الاجتهاد: الظاهر أن أفضل تقسيم وتبويب لمسائل علم الأصول هو تقسيم الشيخ الأنصاري”قدس سره” على أساس الحالات النفسية للمجتهد من القطع والظن والشك بالنسبة للأحكام الكلية الواقعية. / هناك مسائل أصولية كان يبحثها العلماء قبل علم الأصول هجرها الشيخ، بينما لها دور فاعل ومهم في الاستنباط ، أمثال البحث عن الخبر المتواتر والواحد، وبعض مسائل علم الدراية. / بقلم سماحة السيد هاشم الهاشمي الكلبايكاني “رضوان الله عليه”.
يقسّم علم الأصول إلى قسمين :
الأوّل : مباحث الألفاظ : وهي القواعد اللفظيّة التي يعتمدها الفقيه في فهم النصوص .
الثاني : الأصول العمليّة : وهي الأصول التي تعالج حالة الشكّ، وقد بحث فيها عن القطع والأمارات، وهي في الحقيقة خارجة عن الأصول العمليّة لأنها ليست أُصولاً عمليّة لعلاج حالة الشك، بل انّها طرق عقليّة أو جعليّة للتوصل إلى الأحكام الواقعيّة.
والشك تارةً تكون له حالة سابقة، فالأصل فيه هو الاستصحاب، وأُخرى لا تكون له حالة سابقة، فالبراءة أو الاحتياط أو التخيير، وأمّا لو تعارض الدليلان فهو مورد التعادل والتراجيح.
والظاهر أن أفضل تقسيم وتبويب لمسائل علم الأصول هو تقسيم الشيخ الأنصاري”قدس سره” على أساس الحالات النفسية للمجتهد من القطع والظن والشك بالنسبة للأحكام الكلية الواقعية، ولكن يلاحظ نتائج المراجعة للأدلّة، فبعد مراجعة المجتهد لأدلة الأحكام المختلفة من الأدلة النقلية والعقلية والعقلائية وغيرها، قد يحصل له القطع بالحكم الشرعي الواقعي، أو الظن المعتبر به، ويسمى الأمارة بمختلف أنواعها،
أو يحصل له الشك بما يشمل الظن غير المعتبر، فالوظيفة فيه إما شرعية أو عقلية، أي : تارة الشارع يجعل الوظيفة في حالة الشك بالأحكام الواقعية، فالأصل شرعي، وأما إذا لم يجعل الشارع الوظيفة العملية في حالة الشك فيرجع إلى العقل في تعيين الوظيفة، فالأصل عقلي، فالتقسيم إلى الأصول الشرعية والعقلية حسب دليل الأصل.
وهو : إما أن يكون الشك مقروناً بالعلم الإجمالي فيجب الاحتياط، أو لا يكون مقروناً به فالبراءة.
وإذا دار الأمر بين المحذورین، بأن يشك أنّ الفعل الواحد واجب أو حرام مع العلم بأحدهما ، ولا يمكنه امتثالهما معاً، بل إنما يتمكّن من أحدهما، فالتخيير عقلاً، وإذا تعارضت الأمارتان أو الأصلان فيرجّح أحدهما على الآخر لو كان له مرجّح، وأمّا إذا لم يكن مرجّح في أحدهما فالأصل هو التساقط والتخيير.
هذا لو كان من باب التعارض، أي : التكاذب ، بأن نعلم بعدم صدور أحدهما من الشارع لا على التعيين، وأما لو علمنا بصدورهما ، ولكن المكلف لا يمكنه الجمع بينهما، فالتزاحم ، وله قواعده من التخيير إذا كانا متساويين بالأهمية، أو الترجيح حسب مرجحات التزاحم.
ويلحق بالقطع بالحكم الشرعي الاطمئنان، ويسمى العلم العادي والعرفي، أي : الظن المتاخم للعلم ، فإنه حجّة عقلائية، بينما القطع حجة عقلية.
وأما مباحث الألفاظ ، فهي القواعد اللفظية التي يعتمدها الفقيه في الوصول إلى هذه الحالات من خلال النصوص، وتعتمد – كما سنذكر – على أصالة الظهور.
