أن نظام المرجعية وطبيعة خياراته الثقافية والسياسية، يحدد إلى حد بعيد، طبيعة المجتمع الشيعي في خياراته الراهنة.. فإذا كانت المرجعية ثورية فإن هذا الخيار سينعكس عبر وسائل وآليات عديدة على المجتمع وخياراته المتعددة.. أما إذا كانت المرجعية تقليدية وبعيدة عن التصدي المباشر للشأن العام، فإن تأثير هذا الخيار سينعكس بدوره على طبيعة تعاطي نخب المجتمع مع شؤونه العامة..

ولكون النظام المرجعي في التجربة الشيعية – الإمامية، متعدد ومتنوع، وله وظائف مركزية على مستوى التجربة التاريخية، فإننا سنتحدث حول جانب واحد من جوانب هذه العلاقة والتأثير فيها ألا وهو إصدار الفتاوى الشرعية، مع تتبع تاريخي لهذه التجربة المرجعية في البيئة الاجتماعية في منطقة الخليج.. أي في المجتمعات الشيعية الخليجية.

مع إدراكنا التام أن نظام المرجعية – الشيعية لا يمكن اختزاله في حركة الفتوى الشرعية مع العلم أن هذه الحركة «أي إصدار الفتاوى وتأليف ما يسمى الرسالة العملية» هو أحد الأدوار الأساسية التي تربط المرجع الديني بالمجتمع والعكس.. إذ إن للمجتهد والمرجع وظيفتان أساسيتان.

الأولى: إصدار الفتاوى المطابقة لرأيه للراغبين في الرجوع إليه وتقليده والعمل بفتواه..

الثانية:  الحكم بين الناس، وذلك في مقام التقاضي عنده في الخصومات والمنازعات، أو في مقام الرعاية للأمور الحسبية، مثل الأوقاف والقاصرين ونحوهما، أو في مقام التصدي للقضايا العامة للأمة فيما لو صار في موقع الحكم والولاية العامة..

ويقرر علماء الإمامية أنه «يكفي في جواز تصدي المجتهد للفتوى اعتقاده بأهليته واجتماع الشروط فيه» [1] .. من دون أن يتوقف الجواز على شهادة الناس فيه.. نعم لا يكفي في تقليد غيره له شهادة المجتهد بنفسه، إلا أن يحصل منها العلم أو الاطمئنان بمضمونها، وإلا فلا بد من الاعتماد في معرفة اجتهاده على شهادة الخبراء..

المدرسة الفقهية – الإمامية في الخليج:

تاريخياً وفكرياً حين الحديث عن الشيعة الإمامية ودورهم الفقهي والفتوائي، فإن حواضر هذه المدرسة الأساسية هي البحرين «جزيرة أوال» ومنطقة القطيف «الخط» تاريخياً ومنطقة الأحساء «هجر» تاريخياً.. فإن هذه المناطق الثلاث، هي التي برزت كحواضر علمية – شيعية، وترعرع فيها العديد من العلماء والفقهاء والدعاة..

والملاحظة التاريخية الأساسية على هذا الصعيد هي أن حضور فقهاء هذه المناطق، كان لهم حضورهم العلمي في كل الأدوار والمراحل التي مرت بها المؤسسة الدينية الشيعية منذ أيام مدرسة بغداد في القرن الخامس الهجري حتى وقتنا الراهن..

وكان هذا الحضور يتفاوت، تبعا إلى طبيعة الظروف السياسية والثقافية السائدة.. فإذا كانت الأوضاع السياسية مستقرة، فإن حضور علماء وفقهاء هذه المناطق يبرز ويتميز، أما إذا كانت الأوضاع السياسية مضطربة، فإن هذا الإضطراب ينعكس سلبا على الحياة العلمية لهذه المناطق..

وكانت الحاضرة الدينية – الشيعية في البحرين هي الأبرز تاريخيا بين المناطق الثلاث.. ولقد تعرضت هذه المؤسسة لمشاكل سياسية وحروب راح ضحيتها الكثير من أعلام الإمامية مما اضطر الكثير منهم إلى الهجرة إلى القطيف وإيران والعراق، كما حصل ذلك أثر غزو اليعاربة العمانيين عام «1130 هـ – 1718م» وقد عرف من هذه المناطق الكثير من العلماء والمجتهدين الذين يمارسون دور الإفتاء الديني.

ففي القرن الخامس الهجري عرف الفقيه ابن أحمد البحراني الذي يروي عنه محمد بن محمد البصروي المتوفى سنة «443 هـ /1051م» والفقيه الشيخ إبراهيم بن الحسين بن إبراهيم المتوفى سنة «669 هـ / 1271 م»، والشيخ كمال الدين ميثم بن علي الفيلسوف المحقق «636 – 699 هـ / 1239 – 1300م»، وأستاذ نصير الدين الطوسي والشيخ أحمد بن فهد الأحسائي..

كما تولى بعضهم منصب شيخ الإسلام ومناصب متعددة في القضاء أبان الدولة الصفوية أمثال: الشيخ سلمان الماحوزي «ت 1121 هـ – 1709 م» والشيخ عبد الله السماهيجي «ت 1135 هـ – 1723م»

والشيخ يوسف البحراني «ت 1186 هـ – 1772 م».. والشيخ إبراهيم بن سلمان القطيفي المشهور بالفاضل القطيفي «ت 945 هـ» وصاحب السجالات العلمية مع المحقق الكركي، والشيخ حسين القديحي «ت 1387 هـ»، والشيخ علي أبو الحسن الخنيزي «1291 – 1363 هـ / 1874 – 1944م» وهو من علماء منطقة القطيف الكبار، وتحمل فيها مسؤولية القضاء ويعد باعث النهضة العلمية في القطيف وصاحب كتاب الدعوة الإسلامية إلى وحدة السنة والإمامية الصادر عام 1956 م، وكتاب روضة المسائل في إثبات أصول الدين بالدلائل الصادر في عام 1949 م، وكتاب المناظرات الذي حققه الشيخ عبدالله الخنيزي وهو أحد علماء القطيف وتحمل فيها مسؤولية القضاء وأثرى المكتبة الإسلامية بالعديد من الدراسات والأبحاث الجادة.

والشيخ محمد بن إبراهيم بن أبي جمهور الأحسائي «ت 930 هـ»، والشيخ محمد صالح المبارك الصفواني «1318 – 1394 هـ / 1898 – 1974 م» وهو من الشخصيات الدينية الذي تبوأ موقع القضاء في منطقة القطيف، وله كتاب يدعو فيه إلى التآلف بين السنة والشيعة واسمه «الدعوة إلى كلمة التوحيد»، والشيخ فرج العمران «ت 1978م»، والشيخ حسن علي البدر القطيفي «1278 – 1334 هـ / 1878 – 1934م» صاحب الفتوى الشهيرة في نصرة الثورة الليبية أيام المجاهد عمر المختار، والشيخ علي أبوعبدالكريم الخنيزي «ت 1362 هـ»،

والشيخ محمد علي الخنيزي «ت 1382 هـ»، والشيخ عبدالحميد الخطي «ت 1422 هـ»، والشيخ محمد الهاجري «ت 1425 هـ»، والشيخ باقر بو خمسين «ت 1413 هـ»، والشيخ عبدالمجيد أبوالمكارم «ت 1423 هـ»، وغيرهم من العلماء والفقهاء الذين كانوا يمارسون دورهم الديني والاجتماعي، ويجيبون على أسئلة الناس الشرعية، ويعرفونهم بقيم وتاريخ الإسلام..

المدارس الفقهية لدى شيعة الخليج:

لعل من الأخطاء الشائعة التي ترتكب بحق المجتمعات الشيعية، هو التعامل معهم بوصفهم أهل رأي وميول واحدة سواء على الصعيد الديني أو السياسي، مما ساهم في تثبيت الرؤية النمطية على الشيعة ومجتمعاتهم.. ولكنهم في حقيقة الأمر كبقية المجتمعات الإنسانية، هم متنوعون فقهيا وثقافيا واجتماعيا، ولديهم توجهات دينية متعددة..

وعلى الصعيد الفقهي – العقدي ثمة ثلاث مدارس أساسية لدى شيعة الخليج وهذه المدارس هي كالتالي:

1 – المدرسة الأصولية:

وتعد هي الاتجاه العام لدى الشيعة الإمامية في كل أمصارهم ومجتمعاتهم.. وهو الاتجاه الذي يعتبر أن مصادر التشريع أربعة «الكتاب والسنة والعقل والإجماع».. وإن مهمة المجتهد لا تنحصر في نقل الحديث وروايته، وإنما تتعداه إلى وضع آليات علمية في نقد وتحليل الروايات، وتطوير أصول وقواعد عملية استنباط الحكم الشرعي..

وبفضل هذه المدرسة عرف الفقه الشيعي علم أصول الفقه «وأصبح عصا المجتهد يتوكأ عليها لئلا تزل قدم المجتهد وهو يحاول فهم استنباط الأحكام.. وتشهد على ذلك تصانيف فقهاء هذه المرحلة الأصولية نظير الشيخ المفيد والشريف المرتضى والشيخ الطوسي من جملتها التذكرة بأصول الفقه للشيخ المفيد، والذريعة إلى أصول الشريعة للشريف المرتضى وعدة الأصول للشيخ الطوسي..

وقد أخذت هذه المدرسة بيد الفقه إلى آفاق المباحث العقلية الرحبة، وتفريع الفروع المختلفة على غرار المدارس الفقهية الأخرى، بعد أن كان يدور في حلقة ضيقة لا يتجاوزها إلى أبعد من نقل الأحاديث والروايات» [2] .

وزخرت من جراء عطاءات العلماء والمجتهدين الأصوليين أروقة الحوزات والحواضر العلمية بآراء المدرسة الأصولية.. وبفعل وجود علماء ومشايخ من مجتمعات الخليج تدرس في هذه الحوزات، فإنها أيضا حملت توجهات وآراء المدرسة إلى الحواضر الشيعية في منطقة الخليج ..

وأضحت هذه المدرسة بكل حمولتها الفقهية والعلمية وآليات عملها تجاه النص الشرعي واستنباط الحكم الشرعي، هي السائدة في مجتمعات الشيعة في منطقة الخليج.. وتزخر مؤلفات أبناء منطقة الخليج من العلماء خلال حقب التاريخ المديدة، على شروحات علمية تفصيلية لأهم المتون العلمية التي ألفها أساطين المدرسة الأصولية.. ويعد الشيخ محمد باقر أحمد الملقب بالوحيد البهبهاني «ت 1205 هـ» هو العالم الذي دشن عبر تصانيفه الفقهية والعلمية مرحلة صعود المدرسة الأصولية على حساب المدرسة الإخبارية..

وأغلب المجتمعات الشيعية في الخليج اليوم، هي تعود إلى المدرسة الأصولية، كما أن غالبية علماء الدين المعاصرين هم ضمن هذه التصنيفات العلمية هم علماء أصوليون..

2 – المدرسة الأخبارية «1030 – 1185 هـ»:

«كان مطلع القرن الحادي عشر مسرحا للتيارات الفكرية المختلفة، ضمن مكب على العلوم الطبيعية كالنجوم والرياضيات والطب ومعيارها التجربة، إلى آخر متوغل في الحكمة والعرفان والمعارف العقلية التي لا تدرك إلا بقسطاس العقل، إلى ثالث مقبل على علم الشريعة كالفقه والأصول ومبادئهما» [3] .

في ظل هذه الأجواء والتيارات الفكرية المتعددة، نشأت المدرسة الإخبارية والتي انتصرت للعلوم النقلية، ويعتبر “الشيخ محمد أمين بن محمد شريف الاسترابادي” هو مؤسس هذه المدرسة الفقهية وبالذات في كتابه الموسوم ب «الفوائد المدنية» الذي ألفه في المدينة المنورة.. ويمكن تلخيص أهم المبادئ والأفكار التي جاء بها الكتاب في النقاط التالية:

1 – عدم حجية ظواهر الكتاب إلا بعد ورود تفسير عن أئمة أهل البيت، لما ورد من الأحاديث الناهية عن تفسير القرآن بالرأي..

2 – نفي حجية حكم العقل في المسائل الأصولية وعدم الملازمة بين حكم العقل والنقل..

3 – نفي حجية الإجماع من دون فرق بين المحصل والمنقول..

4 – إدعاء قطعية صدور كل ما ورد في الكتب الحديثة الأربعة من الروايات لاهتمام أصحابها بتلك الروايات، فلا يحتاج الفقيه إلى دراسة إسنادها أو تنويعها..

5 – التوقف عن الحكم إذا لم يدل دليل من السنة على حكم الموضوع، والاحتياط في مقام العمل..

أما على المستوى الاجتماعي، لقد لاقت هذه المدرسة قبولا في منطقة الخليج، وتعتبر البحرين أحد المراكز المهمة على المستوى الإسلامي التي تتبنى المدرسة الإخبارية.. بمعنى أن البحرين تاريخيا تبنى الكثير من علمائها المدرسة الإخبارية، وبرز فيها الكثير من العلماء الذين ساهموا في التعريف بهذه المدرسة.

ويعد الشيخ “علي بن سلمان بن حسن بن سليمان البحراني القديحي” الملقب ب «زين الدين» هو أول من نشر علم الحديث في البحرين، وقد كان قبله لا أثر له ولا عين، وكتب الحواشي والقيود على كتابي التهذيب والاستبصار، ولشدة ملازمته للحديث وممارسته له اشتهر في ديار العجم بأم الحديث..

وثمة مؤلفات علمية عديدة أصدرها علماء البحرين، تعد إضافة علمية في المدرسة الإخبارية فالسيد هاشم بن سلمان التوبلي «ت 1107 هـ» أصدر كتاب «معالم الزلفى في النشأة الأخرى» وكتابه الآخر «غاية المرام» و«تنبيهات الأديب في رجال التهذيب»، والشيخ سليمان بن عبد الله البحراني «ت 1121 هـ» صاحب كتاب «الأربعين في الإمامة».

ويعد الشيخ يوسف البحراني «ت 1186 هـ» من أبرز علماء البحرين الذي ترك تراثا علميا وفقهيا أثرى به المدرسة الإخبارية. وتعد موسوعته الفقهية المعنونة ب «الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة» من الموسوعات الأساسية في الفقه الإمامي إلى هذه الفترة من الزمن..

وبعيدا عن السجال العلمي والفقهي الذي ساد في حقب تاريخية سابقة بين المدرسة الأصولية والإخبارية، فإننا نعتقد أن هذه المدرسة بأقطابها العلمية خلال قرنين من الزمن تمكنت من إثراء المكتبة الإسلامية – الإمامية بمئات الكتب والموسوعات الفقهية والحديثية، التي ساهمت في تطوير الفقه الشيعي وإثرائه..

أما على مستوى القطيف فكان لهذه المدرسة أيضا حضور علمي واجتماعي، وتعد مدينة سيهات من محافظة القطيف في حقبة تاريخية سابقة هي عاصمة المدرسة الإخبارية.. ويعد الشيخ عبد المجيد أبو المكارم «ت 1423 هـ» من أبرز علماء هذه المدرسة في منطقة القطيف.

ولكي تتضح الرؤية في هذا السياق، من المهم الإشارة إلى أهم الفروق العلمية والمنهجية في عملية الاستنباط والرؤية إلى النص الشرعي بين المدرسة الأصولية والمدرسة الإخبارية. وأهم هذه الفروقات هي التالي:

1 – ” المجتهد يرى أن الاجتهاد بالنسبة للفقيه أمر لازم وضروري إجمالا، أما الإخباري فيرى أنه محض ابتداع ويفتي بحرمته.

2 – المصادر الفقهية عند المجتهد هي الأدلة الأربعة: الكتاب والسنة والإجماع والعقل، أما الإخباري فيقف عند القرآن والسنة – أحاديث الرسول الكريم – باعتبارهما أدلة فقهية معتبرة، ويرفع الحجية عن الدليلين الآخرين.

3 – يجيز المجتهد بصورة عامة الأخذ بالظنون والعمل بها فيما يتعلق بأحكام الشرع، بينما لا يأخذ الإخباري إلا بالعلم بالحكم، والعلم عند الإخباري على وجهين: الأول علم قطعي حقيقي والثاني علم عادي وأصلي.. وكأن العادي عند الإخباري هو ظن المجتهد، وأن النزاع لا يعدو كونه نزاعا لفظيا..

