مجتهدة العصر

مجتهدة العصر .. ذكرى الـ 38 لوفاة العالمة نصرت أمين الأصفهاني

خاص الاجتهاد: بمناسبة ذكرى الـ38 لوفاة مجتهدة العصر العالمة نصرت أمين الأصفهاني نقدم لكم تفاصيل لقاءها مع أستاذ الفقهاء آية الله السيد أبوالقاسم الخوئي (قدس سره) أثناء زيارتها العتبات المقدسة في النجف الأشرف وحضورها مجلس درس السيد الخوئي، الذي يرويه لأول مرة عضو أكاديمية العلوم الطبية في إيران الدكتور هادي أنصاري ابن الشهيد آية الله الحاج الشيخ أحمد الأنصاري.

ولدت السيدة نصرت أمين في أواخر شهر ذي الحجة الحرام، سنة 1312هـ ق، في أصفهان. يصل نسبها بثلاثين واسطة إلى الإمام علي بن الحسين زين العابدين (علیهما السلام).

الدكتور هادي أنصاري
الدكتور هادي أنصاري

والدها تاجر غني متدين من تجار اصفهان، اسمه الحاج محمد علي، الملقب بأمين التجار، هو ابن السيد حسن، وحفيد العلامة الزاهد السيد مير معصوم الحسيني الخاتون آبادي (ت 1155 هـ/ 1743م)،

أما الأم فهي من عائلة الجنابيّين، وهي عائلة متدينة من السادة الأشراف في إصفهان، اشتهر من أفرادها في العصرين الصفوي والقاجاري أعلام علماء، وشعراء، وأدباء، وخطاطون.

بدأت بتعلم القرآن وهي في الرابعة من عمرها كما تعلّمت العربيّة على يد “آية الله زِفرِه اي” (1) وبذلت جهودًا لاتقانها وكتبت ثلاثة كتب بها، منها: (الأربعون الهاشمية، النفحات الرحمانية، جامع الشتات)، تعلّمت الفقه والأصول، وتتلمذت على يد كبار علماء عصرها، علوم الهيئة، والنجوم، والرياضيات والطبيعيات وكانت تميل الى الصرف والنحو والفلسفة والحكمة.

وحين بلغت الثالثة عشرة من عمرها، وكان هذا السن مناسبا للزواج في أوائل القرن العشرين، تزوجت ابن عمها الحاج میرزا آغا المعروف بلقب معین التجار، فصارت ذات بعل وأولاد: لكن مع اشتغالها بتدبير المنزل، كانت حريصة على مطالعة الكتب العلمية.

بعد ما أنهت السيدة نصرت أمين مدارجها العلمية عند أساتذتها وهم آية الله الميرزا أبوالقاسم زِفْرِه إي، و حجة الإسلام حسين نظام الدين كجويي، والسيد أبوالقاسم دهكردي، والميرزا علي آقا الشيرازي، ومير السيد علي النجف آبادي، حصلت على إجازة الاجتهاد(2) والرواية من العلماء والمراجع كـ آية الله محمد كاظم الشيرازي والشيخ عبد الكريم الحائري مؤسس حوزة قم العلمية، والسيد ابراهيم حسيني شيرازي الاصطهباناتي، والشيخ محمدرضا النجفي الأصفهاني والشيخ مرتضى المظاهري النجفي.

لقد أدرك بعض العلماء الأعلام والعرفاء، ومنهم العلامة الأميني، صاحب الغدير، وآية الله الحاج آغا رحيم أرباب عظمة هذه المجتهدة العالمة السيدة نصرت أمين وكانوا كثيرا ما يترددون عليها ويناقشونها ويستمعون إليها.

كما إن كثيرين من العلماء والفقهاء وأرباب الحكمة كانوا يأتون لزيارتها ولإجراء حوارات علمائية أو عرفانية؛ من بین الكبار العلامة الطباطبائي وآية الله مرعشي النجفي، وآية الله السيد هاشم حداد، والأستاذ العلامة محمد تقي الجعفري، والشهيد مطهري، وآية الله الحائري الشيرازي وآخرون.

