الاجتهاد: إن أكثر الفقهاء العظام لايقولون بثبوت تولي المرأة لمنصب السلطة الحاكمة في الدولة القائمة على اساس مبدأ الدين، إذا توفرت في المرأة كافة شروط هذا المنصب، ولكن الثبوت لا يخلو عن قوة، حيث أنه لا دليل على عدم الثبوت إلا دعوى الإجماع في المسألة، والإجماع في نفسه لا يكون حجة إلا إذا احرز أنه كان ثابتاً في زمن المعصومين ووصل إلينا من ذلك الزمان يداً بيد وطبقة بعد طبقة، ولا طرق لنا إلى احراز ذلك أصلاً.
فيما يلي نستعرض أبرز آراء المرجع الديني آية الله الشيخ إسحاق الفياض ورؤيته حول دور المرأة السياسي والاجتماعي من خلال إجاباته على الأسئلة التي قدمت إليه.
المرأة لكل المواقع في الحكومة المدنية:
يجب على المرأة المسلمة أن تستر بدنها وهندامها من الأجنبي، وأن تحافظ على كرامتها وشرفها وعفتها من تدنيس كل دنس.. فإذا كانت المرأة المسلمة كذلك، جاز لها التصدي لكل عمل لا ينافي واجباتها في الإسلام، سواء أكان ذلك العمل عملا اجتماعياً، كرئاسة الدولة مثلاً، أو غيرها من المناصب الأخرى، أم فردياً كقيادة السيارة والطائرة ونحوها.
ومن الواضح أن تصدي المرأة للأعمال المذكورة، لا يتطلب منها السفور وعدم الحفاظ على كرامتها الإسلامية كامرأة مسلمة، بل محافظتها عليها في حال تقلدها لمناصب كبيرة في الدولة، تزيد من شأنها ومكانتها الاجتماعية، وصلابتها في العقيدة والإيمان.
والخلاصة: إن المرأة المسلمة إذا كانت قوية في إرادتها وصلبة في عقيدتها وإيمانها بالله تعالى، ومحافظة على شرفها وكرامتها، فلها أن تتصدى لكافة المناصب المشار إليها، ولا فرق من هذه الناحية بين الرجل والمرأة[1] .
المرأة وتولي السلطة الدينية
إن أكثر الفقهاء العظام لا يقولون بثبوت تولي المرأة لمنصب السلطة الحاكمة في الدولة القائمة على اساس مبدأ الدين، إذا توفرت في المرأة كافة شروط هذا المنصب، ولكن الثبوت لا يخلو عن قوة، حيث أنه لا دليل على عدم الثبوت إلا دعوى الإجماع في المسألة، والإجماع في نفسه لا يكون حجة إلا إذا احرز أنه كان ثابتاً في زمن المعصومين ووصل إلينا من ذلك الزمان يداً بيد وطبقة بعد طبقة، ولا طرق لنا إلى احراز ذلك أصلاً[2] .
إن أكثر فقهاء الطائفة من المتقدمين والمتأخرين لا يقولون بالولاية العامة للفقيه الجامع للشرائط منها الأعلمية، والقائل بها بينهم قليل، وأما من يقول بها للفقيه فإنما يقول إذا توفرت شروطها فيه كالأعلمية والعدالة والكفاءة ونحوها، وأما ثبوت هذه الولاية للمرأة المسلمة فهو محل إشكال بل منع عند أكثر الفقهاء ولكن الثبوت عندنا غير بعيد، إذا توفرت شروط الولاية فيها كافة من الأعلمية والعدالة والكفاءة وغيرها، فضلاً عن تقلدها مناصب أخرى[3] .
إن أكثر الفقهاء (رضي الله عنهم) قد ادّعوا الإجماع على المنع عن تصدي المرأة لمنصب القضاء والإفتاء والولاية العامة، في الدولة الإسلامية، ولا إجماع في البين[4] .
لا فرق بين الرجل والمرأة في النظام الإسلامي العام بكافة أشكاله وألوانه من العقائدي والعملي والسياسي والاقتصادي والحقوقي وغيرها ما عدا المناصب الثلاثة المشار إليها آنفاً عند الفقهاء[5] .
المرأة في القضاء المدني
القضاء العرفي بين الناس الذي لا يكون مبنياً على ثبوت الولاية والزعامة الدينية للقاضي، فلا فرق فيه بين الرجل والمرأة[6] .
