الاجتهاد: هناك إجماعٌ فقهيّ على عدم كفاية ولادة الهلال في إثبات أوّل الشهر القمري الهلالي (الهجري). نعم كانت هناك محاولةٌ للسيد المرجع محمد حسين فضل الله(ره) في بداية طرحه لمرجعيّته، وكانت فتواه بكفاية ولادة الهلال؛ ولعلّه اعتمد على ما ذكره السيد المرجع أبو القاسم الخوئي(ره)
حيث قال: «إن الشهور القمرية إنما تبدأ على أساس وضع سير القمر واتخاذه موضعاً خاصاً من الشمس في دورته الطبيعية، وفي نهاية الدورة يدخل تحت شعاع الشمس، وفي هذه الحالة (حالة المحاق) لا يمكن رؤيته في أيّة بقعة من بقاع الأرض، وبعد خروجه عن حالة المحاق والتمكُّن من رؤيته ينتهي شهر قمري، ويبدأ شهرٌ قمري جديد. بقلم .. الشيخ محمد عباس دهيني
ليس حديثنا في عموم طرق إثبات الهلال، كـ: 1) العلم الوجداني؛ 2) الشياع؛ 3) مضيّ ثلاثين يوماً من الشهر السابق؛ 4) شهادة عادلين؛ 5) حكم الحاكم؛ 6) تطوّق الهلال وغيرها من العلامات.
الحديث كلُّه حول ثبوت الهلال بقول الفلكيّ .
هل الفلكيّ هو المنجِّم، الذي نَهَت الروايات عن العمل بخبره؟
الحقُّ أن المنجِّم غير الفلكيّ.
فالمنجِّم يعتمد الحساب الحَدْسيّ المبتني على الظنّ والخرص والتخمين.
أما الفلكيّ فيعتمد الحساب الحسّيّ، المبتني على المراقبة المتكرِّرة، والتجربة السابقة، بل يعتمد اليوم (في ظلّ النهضة العلميّة في التعرُّف على الفضاء والوصول إليه) على الحسّ الفعليّ، فهو يرى أوّل شعاعٍ من ضوء الشمس يقع على القمر، يراه بالوسائل التقنيّة الحديثة، وبذلك تثبت ولادة القمر وخروجه من المحاق. وطبعاً الفلكيّ يعرف بوقت هذه الولادة قبل أن يشاهدها، اعتماداً على حساباته الحسّيّة المعتمِدة على التجربة والمراقبة.
ومن هنا لا إشكال بين الفلكيين والفقهاء في أنّ الفلكيّ يمكنه أن يحدِّد وقت ولادة القمر بدقّةٍ فائقة.
ولكنْ هل يفيدنا العلم بهذا الأمر؟
هناك إجماعٌ فقهيّ على عدم كفاية ولادة الهلال في إثبات أوّل الشهر القمري الهلالي (الهجري). نعم كانت هناك محاولةٌ للسيد المرجع محمد حسين فضل الله(ر) في بداية طرحه لمرجعيّته، وكانت فتواه بكفاية ولادة الهلال؛ ولعلّه اعتمد على ما ذكره السيد المرجع أبو القاسم الخوئي(ر)، حيث قال: «إن الشهور القمرية إنما تبدأ على أساس وضع سير القمر واتخاذه موضعاً خاصاً من الشمس في دورته الطبيعية ، وفي نهاية الدورة يدخل تحت شعاع الشمس ، وفي هذه الحالة (حالة المحاق) لا يمكن رؤيته في أيّة بقعة من بقاع الأرض ، وبعد خروجه عن حالة المحاق والتمكُّن من رؤيته ينتهي شهر قمري ، ويبدأ شهرٌ قمري جديد .
ومن الواضح أن خروج القمر من هذا الوضع هو بداية شهر قمري جديد لجميع بقاع الأرض على اختلاف مشارقها ومغاربها ، ولا لبقعةٍ دون أخرى ، وإنْ كان القمر مرئياً في بعضها دون الآخر ؛ وذلك لمانعٍ خارجي، كشعاع الشمس ، أو حيلولة بقاع الأرض، أو ما شاكل ذلك ، فإنه لا يرتبط بعدم خروجه من المحاق ، ضرورة أنه ليس لخروجه منه أفراد عديدة، بل هو فرد واحد متحقِّق في الكون لا يعقل تعدُّده بتعدُّد البقاع ، وهذا بخلاف طلوع الشمس فإنه يتعدَّد بتعدُّد البقاع المختلفة، فيكون لكلّ بقعة طلوع خاصّ بها .