وكانت السيدة نصرت أمين منذ سن الأربعين حتى نهاية عمرها وهي مشغولة بتأليف الكتب والتدريس، والإجابة على الأسئلة الدينية وتأسيس المؤسسات الثقافية. بدأت بتأسيس مدرسة علمية باسم معهد فاطمة الزهراء(سلام الله عليها) في عام 1965م بأكثر من 600 إلى 1000 طالبة، ولم يكن هذا المعهد لا يتلقى رسوماً دراسية من الطلاب فحسب، بل كانت جميع تكاليف الطالبات تُدفع من قبل السيدة أمين .

بالإضافة إلى معهد فاطمة الزهراء(عليها السلام)، أنشأت السيدة نصرت أمين مدرسة ثانوية للإناث، وبهذه الطريقة مهّدت الطريق للفتيات لمواصلة تعليمهن في العائلات الدينية. كانت نصيحة هذه السيدة المثقفة للنساء والفتيات هي تحمّل مشاكل فترة الدراسة ومواصلة دراستهن، لأن نقص الأشخاص الملتزمين من ذوي المعرفة كان أمراً ملموساً في العديد من المجتمعات.

لقد توصلت مجتهدة العصر إلى نتيجة مفادها أن الأمهات المتعلمات والواعيات يمكنهن تربية أطفال جيدين ومتميزين في المجتمع. وفقاً للمؤلفات التي تركتها هذه السيدة، يمكننا بالتأكيد تقديمها كواحدة من العلماء البارزين في عالم التشيع،  وكانت طريقتها العلمية قابلة للمقارنة بشكل كامل مع بقية العلماء الآخرين، بل ونظراً لمكانتها الروحانية العالية يجب اعتبارها في زمرة النخبة من العلماء الذين حصلوا علی ولادة جديدة في الحياة إضافة على التعلّم .”

مجلس درس السيد الخوئي

زارت مجتهدة العصر السيدة أمين العتبات المقدسة في عام 1972م وفي هذه الأثناء وبعد زيارة أمير المؤمنين(ع) في النجف الاشرف، تم تكريمها من قبل والدي الراحل آية الله الحاج الشيخ أحمد الأنصاري(3)، وبناءً على طلب السيدة أمين المجتهدة، عقدت لقاء مع الراحل آية الله العظمى السيد أبو القاسم الخوئي في براني منزل سماحته وبحضور اثنين من طلابه الفضلاء، وذلك من خلال والدي الراحل.

أذكر أن والدي الراحل، أشار إلى أن السيدة نصرت أمين قد قدّمت في هذا الإجتماع مواضيع علمية، وأعربت عن رأيها، كما قام آية الله الخوئي أثناء إبداء رأيه، بإثارة نقطة جديدة في هذا الصدد، وفقاً لأستاذه المرحوم آية الله الشيخ محمد حسين الغروي الأصفهاني المشهور بالكمباني. وفي ختام هذا اللقاء العلمي قدمت السيدة أمين كتابها بعنوان (أربعين الهاشمي).

بعد هذا اللقاء طلبت السيدة أمين من والدي الراحل المشاركة في درس آية الله الخوئي خلال الأيام القليلة التي أقامت فيها في النجف الأشرف إن أمكن هذا الأمر. ولأنه لم يكن حتى ذلك الحين مثل هذه العادة في النجف بأن تشارك سيدة في درس الأعاظم من المجتهدين، فقد قام والدي بتجهيز زاوية من القسم الشمالي الغربي لمسجد الخضراء الواقع في الطابق الثاني فوق غرفة كهرباء المسجد، ووضع ستارة أمامها.

أتذكر والدي وهو يقول أنني كنت أوجّه السيدة أمين إلى المكان المذكور قبل الدرس بنصف ساعة، وقبل حضور الحوزويين والفضلاء. وبهذه الطريقة شاركت السيدة أمين المجتهدة في درس المرحوم آية الله الخوئي لمدة يومين أو ثلاثة أيام.

الجدير بالذكر أنه منذ ذلك الوقت فصاعداً، أصبحت سيدة فاضلة من أصل لبناني، تستفيد لمدة من الزمن من دروس آية لله الخوئي من هذا المكان، ومنذ ذلك الحين تم تجهيز هذ المكان بستارة ومكبر صوت قد وضعه والدي هناك.