و مباحث الألفاظ من الأمارات العقلائية المعتبرة عند الشارع، وفي الواقع إنها تشكّل صغريات لأصالة الظهور التي تعتبر كبرى لها، فمثلا : صيغة الأمر لها ظهور في الطلب أو الوجوب، فيحتاج إلى كبرى أصالة الظهور في حجيته، وكذلك فإنها قواعد لفهم النصوص ومؤثرة في أدلة الأحكام، بمعنى أن الحكم مستخرج من تلك النصوص من الكتاب والسنة، ولا يستخرج من داخل هذه القواعد، وإنما هذه القواعد مؤثرة في استخراج الأحكام من الأدلة وفي فهمها.
وهذا التفسير لو لاحظنا الحالات النفسية نتائج الفحص في الأدلة، ويمكن أن نلاحظها ( موضوعات) للأحكام فنقول : إن الفقيه يعلم إجمالًا بابتلائه بأحكام واقعية له ولمقلّديه ، ولا بد من الوصول إليها لرفع العقاب عنهما، والطريق إما واجب الحجة وهو القطع ، أو ممكن الحجية وهو الطريق والأمارة، أو لا يوجد طريق للأحكام في حالة الشك، فإن جعل الشارع وظيفة لنرجع إليها فهو الوظيفة الشرعية كالبراءة والاحتياط الشرعيين والاستصحاب، أو لم يجعل فهو الوظيفة العقلية، فالحق تقسيم الشيخ.
ولكن يمكن أن يلاحظ على تقسيم الشيخ بعض الإشكالات :
منها: أن مسائل الأصول لا تقسّم على حالات المكلّف أو المجتهد الثلاث، فالأصول العمليّة لا تختص بالشك، بل تشمل الظنّ غير المعتبر، وحجية خبر الثقة لا يختصّ بالظنّ الشخصيّ، بل هو حجة تعبّداً، وحجية الظواهر لیست من باب إفادة الظن، بل أنها من المواثيق العقلانية، كما أن هناك مسائل أصولية كان يبحثها العلماء قبل علم الأصول هجرها الشيخ، بينما لها دور فاعل ومهم في الاستنباط ، أمثال البحث عن الخبر المتواتر والواحد، وبعض مسائل علم الدراية، والبحث عن الأحكام العقلية وملازماتها ، وأقسام الإجماع والشهرة ولم يفرد لها في الأصول أبواب مستقلة ،
وكذلك كان يبحث عن المسائل الخلافية الأصولية مع إضافة بعض المسائل والأبواب والموضوعات التي أضافها المتأخرون، مع إضافة بعض المسائل والقواعد التي لها دور كبير في الاستنباط، ولكنّ العلماء امّا لم يبحثها في علم الأصول، أو بحثوها خلال موضو عات و أبواب أخرى، وكان من حقها أن يفرد لها عناوین مستقلة، كبحث الانصراف والعرف، والعلّة والحكمة وأقسامها، كما أن هناك مسائل بحثها الشيخ ومن قبله ولكنها هجرت وفنّدت، كدليل الانسداد، بينما هناك تحقیقات و آراء ، بل و عناوین و موضوعات جديدة توصل إليها المتأخرون من الشيخ، أو المتأخرون بعده، وتنبهوا إليها، من اللازم أن تجعل لها أبواب مستقلة، وقد أشرت في المقدمة إلى هذه الملاحظة، وقد حاولت مهما أمكن تبویب مسائل الأصول على ضوئها.
وهناك الكثير من الإشكالات المنهجية والأسلوبية والمضمونية على الشيخ، وعلى من قبله وبعده، وخاصة بعد ظهور علم المنهج الحديث، وإمكان الاستفادة منه في تطوير الدراسة الحوزوية، وقد أشرت إلى هذه الإشكالات والحلول في مقال لي حول المنهجية في بحوث الحوزة العلمية نشر في مجلة «رسالة الثقلين » العدد (26 و ۲۷).
تحميل العددين
تبويب علم الأصول
المصدر: كتاب خلاصة الأصول – بقلم المرحوم السيد هاشم الهاشمي الكلبايكاني – الجزء الأول -ص 14 –
رابط تحميل الكتاب من شبكة الفكر