وعلى ضوء هذا البيان فقد اتّضح أن قياس هذه الظاهرة الكونية بمسألة طلوع الشمس وغروبها قياس مع الفارق ؛ وذلك لأن الأرض بمقتضى كرويّتها يكون ـ بطبيعة الحال ـ لكلّ بقعةٍ منها مشرقٌ خاصّ ومغرب كذلك ، فلا يمكن أن يكون للأرض كلها مشرقٌ واحد ولا مغرب كذلك، وهذا بخلاف هذه الظاهرة الكونية ـ أي خروج القمر عن منطقة شعاع الشمس ـ؛ فإنه لعدم ارتباطه ببقاع الأرض وعدم صلته بها لا يمكن أن يتعدَّد بتعدُّدها». (منهاج الصالحين 1: 280).
وقد يُفهَم من كلامه(ر) أنّ المدار في بداية الشهر القمري تكويناً هي خروج القمر عن منطقة شعاع الشمس، أي خروجه من حالة المحاق. ومتى بدأ الشهر تكويناً فليبدأ تشريعاً.
نعم، صدرُ كلامه يفيد ضرورة أن يصل إلى مرحلةٍ يمكن أن يُرى، حيث قال: «وبعد خروجه عن حالة المحاق والتمكُّن من رؤيته ينتهي شهر قمري ، ويبدأ شهرٌ قمري جديد». كما أنّ له(ر) كلاماً واضحاً في ذلك حيث قال: «دلَّتْ الروايات الكثيرة أيضاً أن الشهر الجديد إنما يتحقّق بخروج الهلال عن تحت الشعاع بمثابة يكون قابلاً للرؤية». (شرح العروة الوثقى (موسوعة الإمام الخوئي) 22: 60).
ولكنّ المرجع فضل الله عاد فالتفت إلى أنّ خروج القمر من المحاق لا يجعل منه هلالاً، إذ سُمّي القمر في مرحلةٍ من مراحل حركته هلالاً ـ وهي أولى مراحله ـ لأنّهم كانوا إذا شاهدوه أهلّوا استبشاراً وتصارخوا وتنادَوْا لرؤيته.
وبما أنّ الشارع المقدَّس جعل (الهلال) ميقاتاً لبداية الشهور، حيث يقول: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنْ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ﴾ (البقرة: 189)، فلا بُدَّ إذن من أن يبلغ القمر مرحلة الهلال حتّى يبدأ الشهر القمريّ شرعاً.
يقول المرجع فضل الله: «يعتبر (الشهر) ظاهرةً زمنية خاضعة لنظام الزمن الكوني، ويتكرر حدوثه منذ خلق الله السماوات والأرض في وقتٍ معين، لا يزيد ولا ينقص أبداً، وذلك حين يبدأ بولادته بالخروج من ظلّ الأرض المصطلح عليه بـ (المحاق)،
وحين ينتهي لحظة ولادة الشهر التالي، بعد أن يمضي عليه تسعة وعشرون يوماً وحوالي ثلاثة عشرة ساعة، لا يتخلّف فيها عن موعده الدائم هذا ثانيةً واحدة منذ أن كان، وهو بذلك ظاهرةٌ متكرّرة الوجود، ولا علاقة لوجودها برؤية البصر، تماماً كما هو الليل والنهار، فإذا شهد أهل الخبرة من الفلكيّين الذين يفيد قولهم الاطمئنان بولادة الهلال وخروجه من المحاق فهذا يعني أن الهلال قد وُجد في الكَوْن قطعاً، ولن ننتظر حتى نراه لنحكم بوجوده.