4 – يقسم المجتهد أخبار الآحاد إلى أربعة أقسام هي: صحيحة وحسنة وموثوقة وضعيفة، أما الإخباري فيقسمها إلى قسمين: صحيحة وضعيفة..

5 – تعريف المجتهد لأقسام الخبر الأربعة ورد في كتب أصول الفقه والحديث – والذي سنشير إليه في مقطع لاحق – بينما الإخباري يعرف الخبر الصحيح بالقول: الحديث الصحيح خبر يفيد علما بالاقتران، ويؤدي إلى العلم بصدوره عن المعصوم، ويقول عن الحديث الضعيف بأنه: كل خبر يفتقد إلى شروط الصحة..

6 – يصنف المجتهد الناس إلى صنفين: مجتهد ومقلد، أما تصنيف الإخباري فهو: على الناس جميعا تقليد المعصوم ، وأن تقليد المجتهد في غياب حديث صحيح وصريح على الحكم، أمر محرم.

7 – تحصيل الاجتهاد في زمن الغيبة بحسب مدرسة المجتهدين واجب ضمن شروط، وفي زمن الحضور يرى وجوب أخذ الحكم عن المعصوم ، بينما يرى الإخباري وجوب أخذ الحكم عن المعصوم مطلقا، في زمن الغيبة والحضور، مع الفرق أن في زمن الغيبة يتم أخذ الحكم عن طريق الرواة.

8 – يجيز المجتهد الإفتاء والاطلاع بالأمور الحسبية للمجتهد حصرا، ويقصر الإخباري هذين الأمرين في الرواة عن المعصوم الذين لهم إحاطة بالأحكام الشرعية.

9 – بحسب مدرسة الاجتهاد، يستطيع المجتهد المطلق التفريع في الأحكام الشرعية في ظل الاجتهاد فقط، والإخباري يقول: لا يحيط بأحكام الله سوى المعصوم.

10 – تشترط مدرسة الاجتهاد تعلم المجتهد بعض العلوم وفي طليعتها علم أصول الفقه لبلوغ مرتبة الاجتهاد، لكن المدرسة الإخبارية لا ترى سوى تعلم بعض مصطلحات أهل البيت (ع)والتحقق من عدم تعارض خبره الذي يستند إليه مع الأخبار الأخرى، وما عدا ذلك لا ترى أدنى ضرورة في تعلم علم آخر، وتعترض هذه المدرسة بشدة على تعلم علم أصول الفقه لأنه بحسب رأيها ذو منشأ سني، باعتبار أنه مقتبس عن فقه أهل السنة..

11 – بالنسبة للأخبار المتعارضة، لا يتوانى المجتهد عن اللجوء إلى أي شيء لترجيح ظنه الاجتهادي والعمل به، بينما لا يعترف الإخباري بغير مرجحات النصوص الصادرة عن الأئمة وكل ما عدا ذلك فاقد للاعتبار.

12 – يأخذ المجتهد بجميع ظواهر ألفاظ الكتاب والسنة التي تشتمل على الدلالات الظنية وكذلك بعموميات الكتاب واطلاقاته التي لها ظهور ظني، وكذلك يأخذ بمختلف الملازمات العقلية لألفاظ الكتاب والسنة من قبيل بحوث مقدمة الواجب، واجتماع الأمر والنهي والإجراء، واقتضاء الأمر بالشيء، والنهي عن ضده، أما الإخباري فحسبه مقطوع الدلالة من الآيات المحكمة والروايات الصريحة غير المتشابهة،

فهم على سبيل المثال يقولون بأن النصوص الواردة عن المعصوم التي تقول بأنه إذا اختلط الحلال بالحرام غلب الحرام، هي نصوص صريحة وقطعية الدلالة، وهكذا فإن كل شيء جمع الحلال والحرام فهو لك حلال حتى تعرف الحرام بعينه فتدعه. ورواية أخرى تقول: الشك بعد الانصراف لا يلتفت إليه، وأخرى تقول: لا تنقض الشك باليقين، وهذه الرواية هي دليل الاستصحاب وهي عندهم حجة في موضوعات الدلالة.

13 – أغلب المجتهدين يقولون بقاعدة التسامح في أدلة السنن وأدلة الكراهة، أما الإخباري فلا يرى أي فرق بين الأحكام الخمسة، وهو بالتالي لا يجيز أي تسامح في أي منها.

14 – لا يجيز المجتهد تقليد المجتهد الميت، بخلاف الإخباري الذي يجيز ذلك.

15 – ظاهر الكتاب والخبر حجة للمجتهد، مع ترجيحه لظاهر الكتاب على الخبر، بينما ظاهر الكتاب عند الإخباري ليس بحجة إلا إذا ورد فيه شيء عن المعصوم .

16 – يرى المجتهد أنه مأجور وإن أخطأ في استنباط الحكم، لكن الإخباري يجرمه أصاب في استنباطه للحكم أم أخطأ، إن استند في هذا الاستنباط إلى خبر غير صحيح أو صريح.

17 – في الحالات التي لا يوجد فيها نص صريح يعمل المجتهد بمبدأ البراءة والإباحة، والإخباري يعتمد مبدأ الاحتياط.

18 – يستمد المجتهد أصول العقائد من العقل، والإخباري يستمدها من القرآن والأخبار.

19 – لا يرى المجتهد ضيرا في تباين اجتهادات الأحكام، والإفتاء بخلاف الحكم الواقعي للمسألة ينظر على أنه خطأ وليس ذنبا، بينما يحرم الإخباري التباين، ومن يفتي بخلاف الحكم الواقعي يعتبر فاسقا من وجهة نظره، وإن أفتى سهوا بمقتضى اجتهاده.

20 – لا يجيز المجتهد الرجوع إلى غير المعصوم فيما خفي من النص، أما الإخباري فإنه يطلب الحديث حتى إن كان مرويا عن العامي.

21 – لا يعتني المجتهد بالقول النادر والشاذ المجهول المصدر، وإن توافر على دليل واضح «بمعنى أنه يحترز من مخالفة شهرة الفتوى»، في حين أن الإخباري يتبع الدليل وليس صاحب القول.

22 – شرط وثاقة الراوي عند المجتهد أن يكون إماميا عادلا، وعند الإخباري نزاهته عن الكذب.

23 – طاعة الناس للمجتهد هي واجبة وبمنزلة طاعة الإمام من وجهة نظر المجتهد، والإخباري لا يرى وجوب هذه الطاعة.

24 – يرى المجتهد في أصل البراءة ترجيحا للخبر عند تعارض الخبرين، ولا يرى الإخباري ذلك.

25 – يرى أغلب الفقهاء العمل بالإجماع المنقول، وإن كان صادرا عن الفقهاء المتأخرين، وحتى الإجماع المنقول عن الآخرين بشرط وثاقة الناقل، لكن الإخباري يرفض كل هذا جملة.

26 – بالنسبة للإجماع المحقق «الإجماع الدخولي» لا يعتني المجتهد بمخالفة الشخص المعلوم النسب، أما الإخباري فلا فرق لديه بين معلوم النسب ومجهوله، ويقول أنه في جميع الأحوال، ليس ثمة قطع بدخول المعصوم “عليه السلام” في الإجماع، ومن هنا عدم اعتبار هذا الإجماع مطلقا.

27 – لا يؤمن المجتهد بصحة جميع ما ورد من أخبار في الكتب الأربعة، في حين يراها الإخباري موثوقة على الإطلاق.

28 – الاستصحاب، مطلقا، موضع احتجاج المجتهد وعمله، بينما الإخباري يؤمن بالاستصحاب الذي نصت عليه الأدلة.

29 – لا يجيز المجتهد تأخير البيان بسبب قبحه عن ساعة الحاجة، لكن بعض الإخباريين يجيز ذلك من جملتهم فاضل الاسترابادي في كتابه «الفوائد المدنية» ” [4] .

3 – المدرسة الشيخية:

على المستوى الفكري والمعرفي، تبلور اهتمام لدى العديد من الفلاسفة والعلماء، يستهدف محاولة التوفيق بين الحكمة «الفلسفة» والشريعة أو بين الفكر الديني والفكر الفلسفي.. ويمكن القول أن من أوائل هذه المحاولات، هي محاولة الفيلسوف ملا صدر الدين الشيرازي صاحب كتاب الأسفار..

وتطور هذا المسار لدى تلميذ الفيلسوف الشيرازي ألا وهو الشيخ أحمد الأحسائي «ت 1241 هـ – 1825م» وهو مؤسس المدرسة الشيخية وسميت بالشيخية نسبة إليه كما تسمى الكشفية كما ينسب إلى زعيمها من الكشف والإلهام..

وبعد وفاته برز في زعامة المدرسة الشيخية السيد كاظم الرشتي «ت 1259 هـ – 1843 م» وهو أحد أبرز تلامذة الأحسائي، وأجرأهم في التعريف بآراء وقناعات أستاذه الأحسائي.. وبعيدا عن السياق التاريخي، وطبيعة الملابسات التي رافقت المدرسة الشيخية في أطوارها المتعددة، سنركز جهدنا للتعريف بأهم القناعات والآراء التي تحملها هذه المدرسة، وبعد ذلك نتحدث بشكل يسير عن وجود هذه المدرسة في منطقة الخليج ..

وسيكون اعتمادنا الرئيسي في التعريف بهذه المدرسة على كتاب الدكتور السيد محمد حسن آل الطالقاني المعنون ب «الشيخية – نشأتها وتطورها ومصادر دراستها».

وأحسب أن هذا الكتاب من أهم الكتب التي عرفت بهذه المدرسة بشكل موضوعي وبعيد عن المحاباة أو الموقف النقدي المسبق.. فالتأمل في مؤلفات الشيخ الأحسائي وأقوال المدرسة الشيخية، يجعلنا نعتقد أن عقائد هذه المدرسة هي ذاتها عقائد الشيعة الإمامية ممزوجة بمشرب أخباري وذوق فلسفي وعرفاني خاص بالشيخ الأحسائي، اختاره لنفسه فطغى على آرائه وأسلوبه، وهو يختلف كل الاختلاف عما ألفه الفلاسفة والعرفاء، فهو ينقم على الفلاسفة ويتطاول على الصوفية، ولكنه من جهة أخرى يكاد يكون مقلدا لهم في أصول مقاصد الفلسفة – الإشراقية وإن اختلف معهم في بعض فروعها وفي إبدال بعض المصطلحات..

وثمة أربع مسائل عقدية وفكرية تشكل هي عصب الاختلاف والتباين بين المدارس الفقهية الإمامية..

1 – المعاد الجسماني:

يعتقد الشيعة الإمامية – كما يعتقد سائر المسلمين – أن الله عز وجل يعيد الخلائق ويحييهم بعد موتهم يوم القيامة للحساب والجزاء، وأن المعاد هو الشخص بعينه وجسده وروحه بحيث لو رآه الرائي لقال: هذا فلان..

وقد اتهمت الشيخية بإنكار المعاد الجسماني والقول بأن المعاد هو الروح وحدها، وأن القول بإعادة الجسد يقتضي القول بإعادة المعدوم وهو محال.. ولقد عد المسلمون الشيعة المعاد روحا وجسما أصلا من أصول الدين الخمسة ودعامة من دعائم الإسلام الثلاث، فلا مجال للشك في أنه من ضروريات الإسلام، والضروري ما يكون التدين مستلزما للاعتقاد به، ومعنى ذلك أن من لا يؤمن به ليس مسلما، فيجب التصديق به تبعا للكتاب والسنة، ولا ينظر إلى إمكانه العقلي وغيره..

ووجود آراء فلسفية تتحدث على أن للجسم أجزاء أصلية هي المعنية بالبعث والمعاد، وأجزاء تضمحل وتذهب ولا تعاد، لا تتحمل تبعاته المدرسة الشيخية بأسرها.. ويقول الشيخ أحمد الأحسائي بهذا الخصوص «إن الإنسان له جسمان وجسدان، فأما الجسد الأول: فهو ما تألف من العناصر الزمانية، وهذا الجسم كالثوب يلبسه الإنسان ويخلعه ولا لذة له ولا ألم ولا طاعة ولا معصية..

وأما الجسد الثاني: فهو الجسد الباقي وهو الطينة التي خلق منها ويبقى في قبره إذا أكلت الأرض الجسد العنصري وتفريق كل جزء منه ولحق بأصله، فالنارية تلحق بالنار والهوائية تلحق بالهواء والمائية تلحق بالماء والترابية تلحق بالتراب.. وهذا الجسد هو الإنسان الذي لا يزيد ولا ينقص يبقى في قبره بعد زوال الجسد العنصري، ولهذا إذا كان رميما وعدم لم يوجد شيء حتى قال بعضهم أنه يعدم وليس كذلك، وإنما هو في قبره إلا أنه لا تراه أبصار أهل الدنيا لما فيها من الكثافة فلا ترى إلا ما هو من نوعها.. وهذا الجسد الباقي هو من أرض هورقليا وهو الجسد الذي فيه يحشرون ويدخلون به الجنة أو النار» [5] .

وثمة أقوال عديدة منقولة عن الشيخ الأحسائي، نرى من بعضها الخروج عن الرأي المشهور، وعن بعضها الآخر العودة إلى الرأي المشهور..

ويحسم الشيخ “حسن الأحقاقي” وهو أحد زعماء المدرسة الشيخية الجدل حول هذه المسألة بقوله «وبناء على هذا فإن الله القادر العالم يجمع أجزاء البدن الدنيوي المتلاشية يوم القيامة ويعيد هذه الأجساد المحسوسة الملموسة في الآخرة».

2 – المعراج النبوي:

اتفقت كلمة أهل الإسلام جميعا على أن من أبرز معاجز الرسول “صلى الله عليه وآله وسلم” عروجه إلى السماء.. فقد أسرى به من مكة إلى المسجد الأقصى ومنه كان عروجه.. قال تعالى «سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله» [6] … وقد اختلف المسلمون في كيفية المعراج وهل أنه كان جسمانيا أم روحيا فقط.

والمدرسة الشيخية ممن ينكر المعراج الجسماني والقول بأنه كان روحانيا..

والجدير بالذكر أنه ثمة آراء متعددة حول هذه المسألة في داخل المدرسة الشيخية فالمدرسة الكرمانية ممن يعتقد برأي الشيخ الأحسائي والسيد الرشتي، أما المدرسة التبريزية فتقول بالعروج الروحي والجسمي..

3 – الغلو والتفويض:

الغلو في اللغة بمعنى الارتفاع، أي التجاوز عن الحد المتعارف في الأشياء.. وقد اصطلح العلماء على استعماله بمعنى التجاوز عن حد العبودية إلى مقام الربوبية والألوهية.. قال تعالى «لا تغلوا في دينكم» [7] .

قال الإمام الصادق “عليه السلام”«والله ما نحن إلا عبيد الذي خلقنا واصطفانا ما نقدر على ضر ولا نفع، إن رحمنا فبرحمته وأن عذبنا فبذنوبنا.. والله مالنا على الله من حجة وما معنا من براءة وإنا لميتون ومقبورون ومنشورون ومبعوثون وموقوفون ومسئولون» [8] .

ويقرر صاحب كتاب «الشيخية» أن بعض علماء الشيخية قديما وحديثا قد تجاوزا الحد في الحب وتقديس الأئمة من آل محمد”صلى الله عليه وآله وسلم”، وغالوا في حبهم وفوضوا إليهم بعض الأمور، وهم وإن أكدوا سلفا وخلفا على أنهم قد فوضوهم تفويض مشيئة امتثالا لأمر الله، ولا تفويض شراكة أو استقلال..

لعل هذه النقاط هم أهم النقاط التي تثار في وجه أقطاب المدرسة الشيخية، ومن خلال عرضها، اتضحت رؤية هذه المدرسة حول مختلف القضايا.. أما على المستوى الاجتماعي لهذه المدرسة في منطقة الخليج..، فهي تتركز في منطقتين أساسيتين الكويت والأحساء، وقد أنجبت هذه المدرسة الكثير من العلماء والفقهاء وبالخصوص في منطقة الأحساء، وهي من المدارس التي تشتغل بالقضايا الدينية والدعوية والاجتماعية، وتبتعد عن الانخراط في الشأن السياسي، وإن كان بعض المحسوبين عليها، تبوؤا مواقع سياسية في المشهد السياسي الكويتي..

ولكن بشكل عام هي من الجماعات التي لا تحبذ الاقتران أو ممارسة الشأن السياسي المباشر..