المرأة في البرلمان
يجوز للمرأة أن ترشح نفسها للدخول في البرلمان أو في سائر المجالس النيابية شريطة أن تحافظ على كيانها الإسلامي وكرامتها كامرأة مسلمة[7] .
يجوز تولي المرأة رئاسة اللجان البرلمانية ويجوز توليها رئاسة البرلمان[8] .
يجوز للمرأة أن تشترك في انتخاب رئيس الدولة وأعضاء السلطة الحاكمة وأعضاء السلطة التشريعية وسائر المجالس الانتخابية كافة[9] .
المرأة والعمل الدبلوماسي
لا مانع أن تقوم المرأة بدور السفارة عن البلاد في الخارج أو أن تكون شرطية[10] .
المرأة وواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فريضة إلهية واجبة على الكل، بلا فرق بين الرجل والمرأة. وأما اختصاص هذه الفريضة بالرجل دون المرأة فهو غير محتمل، كاختصاص سائر الفرائض الإلهية، لأن المرأة ايضا معنية بخطاب الآية المباركة والأحاديث الشريفة، فإن اختصاص حكم في الشريعة المقدسة بطائفة دون أخرى منوط بتحقق موضوعه في هذه الطائفة دون الأخرى، كأحكام الحيض والاستحاضة والنفاس وما شاكلها، حيث إن اختصاصها بطائفة النساء من جهة اختصاص موضوعها بها، وإلا فأحكام الشريعة مشتركة بين الجميع، فإذن وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كوجوب الصلاة والصيام والحج ونحوها، ولا مقتضى للاختصاص، ومجرد أن الخطابات القرآنية موجهة للذكور لا يدل على الاختصاص.
أما أولاً: فلأن الأحكام الشرعية المجعولة في الشريعة المقدسة لا يحتمل اختصاصها بطائفة دون أخرى، تطبيقاً لقاعدة الاشتراك في التكليف لأهل شريعة واحدة.
وثانياً: إن الخطابات القرآنية بحسب النوع موجهة إلى الناس أو الإنسان، وهو يعمّ الرجل والمرأة هذا من ناحية.
ومن ناحية أخرى إن فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ذات مراتب، منها أن يكون باللسان، ولا يعتبر فيه أن تكون لدى الآمر والناهي سلطة تنفيذية، فمن كان قادراً عليه ولو بالنسبة إلى عائلته فقط وجب[11] .
المشاركة بالرأي في الشأن العام
إن المشاورة بين أفراد الأمة الكفوئين من الرجال والنساء، في تمام أجهزة الدولة، وتشكيل الشورى، من واجبات الدولة، لأن تبادل الأفكار والخبرات العلمية والعملية، والمشاورة في الأمور الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والأمنية والثقافية والتعليمية وغيرها أمر ضروري في كل دولة، سواء أكانت شرعية أم لا، ولا فرق بين أن تكون أفراد الأمة الكفوئين من الرجال أو النساء، لأن تقلد المناصب الحكومية لا بد أن يكون بحسب الكفاءة واللياقة، سواء أكان رجلاً أو امرأة، وعليه فيجوز للمرأة ترشيح نفسها لعضوية المجالس البرلمانية، إذا كانت عندها الكفاءة واللياقة والخبروية، سواء أكانت في الدولة الإسلامية أم غيرها[12] .
المساواة بين الرجل و المرأة في الحقوق العامة
لا تستثنى المرأة من مساواتها بالرجل في الحقوق الاجتماعية والفردية والفكرية وحرية التعبير، وإبداء الرأي، والدخول في كافة الاستثمارات والأنشطة المالية في الأسواق والبورصات العالمية، وحيازة كافة الثروات الطبيعية، وأحياء الأراضي البائرة وغيرها، كل ذلك في الحدود المسموح بها من قبل الشرع، فلا يسمح بالاستثمارات والأنشطة الاقتصادية المحذورة المعيقة للقيم والمثل الدينية والأخلاقية، كالاستثمار بالربا، والاتجار بالخمور والميتة ولحم الخنزير والمخدرات والاحتكار والغش وغير ذلك، هذا من جانب،
ومن جانب آخر: إن الدولة الإسلامية الشرعية تتكفل جميع الحقوق للإنسان المسلم، وتقدم له الحرية بكل الاتجاهات والأنشطة، ولكن في الحدود المسموح بها شرعاً لا مطلقاً، بأن لا تؤدي هذه الحرية إلى تفويت حقوق الآخرين، وأن لا تعيق القيم والمثل الدينية والأخلاقية كالكذب والغيبة ونحوهما، فإنه ليس حراً فيها، ولا فرق في ذلك بين الرجل والمرأة[13] .