علماً أننا؛ ومن أجل الزيادة في تأكيد هذا الوجود، قد أضَفْنا إلى نفس التوليد عنصراً آخر، هو ضرورة مضيّ بضع عشرة ساعة على لحظة ولادته، يصير خلالها على درجةٍ من قوّة الضوء تجعله قابلاً للرؤية بالعين للناظر إليه من الأرض؛ إذ حينها نحكم ببداية الشهر القمري الجديد فعلاً، حتّى لو لم يُرَ بالعين، وذلك في المنطقة التي يمكن رؤيته فيها،
وفي كلّ منطقة تشترك معها في جزءٍ من الليل، والذي هو حينئذ سيشمل معظم العالم، إلا بلداناً قليلة. هذا الرأي هو نفس الذي ذهب إليه أستاذنا السيد أبو القاسم الخوئي(قده) في كتابٍ خاصّ له حول هذه المسألة، لكنه كان قد توفّي دون أن يفتي بمقتضاه».
إذن هم لم يكتفوا بالولادة، وإنّما اشترطوا إمكانيّة الرؤية أيضاً.
ولتأكيد ذلك نقول: الشهر في الشرع عبارةٌ عن الزمان الواقع بين هلالين، ويتحقَّق في الواقع الخارجي باحتمالٍ من ثلاثة:
الأول: خروج القمر من المحاق.
والثاني: خروجه إلى أن يبلغ رتبةً من الظهور بحيث يمكن أن يُرى.
والثالث: أن يبلغ ظهوره درجةً بحيث يُرى بالفعل.
والاحتمال الأول باطلٌ باتفاق الفلكيين والفقهاء معاً؛ إذ لا يطلق على القمر وهو في المحاق هلالٌ، لا لغةً ولا عرفاً.
والقمر في الاحتمال الثالث يُسمّى هلالاً، ولكنه ليس هو الشرط الوحيد لثبوت الهلال عند الفقهاء؛ إذ الرؤية الفعلية غير ممكنة دائماً.
فيبقى الاحتمال الثاني، وهو أقوى الاحتمالات عند الفقهاء.
إذن نستطيع أن نقول: إنّ السيد الخوئي(ر) كان سبّاقاً في طرح كفاية إمكانيّة رؤية الهلال لإثبات الشهر، وتلاه بعد ذلك جملةٌ من الفقهاء، كالسيد محمد باقر الصدر، والشيخ محمد جواد مغنيّة، والسيد محمد رضا الكلبايكاني، والشيخ عبد الهادي الفضلي، والسيد محمد الصدر، والسيد محمد حسين فضل الله، والسيد عليّ الخامنئي، والسيد كمال الحيدري، والشيخ إسحاق الفيّاض (راجِعْ: الفضلي، مبادئ علم الفقه 2: 36؛ مغنيّة، فقه الإمام جعفر الصادق(ع)، 2: 48؛ الكلبايكاني، مجمع المسائل 1: 242؛ محمد الصدر، ما وراء الفقه 1: 117، دار الأضواء، طبعة 1994م)،
حيث أفْتَوْا ـ ما عدا السيد الخوئي، الذي لم يُفْتِ بهذا، وإنّما كان بحثاً علميّاً نظريّاً فقط ـ بأن المكلَّف إذا علم أو اطمأنّ بقول الفلكيّ بولادة القمر وإمكانيّة رؤيته فيمكنه، بل يجب عليه، ترتيب الأثر على قوله، ما يعني أنّ الولادة وإمكانية الرؤية كافيتين لإثبات بداية الشهر.
نعم، نقاشُهم يحصل في الصغرى، وهي: هل فعلاً يمكن لقول الفلكيّ أن يحقِّق العلم أو الاطمئنان بالولادة وإمكانية الرؤية أو لا يمكنه ذلك؟
وهذا يعني أن بعض الفقهاء لا يرَوْن كفاية إمكانيّة الرؤية، بل لا بُدَّ من تحقُّقها بالفعل، كما هو رأي السيد عليّ السيستاني.
