خاص الاجتهاد: يقال إن حاكم خراسان (علي بن محمد) بعث ممثله وزیرهُ (الشيخ محمد آوي) إلى حوزة جبل عامل الشيعية، لدعوة الشيهد الأول إلى خراسان بغرض التوجيه والتدريس، إلأ أن الشهید الأول لم یمتثل لهذه الدعوة، وبدلاً مں ذلك. حرر کتاب اللمعة الدمشقية في ظرف أسبوع واحد وأرسله إليه بعنوان القانون والمسلك الحكومة “رؤوس على المشانق” وتعني بالفارسية (سربداران) – ذوي الرؤوس المرفوعة على أعواد المشانق.
حوزة خراسان العلمية هي احدی المدارس الشیعیة التي کان لها دور عظیم في نهضة الإمامية العلمية، ولقد كانت حوزة خراسان، طوال القرون بموازاة الحوزات العلمية الأخرى حاملة مشعل الهداية للمجتمع الشيعي ، على عاتقها.
تأسيس حوزة خراسان
تأسست حوزة خراسان، في أواسط القرن الثاني الهجري بأيد مقتدرة ببركة الإمام الثامن علي بن موسى الرضا عليهما السلام (١٤٨ – ٢0٦ هـ)، حين اجتمع إليه عدد من الأصحاب والمحدّثين، والفقهاء لینتفعوا بعلمه المبارك.
و قدثبت الشیخ الطوسي في کتابه المسمی رجال الطوسي (۳66)، وسجل (۳۱۷۱) طالباً من اصحاب الامام الرضا عليه السلام الذین کانوا يتتلمذون علیه؛ وبعد رحلة الإمام استمرت الحوزة بنشاطها العلمي، ففيها تعلم الشيخ الطوسي (م٤0٦هـ) أيضاً، ثم هاجر عام (408) الی بغداد.
ولقد ظهر نزاع واختلافات فکري وعقائدي، في حوزة خراسان، في القرن الخامس والسادس الهجري، تدل کلها علی مساحة هذه الحوزة العلمية الکبیرة، وسعتها القديمة.
كتب الهجوبري يقول: ولقد رأیت فی خراسان لوحدها ثلاثمائة شخص لکل واحد منهم طریق خاص و کلهم علماء” .
وقد كانت إدارة حوزة خراسان بزعامة تاج الدين أبي الفتح محمد الشهرستاني(م 548هـ) المعروف بفطنته ودهائه ، وفي عهده بلغ أهل السنة والجماعة في خراسان قمّة قدرتهم، لكنه تمكن من التمويه عليهم بالادعاء بأنه أشعري شافعي وقد صرّح الذهبي بامتلاکه بواطن الامور المشهود لها. و قد اتسعت مدرسة خراسان علی عهده، ناهیك عن لفت أنظار العلماء إلى تفسير مفاتيح الأسرار ومصابيح الأنوار.
وعندما كانت حوزة مشهد مشغولة بالانقسامات الفكرية . . ظهر الشيخ أبو علي الفضل بن حسن الطبرسي (ولد في سبزوار 548 هـ)، المعروف بالشيخ الطبرسي ومن أركان علماء الإمامية ظهر على ساحة الجامعة الشيعية يمتاز بمقعد التدريس ويختص به لنفسه ومن أفضل آثاره تفسير مجمع البيان، وبعد أن تسلم زعامة الحوزة ابنه الشيخ رضي الدين أبو نصر الحسن، ومن مؤلفاته مکارم الاخلاق، وجاء بعده ابنه الشيخ أبو الفضل علي الطبرسي صاحب مشكاة الأنوار وهو من علماء خراسان الذائعى الصيت.
وقد بيّن عبد الجليل القزويني حالة المدارس الشيعية في كتابه (النقض : 3٤) فقال :
“إن ذلك الزمان، كان يعج بالمدارس الدينية الكثيرة وأن الطلاب منشغلون بطلب العلم فيها، وقد استطاع الخواجه نصیر الدين أبو جعفر محمد الطوسي (م٦٧٢هـ) أحذ العلماء البارزين، أن يلفت باسم هذه الحوزة أنظار العلماء إلى آثاره العلمية والثقافية.
هجوم (هولاكو خان)
كان لهجوم (هولاكو خان) على إيران أكبر الضرر، لما نشر من خراب و دمار جسیم في کل مکان مرّ فیه، و من جملة ما فعل بعثرة الحوزات العلمية الشيعية في أغلب المدن الإيرانية، وحرق وتدمير ما فيها. وبظهور (آل الجويني) وهم من أهل خراسان، شرع بإعمار حوزة خراسان، وسائر الحوزات الشیعیة و بمساعی وجهود الخواجه شمس الدین محمد الجويني، (الذي استشهد عام683 هـ).