نظام الفتوى:

من الضروري في سياق التعريف بنظام الفتوى عند الشيعة بيان مجموعة من المصطلحات المتداولة وبيان النظام المتبع.. فالفتوى هو الرأي الشرعي الذي يستنبطه الفقيه المجتهد الجامع للشرائط، من الأدلة الأربعة «القرآن – السنة بما تشمل قول وفعل وتقرير الرسول “صلى الله عليه وآله وسلم”وأئمة أهل البيت – العقل – الإجماع»..

وإن الفتوى أو الرأي الشرعي هو من مختصات الفقيه الجامع لشرائط الاجتهاد.. فليس كل عالم للدين، يستطيع إطلاق الفتوى، وإنما هي فقط للمرجع – والمرجع الديني يعتمد في إدارته وإيصال آرائه الدينية والشرعية على شبكة واسعة من الوكلاء وهم في الغالب من طلبة المرجع الديني وتلامذته، أو من ذوي النفوذ الديني والاجتماعي.. وهؤلاء الوكلاء يجيبون على أسئلة المكلفين الشرعية على ضوء رأي الفقيه الذي يقلده المكلف..

فالرأي الشرعي يستنبطه الفقيه، وينقله ضمن وسائل عديدة الوكلاء إلى عموم المكلفين. والتقليد هنا بمعنى رجوع الجاهل إلى العالم في المسائل الدينية، لا يشمل الموضوعات والمصاديق الخارجية، وإنما في الأحكام الشرعية.. وفي الغالب يدون المرجع الديني آراءه وفتاويه الشرعية في كتاب يشمل كل أبواب الفقه ويسمى بالرسالة العملية..

فالرسالة العملية هي الكتاب الذي يتضمن آراء الفقيه الشرعية، وعلى المكلفين المقلدين لهذا الفقيه الالتزام في مسائل العبادات والمعاملات بالآراء المدونة في الرسالة العملية..

وبالتالي كل فقيه لديه رسالة عملية، بمثابة الدستور الشرعي الذي يسير على هداه عموم المكلفين والوكيل الشرعي أي عالم الدين الذي لم يصل إلى درجة الاجتهاد، هو يستند في بيان الأحكام الشرعية للمكلفين على ما دونه الفقيه في رسالته العملية..

وعليه نستطيع القول: أنه ليس لدى الشيعة الإمامية منصبا دينيا يسمى «المفتي» لأن دور الإفتاء هو دور يمارسه كل الوكلاء الشرعيون للمرجع الديني وهو هنا لا يؤسس للفتوى انطلاقا من رأيه الشخصي، بل هو ناقل لفتوى المرجع الديني..

ولكي تتضح هذه الصورة الدينية، نرى لزاما بيان الأدوار والوظائف التي يقوم بها الوكلاء الشرعيون وهي كالتالي:

1 – بيان الأحكام الشرعية للمكلفين، وتعريف قيم ومبادئ الإسلام إلى أبناء المجتمع.. ويتوسل الوكلاء من أجل تحقيق ذلك بمجموعة من الوسائل من أهمها «الدرس الديني – الخطب والمحاضرات الدينية – الكتابة والتأليف – رعاية ودعم الأنشطة الدينية والثقافية».

2 – تأسيس ورعاية الأنشطة الدينية والاجتماعية التي تساهم في زيادة الوعي الديني، والتزام الناس بقيم الإسلام..

3 – الاهتمام بسد حاجات الشرائح الضعيفة في المجتمع، وذلك عبر صرف بعض الحقوق الشرعية على مساعدة المحتاجين..

4 – التصدي لشؤون المجتمع الدينية والاجتماعية والعامة.. بوصفه هو ضمير المجتمع، وهو الذي مع غيره ممن يتصدى للحقل العام.. وعلى المستوى الواقعي يتفاوت الوكلاء الشرعيون في مدى التزامهم بهذه الوظائف والأدوار، تبعا لتفاوت تكوينهم العلمي والثقافي، ومدى اهتمامهم ولياقتهم في إدارة الشأن العام..

الفتوى اليوم:

لاعتبارات عديدة ذاتية وموضوعية، لسنا في صدد بيانها، فإن المشهد الديني – الشيعي في الخليج اليوم، لديه مئات علماء الدين بمستويات علمية واجتماعية متعددة، إلا أن هذا المشهد في هذه اللحظة الزمنية يغيب عنه المرجع الديني المحلي إذا جاز التعبير باستثناء الشيخ محمد السند من البحرين الذي بدأ يمارس دوره الديني بوصفه مرجعا..

إضافة إلى عشرات العلماء الذين وصلوا إلى مرحلة الاجتهاد الديني وعلى أبوابه من قبيل الشيخ عيسى قاسم والشيخ حسين نجاتي والسيد عبد الله الغريفي من البحرين، والسيد منير الخباز والشيخ عبد المحسن المعلم والشيخ غالب آل حماد والشيخ عباس العنكي والشيخ فوزي آل سيف من القطيف، والشيخ حسين العايش والسيد جعفر النمر والسيد محمد العلي وأمثالهم في الأحساء.. إضافة إلى المئات من علماء الدين والدعاة والخطباء، الذين يمارسون أدوارهم الدينية والاجتماعية بما فيها إيصال الفتوى الشرعية إلى المكلفين..

ونود في هذا السياق أن نتحدث عن ثلاثة نماذج من العلماء الذين باشروا دورهم الديني والاجتماعي، وتصدوا للشأن العام، لبيان واقع الفتوى والنشاط الديني اليوم.. وهذه الشخصيات هي:

1 – الشيخ محمد أمين زين الدين، بوصفه أحد الشخصيات الدينية التي تنتمي تاريخيا إلى البحرين، ووصل إلى مرحلة الفقاهة والاجتهاد وأصدر رسالته العملية المعنونة ب «كلمة التقوى».

2 – الشيخ الدكتور عبد الهادي الفضلي الذي له الدور المشهود على صعيد الإصلاح الثقافي وكتابة المناهج الدينية التي تدرس في الحوزات والمعاهد الدينية – الشيعية..

3 – الشيخ حسن الصفار بوصفه أحد الشخصيات الدينية، التي لم تكتف بالمهام التقليدية للوكيل الشرعي، إنما تعداه إلى تأسيس مشروع وطني متكامل، يستهدف إدماج الشيعة في المملكة العربية السعودية مع شركائهم في الوطن.

الشيخ محمد أمين زين الدين «ت 1998 هـ»:

مولده ونشأته:

ولد الشيخ محمد أمين بن الشيخ عبد العزيز بن الشيخ زين الدين بن الشيخ علي بن زين الدين في نهر خوز من قرى البصرة سنة 1333 هـ – 1914 م. وأسرته من أهالي البحرين وقد هاجر منها جده الشيخ زين الدين إلى البصرة وأصبح من علمائها. وتوفي عن عمر يناهز 84 عاما، وذلك بتاريخ 29/2/1419 هـ الموافق 24/6/1998م.

مؤلفاته وكتبه:

1» الأخلاق عند الإمام الصادق.

2» الإسلام: ينابيعه، مناهجه، غاياته.

3» إلى الطليعة المؤمنة.

4» رسالات السماء.

5» العفاف بين السلب والإيجاب.

6» مع الدكتور أحمد أمين في حديث المهدي والمهدوية.

7» من أشعة القرآن.

8» من آمال الحياة.

9» كلمة التقوى «عشرة أجزاء».

10» المسائل المستحدثة.

11» تعليقة على العروة الوثقى.

12» تقريرات، بحث أستاذه الشيخ ضياء الدين العراقي في الأصول.

منهجه وتجربته الإصلاحية:

لعلنا لا نبالغ حين القول، أنه لا يمكن الحديث عن الإصلاح الديني والثقافي في منطقة الخليج وشبه الجزيرة العربية، بدون المرور بتجربة أحد أعلام هذه المسيرة ألا وهو الشيخ محمد أمين زين الدين فهو أحد الشخصيات العلمية، التي اهتمت بتربية جيل من العلماء والمثقفين، وكان لحضوره المباشر في المجتمع وبالخصوص في البحرين وشرق المملكة العربية السعودية الأثر الكبير على طبيعة الوعي الديني والثقافي لأبناء هذه المنطقة..

وقد عبر الشيخ زين الدين عن نهجه التجديدي والإصلاحي، في مجموعة من كتبه العلمية والثقافية، التي عكست اهتمام الشيخ بمقولة الإصلاح والتجديد، كما عد من قبل العديد من تلامذته بأنه فقيه الأدباء وأديب الفقهاء.

وقد هاجر الشيخ محمد أمين من البصرة إلى مدينة النجف في عام «1351 هـ» لإكمال متطلبات دراسته الدينية، والتقى بها بأدبائها وحضر مجالسها العلمية والأدبية، وتفاعل مع قضاياها الثقافية والفكرية، وانخرط في مؤسساتها وأنشطتها المختلفة [العلمية والفكرية والثقافية والاجتماعية والأدبية].

ولو يكتف أبان دراسته الدينية، بالكتب الدينية المدرسية وإنما تواصل مع الكتاب الثقافي والأدبي الذي تصدره حواضر العالم العربي. وكان لصديقه الشيخ سلمان الخاقاني [1332 1408 ه] أكبر الأثر في هذا المجال.

فهو من القلائل في النجف آنذاك، الذين يعنون بمتابعة الكتب الأدبية الحديثة أمثال مؤلفات الدكتور طه حسين والدكتور زكي مبارك، وعباس محمود العقاد، وإبراهيم المازني، ومصطفى صادق الرافعي، ومصطفى لطفي المنفلوطي، وأحمد حسين الزيات وأحمد أمين ويوسف السباعي ويحيى حقي ونجيب محفوظ ومارون عبود وجبران خليل جبران وميخائيل نعيمة.. الخ.

وكذلك الدوريات الأدبية الحديث أمثال: الرسالة والرواية والثقافة والهلال والكاتب المصري والكتاب والعرفان والعروبة والهاتف والاعتدال.. الخ.

وكان لمجلة الرسالة دور العامل الأهم في تكوين أسلوبه الأدبي لكتابة المقالة، فقد تأثر بافتتاحياتها تلك التي كان يحررها صاحب الرسالة «الزيات» والتي طبعت فيما بعد تحت عنوان [وحي الرسالة] بأربعة أجزاء. ويقول الدكتور عبد الهادي الفضلي وهو أحد تلامذة الشيخ محمد أمين زين الدين أن هذا الكتاب من مقتنيات الشيخ زين الدين ومحفوظات مكتبته الخاصة، وقد رأيته كثير القراءة له والتأثر به في كتاباته، لا سيما مقالاته الأولى.

ويقول في حقه الأستاذ علي الخاقاني في كتابه شعراء الغري ”وقد حباه الله بمواهب عالية في الأسلوب، فهو موفق فيه يستولي على الألباب الواسعة، ويهيمن على القلوب المتحجرة، وكتبه التي ألفها دلت على خبرته وإتقانه للأسلوب الأخاذ المشفوع بالخواطر الجليلة وكتابه «الأخلاق عند الإمام الصادق» أبرزه بين مؤلفي العصر كعلم على خلوده“.

ويقول الدكتور مصطفى جمال الدين بحق أستاذه الشيخ محمد أمين زين الدين «وكان هذا الشيخ، بالإضافة إلى علمه الجم، شاعرا من طراز متقدم، وكاتبا بارعا ذا أسلوب متميز، لعله أقرب إلى أسلوب الزيات، تدل عليه رسائله إلى «الطليعة المؤمنة» وكتابه الرائع [الإسلام، ينابيعه، مناهجه، غاياته] ولعله أول كتاب يظهر في النجف عن الإسلام بلغة مشرقة الأسلوب، حديثة المعالجة لقضايانا الفكرية.

كما كان فيلسوفا أخلاقيا تشهد له «الأخلاق عند الإمام الصادق»، ورسالته «كلمة التقوى» في عشرة أجزاء أكبر دليل على فقاهته، وغير ذلك من مؤلفاته. وكان هذا الشيخ الجليل محور حلقة من العلماء يمتازون بثقافتهم الواسعة، وأساليبهم الرائعة».

ومما يمتاز به الشيخ أن له رحلات سنوية تمتد أشهرا، يأتي إلى البحرين أو شرق المملكة، ويباشر فيها دوره العلمي والثقافي والتربوي. ومن خلال هذه الزيارات الطويلة والمتكررة، اهتم ببناء نخبة دينية واجتماعية جديدة، وأعاد صياغة الوعي الديني والثقافي بما ينسجم ومتطلبات مواكبة العصر.

وحينما يعود إلى النجف، كان يتواصل علميا وثقافيا واجتماعيا مع هذه المناطق، كما أنه عمل على تطوير القدرة الكتابية عند مجموعة من العلماء الذين انخرطوا بعد ذلك في التأليف من جراء اهتمام ورعاية الشيخ محمد أمين زين الدين لهم.

ويقول عن هذه التجربة الدكتور عبد الهادي الفضلي [وأستاذنا الشيخ زين الدين، وهو الرائد في الكتابة الإسلامية في مفاهيم الإسلام، ومن خلالها كعقيدة شاملة ونظام كامل للحياة، وهو المؤمن الغيور على دينه وأمته، كان يرى لزاما عليه أن يكوّن جيلا من شبان أهل العلم في النجف كتابا إسلاميين، يحملون الإسلام، ينشرونه ويدافعون عنه، ويقفون أمام الغزو الاشتراكي، فكان له ما أراد، فقد استطاع أن يكوّن من تلاميذه من قام بالمهمة وأدى الوظيفة على خير وجه] [9] .

فالشيخ زين الدين وبشهادة العديد من رجالات المنطقة، كان له الدور التأسيسي والتجديدي للعديد من الأنشطة الدينية والثقافية. وكان لوجوده في مدينة سيهات – القطيف – بالمنطقة الشرقية في المملكة العربية السعودية عدة شهور في كل عام، أبلغ الأثر على هذا الصعيد.

فكان في هذه الزيارات يلقي المحاضرات الدينية، ويعالج بعض المشكلات الاجتماعية، ويرعى تربويا مجموعة من الشباب ويساهم في تطوير الوعي الديني والثقافي لأبناء المنطقة.

ويقول الشيخ حسن الصفار عن هذه التجربة [إن حياة المفكر الإسلامي الكبير الفقيه المربي المرجع الديني الشيخ محمد أمين زين الدين تعتبر تجربة رائدة رائعة في مجال العمل الإصلاحي، دون إثارات ودون الدخول في معارك أو صراعات شخصية وجانبية.

فهو من أوائل الفقهاء المعاصرين، الذين أدركوا عمق التحديات التي تواجهها الأمة، ويظهر ذلك جليا في كتاباته وخطاباته وسيرته. كما أدرك أن هذه التحديات لا يمكن أن تواجه إلا بتغيير وتطوير في ذهنية الأمة وأفكارها وسلوكها. وقد قرر تحمل مسؤوليته الدينية والاجتماعية، وخوض هذه المعركة المقدسة. والشيخ زين الدين في طليعة القادة الدينيين الذين شقوا للأمة طريق الإصلاح والتغيير في هذا العصر، وقاموا بمهمة التجديد والتطوير في الفكر والثقافة الإسلاميين] [10] .

ويقول المرجع الديني السيد محمد حسين فضل الله [وقد انطلق سماحة الشيخ زين الدين في تربية مجموعة من الشباب استطاع أن يثبت فيهم روح الوعي وحركية الثقافة الأدبية في الإسلام والفكرة، فكان منهم الكتاب والشعراء، ولذلك فقد أطلق البذرة الأولى في أرض الحوزة في النجف الأشرف في نشوء جيل مسلم منفتح على العصر بأسلوب العصر، وفي دائرة ذهنيته، وبهذا يعتبر سماحة الشيخ زين الدين من أوائل المجددين في هذا الاتجاه] [11] .

ويقول الأستاذ «سالم النويدري» «كانت له زيارات منتظمة للبحرين في كل عام، حيث يقضي في ربوع قرية آباءه «كرزكان» على الساحل الغربي للبحرين ثلاثة أشهر متصلة، يقيم الجمعة في جامعها المشهور الذي تؤمه جماهير البحرين المؤمنة من مختلف المدن والقرى، وكان يتنقل في أرجاء البلاد ليتحف المؤمنين بمحاضراته القيمة ومواعظه المؤثرة.