فإذا وُلد القمر وأمكنت رؤيته أو رُؤي فعلاً فقد بدأ الشهر. فأيُّ رؤية يجب أن تكون ممكنة أو يجب أن تحصل؟ هل هي الرؤية بالعين المجرَّدة أم هي الرؤية المسلَّحة بالمنظار وشبهه أم هي الرؤية عبر التلسكوب ونحوه من الآلات؟ (طبيعة الرؤية)
وإذا رُئي الهلال أو أمكنت رؤيته في بلدٍ فهل يسري ذلك لجميع البلاد أو أن ذلك خاصٌّ ببلد الرؤية، أو به وبما حوله، دون أن يعمّ الجميع، فيكون لكلّ بلدٍ أو منطقة هلالُها، وبالتالي شهرُها وعيدُها؟ (وحدة الأفق وتعدُّده)
السيد المرجع الخوئي(ره)
تقدَّم أن السيد الخوئي(ر) يرى من الناحية العلميّة النظريّة أن ولادة القمر (خروجه من المحاق)، وصيرورته بحيث يتمكَّن الناس من رؤيته، لولا الحائل أو المانع، كافٍ في ثبوت الشهر الشرعي. ولكنّه في الفتوى أصرّ على اشتراط الرؤية الفعليّة، ولم يكْتَفِ بإمكانيّة الرؤية.
وقد اشترط أيضاً أن تكون الرؤية بالعين المجرَّدة، فلا يجزي أن يراه المكلِّف بالمكبِّر، ولا بالتلسكوب، ونحوهما.
وأما إذا رُئي بالفعل في بلدٍ فإنّه يثبت بهذه الرؤية بداية الشهر في جميع البلاد التي تشترك مع بلد الرؤية في جزءٍ ـ ولو يسيرٍ ـ من الليل. وهذا ما يُعرَف بمبنى وحدة الأفق، أي إنّ جميع بلدان العالم التي تشترك في جزءٍ من الليل هي ذات أفقٍ واحد، فإذا رُئي الهلال في أحدها كان ذلك كافياً لإثبات الشهر في سائر تلك البلاد.
السيد المرجع محمد باقر الصدر(ره)
ويختلف السيد محمد باقر الصدر(ر) عن أستاذه الخوئي في أنّه يرى كفاية العلم بإمكانيّة رؤية الهلال في إثبات الشهر، فإذا علم المكلِّف ـ ولو من قول الفلكيّ الخبير المؤتَمَن ـ بوجود القمر خارج منطقة شعاع الشمس، أي بولادته وخروجه من المحاق، وعلم أيضاً بإمكانيّة رؤيته بالعين المجرَّدة، وجب عليه ترتيب الأثر على ذلك، والتعبُّد بدخول الشهر الجديد.
وهو أيضاً من القائلين بوحدة الأفق، أي متى رُئي الهلال في بلدٍ ـ أو متى أمكن قطعاً وجَزْماً رؤية الهلال في بلدٍ ـ ثبت الشهر الجديد في سائر البلدان التي تشترك مع بلد الرؤية ـ أو بلد إمكانية الرؤية القطعية ـ بجزءٍ من الليل.
السيد المرجع محمد حسين فضل الله(ره)
وهو يتّفق مع القائلين بوحدة الأفق، فإذا ثبت الشهر في بلدٍ ثبت في جميع البلدان التي تشترك معه في جزءٍ من الليل.
كما أنّه يرى كفاية ولادة القمر والعلم بإمكانيّة رؤية الهلال ـ ولو لم يُرَ بالفعل ـ في إثبات الشهر شرعاً.
والمعوَّل عنده على الرؤية الفعلية أو إمكانيّة الرؤية، سواء كانت بالعين المجرَّدة أو بالعين المسلَّحة، وسواء كان تسليحها بالمنظار ونحوه، أو بالتلسكوب وشبهه. بينما سيأتي بعد قليل أن بعض الفقهاء يشكِّكون في صدق الرؤية على رؤية صورة القمر عبر الوسائل التقنيّة الحديثة، ومنها: التلسكوب.
السيد المرجع السيد عليّ السيستاني حفظه الله
ويختلف عمَّن تقدَّم من الفقهاء في أنّه يؤمن بنظريّة تعدُّد الأفق، فلا أفق واحداً، بل هي آفاقٌ متعدِّدة مختلفة، ولكلّ بلدٍ أفقه الذي يختلف عن أفق البلدان الأخرى، وعليه لكلٍّ منها هلالها، وحكمها في ثبوت الشهر وعدمه.
