الاجتهاد: أجرت مراسلة وكالة أنباء فارس لقاءا مع المرافق الأمني الشخصي للإمام السيد روح الله الموسوي الخميني الراحل (رضوان الله تعالى عليه) بمناسبة الذكرى الـ 33 لرحليه تحدث خلالها عن بعض ذكرياته خلال مرافقته الأمنية لمفجر الثورة الاسلامية ومؤسس الجمهورية الاسلامية.
هو “حميد نقاشيان” الذي اختير ليكون احد المرافقين الأمنيين المكلفين بحماية الإمام الخميني الراحل (قده) عندما كان يبلغ من العمر 24 عاما، وقيل له بأن مهارته في الرياضات القتالية وقدراته في الدفاع الشخصي هي سبب اختياره لهذه المهمة، لكنه يتحدث بأن ذلك التكليف كان نتيجة الالطاف الربانية ونظرة الهية رحيمة وخاصة نحوه، وهو أهم حدث في حياته، وفي غير هذه الحالة ” أين أنا وأين مجاورة ذلك الرجل التاريخي العظيم؟” كما يقول نقاشيان.
ويشرح نقاشيان الذي كان الى جانب سماحة الامام الخميني الراحل منذ انتصار الثورة الثورة الاسلامية في عام 1979 ولفترة عام ونصف قبل ان يكلفه الامام الراحل طاب ثراه بمهام آخر، انه سمع لاول مرة باسم الامام الراحل عند اندلاع انتفاضة 15 خرداد في عام 1963 وحينها كان يبلغ من العمر 9 سنوات ويعمل في سوق الاحذية في وسط طهران وقد عايش احداث تلك الانتفاضة وارتداداتها في المجتمع الايراني والدعم الشعبي للامام الخميني الراحل وتعرف على فكره السياسي ومناهضته للنظام الملكي، ويلخص ذلك بالقول “لقد ترعرعت مع ذكر الامام الخميني (قده) واسمه، منذ ذلك التاريخ”.
ويتجنب كفاشيان الحديث عن نشاطاته الثورية قبل انتصار الثورة الاسلامية ويقول “في هذه الايام يجب فقط التحدث عن الامام الراحل طاب ثراه ونمط حياته وعظمته وبساطة عيشه، لقد التقيت بسماحة الامام الراحل لاول مرة في حرم الامام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله وسلامه عليه عندما ذهبت الى النجف الأشرف للالتقاء به ، ورغم الاجواء البوليسية وانتشار العملاء وجواسيس جهاز السافاك الايراني هناك والذي كان يمنعني من الذهاب مباشرة لزيارة سماحة الامام، علمت بان الامام الراحل يتشرف كل ليلة في الساعة التاسعة بزيارة الحرم الطاهر للامام امير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله وسلامه عليه، فذهبت الى الحرم الشريف ونظرت من بعید الى ذلك الرجل العظيم في تاريخ ايران ، ومن ثم تمكنت اولا من الالتقاء ببعض الاشخاص القريبين من الامام الراحل في النجف الاشرف وثم تمكنت من زيارته طاب ثراه والالتقاء بسماحته مع مراعاة الجوانب الامنية ولن أنسى اللقاء الاول طوال حياتي”.
ويؤكد نقاشيان ان الامام الخميني الراحل كان شخصية لا نظير لها في بساطة العيش والمعرفة وعلم الفقه والسلوك وشخصيته السياسية وشجاعته وشهامته وبعد نظره السياسي، لكنه يقول “ان بساطة العيش كانت اعظم خصوصية في سلوك الامام الراحل طاب ثراه فسماحته كان بسيط العيش الى أبعد الحدود والمثال على ذلك كانت قمصانه البيضاء التي خيطت له قبل عودته الى ايران بوقت طويل ولم يمتلك غيرها، ولم يمتلك ابدا عباءة جديدة منذ ذلك الوقت وكان المرء يشعر بأنه في منتهى الاستغناء عن الدنيا وأنموذج وقدوة في ذلك بكل ما للكلمة من معنى، لقد تناولت الطعام مرارا بجوار سماحة الامام وكنت أتعجب دوما بأنه يكتفي بطعام بسيط جدا وقليل، وهذا يدل على ان سماحته كان يحافظ على صحته وسلامته الى جانب انصياعه لتعاليم وأوامر الائمة المعصومين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين”.
