خاص الاجتهاد: حوزة النجف ليست غير سياسية. تفهم السياسه و لكن ليست حزبية، و ليست تريد السيطرة على الحكم وإنما تفهم السياسة و تتدخّل في الأمور السياسة و لها رأي سياسي، المرجع يمنع الطلبة من التحزب، الذي الحزب بمعني أن جماعة تتبع قيادة غير معروفة، هذه القيادة عادلة مجتهدة غير معروفة.
يفهم من رأيكم أن البعض يقول أنّ حوزة النجف تمتاز أو تختلف من حوزة قم بأنها غير سياسية وأنها لاتتدخل في الشؤون السياسية. ما تفضلتم و أشرتم إليها سابقاً هم بذلوا في هذا السبيل شهدا كرام. يعني سماحة الوالد “رضوان الله تعالى عليه” و سماحة الشهيد الصدر كلاهما ومن أمثالهما عظماء حوزة النجف لو سكتوا عن السياسة ولو سكتوا عن حزب البعث لكانوا يبقون في الحوزة كمدرس وكذلك الآن سماحة السيد السيستاني “حفظه الله”.
الشيخ الجواهري: حوزة النجف ليست غير سياسية. تفهم السياسه و لكن ليست حزبية، و ليست تريد السيطرة على الحكم وإنما تفهم السياسة و تتدخّل في الأمور السياسة و لها رأي سياسي، المرجع يمنع الطلبة من التحزب، الذي الحزب بمعني أن جماعة تتبع قيادة غير معروفة، هذه القيادة عادلة مجتهدة غير معروفة.
فالعلماء النجف يمنعون من التحزّب، و لكن لايقولون لطالب العلم لا يكن لك رأي السياسي و لا ينبغي لك أن تفهم السياسي. إفهم السياسة وإقرأ السياسة فليكن لك موقف سياسي، تتخذوا في الوقت المناسب، ولكن لا تكن حزبياً تابعاً لأحزاب لاتعرف قيادتها ولا يعرف عدالتهم ولا يعرف إجتهادهم فإن هؤلاء ينزلقون بك إلى مزالق غير حميدة.
فالعلماء في النجف يفهمون السياسة ويعملون بها ويتخذون المواقف الدينية. كالسيد الخميني إنه سياسي، و لكن لم يكن له حزب ولم يأمر بحزب، لأن الحزب مشكلته هذه. أنه قيادة له مخفية غير معروفة. إذا كانت القيادة معروفة كما قال السيد الحكيم حينما سئل عن التحزب و الدخول في الحزب قال لايجوز لأن الحزب إذا كانت قيادته معروفة يخاف عليها وإن كان قيادته مخفية يخاف منها، فمنع علماء النجف من التحزّب والضيق، لأنهم هم آباء الحوزة وأب لهذه الأمة العراقية، المراجع آباء للعراقيين بأجمعهم، فلا يتحزب ولا يكون حزب في مقابل حزب آخر هذا من الضيق و هذا من الأمور الباطلة.
المرجع يرى نفسه أب لجميع العراقيين، فيمنع الطلبة من دخولهم في حزب لأن الدخول في حزب معنى أنه وقعوا في مكان ضيّق ولم يكونوا مشرفين على هذه الأمة لحفظها ولهدايتها وإنما يكون حزباً في مقابل حزب آخر وهذا من الشيء الذي لا ترتقي الحوزة العلمية النجفية.
فلما نقول الحوزة لا تفهم السياسة، هذا خطأ، بل تفهم السياسة وتعمل بها ولكن لا تكون متحزبة في مقابل أحزاب أخرى، لأنها تفقد أبوّتها وتفقد قيمومتها على المجتمع و تفقد هدايتها هذه المجتمع إذا حوزة العلمية في النجف تعرف السياسة و تفهم السياسة و تعمل بالسياسة و لكن لا تكون حزبياً، من الأحزاب الضيقة النظرة لأنها هي راعية لهذه الأمة هادية لهذه الأمة.
ففرق بين أن تكون الحوزة حزب من الأحزاب ومعنى ذلك أنها سقطت عن مهمتها التي خلقها الله لها وهي هداية البشر والقيمومة على الأمة والقيمومة على الناس، وبين أن تكون الحوزة تفهم الموقف السياسية وتعطى الموقف السياسية وتعطى الرأي السياسي. وحوزة النجف تعطى الرأي السياسي وتفهم السياسة و لكن لاتنزلق في التحزب التي يجعلها ضيقت ويجعلها في مقابل الأحزاب. هذا خطأ فضيع.