نعم، قد تتقارب الآفاق جدّاً كما في البلدان القريبة جدّاً، من حيث خطوط الطول والعرض، بحيث تكون هناك ملازَمةٌ بين الرؤية الفعلية في بلدٍ والرؤية المفترضة وغير الفعلية ـ لوجود موانع ـ في البلد الآخر، فتكون هذه البلدان حينئذٍ ذات أفق شرعيّ واحدٍ، وإذا ثبت الشهر في أحدها ثبت في الأُخَر.
ولكنْ ما هو معيار هذا التقارب وهذه الملازَمة؟ هل هو الاشتراك في جزءٍ من الليل؟ هل هو كون بلد الرؤية غرب البلد الآخر؟ أو بالعكس أي كون بلد الرؤية شرق البلد الآخر؟
كلُّ هذه المعايير لا تفيد الملازمة بين الرؤيتين: الفعلية؛ والمفترضة ـ لولا الموانع ـ. وعليه فالمعيار عند السيد السيستاني هو الملازَمة بين الرؤيتين، ولا ضابطة محدَّدة لها.
فالاشتراك بجزءٍ من الليل لا يفيد الملازَمة قطعاً.
وكون بلد الرؤية غرب البلد الآخر لا يفيد الملازَمة، إلاّ مع التقارب الشديد.
كون بلد الرؤية شرق البلد الآخر لا يفيد الملازَمة إلاّ مع تقاربهما في خطوط العرض، بحيث لا يكون بينهما سوى درجة أو درجتين فقط لا غير؛ إذ قد يكون حجم الهلال أكبر، ولكنْ رُبَما يكون الارتفاع أقلّ، فلا يمكن رؤيته.
ومن هنا فإنّه في استفتاءٍ له ينفي الاتّحاد بين بلدين يفترقان في وقت الشروق والغروب بساعةٍ من الزمن.
وأما الرؤية المطلوبة لإثبات الشهر فهي الرؤية بالعين المجرَّدة، دون استعمال الأدوات المقرِّبة، ولا أدوات الرصد المركَّز، ولا أشباه ذلك.
ولا يكفي العلم بإمكانيّة رؤية الهلال ما لم تتمّ الرؤية بالفعل؛ إذ يؤمن السيد السيستاني بأنّ ولادة الهلال حساباتُها الفلكيّة قطعيّة، ولا تحتمل الخطأ. وأمّا إمكانيّة الرؤية المجرَّدة فحساباتُها احتماليّةٌ، ولذا اختلف الفلكيّون بين مَنْ قال بأنه يمكن رؤية الهلال بعد 14 ساعة من ولادته، ومَنْ قال بأنّه يُرى بعد 16 ساعة، ومَنْ قال بأنه يُرى بعد 18 ساعة، وغير ذلك (كـ 22 ساعة).
وكذلك اختلفوا في تحديد الدرجة المطلوبة لارتفاع الهلال عن الأفق كي تمكن رؤيته، وذلك على الشكل التالي: 4 درجات، 5 درجات، 6 درجات.
وبما أنّه لا يقين ولا علم ولا جَزْم من هذه الحسابات الفلكيّة فلا يمكن الاعتماد عليها؛ إذ هي من التظنّي الممنوع علينا العمل به في مسألة إثبات الهلال، وتحديد الشهر.
ويرى السيد السيستاني أن هناك عوامل مؤثّرة في الرؤية، وهي: 1) حجم الهلال (المقدار المنير)؛ 2) الارتفاع عن الأفق؛ 3) البُعْد الزاوي عن الشمس.
ويرى أنّه لو كان مولوداً وموجوداً عند الغروب ـ أي لم يغرب قبل غروب الشمس ـ، وكان حجمه ٤%، وارتفاعه ٨ درجات، وبُعْده الزاوي عن الشمس ٢٥ درجة، مثلاً، فمن المطمأنّ به أنه قابلٌ للرؤية ـ لولا الموانع الخارجية ـ.
السيد المرجع السيد عليّ الخامنئي دام ظله
وهو يتّفق مع السيد السيستاني في القول بنظريّة تعدُّد الأفق.