في الشأن العام صوت المرأة كصوت الرجل
إن شهادة المرأة في جميع القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية تعادل شهادة الرجل، ولا فرق بينهما، وكذلك صوتها كصوت الرجل، وأما أن شهادة المرأة نصف شهادة الرجل فهي إنما تكون في موارد خاصة للنص الخاص في الشرع[14] .
قوامة الرجل في الحياة الزوجية فقط
إن المراد من الدرجة في الآية الكريمة ﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ﴾[سورة البقرة: الآية228] المنزلة، حيث إن منزلة الرجل في داخل الأسرة هي أنه قوّام على المرأة، ومعنى ذلك أن أمر المرأة بيده، فإنه متى شاء الاستمتاع بها ليس لها الامتناع، كما أن اطلاق سراحها بالطلاق بيده، وهذا الحكم مختص بداخل الأسرة، وبدل المنزلة الثابتة للرجل في نظام الأسرة أن للمرأة حقوقاً عليه كالنفقة، بما يليق بشأنها وكرامتها وحالها، من المسكن والملبس والأطعمة والأشربة والمعيشة معه بسلام وأمن، وغيرهما من الحقوق، وأما في خارج الأسرة فلا فرق بين الرجل والمرأة، في جميع أدوار الحياة العامة وشؤونها من الحياة السياسية والاقتصادية والتعليمية وغيرها[15] .
إن قوامة الرجل على المرأة تقتصر في الحياة الأسرية، وأما في الحياة العامة، فلا فرق بينهما كما تقدم[16] .
لا اعتبار لنصوص تزدري المرأة
إن الحديث المروي عن رسول الله صلى الله عليه وآله في وصف المرأة بأنها ناقصة عقل ودين غير معتبر، فلا يصح نسبته إلى الرسول الأكرم. هذا إضافة إلى أنه غير قابل للتصديق، ضرورة أنه خلاف ما هو المحسوس والمشاهد في الخارج، لأن المشاهد والمحسوس فيه أن عقل المرأة لا يقل عن عقل الرجل، في كافة الميادين العلمية التي للمرأة فيها حضور ووجود، هذا إضافة إلى أنه يظهر من الآيات والروايات أنه لا فرق بين الرجل والمرأة في ذلك.
ولعل هذا الحديث على تقدير اعتباره ناظر إلى أن طبيعة المرأة بحسب النوع حساسة، وذات مشاعر الحب ورقة القلب، والميل إلى الزينة والجمال، اكثر من طبيعة الرجل، فلهذا قد تغلب هذه الاحساسات والمشاعر على عقلها وتفكيرها في الحياة العامة، لا أن كل امرأة كذلك. إذ قد توجد امرأة أكثر صلابة في إرادتها وقوة قلبها من الرجل، ولهذا تسمى بالمرأة الحديدية[17] .
إن الحديث الذي ينسب للرسول صلى الله عليه وآله: (لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة) غير معتبر، بل غير قابل للتصديق، لأن معناه أن المرأة بما هي امرأة لا تتمكن من إدارة البلاد وشؤونها كافة، وأن ولايتها عليها تؤدي إلى سقوطها بتمام اتجاهاتها الحيوية، وهذا ليس إلا من جهة نقصان عقلها وقصور تفكيرها، وقد تقدم أن هذا خلاف الوجدان في كافة المعاهد العلمية والساحات الاجتماعية التي للمرأة فيها حضور[18] .
آيات تختص بنساء النبي
إن هذه الآيات ﴿وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ﴾[سورة الأحزاب: الآية53]، ﴿وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ﴾[سورة الأحزاب: الآية33]، مختصة بنساء النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) [19] .