ويشرح نقاشيان ان التجملات لم يكن لها مكان في نمط الامام الراحل وسلوكه، وبساطة العيش هذه كانت مشهودة حتى عند المسؤولين الاجانب الذين أتوا للقاء سماحته ويضيف “خلافا للزخارف التي نراها تزيّن مرقد الامام الراحل اليوم فان سماحته كان بعيدا كل البعد عن التجملات ولم يفرق بين مسول اجنبي اتى لزيارته او زوجين أتيا لعقد خطبة قرانهما عند سماحته، وعلى سبيل المثال عندما أتى وزير الخارجية السوفيتي ليسلم الامام رسالة غورباتشوف لم يصدق ذلك الوزير بساطة مكان اللقاء وبدلا عن ذلك أخذته الرهبة من شخصية الامام الراحل فتلعثم في الكلام وكانت يداه ترتجفان لكن سماحة الامام لم يتعامل ابدا مع الآخرين بالتعالي ومن موقع قيادة الثورة او مرجعيته الدينية لكن ما حصل مع وزير الخارجية السوفيتي لم يحدث لاول مرة وهناك الكثيرون ممن أتوا للقاء سماحته وتأثروا برهبة شخصيته ولم يستطيعوا الكلام براحتهم لكن سماحته كان يلطف الأجواء بحيث يشعر الزوار بالراحة ويتكلمون بعفوية”.
ويقول نقاشيان “في فترة من الفترات ذهب سماحة الامام الى اطراف مدينة قم لأخذ استراحة ليومين ونصف اليوم وكنت انا الشخص الوحيد برفقة سماحته وكان يجب على ان اهيئ الطعام وكان سماحته يقضي معظم وقته في قراءة القرآن الكريم والاستماع الى المحطات الاذاعية ومن جملة الامور التي كانت تقلقني بعد تناول الطعام هو ذهاب الامام بسرعة لغسل أواني الطعام قبل ان ابادر انا الى ذلك، فكان يجب علي ان أسرع الى غسل أواني الطعام قبل ان يسبقني سماحته الى ذلك، وهذه الذكريات تدل على شخصيته رضوان الله عليه وكان الامام الراحل يتناول القليل من الطعام فتأثرت انا بذلك ايضا واصبح هذا ملكة تلازمني”.
ومضى يشرح نقاشيان “في اليوم الثاني من مكوثنا في اطراف مدينة قم المقدسة أعددت غداء بسيطا وعندما جلسنا على المائدة قام سماحته بوضع الطعام لي أولا ومن ثم وضع الطعام لنفسه، ومن جملة الأمور التي كانت تشغل افكاري دوما وكنت ارغب في طرح السؤال بشأنها من سماحة الامام الراحل هي قضية استشهاد نجله آية الله السيد مصطفى الخميني في النجف الاشرف فقد طرحت على سماحته هذا السؤال 3 مرات خلال فترة مرافقتي له فكان سماحته لا يجيبني ويلتزم الصمت فقط لكن خلال تلك الفترة في اطراف مدينة قم المقدسة عندما كنا لوحدنا طرحت على سماحته السؤال مجددا حينما كنا على مائدة الطعام وسألته لماذا لم تسمحوا بتشريح جثة السيد مصطفى؟
فوضع سماحته الملعقة جانبا ونظر الي وقال (( لما كانت اندلعت الثورة)) وهذه الجملة تحمل في طياتها بحرا من المعاني واذا اردت ان اشرح ذلك اكثر فان اول انطباع يمكن استخلاصه هو علم الامام الراحل طاب ثراه بوجود تيارات متغلغلة في حاشيته والتي كانت تنتظر صدور موقف من سماحته لمعرفة كنه افكاره، ولذلك مر الامام من قضية قتل الشهيد السيد مصطفى الخميني مرور الكرام واكتفى بالقول في بيانه ((يمكن ان تكون تلك الحادثة من الالطاف الالهية الخفية)) وانا اسرد تلك القضية لاقول كيف كان يهتم سماحة الامام الراحل بهذه التفاصيل الدقيقة في الاجواء السياسية والاجتماعية السائدة.
