الاجتهاد: في زماننا الحاضر، وقد حصلت لنا فرصةٌ عظيمةٌ بتمكّننا من الوقوف على قدر ضخم جدّاً من الكتب والمصنّفات الحديثيّة في التراث الإسلاميّ، فإنّنا يمكننا الجزم بأنّ حديث الغدير من أكثر أحاديث الإسلام روايةً على وجه الأرض
، وأنّهُ لم يُروَ حديثٌ في الإسلام كما رُوي حديث الغدير، ومن المؤسف أن نَجِدَ بعض الوهابيّة ممّن يبني عقيدةً على خبر آحاد ظنيّ فيعتقد أنّ الله من صفاته: الهرولة، والصعود، والنّزول، ويضع قدمه في النّار، وغير ذلك، تبعاً لأخبار قليلة الأسانيد، يُشكّكُ في حديثٍ من أكثر الأحاديث إسناداً، قد فاق حدّ التواتر، فانظر إلى أيّ حدٍّ بلغ بعضهم من الجحود والإنكار والتّناقض والاعتساف!
ولكثرة أسانيد حديث الغدير، ولوفرة طرقه، قد جمعها بعض حفّاظ أهل السنّة في أجزاء، ورآها بعضهم فعبّر عن دهشته وانبهاره لكثرة الطّرق، وهو ما أدّى به إلى الجزم بوقوع حادثة الغدير.
هذا موقف الحفّاظ من أهل الدّراية بالحديث، ولكننا اليوم ابتُلينا بسفهاء حدثاء الأسنان من صِبية النّار يحاولون أن يقنعوا العقلاء بأنّ حديثاً من أكثر أحاديث الإسلام إسناداً في غاية الضّعف، وأنّ أحاديث عقائدهم العجيبة والغريبة الواردة بأسانيد يسيرة هي الحقّ النّازل من عند الله تعالى!
1- قال الذهبي في ترجمة محمد بن جرير الطبري في كتابه (سير أعلام النبلاء): (قلت: جمع طرق حديث: غَدِير خُمّ، في أربعة أجزاء، رأيتُ شَطْرَه، فبهَرني سَعَةُ رواياته، وجزمتُ بوقوع ذلك).
المصدر: سير أعلام النبلاء، ج١٤، ص٢٧٧، رقم الترجمة ١٧٥.
2- ونقل في ترجمة محمد بن جرير الطبري في كتابه (تذكرة الحفاظ) قول الفرغاني في شيخه الطبري: (ولما بلغه أن ابن أبي داود تكلَّم في حديث غدير خم، عَمِلَ كتاب الفضائل وتكلَّم على تصحيح الحديث).
ثم عقّب الذهبي قائلاً: (قلتُ: رأيتُ مجلَّداً من طرق الحديث لابن جرير فاندهشتُ له ولكثرة تلك الطرق).
المصدر: تذكر الحفاظ، ج٢، ص٧١٣، رقم الترجمة ٧٢٨.
3- وقال ابن كثير في ترجمة محمد جرير الطبري في كتابه (البداية والنهاية): (قلتُ: وقد رأيْتُ له كتاباً جمَع فيه أحادِيثَ غَدِيرِ خُمٍّ في مُجَلَّدَيْنِ ضَخْمَيْنِ، وكتاباً جمَع فيه طُرُق حديثِ الطيرِ).
المصدر: البداية والنهاية، ج١٤، ص٨٤٩، (حوادث سنة ٣١٠).