عمل الزوجة خارج المنزل
إن حق الزوج على الزوجة الاستمتاع بها متى شاء، وفي أي وقت أراد، ولا يحق للزوجة الامتناع، والخروج من البيت المنافي لهذا الحق، وليعلم أن ثبوت هذا الحق للزوج على الزوجة إنما هو بالمقدار المتعارف الاعتيادي، وهذا المقدار لا ينافي توظيف المرأَة وخروجها من البيت بمقدار ست ساعات أو ثمانية، باعتبار إن الرجل نوعا يخرج من البيت بهذا المقدار في نفس الوقت. وأما إذا كانت المطالبة من باب العناد والمنع من التوظيف، فهل تجب على المرأَة الاطاعة؟
فيه وجهان ولا يبعد عدم الوجوب، هذا نظير ما إذا طلب من المرأَة الاستمتاع طول (24) ساعة، فإن إطاعته غير واجبة في هذا الفرض، لانصراف الأدلة عن مثل هذه الفروض.
نعم لو كانت الوظيفة واجبة على المرأَة في الدولة الاسلامية من وقبل ولي الأمر، لمصلحة عامة، فلا يحق لزوجها أن يمنعها من الوظيفة، وإن كانت منافية لحقه، وإلا فالوظيفة غير واجبة على المرأَة حتى تصلح أن تزاحم الواجب.
نعم لو كانت المرأَة موظفة في الدولة، كأن تكون معلمة أو متصدية لمنصب من المناصب فيها، وأقدم الرجل على الزواج بها على الرغم من أنها موظفة، وقبلت المرأَة شريطة أن تبقى في الوظيفة، وجرى العقد بينهما على هذا الشرط، فلا يحق للزوج حينئذ أن يمنعها من الوظيفة، أو أن المرأَة اشترطت على الرجل ضمن عقد الزواج التوظيف في الحكومة، فإذا رضي الرجل بالعقد كذلك، وجرى العقد بينهما على هذا الشرط، فليس له أن يمنعها من ذلك، وأما المضاجعة فهي حق الزوجة على الزوج لا العكس [20] .
لها الاشتراط في عقد النكاح
إن للمرأة أن تشترط على الرجل في ضمن عقد النكاح شروطاً تتعلق بالواجبات الزوجية كـ المضاجعة والخروج من المنزل، فإذا رضي الرجل بها وجرى العقد بينهما على هذه الشروط وجب عليه الوفاء بها[21] .
تحديد المهور وغياب الزوج
يجوز تحديد المهور إذا رأى الحاكم الشرعي فيه مصلحة عامة، باعتبار أنها غير محددة في الشريعة المقدسة، وكذلك له تحديد غياب الزوج إلى مدة معينة إذا رأى فيه مصلحة كذلك.
وأما تغيير الحكم الشرعي فهو ليس من صلاحية الحاكم الإسلامي، مهما كانت مرتبته ومقامه، حتى النبي الأكرم فليس له ذلك، لأنه بمقتضى الآية الكريمة ﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى* إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى﴾ ليس له هذا الحق[22] .
هوامش
[1] الشيخ محمد إسحاق الفيّاض .المسائل المستحدثة،الطبعة الأولى1426هـ، (الكويت: مؤسسة المرحوم محمد رفيع حسين معرفة الثقافية الخيرية)، ص232-233.
[2] خديجة المحيميد. موقع المرأَة في النظام الإسلامي، الطبعة الرابعة 1429هـ، ص26.
[3] موقع المرأة في النظام الإسلامي، ص32.
[4] المسائل المستحدثة. ص248.
[5] المسائل المستحدثة. ص251.
[6] المسائل المستحدثة. ص234.
[7] المسائل المستحدثة. ص235.
[8] موقع المرأَة في النظام السياسي الاسلامي. ص46.
[9] موقع المرأَة في النظام السياسي الاسلامي . ص50.
[10] موقع المرأَة في النظام السياسي الاسلامي . ص29.
[11] المسائل المستحدثة. ص237.
[12] المسائل المستحدثة. ص241-242.
[13] المسائل المستحدثة. ص242-243.
[14] المسائل المستحدثة. ص244.
[15] المسائل المستحدثة. ص245.
[16] المسائل المستحدثة. ص245.
[17] المسائل المستحدثة. ص246.
[18] المسائل المستحدثة. ص246.
[19] المسائل المستحدثة. ص253.
[20] المسائل المستحدثة. ص253-254.
[21] المسائل المستحدثة. ص254.
[22] المسائل المستحدثة. ص254.
المصدر: مقتطف من مقالة بعنوان “الشيخ الفيّّاض عمق الفقاهة وسمو الأخلاق” للشيخ حسن الصفار