ومثل ذلك كان يفعل في القطيف والبصرة، ثم يعود أدراجه إلى دار هجرته في النجف الأشرف، ليرفد طلابه الذين ينتظرون قدومه متلهفين بفيض معارفه وزاخر علمه وناصح بيانه، ويكلأهم برعايته وحنانه الأبوي الفياض».

وكان للشيخ انفتاح مميز على الطبقة المتعلمة والمثقفة من الأمة، من أساتذة الجامعات وطلابها، حيث وجدوا فيه ملاذا للإجابة على إشكالاتهم وتساؤلاتهم، وكان يرفدهم بالتشجيع والدعم الروحي، ويعطي من نفسه ووقته للإجابة على أسئلتهم تحريريا حينما يراسلونه وبشكل مسهب مفصل، وقد جمع بعض تلك الإجابات وطبعها في كتاب بعنوان «إلى الطليعة المؤمنة» اشتمل على ثمان وأربعين رسالة.

وأود في ختام هذه النبذة التعريفية بأحد أعلام الإصلاح والتجديد أن أختمه ببعض النصوص المختارة من كتب ومؤلفات الشيخ محمد أمين زين الدين.

1 – تصحيح نظرة رجال الدين إلى الشباب:

”والمظنة التي يظنها فريق من أصحاب المنابر ورجال الدين ببعض الشباب فيبعدون عنهم، وينفرونهم من قربهم، هذه المظنة السيئة هي مصدر البلاء الذي حاق بنا يا عزيزي والذي جنينا ثماره وحملنا آصاره. وما ضر رجل الدين أو خطيب المنبر أن يبسط خلقه وعلمه للناقد من الشباب أو غير الشباب، حتى يحيله مادحا، وللجاهل حتى يصيره عالما، وللغاوي حتى يجعله رشيدا“ [12] .

2 – الإسلام يرفض التمييز بين المواطنين:

“أي دين هذا الذي يشعر أتباعه بالسمو على المواطنين الآخرين في الحقوق والواجبات والحريات الفردية والجماعية التي يعترف بها الدين، وأمام محاكم العدل، وسلطان التنفيذ؟ أما الإسلام فإنه أعظم الأديان براءة وأشدها نزاهة عن هذه الهنات. وتاريخه النير المشرق، ومناهج تشريعه العادلة براهين صدق على هذه الدعوى.

وإن الإسلام ينمي الكفاءات في أتباعه وفي مواطنيه على السواء، ويمهد للمواهب أن تظهر وأن تتفتق، ويهيئ لها الأجواء الصالحة، ويمدها بالتربية الموجهة، ويستثمرها جميعا لمصلحة المجتمع ومصلحة الدولة دون ميل ولا مواربة، إلا أن ينحرف ذو الكفاءة فيعمل طاقته في هدم الإسلام وشل حكومته والكيد للمسلمين والفتنة لهم في دينهم، وإذا ثبت ذلك فلا جور ولا ضير في أن يؤدب المعتدي ” [13] .

3 – المرأة ودورها الثقافي والاجتماعي:

”لماذا لا نفتح لفتياتنا المدارس والمعاهد والكليات الخاصة بهن، ونهيئ لهن الأستاذات القديرات ذوات الكفاءة، اللاتي يضمن لتلميذاتهن بلوغ الغاية في أي حقل من حقول الثقافة، وفي أي فرع من فروع العلم؟ والإسلام لا يعين للمرأة نوعا من الثقافة، ولا فرعا من العلم، فلها أن تختار ما تشاء منها، وهو يحب لها أن تبرز وتتفوق في النوع الذي تختاره من الثقافة، والفرع الذي تتخصص به من العلم، مع مراعاة حدودها الشرعية“ [14] .

4 – مقاومة الظلم والاستبداد:

” إن الإسلام لا يرضى من المسلم أن يخضع للدنية ويستسلم للهوان، ويحتم عليه أن يثأر لكرامته وحريته، ويحتم عليه أن يلزم العدل في ثورته وفي استيفاء حقه. وإن الإسلام يحرم «على المظلوم» هذا النمط المرذول من الحياة ويأبى له الإقامة عليه” [15] .

الشيخ عبد الهادي الفضلي «ت 2013م»:

ولد الدكتور عبد الهادي بن الشيخ المحسن الفضلي بصبخة العرب من قرى البصرة في سنة «1354 هـ» الموافق «1935م». وتنتمي أسرته إلى منطقة الأحساء في شرق المملكة العربية السعودية ولكن بسبب سفر والده للدراسة الدينية في النجف، وبعد ذلك استقراره في نواحي البصرة للتبليغ الديني، فقد ولد الدكتور عبد الهادي في صبخة العرب.

ويروي الفضلي قصة بدايته في طريق العلم، فيذكر أن لوالدته «السيدة عقيلة البطاط» الفضل الأول في ذلك، فقد بدأت في تربيته التربية الدينية منذ بواكيره الأولى، فبدأت بإدخاله قبل سن المدرسة في درس تعلم القرآن.

وفي سنينه الأولى بدأ رحلته في الدراسة الدينية لدى والده الشيخ محسن الفضلي والشيخ جاسم البصير خريج المتوسطة الرحمانية بالبصرة.

وانتقل الدكتور الفضلي للدراسة إلى النجف في سن الرابعة عشر لإكمال دراسة مرحلة المقدمات والسطوح، فأكمل دراسة منظومة ابن شليلة في المنطق والمعالم في الأصول عند الشيخ علي زين الدين، ودرس شرح التجريد في علم الكلام عند السيد جمال الدين الخوئي، ودرس الرسائل في الأصول لدى السيد علي شبر والشيخ محمد جعفر آل الشيخ راضي، ثم حضر أبحاث الخارج «المرحلة العليا في الدراسة الدينية الشيعية» في الفقه والأصول لدى السيد أبو القاسم الخوئي والشيخ محمد طاهر آل راضي والسيد محمد تقي الحكيم والشيخ محمد رضا المظفر والسيد محمد باقر الصدر وآخرين.

وجمع مع دراسته الدينية، الدراسة الجامعية الأكاديمية، حيث أكمل دراسة البكالوريوس في كلية الفقه ضمن الدفعة الأولى لتأسيسها، ودراسة الماجستير في جامعة بغداد، وحصل على الدكتوراه بعد ذلك من كلية دار العلوم بجامعة القاهرة.

وعمل الدكتور الفضلي في مرحلة تواجده في النجف الأشرف على الصعد التالية:

1 – الكتابة والتأليف، حيث ساهم عبر أبحاثه المتعددة في رفد المكتبة الإسلامية بالعديد من الأبحاث والدراسات العلمية المتميزة. ومن الأبحاث الهامة التي كتبها في تلك الفترة الأبحاث التالية:

1» من البعثة إلى الدولة.

2» نحو كتابة دستور إسلامي.

3» المقياس النحوي بين القرآن وكلام العرب.

4» الرقابة الاجتماعية في الإسلام.

5» السنهوري يدعو إلى قانون عربي موحد مستوحى من الشريعة.

6» مشكلة الفقر – دراسة تشريعية على ضوء الاقتصاد الإسلامي.

7» مبادئ أصول الفقه.

8» خلاصة المنطق.

9» علم البلاغة العربية: نشأته وتطوره.

وغيرها من الدراسات والأبحاث والمؤلفات، والتي تم اختيار بعضها كمنهج دراسي في الحوزات والكليات الدينية في مدينة النجف.

2 – المساهمة في النشاط الديني والثقافي:

فقد شارك الدكتور الفضلي في إصدار وتحرير مجلة الأضواء التي تصدرها جماعة العلماء، ومجلة النجف التي تصدرها كلية الفقه مع السيد عدنان البكاء والشيخ محمد مهدي الآصفي.

وكان عضوا في جمعية منتدى النشر، وعضوا في الرابطة الأدبية النجفية، وسكرتيرا لمجلس كلية الفقه وغيرها من الأنشطة الثقافية والأدبية التي حفلت بها حياة الدكتور عبد الهادي الفضلي أبان وجوده في النجف.

3 – التدريس في النجف، حيث تخرج على يديه مجموعة كبيرة من العلماء والكتاب والمثقفين، ومن مناطق عربية وإسلامية مختلفة.

4 – المساهمة في تأسيس الحركة الإسلامية السياسية، ويشير الفضلي إلى أنه ورفاقه من العلماء كان دورهم في المرحلة الأولى هو التأسيس للجانب الفكري لأعضاء الحزب «حزب الدعوة الإسلامية».

وقد انخرط الدكتور الفضلي في تلك الحقبة، في كل الأنشطة التي قام بها حزب الدعوة الإسلامية، سواء على الصعيد الثقافي أو الاجتماعي أو السياسي أو العلاقاتي.

فقد كان هو من الرعيل المؤسس لهذه التجربة السياسية الأولى والمتميزة. وغادر الدكتور الفضلي النجف عام «1391 هـ» بسبب الظروف السياسية الصعبة التي مر بها العراق آنذاك، وتوجه نحو الكويت ثم منها غادر إلى مدينة جدة بالمملكة العربية السعودية حيث عين مدرسا لمادة الأدب العربي في جامعة الملك عبد العزيز، ثم ابتعث من قبل الجامعة لدراسة الدكتوراه إلى كلية دار العلوم بجامعة القاهرة وتخرج منها سنة «1396 هـ» بدرجة دكتوراه في النحو والصرف والعروض بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف، وكان موضوع وعنوان رسالته «قراءة ابن كثير وأثرها في الدراسات النحوية» وبعدها عاد إلى مدينة جدة وعين مدرس في جامعة الملك عبد العزيز في «9 / 8 / 1396 ه» واستمر في تدريس النحو والصرف والعروض بالجامعة حتى تقاعده في عام «1409 ه».

ومن نشاطاته في هذه الفترة:

1 – أسس قسم اللغة العربية بكلية الآداب وعين رئيسا له لفترتين متتاليتين.

2 – شارك في مناقشة بعض الرسائل الجامعية للدراسات العليا، وكان له الإشراف على بعضها، واختير أيضا محكما لجملة من أبحاث الترقيات العلمية.

3 – كان عضوا في هيئة تحرير نشرة «أخبار الجامعة».

4 – كان عضوا مؤسسا ودائما في لجنة المخطوطات بمكتبة الجامعة المركزية.

5 – كان عضوا في «النادي الثقافي – الأدبي» بجدة.

وبعد تقاعده اختير أستاذا في «الجامعة العالمية للعلوم الإسلامية» بلندن، درس فيها المنطق وأصول البحث وأصول علم الحديث وعلم الكلام وتاريخ التشريع الإسلامي، وقام بالإشراف على بعض طلبة الماجستير والدكتوراه فيها.

وعلى ضوء تقاعده من جامعة الملك عبد العزيز، انتقل للسكن في المنطقة الشرقية بالمملكة، وهناك بدأ بمشروع ثقافي – اجتماعي من خلال العملين المهمين التاليين:

1 – تأسيس وإقامة مهرجانات ثقافية عديدة، يلقي فيها العلماء والأساتذة المحاضرات ويشاركون في حوارات وندوات علمية، ساهمت في خلق وتربية جيل جديد من المثقفين.

2 – إحياء وتشجيع حركة التأليف في المنطقة، وذلك بتربية عدد من المثقفين وتشجيعهم على البحث والكتابة ومراجعة كتاباتهم والتقديم لها.

أما مشروعه الأكبر والذي عمل من أجله، خلال هذه الحقب التاريخية فهو «تجديد مناهج ومقررات الدراسة الدينية» فقد استمر فيه خلال هذه السنين، لم ينقطع عنه حتى أكمل مراحله الثلاث وهي:

1 – إعادة كتابة مقررات الدراسة الدينية، بلغة ميسرة وأسلوب تربوي جديد يتناسب ولغة ومتطلبات العصر. ومن هذه المقررات «خلاصة المنطق» و«مبادئ أصول الفقه» و«التربية الدينية» و«مختصر الصرف» و«وتلخيص البلاغة» و«خلاصة علم الكلام» و«أصول الحديث» و«القراءات القرآنية».

2 – استكمال المقررات الدراسية للعلوم القديمة، وإدخال مقررات لبعض العلوم الحديثة المهمة التي لها علاقة بالدراسات الإسلامية. ومما أنجزه في هذا الصدد «تاريخ التشريع الإسلامي» و«أصول البحث» و«أصول علم الرجال» و«الدولة الإسلامية» و«أصول تحقيق التراث».

3 – بحوث استدلالية في الفقه والأصول وفق منهج جديد أسماه «المنهج اللغوي الاجتماعي» ومما أنجزه في هذا السياق «دروس في أصول فقه الإمامية – جزأين» و«دروس في الفقه الإمامية – 4 أجزاء» وحتى تكتمل الرؤية، حول هذه التجربة المتميزة، لأحد أعلام الإصلاح الديني والثقافي المعاصرين، سأعمل في الأوراق القادمة لبيان أفق الإصلاح الثقافي عند الشيخ عبد الهادي الفضلي.

الشيخ الفضلي.. وأفق الإصلاح الثقافي:

ثمة سؤال هام ومركزي شغل المصلحين والباحثين والمفكرين في المجال الإسلامي عبر عقود عديدة وهو: ما السبيل إلى ردم الهوة والفجوة بين المجال الإسلامي الذي يمتلك البشر والثروات الطبيعية الهائلة والمتعددة، والمجال الغربي الذي تمكن إبان نهضته وثورته الصناعية الأولى من التخلص من أهم المشاكل والأزمات التي تركسه في الحضيض وتحول دون تطوره وتقدمه في مختلف الميادين والحقول.

وبفعل هذا التخلص تمكن من البروز والريادة في مضمار التقدم الإنساني والتطور الحضاري.

والتخلص الذي مارسه الغرب لم يكن فعلاً سلبيًّا فحسب، وإنما هو عملية نهوض شاملة، عاشتها المجتمعات الغربية وطردت من خلالها كل العناصر والكوابح السيئة، التي تحول دون تطورها وتقدمها.

وهذه المفارقة الحضارية الهائلة، هي المساحة «المفارقة» الهائلة التي عمل أكثر المفكرين والمصلحين على معالجتها وتحليلها والتفكير العميق في طبيعتها وسبل إنهائها من الحياة الإسلامية المعاصرة.

وهذا لا يعني بطبيعة الحال استنساخ التجربة الغربية في مراحلها وأطوارها المختلفة. وإنما يعني أن تقدم الغرب وتطوره المتسارع، أعاد بشكل مركَّز وعميق طرح سؤال التقدم وكيفية ردم الهوة بين ما هو قائم وما ينبغي أن يكون في المجال الإسلامي.

وفي تقديرنا إن سؤال التقدم، ومحاولة العمل على تلمس طرق الانعتاق والتحرر من آسار التخلف، هو العنوان العام، لكل الجهود والمناشط التي قامت بها النخبة الإسلامية بمختلف مشاربها ومدارسها في تلك الحقبة من الزمن.

فالتجربة الغربية في حركيتها وديناميتها وتطورها النوعي، صدمت المجال الإسلامي بكل شرائحه وفئاته، ودفعته للتفكير والبحث عن سبل الخروج من هذا الواقع المزري والمفارق.

ونحن حينما نقرأ التجربة المعرفية والفكرية للعلامة الدكتور عبد الهادي الفضلي، نجد أن هذه المفارقة الحضارية هي حجر الأساس الذي انطلق منه في عطائه الفكري وجهده الإصلاحي.

فالعلامة الفضلي كغيره من العلماء والمصلحين عملوا من أجل بناء القدرات الإسلامية المتعددة، حتى تتمكن الأمة من مواكبة عصرها، والتحرر من انحطاطها السياسي وتخلفها العلمي والثقافي. لذلك اتجهت الجهود الفكرية والثقافية والسياسية للمصلحين صوب نقد الواقع السياسي والثقافي، وتفكيك عناصر الجمود والتوقف عن العطاء النوعي في الفضاء الاجتماعي.

وذلك من أجل أن يتمكن المجال الإسلامي من إنهاء المفارقة الحضارية التي اكتشفها من خلال التطور الغربي المذهل واتصاله به.

فالمفارقة الحضارية الهائلة، ليست قدراً مقدراً، وإنما هي نتاج عوامل وأسباب سواء في خط الصعود والارتقاء الحضاري، أو في خط الانحدار والسقوط الحضاري.

والأمم التي تمسكت بأسباب التقدم، وانتهجت نهج التطور وصلت إلى غاياتها، وتخلصت من محن واقعها ومآزقه. أما الأمم التي عاشت على أطلال ماضيها، ولم تتمسك بعمق بأسباب التقدم، أضحت أمماً متخلفة ولا تتمكن من السيطرة على مصيرها ومستقبلها.