والمناط في اتّحاد الأفق بين بلدين هو وقوعهما على خطّ طولٍ واحد. فإنْ لم يكونا على خطّ طولٍ واحد فيتّحد الأفق الشرعيّ فيهما إذا كان هناك تماثلٌ في وجود القمر (الولادة) وإمكانية الرؤية، وبعبارةٍ أخرى: إذا كانت هناك ملازَمة بين البلدين في أمرين: الولادة؛ وإمكانية الرؤية.
وعليه في مسألة اتّحاد الأفق بين بلدين لا عبرة بالاشتراك بجزء من الليل، ولا بكون بلد الرؤية أو إمكانها شرقاً، ولا بكون بلد الرؤية أو إمكانها غرباً. وهذا ما صرّح به في أحد الاستفتاءات.
ولكنّه في استفتاءٍ آخر صرّح بأنّه لا بُدَّ لثبوت الشهر في عدّة بلاد من اتّحاد الأفق (على خطّ طول واحد)، أو تقاربه (تحقُّق الملازَمة)، أو كون بلد الرؤية شرقاً، فيثبت الشهر في البلاد الغربيّة كافّةً.
وأما الرؤية المطلوبة لإثبات الشهر فهي الرؤية المجرَّدة أو الرؤية المسلَّحة، ولكنْ بالمنظار وشبهه، ممّا يصدق معه أنّه يرى الهلال، وأما رؤية صورة الهلال في الكمبيوتر، وليس رؤية نفس الهلال، فلا تكفي؛ إذ لا تصدق معها رؤية الهلال التي هي موضوع الحكم الشرعي. ومن هنا رُبَما يستشكل في رؤيته بالتلسكوب.
والخلاصة: لو علم المكلَّف بوجود القمر خارج المحاق (الولادة) وإمكانيّة الرؤية، ثمّ رآه فعلاً، بالعين المجرَّدة أو المسلَّحة بالأدوات المقرِّبة، ثبت الهلال، وحكم بدخول الشهر.
فماذا لو علم من قول الفلكيّ بالولادة وإمكانيّة الرؤية فهل يجب تحقُّق الرؤية الفعليّة أو يكفي إمكان الرؤية؟
لو تحقَّق مثل هذا العلم يجب على المكلَّف الاعتماد عليه، وترتيب الأثر، والبناء على دخول الشهر. ولكنّ النقاش هنا: هل يتحقَّق مثل هذا العلم؟ يرى السيد الخامنئي أنّ مثل هذا العلم (اليقيني القطعي) لا يحصل.
السيد المرجع السيد محمود الهاشمي حفظه الله
يتبنّى السيد الهاشمي نظريّة وحدة الأفق، فجميع البلاد التي تشترك بجزءٍ من الليل لها بداية شهر واحدة.
وهو كسَلَفه السيد الخامنئي يشترط أن تكون رؤية الهلال بالعين المجرَّدة أو بالمنظار الاعتيادي، وأما رؤيته عبر التلسكوب فلا تكفي لإثبات الشهر، إذ إنّه بالتلسكوب يُرى الهلال وهو تحت الشعاع، فرؤيتُه به لا تدلّ على خروجه من تحته.
وبما أن السيد الهاشمي يرى أن قول الفلكيّ في ولادة القمر دقيقٌ، ولكنّ قوله في إمكانيّة الرؤية مضطربٌ وغير علميّ، فإنّه لا يكتفي بقول الفلكيّين بإمكان الرؤية لإثبات الشهر، وإنّما يقول: إذا علم المكلَّف بوجود القمر (الولادة) وإمكان الرؤية فيجب عليه ترتيب الأثر على ذلك العلم والقطع واليقين، ولكنْ قلَّما يحصل الاطمئنان من قول الفلكيّ.
المصدر: موقع الشيخ محمد الدهيني على النت
لماذا أغفلتم منى مهم جدًّا، وهو الأوفق للنصوص التي ترى أن ليلة القدر واحدة شخصية وأن العيد واحد لكل المعمورة، وهو بمثابة تعديل لرأي السيد الخوئي، وهو الراي الذي يتبناه عدد من الأعلام ومنهم الشيخ وحيد الخراساني الذي لا يكتفي بالاشتراك بجزء يسير من الليل بل يشترط الاشتراك بجزء كثير من الليل، وفي هذه الحالة فإن عمليا يتوجد العيد واوائل الشوهر