الاجتهاد: مع وصول شهر رمضان المبارك إلى خواتيمه يبدأ الصائمون المؤمنون يسألون عن مقدار زكاة الفطرة المتوجّب عليهم لإتمام صيامهم بالشكل الصحيح والذي فرضه الله تعالى على عباده رحمة منه ومساواة فيما بينهم، إلّا أنّه قد يتساءل البعض عن الحكمة من هذه الفريضة ؟ وما هي أحكامها؟
لماذا أوجب الله تعالى دفع زكاة الفطرة؟
أجاب فضيلة الشيخ حسان سويدان، في مقابلة خاصة مع وكالة “شفقنا”، بأنّ الزكاة نظام قرآني إسلامي أصيل نصّ عليه القرآن الكريم بشكل واضح في كثير من الآيات الكريمة، وهو جزء من نظام ديني عام وإسلامي بشكل خاص في سياسة التكافل الاجتماعي لبني البشر وبالأخص لأتباع الأديان والأخوة في الدين،
كما أنّ الدين بشكل عام والدين الإسلامي الحنيف بشكل خاص عمل على تنظيم وتربية روحية الإنسان تجاه الإنسان حتى جعل المؤمنين أخوة ” إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ” (سورة الحجرات آية رقم 10)، ولأنّ المجتمعات بمقتضى طبيعة البشر تنقسم إلى غني وفقير افترض الله سبحانه وتعالى سلسلة واجبات مالية من الزكاة إلى الخمس إلى الكفّارات فضلا عن الصدقات المستحبّة التي لا حدود لفضائلها، لكي لا يبقى فقير من المؤمنين بين الناس،
مستشهدا سماحته بقصة طويلة حصلت مع أمير المؤمنين الإمام علي (ع) باختصار عندما رأى شخصا كبيرا في السن في سكك الكوفة وفي ظروف صعبة، فقال(ع) لقنبر “ما هذا رجل يستعطي في عاصمة الإسلام؟” فأجابه قنبر “إنّه من أهل الذمّة يا مولاي”، فقال (ع) “أجرو له من بيت المال”، بمعنى أنّ شخصا يعيش في بلاد المسلمين لا يمكن أن يكون جائعا.
وتابع الشيخ سويدان: “منهج الدين يقوم على الترابط والتعاضد بين أفراد المجتمع الإنساني والإسلامي على قاعدة الأخوة، وجزء ممّا ينمي هذه الحالة أن لا يكون هنالك غني وفقير لا يجد قوته، ومن هنا روي عن النبي الأعظم (ص): ” ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع”، في هذا السياق جعل الله سبحانه وتعالى زكاة غير زكاة المال أسمها زكاة الفطرة وهي الزكاة التي يدفعها الإنسان عندما يفطر يعني يوم عيد الفطر،
والمراد منها أنّ الإنسان بمقتضى فطرته التي خلقها الله تعالى عليها أن يؤدّي هذه الزكاة، وعن أمير المؤمنين علي (ع): “من أدّى زكاة الفطرة تمّم الله له بها ما نقص من زكاة ماله”، وعن الإمام الصادق (ع): “إن من تمام الصوم إعطاء الزكاة، كما أن الصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله) من تمام الصلاة، لأنه من صام ولم يؤد الزكاة فلا صوم له إذا تركها متعمدا ولا صلاة له إذا ترك الصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)”.
وتحدّث الشيخ سويدان عن مقدار الزكاة حيث قال: “لا يقبل الله تعالى على روحية الإنسان المؤمن أن يكون منعّما في أمواله وراتبه في يوم عيد الفطر، الذي جعله الله تعالى لجميع المسلمين عيدا، بينما أبناء الفقراء غير منعّمين، من هنا افترض الله سبحانه وتعالى الحد الأدنى الواجب وهو أن يبذل الإنسان عن نفسه وعن كل فرد من أفراد عائلته حتى لو كان طفلا صغيرا وحتى لو كان خادما غير مسلم يعيش عنده في بيته، بمقدار ثلاث كيلو غرامات من الطعام من “أوسط ما تطعمون أهليكم”، والحد الأدنى له أن يكون من الخبز”.
ما هي أبرز أحكام زكاة الفطرة؟
وعرض الشيخ سويدان بعض أحكام زكاة الفطرة المهمة مثل أنّها حق مالي يجوز دفعه نقديا لا يشترط كزكاة القمح والشعير والزبيب ان يدفع من عين المال المزكّى، ويمكن هنا أن يدفع المال بقدر ثمن ثلاث كيلو غرامات من الطعام، وعلى الإنسان أن يدفعها بوقت قياسي يستفيد منها الفقير في يوم العيد، لذا وجب على الذي يصلي صلاة العيد أن يخرجها قبل صلاة العيد،
كما يستطيع أن يدفعها في الليل بنية القرض ويحتسبها عند الصباح زكاة الفطرة ويستطيع أن يدفعها صباحا قبل خروجه إلى صلاة العيد ليتنعّم بها الفقير في هذا اليوم، أمّا من لا يصلّي صلاة العيد فيمتدّ وقت هذه الزكاة إلى صلاة الظهر، ويجب إخراجها قبل الزوال وفي حال لم يخرجها إلى الزوال إمّا عمدا وإمّا لأنّه لم يجد فقيرا فيجب إخراجها بعد ذلك بمجرّد العثور على الفقير.
وأضاف سماحته: “أمّا الأخوة والأخوات الذين يعيشون في بلاد الاغتراب الذين قد لا يجيدون فقراء عندهم يستطيعون دفعها لبقيّة المسلمين إن وجد مسلم في ذلك البلد، وإن لم يوجد مسلم في ذلك البلد فيجب عليهم أن ينقلوها إلى بلاد المسلمين لكي تدفع إلى شيعة أهل البيت (ع).
وحول الإنسان العام الذي لا ينتسب إلى بني هاشم من جهة الأب (أي ليس سيّدا) لا يجوز أن يأكل زكاة فطرته الفقير السيد الهاشمي، بينما السيّد الهاشمي الذي يدفع زكاة الفطرة يجوز إعطائها للسيّد ولغير السيّد، هذا تنزيه لرسول الله (ص) وتكريم لأبنائه وأحفاده وأسباطه”.
إذا زكاة الفطرة تشريع إسلامي في ظاهره عبادة ولكن في مضمونه رسالة اجتماعية، إذ الهدف منه بناء علاقات ودّية بين أفراد المجتمع والعمل على مكافحة الفقر والحاجة.