والذي نعمل على معرفته واكتشافه في هذا السياق هو: الرؤية التي بلورها العلامة الدكتور الفضلي في محورين أساسيين وهما:

1 – أسباب وعوامل تخلف الأمة الإسلامية عن ركب الحضارة والتقدم.

2 – كيف ينهض المسلمون، ويتحررون من مآزق التخلف والانحطاط، ويتخلصون من ربقة الاستبداد والديكتاتورية.

وفي هذا الإطار عمل العلامة الفضلي، عبر مساهماته العلمية وعطاءاته الثقافية والتربوية، على خلق الثقافة الإسلامية المستنيرة، التي تدفع أبناء الأمة للتحرر من ربقة الانحطاط والتخلف، وتبلور لهم منهج النهوض والتخلص من كل أشكال الاستبداد والبعد عن حركة التاريخ.

فالجهد الفكري والثقافي الذي بذله العلامة الفضلي، ليس جهداً مجرداً، أو بعيداً عن متطلبات النهوض للأمة. بل هو جهد يأتي في سياق المشاركة الحيوية في هموم الأمة وقضاياها المتعددة.

وحتى العطاءات العلمية – المنهجية في الحوزة العلمية التي بذلها العلامة الفضلي، تأتي في سياق إيمان الفضلي العميق بأهمية أن تتطور مناهج الدراسة الحوزوية، وذلك من أجل أن تتحول الحوزة في عطاءاتها ومشروعاتها العلمية والثقافية والاجتماعية، إلى مصدر للإشعاع الفكري والمعرفي، والذي يأخذ على عاتقه المشاركة الفعالة في جبهة الجهاد العلمي والثقافي في الأمة.

لهذا يمكننا القول: إن الأعمال والأنشطة التي قام بها العلامة الفضلي في إطار محاربة عناصر الانحطاط والتخلف في الأمة، وتحقيق النهضة والتقدم للمسلمين، تتمثل في النقاط التالية:

– المساهمة العلمية والثقافية المتواصلة، التي توضح رؤية الإسلام للعديد من القضايا والموضوعات، ونقد أسس ومرتكزات الثقافة المتخلفة والجامدة التي كانت سائدة في بلاد المسلمين.

– بناء الكفاءات والقدرات العلمية والثقافية القادرة على رفد الساحة الإسلامية بالرؤى والبصائر التي تدفعها للمشاركة في مشروع البناء والعمران الإسلامي.

– المساهمة في بناء وتطوير العديد من المؤسسات الإسلامية العلمية والثقافية، التي تأخذ على عاتقها بناء الكفاءات والطاقات الإسلامية الواعية، والمشاركة في خلق الوعي وتعميم المعرفة الدينية المستنيرة في المجتمعات الإسلامية.

– رعاية العديد من المؤسسات والمناشط الإسلامية والشخصيات الدينية والاجتماعية، والعمل على تذليل العقبات أمامها، وذلك من أجل المشاركة الفعالة في مشروعات الوعي والبناء الإسلامي الجديد.

والعطاءات العلمية والثقافية، التي بذلها العلامة الفضلي، لم تكن عطاءات سطحية أو بعيدة عن هموم وحاجات الأمة الملحة. بل هي عطاءات نوعية، وساهمت في رفد الساحة بالعديد من المعالجات الفكرية والثقافية الجادة.

ونظرة فاحصة لهذه العطاءات، تكشف أن هذه العطاءات تتسم بالعناصر التالية:

1 – عمق النزعة التجديدية، التي تستهدف التحرر من كل أشكال الجمود والتوقف عن العطاء العلمي النوعي.

والنزعة التجديدية في تجربة العلامة الفضلي لا تعني بأي حال من الأحوال التفلت من القيم والمبادئ الشرعية، وإنما تعني قراءتها وفق منهجية قادرة على استنطاقها واستيعاب كل الموضوعات والحاجات المعاصرة. وعملية الاجتهاد هي الحاضنة الكبرى لمفهوم التجديد ومتطلباته المنهجية والعلمية.

ويعبر عن هذه الحقيقة العلامة الفضلي بقوله: «يستمد الاجتهاد الشرعي قيمته من أهمية الغاية المتوخاة من تشريعه، ومن أهمية المرمى الذي هدف إليه المشرع الإسلامي من الدعوة إليه، والإلزام به، كما في أمثال آية النفر: ﴿وَمَا كَانَ المُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ﴾ [16] .

والهدف هو الوصول إلى الحكم الشرعي واستفادته من النصوص الشرعية المشتملة عليه، وذلك لأن النصوص الشرعية المتضمنة للحكم الشرعي لم تصغ صياغة قانونية تعطي الحكم الذي تحتويه من غير حاجة إلى إعمال فكر يستند إلى خلفيات ثقافية وعلوم مساعدة، ويرجع هذا إلى أن القرآن الكريم انتهج في أسلوب بيانه ظاهرة الكتاب الإلهي المقدس، تلك الظاهرة التي امتدت مع الإنسان منذ صحف إبراهيم حتى قرآن محمد ﷺ، والتي تمثلت في الأسلوب الخطابي المتوافر على عناصر الدعوة إلى الله تعالى.

وذلك لأن الهدف الأساسي للكتب الإلهية المقدسة هو الدعوة إلى الله تعالى، والأسلوب المناسب للدعوة هو الأسلوب الخطابي، لأنه الأسلوب الذي يقتدر، بما يمتلك من إثارة مؤثرة وشحن عاطفي مثير، على مخاطبة العقل عن طريق القلب.

وجميع ما يذكر من شؤون أخرى إنما تذكر لأن لها علاقة بالدعوة إلى الله تعالى.

ومن هنا لم تذكر الأحكام الشرعية إلا في سياق السور أو سياق الآيات، أي أنها لم تجمع في سورة واحدة أو موضع واحد» [17] .

ويضيف العلامة الفضلي في موضع آخر: «كما أن فهم معاني التشريع ودلالات ألفاظ النصوص الشرعية، سواء كان ذلك في الآيات أو الروايات، يتطلب فهم لغة عصر التشريع، تراكيب ومفردات وأسلوب بيان.

وذلك لأن أكثر الروايات التي وصلت إلينا كانت أجوبة لأسئلة من أناس يختلفون في بيئاتهم من حيث الشؤون الاجتماعية والثقافية، مما يستلزم فهمها وفهم شخصية السائل من حيث المستوى الثقافي. كل ذلك وأمثاله كان مدعاة للزوم الاجتهاد، وفي الوقت نفسه هو مدعاة لأن تقوم وظيفة الاجتهاد وممارسته على أساس من العمل المعمق في البحث والتدقيق، وبذل أقصى الطاقة في الاستقصاء والتحقيق» [18] .

2 – وضوح المنهجية التي تمزج بوعي وحكمة بين كل متطلبات الأصالة الفكرية والثقافية، وضرورات الانفتاح والتواصل مع مكاسب العصر والحضارة الحديثة في مختلف مجالات الحياة.

ويقول العلامة الفضلي في سياق بحثه عن التطور الفكري الأصولي «لم أرَ – في حدود مراجعاتي وقراءاتي – من كتب في هذا الموضوع نظير ما رأيته وقرأته في كتابات الأساتذة الجامعيين، باستثناء ما جادت به يراعة أستاذنا المجدد الشهيد الصدر في مقدمة الحلقة الأولى من كتابه «دروس في علم الأصول»، إلا أنها مختصرة وغير شاملة، لأنه أراد بها أن يلفت نظر الباحث والدارس الأصوليين إلى شيء من تطور الفكر الأصولي بما يفرض علينا إعادة النظر في الكتب المقررة لدرس علم الأصول في الحوزات العلمية الإمامية لتكون بمستوى المطلوب والمتوخى في دراسة هذا العلم، وليكون هذا التمثيل منه بياناً للداعي له لتأليف الحلقات الثلاث بشكلها المختلف عما اعتاده الطالب الديني في مقررات الدرس الأصولي.

ولكنه – أيضاً – كان الرائد المخلص والموفق في وضع اللبنات الأساس للكتابة في هذا الحقل المهم قدر أهمية علم أصول الفقه.

وإني لآمل أن يؤلف فيه، ويضاف الكتاب المؤلف إلى برامج الحوزات العلمية مقرراً دراسيًّا، لأهمية هذه المادة في إثراء الرصيد الفكري الأصولي عند الطالب وتنمية مواهبه وقدراته العلمية من ناحية تربوية بسبب ما يتحرك في فلكه من مقارنات وموازنات للفكر، وتعريفات لأعلامه وتنويهات بعطائهم وإسهاماتهم في خدمة هذا العلم» [19] .

والإنتاج العلمي والثقافي المتعدد للعلامة الفضلي، لا يؤسس للعزلة والقطيعة مع العالم الحديث، وإنما هو يبلور خيار الفهم الإسلامي الذي لا يتناقض في مسيرته وخياراته مع التواصل الفعّال مع العصر والعالم الحديث. والإسلام في المحصلة النهائية يمتلك قدرة فكرية ومنهجية ثقافية هائلة، على التطور والانفتاح والتفاعل مع مكاسب العلم والحضارة الحديثة.

وتجربة العلامة الفضلي العلمية «الحوزوية والأكاديمية» والثقافية والاجتماعية والسياسية، غنية ومليئة بالعبر والدروس، وفيها الكثير من المحطات التي تثير العديد من الأسئلة. لذلك من الصعوبة بمكان الإلمام بتجربة غنية ومتعددة الأبعاد كتجربة العلامة الفضلي.

وإذا كانت تجارب المصلحين وجهودهم الفكرية والعلمية تحتمل أكثر من قراءة. فإن الميزة الأساسية لتجربة العلامة الفضلي أنه كسر الحدود وألغى الفواصل بين الحوزة والجامعة، وأضحى علماً ومتميزاً وقديراً في الحقل الحوزوي بكل تفاصيله ومقتضياته، كما كان بارعاً ونوعيًّا في جهده الجامعي والأكاديمي. ولبَّى في شخصه الكريم متطلبات كلا الدورين والوظيفتين «وظيفة العالم – الفقيه، ووظيفة الأستاذ الجامعي».

وبهذا التكامل المعرفي أضحى العلامة الفضلي نموذجاً متقدماً للمؤسسة العلمية التي عمل فيها العلامة أستاذاً وكان ناشطاً في أروقتها ألا وهي مؤسسة جمعية منتدى النشر وكلية الفقه في جامعة النجف الأشرف التي أسسها مجدد التعليم الديني في النجف الأشرف في العصر الحديث المرحوم الشيخ محمد رضا المظفر «1903 – 1963».

وبناء الجسور العلمية والثقافية بين الحوزة والجامعة، لا يفيدهما فحسب، وإنما يفيد المجال الإسلامي بأسره. لذلك فنحن مع كل خطوة ومبادرة لتجسير الفجوة بين هذه الروافد العلمية والثقافية. وتجربة العلامة الفضلي على هذا الصعيد تؤكد أهمية القيام بخطوات مدروسة في سياق التكامل العلمي والثقافي بين الحوزة والجامعة.

فنقاط القوة في التجربة الحوزوية ينبغي أن يطَّلع عليها أساتذة وأبناء الجامعة، كما أن نقاط التميز الجامعية، من الضروري أن يتواصل معها ويستوعبها الأستاذ والطالب الحوزوي. وهذه العلاقة التفاعلية، التي لا تنحبس في الشكل، وإنما تتعداه إلى المضمون والمنهج، ستساهم في خلق فضاء ثقافي حر ومبدع.

وفي هذا السياق استطاع العلامة الفضلي بعمقه الفقهي والأصولي الذي تتلمذ فيهما على أساطين العلم الحوزوي كالإمام أبو القاسم الخوئي والإمام محمد باقر الصدر، وثقافته المنهجية والعصرية التي تعمقت لديه من خلال الالتحاق بالسلك الأكاديمي الجامعي درساً وتدريساً، وتعدد أبعاد تجربته الاجتماعية والسياسية؛ استطاع أن يساهم في تأسيس مكتبة إسلامية، غنية في علومها ومعارفها، ومتنوعة في مجالاتها وأبعادها، وعميقة في مقاصدها ومآلاتها، وناضجة في خياراتها وموضوعاتها.

3 – تعدد وتنوع العطاءات العلمية والثقافية، ونظرة سريعة إلى عناوين المؤلفات التي ألفها العلامة الفضلي تكشف وبشكل سريع أن هذه المؤلفات متعددة ومتنوعة في موضوعاتها ومجالاتها. فهو من أوائل من كتب الكتب المنهجية الحوزوية، وهي تجربة رائدة تستحق الدراسة والتقدير، كما كتب في علوم النحو واللغة والمنطق، إضافة إلى عطاءاته الثقافية، التي تعالج بعض الموضوعات والقضايا التي تهم الإنسان المسلم، وتضغط عليه فكريًّا واجتماعيًّا.

فالعطاء العلمي والثقافي للعلامة الفضلي متعدد ومتنوع، ولقد استطاع بإصراره العلمي وكدحه الفكري والمعرفي أن يساهم في بناء مكتبة إسلامية – علمية – فكرية واسعة، ولقد تغذت عليها أجيال الأمة، وأفادوا منها إفادة جليلة. بحيث أضحى العلامة الفضلي أحد مفكري الساحة الإسلامية في العصر الحديث.

واهتمام العلامة الفضلي بكتابة المناهج الدراسية الحوزوية وفق رؤية ومنهجية جديدة، تنبع من إيمانه العميق بأن تطوير التعليم وإصلاحه في مختلف المجالات، هو حجر الزاوية في مشروع الإصلاح الديني والثقافي والاجتماعي. فلا يمكن أن تتبوأ الحوزة العلمية مواقع متقدمة في الحياة العامة للمسلمين دون تطوير المناهج الدراسية واستجابتها إلى ضرورات العصر وحاجاته.

كما أن عالم الدين لا يستطيع أن يؤكد حضوره النوعي في الأمة دون تأهيل علمي ومعرفي ومنهجي، يُمكِّنه من مواكبة التطورات والتفاعل الخلاَّق مع الحاجات والتحديات. فإصلاح المناهج التعليمية، وتطوير منهجيتها وإعادة صياغة كتبها وموادها العلمية بما يناسب لغة العصر ومنهجيته، كلها عناوين لمشروع إصلاحي – تعليمي، عمل العلامة الفضلي عليه، واستطاع عبر كتاباته الحوزوية أن يبدع فيه، ويسجل اسمه في عداد الشخصيات العلمية والفكرية التي ساهمت بشكل مباشر في تطوير الدرس والمنهج الحوزوي.

والنهضات العلمية والثقافية في كل الأمم والشعوب بحاجة إلى مؤسسة علمية – نوعية وقادرة على استيعاب المنجز المعرفي والتواصل الفعَّال مع العصر.

وهذا لا يتأتى إلا بالتطوير الدائم لمناهج التحصيل والدراسة، التطوير الذي يستوعب القديم دون الانحباس فيه.

ولعلنا لا نجانب الصواب حين نقول: إن تجربة العلامة الفضلي على هذا الصعيد كانت نموذجاً للمحاولات التي استوعبت القديم، وأعادت صياغته وقولبته في قالب حديث، يتماشى وحاجات النص الدراسي الحديث.

فهي تجربة حافظت على الثوابت، كما انفتحت على العصر ومكاسبه ومنجزاته. والذي عزز هذه التجربة وأثراها، هو أن جهود العلامة الفضلي العلمية والتدريسية لم تقتصر فقط على الحوزة العلمية، وإنما تعدتها إلى الحقل الأكاديمي الجامعي.

فكان العلامة الفضلي أستاذاً متميزاً وقديراً في الحوزة العلمية، كما كان أستاذاً متميزاً وقديراً في حقل تخصصه الأكاديمي في الجامعة.

وبفضل هذا التكامل أضحت تجربة العلامة الفضلي على هذا الصعيد، تجربة ثرية وعميقة، وتتطلب الكثير من الجهود لقراءتها من مختلف الأبعاد والزوايا.

ولقد تخرج على يد العلامة الفضلي أجيال ونخبة من العلماء والمشايخ والأكاديميين سواء في حوزة النجف العلمية أو جامعة الملك عبد العزيز بجدة.

