الاجتهاد: ما تعارف على بعض الألسنة من كفاية الأعلمية في علم الأصول فقط، أو الأعلمية في الفقه فقط، فهو كلام عامي يدل على أن قائله لم يقرأ الأصول، وإلا فلو قرأ الأصول تعرف أن الفقه لا ينفك من الأصول. وعليه، فالأعلم هو الأعلم في الفقه والأصول معاً
بسم الله الرحمن الرحيم
أفاد أستاذنا المرجع الديني الكبير سماحة آية الله الشيخ محمد إسحاق الفياض دام ظله في ختام درسه الأصولي المنعقد في يوم السبت ١٤ ذو القعدة ١٤٤٤هج) فائدة عامة في علم أصول الفقه وبيان الترابط الوثيق فيما بينه وبين علم الفقه،
فقال ما معناه:
لا يخفى أن علم الأصول والفقه علمان مترابطان يترابط متبادل طول الطريق، فلا يمكن تحقق الفقه من دون الأصول، لأنَّ الفقه يخرج من بطن الأصول، فمثلاً: إذا أُريد استنباط الحكم الشرعي من الروايات الموجودة في كتاب وسائل الشيعة، فلابد من تنقيح جهات ثلاثة:
الجهة الأولى: في أصل الصدور وتنقيح سند الروايات بعدما كانت غير واصلة إلينا بالتواتره وهذا ما يتكفل به علم الرجال، ولذلك فلابد من إثبات الحجية لها، ومن الواضح أن الحجية من مسائل علم الأصول.
الجهة الثانية: في أصل الظهور وإثبات دلالة الروايات في الحكم الشرعي، كالوجوب أو الخرمة أو الاستحباب أو الكراهة أو الصحة أو الجزئية أو الشرطية وما شاكل ذلك، فإذا ثبت ظهور الروايات في المعنى المطابقي أو الإطلاق أو العموم، فهذا الظهور حجة، والظهور من مسائل علم الأصول أيضاً.
الجهة الثالثة: في أصل الجهة وأن الروايات صدرت لبيان الواقع أو للتنقية أو لأمر آخر، وهنا يوجد أصل وهو أنَّ كلَّ كلام صدر من المتكلّم فهو ظاهر في أنه لبيان الواقع وليس للتقية، وذلك لأن التقية بحاجة إلى قرينة، وعليه، فالروايات الواصلة إلينا بطرق صحيحة تحمل على بيان الواقع وتكون حجة، والحجة من مسائل علم الأصول أيضاً.
وعلى هذا: فإذا تمت هذه الجهات – أصل الصدور، والظهور، والجهة – جاز الاستنباط والافتاء بمضمون هذه الروايات وبحسب ما تؤدي إليه.
• إذن: هذه الحجج الثلاث كلُّها من كبريات مسائل علم الأصول والنظريات العامة التي تستفاد من الكتاب والسنة وليس من شيء آخر، كالفلسفة أو غيرها، ويتطبيق هذه الكبريات الأصولية على صغرياتها ينتج بعدها الحكم الشرعي.
وبعبارة أخرى: إن الحكم الشرعي مستنبط من هذه الروايات ومن كبريات المسائل الأصولية، لأن الاستنباط في الحقيقية عبارة عن قياس من الشكل الأول ومن تطبيق الكبرى على صغراها، ومن الواضح عدم انفكاك الكبرى من الصغرى، لأنها يشتركان في الحد الأوسط الذي يكون محمولاً في الصغرى، وموضوعاً في الكُبرى، وذلك الحد هو النتيجة الفقهية.
لكو من أجل ذلك: فكلما توسع وتطور علم الأصول توسع وتطور علم الفقه، لأن الفقه كما قلنا يخرج من بطن الأصول.
وأما ما تعارف على بعض الألسنة من كفاية الأعلمية في الاصول فقط، أو الأعلمية في الفقه فقط، فهو كلام عامي يدل على أن قائله لم يقرأ الأصول، وإلا فلو قرأ الأصول تعرف أن الفقه لا ينفك من الأصول. وعليه، فالأعلم هو الأعلم في الفقه والأصول معاً، ولا يمكن الانفكاك بينهما، وقد فصلنا مختصر ما ذكرناه في كتابنا النظرة الخاطفة في الاجتهاد.
بقلم: الشيخ نهاد الفياض
النجف الأشرف ١٤٤٤ هج