الاجتهاد: خروج السيد الشهيد الصدر من حزب الدعوة بعد أن كان من مؤسسي حزب الدعوة، كان من نفس المعنى؟
الشيخ الجواهري: نعم السيد الشهيد رحمة الله عليه حينما أوجد هذا الحزب، كان يريد للشباب أن يتجمهروا في جانب يكون رئيسهم فقيهاً، يتبعون الرئيس الفقيه العادل. ولكن مع هذه النظرة رأى من المصلحة أن لا يدخل الطلبة في هذا الحزب، و أن لا يدخل العلماء في هذا الحزب وأن يخرج هو عن هذا الحزب. وإنما يكون أباً لهذه الأمة العراقية والأمة الإسلامية و هاديا لها.
فكان في بداية أمره ليس مرجعاً فدخل في هذا الحزب وأسس هذا الحزب ولكن لما اصبح على مشارف المرجعية رأى أن وظيفته تختلف عن المرتبطة السابقة. حينما صار مرجعاً أمر طلاب العلم أن يخرجوا من الحزب ورأى أنه هو ايضاً يخرج من الحزب لأنه أصبح في مقام المرجعية التي أبوّة للمجتمع العراقي.
فأصبح ذو رأي سياسي و ذو مدرسة سياسية و لكن ليس له حزب، لأنه يرعى الجميع و أبنى الجميع و يهدي الجميع و لا يريد أن يكون صاحب حزب في مقابل حزب آخر فإنه إذا أصبح صاحب حزب في مقابل حزب آخر نزلت من مرتبته العلياء التي هي المرتبة القيمومة على المجتمع إلى مرحلة شخص عادي في مقابل شخص عادي.
الاجتهاد: يعني إذا كان العمل السياسي لايخالف الأبوّة الإجتماعية للمرجعية حوزة النجف تؤيد هذا العمل السياسي؟
الشيخ الجواهري: العمل السياسي موقف يتخذه المرجع سياسياً. لا أنه سياسي بحيث يحسب كسياسيين الآخرين، لا، هو أب للسياسيين وهو مرجع له يرجعون إليه في الأزمات يحل مشاكله بإعتباره أنه مطلع على التشريع الإسلامي الذي هو القرآن والسنة النبوية وعنده ذوق سياسي و فهم سياسي، والسياسة بالمعنى الذي نرتضيها وهي سياسة الأئمة وسياسة النبي، لا السياسة التي مبتني على الخداع وعلى الكذب وعلى التضليل وعلى التسقيط وعلى التشهير. فهذه السياسة مفروضة في الحوزة العلمية.
هناك سياسة مبتنية على العدالة وعلى النصح وعلى الإرشاد وعلى الهداية و على أن يكون المسلم كفو للمسلم، يتعاملون و يتعاونون يتكافلون يتحابون يتوادّون يقفون الموقف الواحد الذي ينفع الإسلام ضد الإستعمار و ضد من يريد أن يطيح بالإسلام والمسلمين. هذه السياسة التي عليها الأئمة ينهجها علماء النجف.السياسة التي عليها الأئمة و عليها الشرع الحنيف و أوجدها النبي صلى الله عليه و آله وسلم.
النبي كان سياسياً حينما دخل المدينة أوجد دولة لها موادّها. أوجد وثيقة المدينة التي عبارة عن ثلاثة وسبعين بند. هذه الدولة تقول: اليهود على دينهم المسيح على دينهم، المشركون على طريقتهم والمسلمون على دينهم كلهم يعملون على وفق ما يرتؤونه، و لكن إذا حدث حدث على المدينة وخطر على المدينة يجب على الجميع أن يحافظ على هذه المدينة، و إن كان هناك خلاف بين هذه الشرائع الموجودة في المدينة فالمرجع إليّ وأنا الذي أحل النزاع فنصب نفسه رئيسا لهذه المدينة ولهذه الدولة و جعلهم أحرار في تصرفاتهم و دينهم و لم يجبر أحدا على دخول الإسلام بالعنف و السيف والدم، و إنما جعلهم على طريقتهم.
فمن اتبع هذه الوثيقة أصبح من أعضاء هذه الدولة ومن خالف و خان خرج عن هذه المعاهدة. فجُوبِه بالقتال وجوبه بالجزاء الذي يستحقه عندما خرج على وثيقة المدينة.