وعلى كل حال نستطيع القول: إن العلامة الفضلي هو أحد رواد تجديد التعليم الديني، وأحد أعمدة تجربة التكامل والتواصل بين الحوزة والجامعة.

وكما يبدو فإن حجر الأساس في تجربة العلامة الفضلي على هذا الصعيد هو أن تقدم العلم مرهون بتقدم مناهجه، لذلك اعتنى العلامة الفضلي بصياغة المناهج الدراسية للعديد من المواد العلمية التي تدرس في الحوزة والجامعة.

الشيخ حسن بن موسى الصفار:

مولده ونشأته:

ولد الشيخ حسن بن موسى بن الشيخ رضي الصفار سنة 1377 هـ الموافق 1958م في مدينة القطيف من المنطقة الشرقية من المملكة العربية السعودية. وفي مراحله العمرية الأولى تعلم القرآن الحكيم ضمن الكتاتيب الأهلية ودرس الابتدائية والمتوسطة في مدينة القطيف. وبعدها هاجر إلى مدينة النجف لطلب العلم والدراسة في حوزتها المعروفة.

وكان ذلك في عام 1391 هـ الموافق 1971م، ثم انتقل إلى الحوزة العلمية في مدينة قم بإيران سنة 1393 هـ الموافق 1973م، ثم التحق بمدرسة الرسول الأعظم في الكويت سنة 1394 هـ الموافق 1974م، وتلقى علومه ومعارفه الدينية عند مجموعة من العلماء والفقهاء أبرزهم المرجع الديني السيد محمد الحسيني الشيرازي والمرجع الديني السيد محمد تقي المدرسي.

وتقديرا لكفاءته العلمية وأنشطته الدينية والثقافية والدعوية المختلفة، منحه عدد من كبار المرجعيات الدينية إجازات وشهادات للرواية والتصدي للمهام والشؤون الدينية والثقافية المختلفة. ومن أبرز هؤلاء المعاصرين المرجع الديني السيد علي السيستاني.

ويتميز الشيخ الصفار بخطاباته الدينية الجريئة والمتميزة. وقد مارس الخطابة الدينية من عام 1388 هـ الموافق 1968م وعمرة إحدى عشر سنة، واستضافته العديد من المحافل الدينية والثقافية والاجتماعية لإحياء المناسبات الدينية والمشاركة في المواسم الثقافية في القطيف والأحساء والبحرين والكويت وسلطة عمان وقطر ودبي ودمشق وقم وطهران.

ولديه مئات المحاضرات الدينية المسجلة والمبثوثة في بعض وسائل الإعلام المختلفة.

ومنذ استقراره في مدينة القطيف في عام 1994م، بعد هجرة دامت عقد ونصف من الزمن، انشغل فيها الشيخ الصفار بأنشطة ثقافية واجتماعية وسياسية، تحول مجلسه العامر إلى منبر لإلقاء الدروس والمحاضرات والاجتماعات الثقافية والاجتماعية والوطنية.

ولا زال الشيخ يواصل دوره الديني والاجتماعي والثقافي والوطني، وينشط على أكثر من صعيد، وذلك من أجل زيادة الوعي الديني في المجتمع، وترقيته ثقافيا وسياسيا، وتنشيط مؤسسات المجتمع المدني، والمطالبة بحقوق مجتمعه عبر الحوار والتواصل مع الجهات الرسمية العليا في المملكة.

مؤلفاته وكتبه:

لعلنا لا نجانب الصواب حين القول: أن الشيخ حسن الصفار كأحد أعلام الإصلاح الديني في منطقة الخليج وشبه الجزيرة العربية، توسل بوسائل عديدة من أجل التعريف بأفكاره الإصلاحية، وزيادة وعي الناس الديني والثقافي والسياسي.

ومن هذه الوسائل وسيلة التأليف والكتابة. إذ أن الشيخ ومنذ انطلاقته الدينية والإصلاحية الأولى، وهو يلقي المحاضرات، ويؤلف الكتب، ويشارك في الندوات والملتقيات الثقافية والاجتماعية.

ولذلك لديه عشرات الكتب والأبحاث، التي تعكس رؤيته وموقفه من مختلف التطورات والتحولات. وبعض هذه المؤلفات ترجم إلى لغات أخرى، ومن أبرز مؤلفاته الأسماء التالية:

1 – التعددية والحرية في الإسلام – بحث حول حرية المعتقد وتعدد المذاهب.

2 – التسامح وثقافة الاختلاف: رؤى في بناء المجتمع وتنمية العلاقات.

3 – الشيخ علي البلادي القديحي: دراسة في شخصيته وتاريخه.

4 – فقه الأسرة: بحوث في الفقه المقارن والاجتماع.

5 – الحوار والانفتاح على الآخر.

6 – شخصية المرأة بين رؤية الإسلام وواقع المسلمين.

7 – أحاديث في الدين والثقافة والاجتماع «سبعة مجلدات».

8 – التنوع والتعايش: بحث في تأصيل الوحدة الاجتماعية والوطنية.

9 – الخطاب الإسلامي وحقوق الإنسان.

10 – السلفيون والشيعة نحو علاقة أفضل.

11 – المذهب والوطن: مكاشفات وحوارات صريحة.

12 – السلم الاجتماعي مقوماته وحمايته.

13 – السياسة النبوية ودولة اللاعنف.

14 – علماء الدين.. قراءة في الأدوار والمهام.

15 – العمل والفاعلية طريق التقدم.

16 – الآحادية الفكرية في الساحة الدينية.

وغيرها من الكتب والمؤلفات، إضافة إلى مكتبة صوتية متكاملة، حيث تحوي المحاضرات الدينية كدروس تفسير القرآن، والثقافية والسياسية.

إضافة إلى مشاركته الدائمة في المنتديات والندوات والمؤتمرات، وكتابة الأبحاث ونشرها في بعض المجلات كمجلة الكلمة ومجلة الواحة ومجلة البصائر ومجلة الحج والعمرة ومجلة المنهاج ومجلة رسالة التقريب. ونشر بعض المقالات الأسبوعية في بعض الصحف كصحيفة اليوم السعودية وجريدة الوطن الكويتية وجريدة الأيام البحرينية.

إضافة إلى التزامه بصلاة وخطبة الجمعة في مدينة القطيف.

منهجه الإصلاحي:

1 – التصدي لشؤون المجتمع والأمة. فالشيخ الصفار ومنذ انطلاقته الدينية في عقد السبعينات، وهو يتصدى عبر وسائل عديدة لشؤون مجتمعه ووطنه وأمته.

حتى أضحى بفعل هذا التصدي، أحد زعماء المجتمع الذي يشار إليه بالبنان، فهو يلقي المحاضرات والتوجيهات الإسلامية، ويتدخل لعلاج بعض المشكلات والأزمات الاجتماعية، ويساهم في مساعدة الفقراء والمحتاجين، ويرعى ويدعم العاملين لأجل مجتمعهم وأمتهم، ويلتقي المسئولين ورجال السياسة ليطالب بحقوق الناس وضرورة إنصافهم في شؤون الحياة المختلفة، ويفتح قلبه وعقله وينسج العلاقات الوطنية والإسلامية من أجل ما ينفع حاضر المسلمين ومستقبلهم.

فصور التصدي الذي يمارسه الشيخ الصفار متعددة ومتنوعة، إلا أن أجلى وأظهر صورة لعملية التصدي هي بناءه ورعايته لحركة إسلامية مستنيرة، تنشط على أكثر من صعيد، وتطالب بإصلاح الأوضاع السياسية والاجتماعية في المملكة وبالخصوص فيما يرتبط ووضع الشيعة في المملكة العربية السعودية.

2 – التواصل والانفتاح مع النخب الدينية والثقافية، وتجاوز كل العناوين التي تحبس الإنسان ضمن أطر ضيقة.

فالشيخ الصفار ومن خلال ممارساته ومبادراته، هو أحد أعلام الانفتاح والتواصل سواء في الدائرة الإسلامية أو الدائرة الوطنية. فهو أحد المطالبين والمبادرين للتقريب بين المذاهب الإسلامية، كما أنه في ذات الوقت أحد المطالبين والمبادرين لنسج علاقات سوية بين جميع مكونات المجتمع والوطن.

إضافة إلى سعيه المتواصل للانفتاح والتواصل مع مختلف القوى والفعاليات الدينية والثقافية والاجتماعية في المجتمع المحلي. فهو طاقة متحركة باتجاه الانفتاح والتواصل. ويعمل عبر كتاباته ومحاضراته لتأصيل هذا الخيار، وتفكيك كل العوامل المضادة إليه.

لذلك فهو يقول في أحد كتبه ”في الواقع كل التراث الإسلامي سواء كانت المصادر عند الشيعة أو عند السنة تحتاج إلى تنقية وغربلة، وبعضها يحتاج إلى التوثق من صحته وصدوره، وبعضها يحتاج إلى إعادة النظر في فهمنا للنص حتى على تقدير صحة النص فكيف نفهمه.

فكل التراث سواء كان ما عند السنة وما عند الشيعة يحتاج لبحث، لكن اللافت للنظر أننا نهرب من النقد الذاتي وكل واحد يوجه نقده للآخر وليس لذاته. فالشيعي ينتقد ما في تراث أهل السنة، لكنه لا يتحلى بالجرأة لكي ينقد تراثه هو، والسني أيضا ينقد ما في تراث الشيعة ولا يتحلى بالجرأة لينقد ما عنده هو من تراث أيضا ويعيد النظر فيه، وفي الحقيقة كل تراثنا السني والشيعي بحاجة إلى إعادة نظر“.

3 – بناء ورعاية ومساعدة المؤسسات الاجتماعية والثقافية. حيث أنه لا يمكن لأي فرد بوحده مهما أوتي من طاقات وقدرات متميزة، أن يفي بحاجات ومتطلبات المجتمع أو مشروع الإصلاح الديني والثقافي. وإنما هو بحاجة إلى مشاركة جميع فئات ومؤسسات المجتمع في هذا المشروع. لهذا فإن الشيخ الصفار ووفق رؤيته الإصلاحية، فإنه يعتني بالتواصل والرعاية للعديد من الأنشطة والمؤسسات الدينية والاجتماعية والثقافية، فيعمل على تشجيعها ودعمها وتذليل العقبات من أمامها، وفتح آفاق جديدة لها.

ويوظف في سبيل ذلك كل علاقاته ومعارفه واحترامه في المجتمع، من أجل تقوية هذه المؤسسات، ومدها بأسباب القوة والاستمرار.

4 – التعاون ونسج علاقات التضامن مع مختلف القوى والفعاليات. فالمجتمع بكل فئاته وشرائحه، يزخر بالعديد من الكفاءات والطاقات. والرؤية الإصلاحية للشيخ الصفار، تقتضي تشجيع الجميع للتعاون مع بعضهم البعض، والقيام ببعض الأعمال المشتركة، وإنجاز تفاهم عميق بين مختلف الأطراف والأطياف. وهو دائما من الباذلين جهدا، في سبيل خلق تفاهم عميق بين مختلف المكونات والتعبيرات.

5 – رعاية واحتضان مجموعة من الطاقات والكفاءات التي تشترك وإياه في هم الإصلاح والتغيير. فهو لا يعمل وحده، وإنما يعمل على إشراك آخرين معه في العمل.

ويقوم في سبيل إنجاح تجربة الشراكة، بالكثير من الجهود، لتذليل بعض المشكلات، وضبط بعض التوترات، وإدارة بعض التباينات.

فالمنهج الإصلاحي للشيخ الصفار، يتجه عبر هذه الأعمال والمناشط لتعميق خيار الإصلاح والتغيير في المجتمع، ولتوسيع دائرة المطالبين بالإصلاح، والساعين نحو نيله وتجسيد حقائقه في الواقع الخارجي.

من أفكاره:

1 – الإنسان أساس التنمية:

”الإنسان هو أساس التنمية، ومحور النهوض والتغيير، فلا تحدث تنمية حقيقية إلا من خلال إنسان فاعل، ولا يتحقق تقدم إلا عبر مجتمع ناهض، وأوطاننا ومجتمعاتنا لن تتجاوز تخلفها إلا إذا قرر أبناؤها استخدام قدراتهم وطاقاتهم في العمل والبناء، وهل ينقص إنساننا شيء.

إنه لا يقل ذكاء وفطنة عن أبناء المجتمعات الأخرى، وليست مواهبه واستعداداته أضعف من الآخرين، لكن ما يحتاج إليه إنساننا هو إرادة العمل. وإرادة العمل تعني نفض غبار الكسل والخمول، ورفض منطق التبرير والتواكل، وتحدي المشاكل والصعوبات، وتحمل المشقة والعناء.

وإرادة العمل إذا ما تفجرت وأشرقت في نفس الإنسان، انعكست أشعتها وآثارها على مختلف جوانب حياته، فبها يتفتق ذهنه عن الخطط والمشاريع، وينتج عقله الآراء والأفكار، وتنشط حواسه وأعضاؤه للحركة والأداء“.

2 – الحرية في الساحة الدينية:

”ليس من الخطأ أن يقتنع الإنسان برأي، أو ينتمي إلى مدرسة، أو يؤمن بقيادة، أو يثق بمرجعية، كما أنه من حقه أن يعبر عن رأيه، وأن ينتصر لتوجهه، وأن يبشر بأفكاره، لكن الخطأ هو احتكار هذا الحق لنفسه وإنكاره ذلك على الآخرين.

إننا في ساحتنا الدينية بحاجة إلى الاعتراف بحق الاختلاف، وتعزيز حرية الرأي، ونشر ثقافة التسامح وقبول الآخر. ويجب أن نرفع الصوت عاليا ضد الإرهاب والقمع الفكري، ومحاولات الهيمنة، وفرض الوصاية على عقول الناس وأفكارهم، باسم العقيدة والدين“.

3 – تنمية روح التعاون في المجتمع والأمة:

”إننا بحاجة إلى ثقافة تدعو إلى التعاون، وتبشر به في جميع الأوساط والميادين، ويجب أن نفضح العوائق الفكرية والنفسية التي تعرقل مسيرة التعاون، وتوقف حركتها، وخاصة ما ينسب منها إلى الدين، لأنها تعني تحميل الدين مسؤولية التخلف، وأنه العائق أمام إرادة التعاون.

ولكي تسود منهجية التعاون في مجتمعاتنا، ينبغي أن تنطلق المبادرات التعاونية على مختلف الأصعدة، لتتراكم التجارب، وتتوفر النماذج المشجعة. إن على كل من يؤلمه واقع العلاقات المتردية داخل الأمة، ويتطلع إلى سيادة روح التعاون والعمل الجمعي، أن يبادر بشخصه ومن موقعه، وبما يمثل من دور، لمد يد التعاون والانفتاح على الآخرين، لتحويل التطلع إلى واقع، والفكرة إلى عمل. إن على المرجع الديني الذي يدعو إلى التعاون أن يخطو باتجاه التعاون مع سائر المرجعيات الدينية.

والمفكر الذي ينظر للوحدة عليه أن يطرح مشروع عمل يشترك فيه مع المفكرين الآخرين. والسياسي الذي يندد بحالة التشرذم والخلافات، عليه أن يقدم نفسه نموذجا للتعاون مع الآخرين. ورجل الأعمال الذي تبهره ضخامة الشركات الأجنبية عليه أن يسعى لإقناع أمثاله باندماج مؤسساتهم الاقتصادية، وهكذا العاملون في المجال الاجتماعي والعلمي وسائر المجالات“.

الصفار.. ومقاومة الخوف من التجديد:

دائما المجتمعات الساكنة والجامدة، تخاف من التغيير والتجديد. وهذا الخوف يتحول بفعل عمق الجمود والتكلس إلى رهاب. أي إلى مرض مجتمعي يحول دون أن ينفتح المجتمع على آفاق التغيير والتجديد وموجباتهما.

وفي هذا السياق تبرز المفارقة الصارخة، التي تعيشها المجتمعات الجامدة. فهي تعيش التخلف والجمود والسكون على كل الأصعدة، وتعتمد على غيرها من الأمم والمجتمعات في كل شيء، وترضى بكل متواليات هذا الواقع السيئ. وفي ذات الوقت تخاف التغيير، وترفض التجديد، وتقبل العيش في ظل هذا الواقع السيئ..

ولعلنا لا نبالغ حين القول: أن الخوف من التغيير والرهاب من التجديد، ليس خاصا بمجتمع دون آخر، وإنما هي من خصائص المجتمعات المتخلفة والجامدة، بصرف النظر عن أيدلوجيتها وبيئتها.. فكل المجتمعات الجامدة تخاف من التغيير، وكل الأمم المتخلفة تخشى من التجديد لمستوى الرهاب.

