حديث المقاتلة

حديث المقاتلة وأثره في توليد التطرُّف الدينيّ، إثاراتٌ نقديّة في السند والدلالة

الاجتهاد: لا شبهة في أن القاعدة الأساس في التعاملات الإنسانية مع الآخر في الدين الإسلامي مبنيّة على الرحمة والمحبّة والتسامح، ولا يُصار إلى الحرب والقتال إلاّ في حالات ردّ الاعتداء والظلم أو الدفاع عن المستضعفين في البلاد الأخرى، ونحو ذلك ممّا يحسِّنه العقل، ويرشد ويدعو إليه العقلاء. / بقلم: د. السيد زين العابدين المقدَّس الغريفي

بَيْدَ أنه برزَتْ طوائف تدّعي الانتماء للدين الإسلامي، وتتحدّث بلغة القرآن والسنّة، قد حفظوا قشوراً، وغاب عنهم روح الدِّين وأهدافه ومقاصده، أسَّسوا لفقه التطرُّف والتكفير، وبُنيَتْ منظومتهم التشريعية على مجموعةٍ من الأحاديث والأخبار، التي تمثِّل القاعدة الأساس لهم في إثبات القتل لكلّ كافرٍ ومخالفٍ، بل لكافّة الأمم والملل، بحيث لا يخرج عن هذه الدائرة إلاّ خصوص مَنْ يدين بمذهبهم، ويعتقد بجميع اعتقاداتهم.

وهذا مخالفٌ لضرورة العقل، وسيرة العقلاء؛ إذ لا يمكن أن يصدر من عاقلٍ الحكم بوجوب قتل جميع مَنْ في الأرض، إلاّ هو وأتباعه، الذين لا يمثِّلون في عصر صدور هذه النصوص إلاّ 1 أو 2%، فضلاً عن صدوره عن نبيٍّ معصومٍ مسدَّد من الله تعالى الحكيم العادل. ولو تتبَّعنا نصوص القرآن وسيرة الرسول(ص) وأخلاقيات المعصومين(عم)، التي تتعارض وظاهر نصوص التطرُّف، لأمكن الحكم ببطلان هذا الفَهْم، وقُبْح هذا السلوك.

ويمكن تقسيم هذه الأخبار والأحاديث إلى قسمين:

القسم الأوّل: ما كانت ضعيفةً، بل موضوعةً على لسان الرسول الأكرم(ص)، أمثال: «جئتُكم بالذبح»، ولها دواعٍ وأسبابٌ معروفة، عقديّةٌ، كتشويه صورة الإسلام السمحة؛ أو سياسيّةٌ، لتوسيع نفوذ الحاكم والسيطرة على أكبر عددٍ ممكن من الأراضي والبلدان؛ بدواعٍ دينية.

القسم الثاني: ما كانت صحيحة السند، إلاّ أن الخطأ واقعٌ في فَهْمهم لها، بحيث لو لوحظَتْ ضمن أجواء الصدور والقرائن المحيطة بالنصّ لقُطِعَ بخطأ الفهم وسُقْمه.
ومن هذه الأخبار «حديث المقاتلة»: «أُمِرْتُ أن أقاتل الناس حتّى يشهدوا أن لا إله إلاّ الله».

وقد بنَوْا عليه وجوب مقاتلة أهل الأرض كافّةً ممَّنْ يخالفهم في المعتقد، حتّى وإنْ كان يدين بنفس دينهم، ورتَّبوا على ذلك مجموعةً من الثمرات التي تؤسِّس للتطرُّف الديني، ممّا سنتطرَّق إلى بعضه في طيّات البحث.

ولهذا تُعنى هذه المقالة بدراسة هذا الخبر، سنداً ودلالة، عند الفريقين: الشيعة الإمامية وأهل السنّة؛ لنرى هل يصحّ سنده أوّلاً؟ وإذا فرضنا صحّته فهل ينسجم تفسيرهم له مع روح الإسلام ونصوصه وأخلاقيّاته؟

ويسعى الباحث في هذا المقال إلى المساهمة في تهديم أُسُس وقواعد التطرُّف في المجتمع، وذلك من خلال مناقشة المباني الدينية التي تستند عليها الجماعات والتنظيمات المتطرِّفة؛ لأجل دفع تهمة التطرُّف عن التشريع الإسلامي، وإبراز جوانب الرحمة والإنسانيّة في التعامل مع مطلق المخالف في العقيدة والفكر والمنهج.

فلا يوجد ما يدلّ على استضعاف المخالف أو قتله؛ لمجرّد الكفر، بل القتل عنوانٌ يحصل لأسباب موضوعيّة، كردّ العدوان، أو الدفاع عن المستضعفين. ويستوي في ذلك المسلم والكافر.

وقد قام الباحث بدراسة «حديث المقاتلة»، الذي يدلّ بظاهره على كون الكفر سبباً لوجوب القتال، من جهتَيْ السند والدلالة؛ فناقش جميع أسانيد هذا الخبر عند الشيعة الإمامية وغيرهم من المذاهب الإسلامية.

كما ناقش في دلالته، بعد أن عرضه على الكتاب الشريف والسنّة المعتبرة والسيرة القطعيّة للمعصوم(ع)، وتوصَّل إلى اختصاص المقاتلة بحالة ردّ العدوان، والدفاع عن بيضة الإسلام أو المستضعفين في الأرض، ولا يمكن تعميمه لكلّ كافرٍ في جميع بقاع الأرض.

 

المصدر: العدد الجديد (59 – 60) من مجلة الاجتهاد والتجديد

 

تحميل العدد (60 – 59) من مجلة الاجتهاد والتجديد

بصيغة وورد

59-60 الاجتهاد والتجديد

البي دي إف

 59-60-.pdf الاجتهاد و التجديد

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign

Clicky