الاجتهاد: لم يكن «الشذوذ» أو ما بات يُعرَف تخفيفًا باسم «المثلية» في يوم من الأيام أمرًا مقبولًا؛ لكونه معارضًا للفطرة قبل أن يكون معارضًا لمختلف الأديان والثقافات البشرية، بل حتى الفطرة الحيوانية إجمالًا.
كان الشذوذ ولا يزال سببًا لكثير من الأمراض الفتاكة التي لم يجد لها الطب قديمًا وحديثًا أي علاج نافع. على أن الأمر يتعدى البعد الجسدي إلى الجانب النفسي، فحتى الآن لم تظهر لنا أبحاث مختبرية في علم النفس توضح طبيعة نفس ووجدان الشخص الشاذ «المثلي» ذكرًا أو أنثى، مع الأخذ في الحسبان سوء حالة الشذوذ في جانب الذكور عنه في جانب الإناث، وإن كان من حيث المبدأ والمنتهى واحدًا في نتيجته السلبية.
وفي تصوري فقد تمثل الشذوذ في الجانب الذكوري أكثر من الجانب الأنثوي، وبلغ وقعه الصحي أكثر في جانب الرجال، وعدَّه الله فاحشة كبرى في كلتا الحالتين.
واقع الحال أن الشذوذ لم يكن أمرًا طارئًا في واقعنا الإنساني؛ إذ كان ولا يزال أحد مؤشرات إفساد إبليس لبني الإنسان وفق تحديه لله وفق الرؤية الدينية، وهو مؤشر لتدمير البنية الطبيعية للإنسان وفق الرؤية العلمية أيضًا، وبالتالي فلم يكن الشذوذ مقبولًا به في كل المجتمعات وعبر مختلف العصور، وكان ولا يزال أمرًا مخجلًا حتى اليوم، ويُمارس في المجتمعات الطبيعية في الخفاء.
غير أن كل ذلك قد بدأ في التبدل تدريجيًّا وفق ما تشير إليه بعض الاستطلاعات الصحفية المرفقة، وهو أمر ينذر بسرعة قرب النهايات؛ إذ ليس من الطبيعي أن تبقى المجتمعات على حالها واستقرارها ونموها الطبيعي في ظل وجود أمر خارج عن الطبيعة، وانتشاره بين الناس علنًا، ومن دون أن يكون هناك رفض ومقاومة له. حينها يصبح الميزان مختلًّا، والكون قائم على صلاح حالة التوازن بين كل المتضادات، الخير والشر، الصواب والخطأ. وبالتالي فحين يطغى أحدها على الآخر، حتمًا سيحدث خلل في التكوين البيولوجي للإنسان، وهو ما يشي بسرعة قرب النهايات وحدوث الفزع الأكبر.
أشير إلى أن ذلك ما كان ليحدث لولا اختلال الميزان في موضوع المفاهيم الدينية أولًا، ولذلك فقد كان التشدد في موضوع الدين والتطرف في الالتزام بقواعده وأحكامه هو سبيل الشيطان لتحقيق مآربه الخبيثة؛ إذ كما يقال في المثل الشعبي «الزايد أخو الناقص»، بمعنى أن لكل إنسان طاقة محدودة من القبول بأي شيء، وله فهمه الذي يمكن أن يمتد إلى حدود معينة، ثم إذا جرى تجاوز طاقته وفهمه كان بين خيارين: إما أن يتحول إلى جزء من قطيع لا يسمن ولا يغني من جوع، يمشي بالتوجيه وحسب، أو يبدأ في الانتفاض بالسير في الاتجاه المعاكس مع اهتزاز أول مُسَلَّمة دينية لديه أُفهِمَها أنها حكم قطعي رباني لا خلاف عليه.
ولتتضح الصورة في هذا الجانب الذي بات يمثل أغلبية اليوم بين الشباب في ظل فوضى انتشار المعلومة، أشيرُ إلى الآتي بيانًا وتفصيلًا.
اتفق العلماء على أن مراتب الأحكام الفقهية خمسة: أولها الإباحة، وثانيها الوجوب، وثالثها الاستحباب، ورابعها التحريم، وخامسها الكراهية وهي على قسمين: كراهية تنزيه (أي يُكره عمل الفعل تنزيهًا) وكراهية تحريم (أي يُكره عمل الفعل لشبهة تحريم).
كان ذلك هو ميزان الأحكام في القرون السالفة، حتى تغير الحال بظهور متشددين اختطفوا الدين بحجة المحافظة عليه، فجعلوا التحريم هو المرتبة الأولى في مراتب الأحكام، وصاروا ينهون عما أحل الله بحجة سد باب الذرائع. والأدهى والأمرّ أنهم كانوا يأمرون الناس برأيهم بوصفه دينًا أراده الله وأقرّه نبيه عليه الصلاة والسلام، حتى إذا أفاق الناس من غفلتهم، واتضح لهم الأمر بجملته، داخلهم الشك في كثير من الأحكام، بل في كثير من المُسَلَّمات، نظرًا إلى أنهم قد ألفوا -طوال نصف قرن- الاستماع لاجتهادات تقبل الصحة ونقيضها بوصفها مُسَلَّمات دينية لا تقبل النقض.
ومن هنا باتت المسلمات الحقيقية قابلة للنقض في نظر كثير من الشباب الذين فقدوا الثقة في عالم الدين إجمالًا، ولم يجدوا من يرشدهم بحق وإنصاف، وتخطفهم الشيطان بقبيله عبر وسائط التواصل الاجتماعي، ولأجل ذلك صار مقبولًا أن نسمع ونرى تجاوزات في مختلف الاتجاهات ولا تجد رادعًا لها.
إنها المصيبة التي ستودي بالبشرية إلى الكارثة الأسوأ، والفزع الأكبر، إذا لم يتدارك العقلاء الأمر، ويقفوا بصرامة أمام ما يمكن أن يغير من فطرة الإنسان وطبيعته البيولوجية ويكون سببًا في تعجيل النهايات.