من هنا فإن لحظة الانطلاق الحقيقية في هذه المجتمعات، تتشكل حينما تتجاوز هذه المجتمعات حالة الخوف والرهاب من التغيير والتجديد. فحينما يكسر المجتمع قيد الخوف من التغيير والتجديد، حينذاك يبدأ المجتمع الحياة الحقيقية، التي تمكنه من اجتراح فرادته وتجربته. أما المجتمعات التي لا تتمكن لأي سبب من الأسباب من تجاوز حالة الرهاب والموقف المرَضي من التجديد، فإنه سيستمر في التقهقر والتراجع على جميع الأصعدة والمستويات..

والفئات والشرائح التي لها مصلحة في استمرار التقهقر والجمود، ستستثمر هذه الحالة المرَضية وتبني عليها الكثير من المواقف والإجراءات، والتي تعمق حالة التخلف وتزيد حالة الخوف المرَضي من كل آفاق ومتطلبات التغيير والتجديد.

وينقل في هذا الصدد عن التاريخ الصيني القديم، أنه في ظل سلالة هان «25 _ 220 ق. م» صدر مرسوم إمبراطوري ينص على أنه لا يجوز لأي متأدب أن يطرق، بصورة شفهية أو خطية، أي موضوع لم يعينه له أستاذه. فليس يحق لكائن من كان أن يتخطى ميراث معلمه. وكل من تسول له نفسه أن يتعدى الحدود المرسومة يغدو مبتدعا.

وهكذا تأسس رهاب البدعة الذي شل قدرة المثقفين الصينيين على التفكير كما على التخيل. فلكأن عقولهم قد حبست في أكياس من البلاستيك حتى لا يتسرب إليها أي جديد.

فالنزوع القهري إلى رفض التغيير والخوف من التجديد، هو حالة مرضية، تزيد من انحطاط المجتمعات، وتبقيها تحت ضغط الجمود والتخلف. ولا تقدم لهذه المجتمعات إلا بإنهاء حالة الرهاب من التغيير والتجديد..

ونحن هنا لا نقول أن التجديد في المجتمعات بلا صعوبات وبلا مشاكل، ولكننا نود القول: أن مشاكل المجتمعات من فعل التغيير والتجديد أهون بكثير من استمرار حالة التخلف والجمود.. وإن المجتمعات لم تتقدم إلا حينما انخفض منسوب الخوف من التغيير والتجديد إلى حدوده الدنيا. بدون ذلك ستبقى مقولات التقدم والتجديد والتغيير، مقولات جامدة ومنفصلة عن الحياة الاجتماعية.

وهذا ما يفسر لنا حالة بعض المجتمعات العربية والإسلامية على هذا الصعيد. فهي مجتمعات مليئة في الإطار النظري بمقولات التقدم والحرية والتجديد، إلا أن واقعها الفعلي، أي واقع النخب وأغلب الشرائح والفئات الاجتماعية، تتوجس خيفة من هذه المقولات، وتنسج علاقة مرضية مع مقتضيات التقدم والحرية والتجديد. فتجد الإنسان يصرخ ليل نهار باسم التغيير والتجديد، إلا أنه في ذات الوقت يقف موقفا سلبيا من كل الوقائع الاجتماعية والثقافية والسياسية التي تنسجم ومقولة التغيير والتجديد، فتتضخم لديه الخصوصيات إلى درجة إلغاء مقولة التجديد..

فهو باسم الثوابت يحارب المتغيرات، وباسم الخصوصية يحارب التجديد، وبعنوان عدم التماهي مع الآخر الحضاري يقف ضد كل نزعات التغيير والتجديد. فهو على الصعيد النظري، جزء من مشروع الحل، إلا أنه على الصعيد الواقعي، جزء من المشكلة والمأزق. وكل ذلك بفعل رهاب التجديد والتغيير.

وهي عناوين ومقولات لا يكفي التبجح بها، وإنما من الضروري الالتزام النفسي والعقلي والسلوكي بمقتضياتهما ومتطلباتهما. وهنا حجر الزاوية في مشروعات التجديد في كل الأمم والمجتمعات.

لهذا من الضروري لأي إنسان ومجتمع، أن ينسج علاقات جدلية ونقدية مع مقولاته وشعاراته، حتى لا تتحول هذه المقولات والشعارات إلى أقانيم مقدسة، تحارب التجديد في العمق والجوهر، وهي تتبناه في المظهر.

ويبدو من خلال التجارب الإنسانية المديدة، أن المجتمعات تتمايز على هذا الصعيد في هذه المسألة.. فكل المجتمعات تصدح بضرورة التطوير والتجديد والتغيير، إلا أن هناك مجتمعات تخاف حقيقة من التجديد، لذلك فهي على الصعيد الواقعي تحارب كل ممارسة تجديدية.

فالتمايز يكون بين المجتمعات، بين مجتمعات ترفع شعار التجديد وتلتزم بكل مقتضياته ومتطلباته. ومجتمعات ترفع شعار التجديد دون الالتزام بكل المتطلبات. ولعل من أهم الأسباب لهذا التمايز بين القول والممارسة هو في الخوف من التجديد والرهاب من التغيير. صحيح أن هذه المجتمعات ترفع شعار التجديد، إلا أنها على الصعيد النفسي والثقافي تخاف من المقتضيات والمتطلبات.

فهي مع التجديد الذي لا يتعدى أن يكون شعارا فحسب، أما التجديد الذي يتحول إلى مشروع عمل وبرامج عملية متكاملة، فهي ترفضه وتخاف منه. وأي مجتمع لا يتحرر من رهاب التجديد، فإنه لن يتمكن على المستوى الواقعي من الاستفادة من فرص الحياة ومكاسب الحضارة الحديثة.

ولكي تتحرر مجتمعاتنا من رهاب التجديد والتغيير، من الضروري التأكيد على النقاط التالية:

1 – إن التجديد والتغيير في المجتمعات الإنسانية، لا يحتاج فقط إلى توفر الشروط المعرفية والثقافية والسياسية، وإنما من الضروري أن يضاف إلى هذه الشروط، شرط الاستعداد النفسي والعملي لدفع ثمن ومتطلبات التجديد في الفضاء الاجتماعي. وبدون توفر هذا الشرط، لن تتمكن المجتمعات من ولوج مضمار التجديد.

لأن التجديد بحاجة إلى جهد إنساني متواصل، واستعداد نفسي مستديم لإنتاج فعل التجديد والتغيير في الواقع الاجتماعي. والاستعداد النفسي الذي نقصده في هذا السياق، ليس ادعاءا يدعى، وإنما هو ممارسة سلوكية، تحتضن وتستوعب كل شروط التجديد، وتعمل على تمثل وتجسيد متطلباته في الذات والواقع العام.

فطريق التجديد في مجتمعاتنا، ليس معبدا أو سهلا، وأمامه العديد من الصعوبات والمآزق، وبدون الاستعداد النفسي والعملي لدفع ثمن التجديد والتغيير، لن تتمكن مجتمعاتنا من القبض على حقيقة التجديد والتغيير.

فالمطلوب دائما وأبدا ومن أجل الاستيعاب الدائم لمكاسب العصر والحضارة الحديثة، هو توفر الجهد الإنساني الموازي لطموحاتنا وتطلعاتنا. وبدون ذلك ستصبح دعوات التجديد في أي حقل من حقول الحياة وكأنها حرثا في البحر. فعليه فإن التجديد في المجتمعات الإنسانية، يتطلب وجود مجددين، يجسدون قيم ومبادئ التجديد، ويعملوا من أجل بناء حقائق ووقائع في الحياة الاجتماعية منسجمة وقضايا التجديد ومتطلباته.

2 – إن قانون التغيير والتجديد في المجتمعات الإنسانية، لا يعتمد على قانون المفاجأة أو الصدفة، وإنما على التراكم. فالتجديد يتطلب دائما ممارسة تراكمية، بحيث تزداد وتتعمق عناصر التجديد في الواقع الاجتماعي.

ولهذا ومن هذا المنطلق فنحن مع كل خطوة أو مبادرة صغيرة أو كبيرة، تعمق خيار التجديد وتراكم من عناصره في الفضاء الاجتماعي. وفي المحصلة النهائية فإن التجديد هو ناتج نهائي لمجموع الخطوات والمبادرات والممارسات الايجابية في المجتمع.

ويشير إلى هذه الحقيقة المفكر العربي «جورج طرابيشي» في كتابه «هرطقات عن الديمقراطية والعلمانية والحداثة والممانعة العربية» بقوله: والواقع أن قانون الترابط بين حركة الإصلاح الديني والتقدم الثقافي دلل على فاعلية نموذجية في الدول الصغيرة الحجم في المقام الأول. وتلك هي حالة السويد التي كانت أول بلد في العالم يطور برنامجا شاملا لمحو الأمية.

فانطلاقا من فكرة لوثر البسيطة القائلة إن جميع المسيحيين بلا استثناء كهنة، وبما أن الكاهن هو بالتعريف في تصور بشر ما قبل الحداثة من يعرف القراءة، بات واجبا على البشر، كي يكونوا كهنة أي محض مسيحيين، أن يتعلموا القراءة.

وعلى العكس من الكنيسة الكاثوليكية التي عارضت وصول العامة إلى النصوص المقدسة، شجعت الكنائس البروتستانتية أهالي المدن والأرياف على السواء على تعلم القراءة. ومنذ مطلع القرن السابع عشر أطلقت كنيسة السويد اللوثرية، بمساندة من الدولة، حملات واسعة النطاق لمحو الأمية. وفي أقل من قرن، كان ثمانون في المئة من السكان، في ذلك البلد القروي، قد أضحوا من المتعلمين. وما إن أطل القرن الثامن عشر حتى كان تعميم التعليم في السويد قد أضحى ظاهرة جماهيرية ناجزة، وهذا بدون وجود شبكة موازية من المدارس والأجهزة التربوية.

من خلال هذه التجربة نرى أهمية أن تترجم دعوات التجديد والتغيير إلى خطط وبرامج ومبادرات، حتى يتسنى للمجتمع اكتشاف بركات ومنافع التجديد على المستويين الخاص والعام.

وجماع القول: أن التجديد في مجتمعاتنا ضرورة قصوى. ولكن هذا لا يعني أن طريق التجديد سالكا ومعبدا وبدون مشاكل، بل على العكس من ذلك حيث أن طريق التجديد والتغيير مليء بالأشواك والصعاب. والشرط الضروري الذي يوفر لنا إمكانية تجاوز كل هذه العقبات وإبراز منافع التجديد والتغيير هو إنهاء حالة الرهاب والخوف من التجديد.

والشيخ الصفار من أبرز المصلحين المعاصرين، الذي عمل عبر محاضراته وخطاباته ومؤلفاته، ومواقفه الفكرية والسياسية، على كسر حاجز الخوف عند المجتمع، ودفعهم نحو المشاركة وتحمل المسؤولية، بعيدا عن الجمود أو الرهاب من الجديد.

وقد ألف كتابا في نهاية عقد الثمانينات الميلادية، أطلق عليه عنوان «كيف نقهر الخوف» أراد أن يقول من خلال نص الكتاب، أن المجتمع الذي ينشد التقدم والتغلب على مشاكله وأزماته السياسية والاقتصادية والحضارية، فإنه لن يتمكن من ذلك، إلا بقهر الخوف وتجاوز كل موجباته وتفكيك كل عوامله وأسبابه.

فالتقدم الحضاري للمجتمعات، لا يمكن أن يتحقق إلا بإنهاء حالة الخوف بكل أشكالها ومستوياتها. لذلك نجد أن الشيخ الصفار يعبر في أحد نصوصه الموسوم ب «الآحادية الفكرية في الساحة الدينية»، بأن التجديد هو قضيته الجوهرية والدائمة. إذ يقول ”التجديد في الفكر الإسلامي حالة حصلت في الساحة الإسلامية عند كل المذاهب.

فالإسلام كإسلام لا يتغير، لكن فهم المسلمين للإسلام في بعض الحقب والظروف قد يتخلف عن مسايرة التطور الفكري والاجتماعي، وتتراكم عليه مجموعة من الأفكار والتصورات التي تعبر عن فهم متخلف من قبل بعض المسلمين، ولكنهم ينسبونها إلى الإسلام، لكن يحتاج الفكر الإسلامي، بل والإنساني بشكل عام بين فترة وأخرى إلى نوع من الانتفاضة أو الهزة أو إلى إزالة ما تراكم عليه من غبار، ودفعه لمسايرة التطور الذي يحدث في حياة المجتمع وحياة البشر، وهذه الحالة توجد في مختلف المدارس الفكرية والدينية وعلى الصعيد الإسلامي، وكل المذاهب الإسلامية أيضا في الحالة الإيجابية تعيش مثل هذه الحالة «حالة التجديد»“.

ويضيف في نفس الكتاب ” إنني أعد هذه القضية منطلق نشاطي وتحركي، فقد نشأت في بيئة دينية محافظة، ورأيت أقراني من الشباب معرضين عن الدين وعن الحالة الدينية، وهناك من استقطبته الاتجاهات المادية الوافدة، فانضموا إلى الأحزاب اليسارية من شيوعية وبعثية وقومية مختلفة كانت موجودة آنذاك، وهناك من عاشوا حياة اللامبالاة، فلا يهتمون بالجانب الديني ولا بالجانب الاجتماعي، ويمارسون التدين ممارسة تقليدية عادية، في حين تخلى البعض حتى عن هذه الممارسة وهم كثيرون.

وفي مثل هذه الأجواء بدأت أفكر أنه لا يمكن أن يكون الخلل في الدين ذاته، كما لا يمكن أن تتهم هؤلاء الشباب بأن لديهم خبثا أو مرضا أو انحرافا طبيعيا ذاتيا، فليست المشكلة في الدين، ولا في الناس ولا في الشباب، إنما المشكلة فيما يعرض من الدين، وفي طريقة عرض الدين.

لذلك بدأت أتوجه إلى التجديد في طرح الدين، والتجديد في فهم الناس للدين. وبدأت بنفسي أولا فحاولت أن أتعرف إلى حقيقة الدين، وهل الدين هو نفسه السائد عند آبائنا وأمهاتنا وفي الأجواء التي نراها أمامنا؟ أو أن هناك شيئا أعمق وأصدق وأقرب إلى حقيقة الدين؟ “.

ولا يمكن أن يتم تجاوز حالة الرهاب من التجديد أو القبض على حقائق الإصلاح والتجديد إلا بالنقاط التالية:

1 – تأصيل قيم الحرية والتعددية في المجتمعات العربية والإسلامية، وذلك ليس من أجل تشريع الفوضى والانقسام في جسم الأمة، وإنما من أجل تحقيق الوحدة والتعايش بين جميع المكونات والتعبيرات على قاعدة الحرية والاحترام والمتبادل والتعايش الحضاري.

ويقول الشيخ الصفار في هذا السياق في كتابه الموسوم ب «التنوع والتعايش – بحث في تأصيل الوحدة الاجتماعية والوطنية»، ” إن أول خطوة تضعنا على طريق التنمية والتقدم، هي امتلاك إرادة التعايش والقدرة على تحقيقه.

فإذا ما اعترف بعضنا ببعض، واحترم كل واحد منا الآخر، وأقر بشراكته ودوره، حينئذ يمكننا العمل معا لتجاوز حالة التخلف العميق والانطلاق نحو أفق الحضارة الواسع. إن المسافة بيننا وبين ركب الحضارة والتقدم بعيدة شاسعة، ونحتاج إلى بذل أقصى الجهود، وتفعيل كل الطاقات والقدرات، حتى نقطع شوطا من ذلك الطريق الطويل.

والتنمية تحد صارخ، حتى للأقطار التي تنعم بالسلام والاستقرار، كما أن هناك سباقا عالميا محموما بين الدول الصناعية والمتقدمة نفسها، كما هو واضع اليوم بين أمريكا واليابان.

إننا لو تحركنا ومشينا بالسرعة نفسها التي يمشي بها الآخرون، لما استطعنا اللحاق بهم، لوجود مسافة كبيرة فاصلة، فمن يقطع أمامك ألف كلم ويسير بسرعة 120 كلم في الساعة، لن تدركه أبدا إذا مشيت أنت بالسرعة نفسها، بل لا بد لك من مضاعفة السرعة، لعلك تعوض ما فاتك من المسافة التي قطعها أمامك.

