فلسفة الحج وأثره في المجتمع / قائم الدين سعيد

الاجتهاد: من المعلوم عند الجميع أن الشارع الحكيم لم يشرع لعباده أي تشريع إلا وفيه حكم وأسرار، فلا يخلو في الشريعة سواء من نواحي العبادات أو المعاملات من  مصلحة أو حكمة ترجع للعبد في العاجل والآجل لأن الشرع لم يأمر بالعبث. فينبغي لكل مسلم أن يستحضر في قلبه معنى من معان العبادة لأن معرفة حكمة التشريع باعث على استمرار في أداء العمل على وفقها برغبة وإقبال و تسليم.

والمشهور عند العلماء ان العبادات ثلاثة أنواع بدنية محضة كصلاة, مالية محضة كالزكاة ومركبة بينهما كالحج. إذا فالحج من العبادة المتميزة لانه جمع بين  حصائص ومقاصد العبادة البدنية والمالية. لذلك أود ان أعرض بعض اللمحات حول فلسفة الحج ومدى تأثيره في المجتمع الإسلامي.

أولا: إن من أعظم مقاصد مناسك الحج تحقيق روح التآلف والاخاء بين المسلمين ووحدة صفوف الأمة. وقد حث الله عز وجل لتقوية الأخوة الإيمانية حيث قال في محكم تنزيله (إنما المؤمنون إخوة) (الحجرات:10) ومن جانب أخر نهى عن التفرقة في كيان الامة فقال(وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا…)آل عمران:103) فشرع انواع العبادات كوسيلة لتحقيق هذا المقصد مثل مشروعية الصلاة جماعة ومشروعية صلاة الجمعة.

والحج مناسبة الكبرى في الإسلام في توحيد صفوف الامة وتقوية الأخوة في الإسلام حيث اجتمع المسلمون من بلاد مختلفة مع اختلاف  أنسابهم وأعراقهم في مكان واحد فيتعارفون عن حال المسلمين من جميع نواحي الأرض ويشد بعضهم بعضا ويقوي بعضهم ببعض.

وما أحسن التمثيل من رسول الله صلى الله عليه وسلم حين شبه المجتمع الإسلامي بالجسد الواحد حيث قال:” مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى” (أخرجه مسلم). فكان شعيرة الحج مدرسة تطبيقية لإحياء روح التراحم والتعاطف بين المسلمين.

ونبه النبي صلى الله عليه وسلم على وحدة الأمة في خطبة الوداع فقال: أيها الناس إن ربكم واحد وإن أباكم واحد كلكم لآدم وآدم من تراب أكرمكم عند الله اتقاكم، وليس لعربي على عجمي فضل إلا بالتقوى – ألا هل بلغت….اللهم فاشهد قالوا نعم – قال فليبلغ الشاهد الغائب. والحج يحث على توحيد الأمة، لأن أعمال الحج لا فرق فيها بين غني وفقير ولا فرق بين عربي وعجمي ولا تمييز لأحد على أحد، ويتحقق أيضا معنى وحدة الأمة في وحدة الشعائر ووحدة الهدف ووحدة العمل، فليس هناك عصبية ولا عنصرية للون أوجنس أو طبقة، وإنما الكل مسلم مؤمن برب واحد وبيت واحد ورسول واحد وكتاب واحد.

ثانيا: يتضمن الحج الدعوة إلى السلام والسلام مقصد من مقاصد الشريعة ومن أوضح ما يدل على ذلك قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ۚ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ(القرة: 208)  هذه الأية دعوة لإقرار السلام والأمن في المجتمع   وظهر هذا المقصد في شعيرة الحج حيث حرم فيه القتال فقال تعالى( وَلاَ تُقَاتِلُوهُمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ)(البقرة:191)  والذين جاءوا من أقطار الأرض إلى تلك البقعة المباركة أنه ليس في ضميرهم ولا وجدانهم إلا أن يقدموا للإنسانية أمنها وسلامها، وأن ينشروا قضية السلام على وجه الأرض.

 وقد أعلن رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ضرورية الأمن في المجتمع  فقال في خطبة الوداع:” إنَّ دِماءَكُم، وأمْوالَكم وأعْراضَكُم حرامٌ عَلَيْكُم كَحُرْمة يومِكُم هَذَا، في شهرِكُمْ هَذَا، في بلَدِكُم هَذَا، ألا هَلْ بلَّغْت” متفق عليه. وهذا يدل على أهمية الأمن في المجتمع ويتحقق بحفظ النفس والمال والعرض.

والنبي صلى الله عليه وسلم يريد السلام بين الدول ويحب التعاون على الخير.  ولا شك أن مجتمع الإنسان يتقدم ويتطور حين توفر له الأمن النفسي والاطمئنان الداخلي.  فإذا فقد الأمن فقد سعادة الإنسان. وشعير الحج يظهر لنا مظاهر التعايش السلمي الذي يدعو إليه الإسلام.

ثالثا: إن الحج يؤدي إلى تحسين خلق الحاج وسلوكه لأن الحاج يؤمر  بتجنب الرفث الفسوق والجدال في الحج يقول الله تعالى: الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللّهُ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ) [البقرة:197( والمراد بالرفث عند بعض المفسرين الجماع، وقيل: الإفحاش للمرأة بالكلام، والفسوق جميع المعاصي كلها، والجدال أن يماري مسلما حتى تغضبه فينتهي إلى السباب.

ومن بر الحج إطعام الطعام وإفشاء السلام ولين الكلام والعفو عمن ظلمك والإحسان إلى من أساء اليك. وهؤلاء الناس جاءوا من أقطار الأرض كل فرد يقدم ما عنده برضاء نفس وحسن قصد ليس هناك غش ولا خداع ولا رفث ولا فسوق ولا جدال. وفيه التجرد عن كل ما يسيطر على النفس من فخر أوكبرياء أو عظمة.

فكان الحج موسما لإصلاح السلوك وتحسين الخلق ليتحلى المسلم بأخلاق كريمة ويتخلى عن خلق ذميمة، ورجع كل واحد إلى بلاده يحمل محاسن الخلق والأدب.

هذه بعض الملامح المهمة في الحج ولا شك أن في الحج فوائد جمة ولكن وقفت على المعاني والحكم المتعلقة بصلاح المجتمع وتطوره وتؤسس عليها الحضاة وتبنى بها كيان الأمة . والله أعلم

المصدر : النهضة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign

Clicky