وهو من الوزراء المقتدرین، والحکام الشیعة المغول في عهد (هولاکو)، (وآباقا خان) زمّمت الحوزات العلمية نسبياً، إلأ أنها بقيت آثار التخريب ظاهرة علیها حتی استشهاد (الخواجه)، وقد استعادت الحوزات الشيعية حيويتها مدّة أخرى بالتشجيع وبذل الأموال الكثيرة، حتى بدأ الكثير من العلماء بكتابة مؤلفات جادّة باسم (الجويني) وباسمه أهدوها، و من جملتهم (الخواجه نصیرالدین الطوسي) فقد ألف کتاباً بأمر (الجوینی) باللغة الفارسیة اسماهٔ: اوصاف الاشراف فی السير والسلوك.
رافق ظهور القرن الثامن الهجري، حركة رفع رؤوس على المشانق . . . لجماعة الشيخ خليفة (م٧3٦هـ) في خراسان، التي التحقت بها، أغلب الحوزات الشيعية آنذاك.
ويقال: إن حاكم خراسان (علي بن محمد) بعث ممثله وزیرهُ (الشيخ محمد آوي) إلى حوزة جبل عامل الشيعية، لدعوة الشيهد الأول إلى خراسان بغرض التوجيه والتدريس، إلأ أن الشهید الأول لم یمتثل لهذه الدعوة، وبدلاً مں ذلك. حرر کتاب اللمعة الدمشقية في ظرف أسبوع واحد وأرسله إليه بعنوان القانون والمسلك الحكومة “رؤوس على المشانق” وتعني بالفارسية (سربداران) – ذوي الرؤوس المرفوعة على أعواد المشانق.
عصر الصفويين
لقد اقترن تأسیس الدولة الصفویة (۹۰۷ هـ) بتجدید نشاطات الحوزات العلمية الشيعية، ومنها حوزة خراسان، وفي الأعوام الأولى لحكومة الصفويين، كانت خراسان مسرحاً لأحداث قام بها (الأزبك) منها الهجوم الفاجع الشرس، الذي زامن شهادة الشيخ فضل اللَّه الخراساني المعروف بعماد الدین الطوسی، وهو من علماء حوزة خراسان الکبار.
وقد استشهد في أحداث ذلك الهجوم، إضافة إلى الشيخ الخراساني مجموعة من العلماء الأفاضل ومن الفرس ومن علماء حوزة خراسان الشيخ الحرّ العاملي (م 1104هـ) وهو من شيوخ علماء الحدیث، ومن الذین اتخذوا مشهد سکنا لهم سنة( م1078هـ)، حيث مارس في أواخر عمره الشريف التدريس، والإرشاد، والفتوى فى هذه الحوزة، مهتماً بتربية الكثير من التلامذة، وكان كتابة القيم (وسائل الشيعة) من أفضل آثاره.
وبعد أن استقرت الحكومة الصفوية، أرسل السيد محمد مهدي الأصفهاني من قبل أستاذه الوحيد البهبهاني في حوزة مشهد المقدّسة، ليؤسس مدرسة لأستاذه البهبهانى فى حوزة مشهد وآخر الامر استشهد في خراسان عام (۱۲۱۷ هـ)، لیخلفه ابنه السید المیرزا داود (م ۱۲4۰ هـ)، وهو من علماء الحوزة، ليختص به مقعد أبيه التدريسي.
وقد أسس أحد أعلام الأمة الشيخ محمد حسن الکرباسی (۱۱۱۵ – ۱۱۹۰ هـ ) مدرسة عظیمة عند الحرم الرضوي المقدس بعد أن وصلها من كاخك وقبل أن يستقر بيزد ثم بإصفهان، وعرفت بمدرسة الحاج حسن .
کان التدریس في مشهد و الارشاد في حوزتها، مرتبطاً (بآل الشهيدي) حتى النصف الثاني من القرن الرابع عشر الهجري، إلا أنه في النصف الأخير، من القرن الرابع عشر، هاجر السيد محمد هادی المیلانی سنة ۱۳۷۵ هـ (وقد توفی سنة ۱۳۹۵ ه)، [وهو من مراجع تقلید الشيعة في كربلاء). هاجر إلى مشهد ليتصدى لزعامة حوزة خراسان، فيجدُ هذا المركز العلمي الشيعي تجديداً واسعاً بمجيء الأخير.
ولا يخفى على أحد، أنّ مؤسس هذه النهضة الفكرية العصریة، في خراسان هو المیرزا مهدي الاصفهاني (م ۱۳6۵ هـ)، والشیخ مجتبی القزويني (م ۱۳۸6 هـ)، وتعتبرُ اليوم حوزة مشهد من الحوزات العلمية الكبيرة بعد حوزة قم في عالم التشيع، وأن عدد طلابها – وخاصة دوراتِ المقدمات – والأدب، والسطوح ، والسطوح العالية – أخذ یزداد. وقد اشتهر هذا المركز الثقافي بشهرة خاصة في إقامة هذه الدورات المهمّة.
مقتطف من كتاب: الحوزات العلمية في الأقطار الإسلامية للباحث: عبد الحسين الصالحي