بيد أن واقع التنافر والاحتراب الداخلي يعوق أي محاولة للنهوض والإقلاع، فشعوبنا كسائر المجتمعات البشرية، تتنوع ضمنها الاتجاهات، وتتعدد الانتماءات، دينيا وقوميا وسياسيا، لكن مشكلتنا أن كل اتجاه أو انتماء يعيش القلق من الآخرين في محيطه، حيث تسود أجواءنا حالة من الشك والارتياب تجاه بعضنا البعض، وهو ما يدفع كل طرف للحذر من الآخر، والاستعداد لمواجهته، والعمل على إضعافه، فيحول بيننا وبين التعاون الجاد المخلص، بل ويوجه طاقاتنا نحو الهدم بدل البناء.

إن أذهاننا وأفكارنا مشغولة بمعاركنا الداخلية، وإن الجزء الأكبر من إمكانياتنا تستنزفه تلك المعارك “.

ويضيف ”إن جروح الاحتراب الداخلي لا تزال تنزف من جسم أمتنا الإسلامية في أكثر من مكان، وبدرجات متفاوتة. وذلك يؤكد ضرورة التوافق على مبدأ التعايش، والقبول بالآخر ومشاركته، بدلا من التفكير في إلغائه أو تجاهله أو تهميشه“.

ومفهوم التعايش الذي يبلور الشيخ الصفار معالمه وحدوده، لا يساوي التنازل عن الثوابت أو الميوعة في الالتزام بالمبادئ والقيم وإنما يعني ”أن يعترف كل طرف للآخر بحقه في التمسك بقناعاته ومعتقداته، وممارسة شعائره الدينية، والعمل وفق اجتهاداته المذهبية، ويتعامل الجميع كمواطنين متساوين في الحقوق والواجبات، متعاونين لتحقيق المصلحة العامة ومواجهة الأخطار المشتركة“.

2 – رفض كل أشكال الوصاية الفكرية وتأصيل حرية الرأي والاختيار. فالله سبحانه وتعالى لم يشرع لأحد أن ينزع حرية أحد، أو يضطهده بسبب قناعاته وأفكاره. فالناس سواسية ولهم كامل الحق والأهلية للتعبير عن ذواتهم وأفكارهم.

ويوضح الشيخ الصفار رؤيته حول رفض الوصاية الفكرية بقوله: ” لقد عانى الإنسان ولا زال يعاني من نوعين من محاولات الاستعباد والتسلط: استعباد لجسمه يقيد حركته ونشاطه، وتسلط على فكره يصادر حرية رأيه، وحقه في التعبير عنه.

وإذا كانت مظاهر الاستعباد المادي قد تقلصت، فإن ممارسات الوصاية الفكرية لا تزال واسعة النطاق، خاصة في مجتمعاتنا العربية والإسلامية.

وتعني الوصاية الفكرية: أن جهة ما تعطي لنفسها الحق في تحديد ساحة التفكير أمام الناس، وتسعى لإلزامهم بآرائها وأفكارها عن طريق الفرض والهيمنة.

ومن أبرز مظاهر الوصاية الفكرية ما يلي:

1 – فرض الرأي على الآخرين بالقوة، ومصادرة حريتهم في الاختيار.

2 – النيل من الحقوق المادية والمعنوية للآخرين بسبب اختياراتهم الفكرية.

3 – الاحتقار وسوء التعامل مع ذوي الرأي الآخر “.

ويضيف ”إن اعتقاد الإنسان بصواب رأيه، وإخلاصه لذلك الرأي، ورغبته في اتباع الآخرين له، كل ذلك أمر مشروع، ولكن ليس عبر الفرض والوصاية، وإنما عن طريق إقناع الآخرين بذلك الرأي، ومن يرفض الاقتناع فهو حر في اختياره محقا كان أو مبطلا، وليس من العقل والمنطق إجباره“.

و”إن الطريق المشروع والنهج الصحيح لنشر أي فكرة ومبدأ، هو عرضها بأحسن بيان، والدعوة إليها بالمنطق والبرهان، والجدال عنها بأفضل أساليب التخاطب مع العقول والنفوس، وذلك هو النهج الإلهي الذي قرره القرآن الكريم، يقول تعالى: [ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن].

كذلك فإن مواجهة الأفكار الباطلة، والآراء الخاطئة، يكون بنقدها ومناقشتها، وتسليط الأضواء على مكامن انحرافها، ونقاط ضعفها“.

3 – تأصيل قيم الانفتاح والتواصل بين جميع المكونات والتعبيرات. ويقدم الشيخ الصفار مجموعة من المقترحات في هذا السياق.

إذ يقول ” إن ساحة الأمة، وبخاصة في هذا العصر الذي تشتد فيه التحديات، وتتسم أجواؤه بالانفتاح المعرفي، بحاجة إلى مبادرات جريئة لكسر حالة الجمود والقطيعة على الصعيد العقدي معرفيا، وتوفير فرص التواصل العلمي، وعرض الآراء والأفكار بموضوعية وإنصاف، ويمكن أن تكون المقترحات التالية سبيلا للتواصل:

1 – إنشاء كلية لدراسة العقائد وعلم الكلام المقارن على نسق دراسة علم الفقه المقارن.

2 – تشكيل مؤسسة علمية إسلامية، تهتم بالدراسات والبحوث العقدية، بمشاركة علماء ومفكرين يمثلون مختلف المدارس الكلامية في الأمة، على غرار مجمع الفقه الإسلامي.

ونتمنى تكرار التجربة الرائدة لمجمع الفقه الإسلامي التي سبقت الإشارة إليها: من تكليف ممثلي كل مذهب بتقديم رأي مذهبهم على صعيد القواعد الأصولية والفقهية، نتمنى حصول مثل ذلك على الصعيد العقدي أيضا، بأن يقدم العلماء من كل مذهب آراءهم العقدية والكلامية بأسلوب علمي موثق، ليكون ذلك هو المصدر والمرجع المعتمد لدى الآخرين عنهم.

3 – إصدار مجلة متخصصة ببحوث علم الكلام والدراسات العقدية، تنفتح على مختلف التوجهات، بنشر كتاباتها العلمية، وإجراء الحوارات مع شخصياتهم المعرفية.

4 – عقد مؤتمرات تخصصية تناقش قضايا العقيدة وعلم الكلام، تشارك فيها مختلف المدارس، ويبحث كل مؤتمر قضية محددة، مثلا: مسألة العصمة، أو القضاء والقدر، أو أسماء الله وصفاته، أو الإمامة. وكذلك بحث المسائل الجديدة في علم الكلام كالتعددية الدينية، والعلاقة بين الدين والعلم، والهرمنوتيك أو تفسير النصوص “.

4 – تجذير قيم النقد والمحاسبة في المجتمعات العربية والإسلامية، وينبغي أن لا نخاف من ممارسة النقد لذواتنا وتاريخها، ولا بد من الابتعاد عن كل الحالات النرجسية التي ترفض مساءلة الذات أو مراقبة أدائها في أي حقل من حقول الحياة.

ويعبر الشيخ الصفار عن هذه الحقيقة بقوله ” إننا بحاجة إلى شجاعة أدبية وجرأة موضوعية لتشخيص مواقع الخطأ، كما نشيد بمواقع القوة ونفخر بها في تاريخنا المجيد. ولا يعني ذلك أن نستغرق في مشاكل التاريخ الماضي، ولا أن ننشغل بالخلاف حول أحداثها، ولا أن نمعن في جلد الذات، ولكن تقديس الذات وتبرئتها وتمجيد كل ما سلف وسبق هو حالة سلبية خاطئة.

إننا نفصل بين واقع الاستبداد في تاريخ الأمة وطبيعة تعاليم الإسلام وإنسانية قيمه وتشريعاته، كما ندرك أن أعلام الأمة الصالحين من الفقهاء والمفكرين كانوا مخالفين لمسيرة الظلم بل كانوا ضحايا لها في غالب الأحيان، لذلك فإننا لا ندين كل تاريخ الأمة وإنما ندين ما يستحق الإدانة، قصرت مساحته أو غلبت. والتقديس المطلق والتنزيه التبريري العاطفي هو نوع مرفوض من خداع الذات “.

نتائج أخيرة:

أولا:

في الدائرة الشيعية المفتي هو المرجع الديني، بوصفه المؤهل علميا لاستنباط الحكم الشرعي. وهذه الأحكام الشرعية تصل إلى الناس من خلال:

1 – اللقاء المباشر بالمرجع الديني وسؤاله واستفتائه حول مختلف القضايا الشرعية..

2 – كل مرجع ديني، يدون آراءه الفقهية في كتاب يسمى «الرسالة العملية»، وبإمكان كل مقلد، العودة إلى الرسالة العملية، لمعرفة رأي المرجع الديني في مسائل الحياة المختلفة.

3 – شبكة الوكلاء المنتشرون في كل المناطق والبلدان.. وهم في الغالب من طلبة العلوم الدينية بمستوياتهم المختلفة وأنشطتهم المتعددة، والذين يعودون ويقلدون على مستوى الحلال والحرام مرجعية دينية واحدة، وصل لديه الاطمئنان أنه الأعلم او الأصلح، على حسب المعايير المتبعة لدى كل مرجع ديني..

هؤلاء الوكلاء ومن خلال حضورهم الشخصي والمؤسسي في مجتمعاتهم، يباشرون دور بيان الأحكام الشرعية، وتعريف الناس بالآراء الشرعية لمرجعياتهم الدينية.. ولاعتبارات دينية واجتماعية مرتبطة بذات الوكيل، بعض هؤلاء، يكون وكيلا لأكثر من مرجعية دينية، لذلك هو يقوم في أبحاثه ودروسه ومحاضراته بالتعريف بالآراء الشرعية للمرجعيات الدينية التي يقلدها الناس، التي يدرسهم، أو يعيش في وسطهم..

وحينما يسأل الوكيل سؤال شرعي، يجهل رأي المرجع فيه، فإنه يتواصل مع المرجع بشكل مباشر، وطلب بيان رأيه الشرعي في هذه الموضوعات والأحداث المستجدة.. لهذه الآلية والكيفية، يمارس المرجع الديني دوره في الإفتاء وبيان الأحكام الشرعية..

ومن الضروري في هذا السياق بيان أن المرجع الديني، ليس معنيا بتحديد الموضوعات الخارجية، وإذا عينها فهو يعينها بوصفه من أهل الخبرة.. فمهمته هو بيان الأحكام الشرعية، ولكن تحديد موضوعات هذه الأحكام فهي بيد العرف أو أهل الخبرة والمتشرعة.

وهذه القناعة الفقهية تساهم في الحد من تدخل الفقيه في حياة الناس التفصيلية، وتخرجه من دائرة الاختلاف والتباين في مسائل تحديد المصادق الخارجية للأحكام الشرعية..

ثانيا:

إن المهام والوظائف الموكولة إلى المرجع الديني وشبكة الوكلاء، تتعدى عملية الإفتاء وبيان الأحكام الشرعية..

إذ أن هذه الجهات الدينية، ووفق النصوص الشرعية والخبرة التاريخية، معنية أيضاً بمشروعات الإسلام في جوانب الحياة المختلفة.. بمعنى أنها معنية بصياغة مشروعات إسلامية معاصرة، لكي يعيش الإنسان المسلم إسلامه، كما يعيش عصره..

طبعا التزام الجهات الدينية بهذا الأفق، يعود إلى طبيعة تكوينها العالمي والثقافي والسياسي، فإذا كان تكوينها بأفق تجديدي، فهي تتحرك بأفق الإسلام كله، وتعمل من أجل صياغة رؤية الإسلام لكل مستجدات وتطورات العصر..

أما إذا كان تكوينها تقليديا – مدرسيا، فهي تكتفي بالأدوار والوظائف التقليدية سواء إلى المرجعية الدينية أو شبكة الوكلاء.. إلا أن القدر المشترك لكل هذه التكوينات، أنها لا تحصر دور ووظيفة هذه الجهات في عملية الإفتاء الشرعي..

4 – إن تطوير الحياة العلمية للشيعة الإمامية في منطقة الخليج العربي، يتطلب إضافة إلى عوامل أخرى، إلى مستوى من الاستقرار السياسي وحماية الخصوصية المذهبية والثقافية، والسماح القانوني لهم، لتأسيس معاهدهم الشرعية وحوزاتهم الدينية..

فلا يمكن إعادة الإنجاز العلمي للشيعة، بحيث تكون مجتمعاتهم منجبة لمرجعيات دينية وعلمية، إلا ببناء حوزات علمية قادرة على التدريس والبناء العلمي في ظل أوضاع سياسية، تحمي هذه الحياة، وتعمل على تذليل كل العقبات التي تحول دون تأسيس حواضرهم العلمية والدينية.

ولا شك على هذا الصعيد أن واقعهم السياسي والاجتماعي في منطقة الخليج في أغلبه، لا يعيش هذه الحالة، ويعاني الكثير من الصعوبات والعراقيل النابعة من طبيعة الخيارات السياسية والثقافية التي تتبعها حكومات المنطقة، تجاه الوجود الشيعي في الخليج، أو نابع من طبيعة الخطاب الديني السائد في مجتمعات الخليج، وهو خطاب في غالبه متشنج ومتشدد تجاه المسألة الشيعية في الخليج..

على كل حال ما نود أن نقوله: إن بناء المعاهد الشرعية والحوزات الدينية، هو الطريق لإعادة المجد العلمي، لكي يتم التعامل مع هذا الوجود، بوصفه أحد المكونات الأساسية للنسيج الثقافي والعلمي والسياسي لمجتمعات الخليج ..

الهوامش

[1]  السيد محمد حسين فضل الله، فقه الشريعة، ص 14، المجلد الأول، الطبعة السابعة، دار الملاك، بيروت، 2003م.
[2]  الدكتور علي رضا فيض، الفقه والاجتهاد – عناصر التأصيل والتجديد والمعاصرة، الجزء الأول، ص 67، ترجمة حسين صافي، مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلامي، الطبعة الأولى، بيروت 2007م.
[3]  الشيخ جعفر السبحاني، تاريخ الفقه الإسلامي وأدواره، ص 384، دار الأضواء، الطبعة الأولى، بيروت 1999م.
[4]  الدكتور علي رضا فيض، مصدر سابق، ص 77 – 82.
[5]  الشيخ أحمد الأحسائي، شرح الزيارة الجامعة، ص 369 – 370، طبعة إيران، 1859م.
[6]  القرآن الكريم، سورة الإسراء، الآية 1.
[7]  القرآن الكريم، سورة النساء، الآية 171.
[8]  الشيخ محمد الكليني، أصول الكافي، الجزء الثالث، ص 102، دار التعارف، بيروت 1990م.
[9]  الشيخ عبدالهادي الفضلي والشيخ حسن الصفار، الشيخ محمد أمين زين الدين – الدور الأدبي والجهاد الإصلاحي، ص 65، دار الجديد، الطبعة الأولى، بيروت 1999م
[10]  الشيخ محمد أمين زين الدين – الدور الأدبي والجهاد الإصلاحي، مصدر سابق، ص 81 – 82.
[11]  جولة في أزقة الذاركرة – المرجع الإسلامي الكبير محمد أمين زين الدين في ذكرى الأربعين، ص 11.
[12]  الشيخ محمد أمين زين الدين، إلى الطليعة المؤمنة ص 33، الطبعة الثالثة، مؤسسة الأعلمي، بيروت 1985م.
[13]  إلى الطليعة المؤمنة، مصدر سابق، ص 43.
[14]  إلى الطليعة المؤمنة، مصدر سابق، ص 251.
[15]  الشيخ محمد أمين زين الدين، «الإسلام، ينابيعه، مناهجه، غاياته»، ص 79 – 80، الطبعة الثانية، منظمة الإعلام الإسلامي، 1985م.
[16]  الدكتور عبد الهادي الفضلي، الوسيط في قواعد فهم النصوص الشرعية، ص 9، دار الانتشار العربي، الطبعة الأولى، بيروت 2001م.
[17]  المصدر السابق، ص 10.
[18]  المصدر السابق، ص 13.
[19]  الدكتور عبد الهادي الفضلي، دروس في أصول فقه الإمامية، الجزء الأول، ص 90، مؤسسة أم القرى للتحقيق والنشر، الطبعة الأولى، 1420 هـ .

 

المصدر: جهينة الاخبارية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign

Clicky