 

من اليمين الشهيد الشيخ احمد الانصاري الامام الخوئي الشهيد الشيخ محمد تقي الجواهري المرحوم السيد مرتضى النقشواني
من اليمين الشهيد الشيخ احمد الانصاري الامام الخوئي الشهيد الشيخ محمد تقي الجواهري المرحوم السيد مرتضى النقشواني

لقد تركت المجتهدة نصرت أمين العديد من الكتب التي ألفتها هذه المجتهدة وتمت طباعتها باسم “السيدة الإيرانية” أو “السيدة الأصفهانية”.

توفيت كما تذكر مريدتها وتلميذتها السيدة علوية همایوني ليلة 1 شهر رمضان 1403هـ/ 13 حزيران 1983م،(4) عن عمر ناهز التسعين عاماً في أصفهان وشيّعت تشيعاً كبيراً حضره العلماء والفضلاء ومختلف ‏الطبقات المؤمنة، ودفنت في مقبرة اسرتها في تخت فولاذ، وبُني على قبرها قبة فخمة، أصبحت ‏مزاراً يقصده أهل أصفهان وغيرها. ورثاها جمه كبير من شعراء ايران بقصائد ومقطوعات ‏شعرية، وأبّنها الخطباء، وذكرتها الصحف الايرانية الصادرة آنذاك.

مجتهدة العصر
المجتهدة علوية همایوني

 

الهوامش

(1)– آية الله الشيخ أبوالقاسم زفره اي (1260 – 1352هـ ق)، المعروف بـ حاج آخوند إبن المرحوم ملا محمد علي زفره اي من علماء إصفهان.

(2)– لقد بهرت مجتهدة العصر السيدة نصرت أمين بما أنجزته في مختلف العلوم، ولا سيما الفقه والتفسير والحكمة، علماء كثر في النجف وقم، وأعطت إجازات العلماء كثر أيضا. عرف منهم آية الله المرعشي النجفي، الذي منحته الإجازة في الرواية والاجتهاد العام 1358ه/ 1940م. إن مجرد طلبه الإجازة منها (وهي امرأة)، معناه اعتراف منه بفضلها ومقامها وقيمتها العلمية، في ذلك الحين، كانت السيدة في الخامسة والأربعين من عمرها، وآية الله مرعشي في الثالثة والأربعين.

في هذه الإجازة دونت مجتهدة العصر السيدة نصرت أمين كلاماً جميلاً جداً، وبيّنت أوج ما وصلت إليه مريدة لأهل البيت (ع) و موالية.
عرف كذلك من بين الذين أعطتهم الإجازات حجة الإسلام والمسلمين الشيخ زهير الحسون، وهو من أهل الدراسة والعلم والتحقيق.

منحت السيدة كذلك إجازة الرواية للسيدة علوية همایوني، وكان عمرها حينئذ 81 عاما وهمایوني على أعتاب الستين. وفي هذا العام أي 1976م، أنهت آخر مجلد من تفسيرها القيم «مخزن العرفان».

(3)-سيرة الشهيد آية الله الشيخ احمد الانصاري

الشيخ أحمد ابن الشيخ محمّد حسين الأنصاري، وينتهي نسبه إلى #زكريا بن آدم من أصحاب الإمام الرضا(عليها السلام).

ولد عام 1338ﻫ بمدينة قم المقدّسة. دراسته بدأ بدراسة العلوم الدينية في مسقط رأسه، وهو في العاشرة من عمره، وفي السابعة عشرة من عمره سافر بمعية أخوه آیة الله الشیخ #محمود الأنصاری الًذي کان توأمان ، و والدته إلى #النجف الأشرف لزيارة العتبات المقدّسة في العراق، وقد دفعته تلك الأجواء الروحانية إلى أن يُقيم في النجف لإكمال دراسته الحوزوية، وقد بلغ حبّه وشغفه للعلم أنّه لم يغادر النجف حتّى بعد أن بلغته أنباء وفيات بعض أقاربه، وظلّ منهمكاً في طلب العلم.
وقد شارك الشهيد السيّد محمّد باقر #الصدر مدّة من الزمن في المباحثة حینما کانوا تلامذه آیة الله العظمی السید محمد الروحاني في بحوث الأصول، ومارس التدريس لعدّة سنوات.