ويشرح نقاشيان كيف تعرض لحادث كسر في عظام يده عندما ذهب الامام الراحل طاب ثراه الى مدرسة الحكيم نظامي في مدينة قم المقدسة وتهافتت الجماهير للقائه وعم الفوضى في المكان واضطر نقاشيان الى اتخاذ اجراءات لارساء الأمن وتدارك الفوضى وغلق احد الابواب لهداية الجماهير الى باحة المدرسة فحينها كسرت يده فتعجب من عدم ذهاب الامام الى داخل مبنى المدرسة ووقوفه “ليسأل عن حالي ويطمئن على سلامتي وهذا يدل على محبة سماحته ولطفه”.
الإمام الخميني “قدس سره”.. ضوء على حياته السياسية والاجتماعية والحوزوية
ويضيف نقاشيان ان سماحة الامام الراحل كان محبا جدا للاطفال ومتلاطفا جدا معهم وهناك صورا كثيرة عن سماحته حينما كان يمسح على رؤوسهم، فعندما كانت الاهالي تأتي لزيارة سماحته في مدرسة علوي كانوا يرفعون اطفالهم على الكف ليمسح سماحة الامام يده على رؤوسهم وحينما كنا نريد منع ذلك لدوافع أمنية كان سماحة الامام يمتعض من ذلك ويقول اسمحوا للاطفال بالمجيء وكان يمسح يده المباركة على رؤوسهم بعشق، كما كان مزاحه رضوان الله عليه ايضا درسا كبيرا، فهو كان يمازح افراد عائلته واحفاده دوما والاحفاد كانوا يحبون هذا المزاح كثيرا ومن اكثر الاوقات متعة وسرورا كانت الاوقات التي يقضونها مع سماحته رضوان الله عليه.
ويقول نقاشيان انه جاء مرة للقاء سماحة الامام بعد مشاركته في احدى العمليات في جبهات الحرب ويقول “كنت مرتديا الزي العسكري واشعر بالتعب وتشرفت بلقاء الامام الراحل وكنت متضايقا وشرحت الاحداث لسماحة الامام بالتفاصيل الصغيرة لكن سماحته نظر الي بكل طمأنينة وابتسامة علت وجهه المبارك وقال لي (( انك تعبت)) فنظرت الى سماحته وقلت “نعم تعبت قليلا ولم أنم البارحة” فقال سماحته مجددا (( لا، انك تعبت، وذهنك ايضا تعب، اذهب وخذ قسطا من الراحة لاسبوع ولا تستمع للاخبار نهائيا ايضا خلال هذه الفترة)). ويضيف نقاشيان ان قلبه وروحه مطبوعة بابتسامة سماحة الامام ورعايته الأبوية رضوان الله تعالى عليه.
وعن قول سماحة الامام الخميني المأثور بـ ((أن الله سبحانه وتعالى هو من حرر خرمشهر)) يقول نقاشيان ان هناك قطاعات مختلفة شاركت في هذا الحدث العظيم أي تحرير مدينة خرمشهر، ولتجنب الخلاف حول من الجهة التي حررت خرمشهر قال الامام الراحل طاب ثراه جملة واحدة كانت فصل الخطاب وهي ((أن الله سبحانه وتعالى هو من حرر خرمشهر)) وهذا يعني ترسيخ الوحدة بين جميع القطاعات والاركان.
ويختم نقاشيان بالقول : على جميع أصحاب وسائل الاعلام ان يتحدثوا عن سيرة الامام الخميني الراحل باستمرار وليس فقط في ذكرى رحیله رضوان الله عليه بل يجب شرح مناقب سماحته على مدار السنة وكذلك شرح فكره ونهجه رضوان الله تعالى عليه.