فالسياسة التي نقولها أن علماء النجف يفهمون السياسة ويعملون بها ويسبّقونها عند الحاجة، هي سياسة الأئمة، وهي الطريقة الشرعية الصحيحة التي جاء بها الأئمة عن النبي “صلى الله عليه و آله وسلم”، و ليست السياسة المارقة المبتنية على الخداع والزور والكذب والبهتان والإعتداء والسيف والعنف والنفاق. ليست هذه السياسة بل الرذائل يتّبعها السياسيون. نحن حينما نقول علماء الدين يفهمون السياسة يعني يفهمون الفضائل ويكونون قيّمين على هؤلاء الناس، ويرتفعون بهم من مرحلة إلى مرحلة يأمرونهم بترك الرذائل والتّحلّي بالفضائل.
هذه السياسة التي يقولة علماء النجف عليها سائرون و بها متمسّكون. يريدون من المجتمع أن يكون مجتمعاً الهياً لا مجتمعاً شيطانيّاً ولا مجتمعاً فاسداً لا مجتمعاً يتّبع الهوى بل مجتمع يتّبع الدين ويتّبع الرسالة ويتّبع الشريعة. هذا الذي يسعى إليه علماء النجف و هذه السياسة التي نقول أنهم متمسكون بها.
فلا يرتئون التّحزّب الذي يرى المصالح الشخصية ومصلحة أفراده ومصلحة قيادته ويترك مصلحة الآخرين. هذا من الباطل الذي تحاربه مدرسة النجف. لاتحزّب، لأننا لانريد أن ننفع حزباً واحداً نريد أن ننفع الأمة نريد أن ننفع هذا الكيان المسلم نرتقي به من الظلمات إلى النور كما فعل النبي و كما فعل الأئمة.
الاجتهاد: إذاً برأيكم، ما هو الفرق بين الإمام الخميني “ره” و الآخرين؟ هل هناك أصلاً فارق أو لا، يعني في المبادئ أو في الآليات أو في الظروف ما هذا الفارق؟
الشيخ الجواهري: لا یوجد فارق عندنا في علماء المسلمين لأنهم كلهم قيّمون علی هذه الأمة يريدون نفعها. و لكن السيد الخميني (ره) تهيّأت له الظروف وتهيّأت له الشروط لأن ينهض بالأمر، فنهض وتمكن أن يصل. والبقية لم تتوفر لهم الشروط التي توفرت للسيد الخميني (ره)، و لو توفّرت الشروط لهم، لقاموا بالأمر، لنفع الإنسان و إرتقاءه من الأمور الرّذيلة إلى الأمور الفاضلة.
الميرزا جواد التبريزي يكتب في كتابه بأنه: لو تمكن الفقيه من إقامة الدولة يجب عليه إقامة الدولة، لكن مع إحراز التّمكن وإحراز القدرة التي يتمكن بها أن يقيم دولة إسلامية. فمع التمكن يجب، ولكن إذا لا يتمكن يبقى هادياً ومشرفاً و ناصحاً ومعيناً ويبقى مراقباً.
فإذا لم يتمكن المرجع كما تمكن السيد الخميني بوجود عوامل ساعدته على القيام بالأمر إذا لم يتمكن يبقى محافظاً، ناصحاً، مرشداً، منبهاً للآخرين، لأجل أن لايقع في فخّ الدول الكبرى وفي فخّ الإستعمار وفي فخّ الّلادينيين الذين يعتقدون بأن الإسلام غير الصالح لإقامة الدولة الإسلامية. مع أن الإسلام هو النظام الصالح لإقامة الدولة الصالحة العادلة إذا تمسّك به الناس.
أما أن العِلمانيّين الذين يرون أن الدين غير صالح لإقامة الدولة فهو من الخطأ الواضح، لأنهم لا يعرفون التشريع و لايعرفون الدين و لا يعرفون أحكام القرآن و السّنة و لم يتمرّنوا عليها و هم جهّال من هذه الناحية، يذهبون إلى النُظُم الأخرى التي تخالف الإسلام .
فالفقيه والمرجع إذا رآى أن الظروف غير ممهّدة له لإقامة شرع الله، لا ينسحب من السّاحة، بل يبقى مراقباً، يبقى منبهاً، يبقى واعظاً، يبقى هادياً، يبقى ولياً لهم. و في الظروف المناسبة يقول كلمة الله، ويقول كلمة الشريعة ويقول كلمة الإسلام لهم ينبهم. فهذه هي وظيفة الأئمة في زمان الدول الغير إسلامية التي كانت تُسمى دول إسلامية. ماذا كان يعمل الأئمة في تلك المراحل؟ كانوا مراقبين للوضع، يحذّرون، ينبّهون، يعظون، يُرشدون ويقولون تمسكوا بها الدين الحنيف ولا تنخرطوا في مطبّات تخرجكم عن هذا الدين. هذا كله في صورة عدم القدرة.
إنتهى