من أساتذته أخوه الشيخ #مرتضى الأنصاري، والآیات السيّد عبد الهادي #الشيرازي، السيّد محمود #الشاهرودي، السيّد محسن الحكيم، السيّد محمّد الروحاني والسید ابو القاسم #الخویی.

كانت لمجتهدة العصر السيدة نصرت أمين  علاقة وثيقة بالسيّد الخوئي، وكان يُعدّ من مستشاريه والمقرّبين لديه، وكان له دور كبير في حلّ المشاكل الاجتماعية والسياسية في النجف، فمن نشاطاته كان له إسهام فعّال في بناء جامع الخضراء الملاصق للصحن الحيدري، وإسهامه في بناء مرقد الصحابي الجليل كميل بن زياد(رضوان الله عليه)، وعدًة نشاطات أخری الأجتماعیة والحوزویة والأنسانیة!

عندما أراد #صدام وحزبه شنّ هجوم على إيران، قام أوّلاً بحملة اعتقالات بين صفوف العلماء، وفي منتصف إحدى الليالي اقتحم أكثر من عشرين شخصاً من رجال الأمن البعثي دار الشيخ الأنصاري، ونُقل إلى بغداد عام 1400ﻫ، وكان شرط إطلاق سراحه أن يقوم السيّد الخوئي والحوزة العلمية في النجف بالتعاون مع نظام صدام، وهذا ما ترفضه الحوزة العلمية ويرفضه مراجع الدين بشدّة.

وزُجّ به في السجن، وانقطعت أخباره، وبعد سقوط الطاغية صدام المجرم عام 1423ﻫ، تبيّن أنّه قد نال شرف الشهادة في فترة الاعتقال. شهادته استُشهد(قدس سره) في سجون الطاغية صدام المجرم، ولم تُسلّم جثّته إلى أهله، ولم يُعلم مكان دفنه!
والسلام علیه یومَ وُلد و یومَ أستُشهد ویومَ یُبعث حیًاً

(4) زینت السادات علوية همایونی، زندگانی بانوي ایرانی: مجتهده نصرت السادات امین، ص 23 . تقول السيدة همایوني إن أستاذتها السيدة نصرت أمين، خافت أن يلحق بسيرتها شيء من المبالغة، بعد أن اشتهرت، وكبر إعجاب الناس بها، فدونت بعض تفاصيل حياتها في مخطوط صغير أودعته لديها السيدة همايوني، و كان ما توقعته السيدة، فقد أوصل بعض الذين كتبوا عنها عمرها إلى 97 سنة، وأوصله آخرون إلى 99 سنة، وهذه أخطاء من جملة المبالغات التي لحقت بحياتها، وقد وصل عمرها إلى 90 سنة بالحساب القمري، و88 سنة بالحساب الميلادي، ففي المخطوط «ولدت في أواخر شهر ذي الحجة الحرام، سنة ألف وثلاثمئة وثاني عشر القمرية الهجرية»، (المصدر نفسه).

المصدر: الاجتهاد + وكالة خبر آنلاين للأنباء (بالفارسية)

 

صور مرقد العالمة المجتهدة نصرت أمين

نصرت أمين

نصرت أمين

 

تنبيه: لا توجد صورة عن مجتهدة العصر السيدة نصرت أمين في الإعلام المرئي وأن ما توجد في بعض المواقع والقنوات هي صورة مريدتها وتلميذتها السيدة علوية همایوني رحمها الله.

 

للمزيد عن السيدة نصرت أمين رحمها الله

المكانة العلمية للمجتهدة السيدة نصرت أمين .. بقلم الدكتورة دلال عباس

قِراءة في كتاب: نصرت أمين ، مجتهدة عالمة في الزمن الصعب، للدكتورة دلال عبّاس

نصرت أمين مجتهدة عالمة في زمن الصعب ” إصدار جديد للدكتورة دلال عباس / تحميل

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign

Clicky