الاجتهاد: فجّر إعلان طبيب عن البدء فى تجميد الأجنة، من خلال بويضات سيدات مخصبة بحيوانات منوية لأزواجهن وإمكانية إنجاب الزوجات بعد وفاة أزواجهن بـ30 عاماً، موجة من الجدل والخلاف والغضب بين علماء الشريعة والطب حول الآراء الشرعية والفقهية والعلمية والمعايير الأخلاقية التى تحكم هذا الأمر، وهل هذه الخطوة تتناسب مع المجتمع الإسلامى؟ وكيف سيتم التعامل معها ومع المشكلات التى قد تنجم عنها؟
فى البداية أيّد الدكتور محمد الشحات الجندى، عضو مجمع البحوث الإسلامية، «تجميد الأجنة»، واصفاً الأمر بأنه شرعى ويشبه المعاشرة الزوجية، ويناسب مراحل تخليق الجنين التى حددها القرآن، مضيفاً: «ينسب الجنين لأبيه المتوفى، والمعيار فى إثبات النسب هو وجود عقد شرعى بين رجل وامرأة، وطالما هذه الشروط متوفرة وموجودة فلا مانع، لأن تحريم أى شىء لا يكون إلا بنص محدد والأصل فى الأشياء الإباحة».
وتابع «الجندى» أنه للبعد عن الشبهات، يتعين أن يسجل الرجل قبل موت أنه ترك عدداً معيناً ومحدداً من الحيوانات المنوية لإمكانية وجود أبناء له بعد وفاته، وهذا اجتهاد للخروج من الخلاف والتيسير على الناس، ولا بد من وضع ضوابط مشددة لعدم حدوث أزمات، وأن يكون تخصيب الحيوان المنوى لبويضة الزوجة فى حياته، وليس بعد وفاته.
«كريمة»: عمل غير أخلاقى يدمر الأنساب..
من جانبه، هاجم الدكتور أحمد كريمة، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، هذا الإجراء واصفاً إياه بالعبث، والعمل غير الأخلاقى، معتبراً أن تجميد الأجنة وإدخالها فى أرحام المطلقات والأرامل بعد العِدّة، مصيبة وكارثة يجب إنهاؤها فى مهدها ومنع الأطباء من الاستمرار فى ذلك لمخالفته الشريعة.
وأضاف «كريمة» لـ«الوطن» أن هذا الأمر يدمر الأنساب، فكيف لرجل توفّى أن ينجب بعد وفاته بـ30 عاماً، فالأرملة والمطلقة تصبحان سيدتين أجنبيتين بالنسبة للزوج عقب العدة، فكيف سينجب الرجل بعد وفاته من أجنبية وبمجرد انتهاء العدة تصير الزوجة أجنبية، وهذه محاولة لإباحة حالة «الأم العازبة» فى المجتمع، وموافقة بعض الدعاة أو الفقهاء على ذلك مصيبة وخطأ لا يقل عن الأخطاء التى شهدناها الفترة الماضية من إباحة نكاح الموتى وغيره من الكوارث الفقهية، مطالباً وزارة العدل والأزهر بالتدخل، ومحاسبة من يبيحون هذه الجريمة لوقف العبث بالأنساب.
«الأطباء»: غير قانونى
وقال الدكتور إيهاب الطاهر، أمين عام نقابة الأطباء: إن عملية التجميد فى مصر غير قانونية، وتحدث فى العديد من الدول الأوروبية، لأن لديها قوانين ومعايير وأخلاقيات تختلف عن قوانيننا والمعايير والأخلاقيات التى نتبعها.
«الدار»: «التجميد» ليس فيه محظور شرعى لأنه من مكمِّلات عملية طفل الأنابيب المجازة من المجامع الفقهية الإسلامية
وتابع أمين عام نقابة الأطباء لـ«الوطن» أن «الأمر مختلف لدينا، فلكى يحدث إنجاب لا بد أن يكون الزوجة والزوج على قيد الحياة، والحيوان المنوى الذى يُؤخذ من الزوج يُعطى للزوجة فقط ولا يوجد مانع لتجميد الحيوان المنوى، وأن تلقح به الزوجة، ولكن فى حياة الزوج»، مبدياً تعجبه من تجميد الحيوان المنوى وإنجاب الزوجة بعد عشر سنوات. وأكد أن هذا الأمر سيتم عرضه على مجلس النقابة فى حالة قيام أحد الأفراد بتقديم شكوى لأعضاء المجلس، لأننا لا نأخذ بالأحاديث الشفوية، وسيتم عرض الطبيب الذى قام بذلك على لجنة آداب المهنة والتحقيق معه، إذا كان هناك مخالفة قانونية، وإذا ثبت وجود مخالفة سيصل الأمر إلى تحويله للمحاكمة التأديبية.
دار الإفتاء المصرية
من جهتها، أكدت دار الإفتاء المصرية، فى فتوى لها، أن عملية تجميد الأجنة من جملة التطورات والطفرات العلمية الجديدة فى مجال الإنجاب الصناعي، وهذه العملية يتم إجراؤها فى معامل أطفال الأنابيب المتقدمة فى حالات التلقيح الخارجي، حيث يوجد عدد فائض من البويضات التى لا ينفع نقلُها إلى رحم صاحبتها بعد أن نقلت إليها إحداها مُخَصَّبة، فيُلجَأ إلى تجميد الزائد منها -مخصباً أو غير مخصب- من أجل حفظه، مما يتيح للزوجين فيما بعد أن يكررا عملية الإخصاب عند الحاجة، كما فى حالة عدم حدوث حمل فى المرة الأولى مثلاً، أو حالة ما إذا قررا فيما بعد إنجاب طفل آخر، دون حاجة إلى إعادة عملية تحفيز المبيض لإنتاج بويضات أخرى.
وأضافت «الإفتاء» أن فكرة التجميد تعتمد على حفظ الخلايا تحت درجات برودة منخفضة جداً بغمرها فى النيتروجين السائل الذى تبلغ درجة برودته 196 درجة مئوية تحت الصفر، ويمكن أن تصل مدة الحفظ إلى عدة سنوات، دون أن تتأثر البويضات المحفوظة، مؤكدة أن القيام بعملية التجميد المذكورة ليس فيه محظور شرعي، لأنه من مكمِّلات عملية طفل الأنابيب التى أجازتها المجامع الفقهية الإسلامية بين الزوج وزوجته، بناءً على أنها من باب العلاج للإنجاب.
واشترطت دار الإفتاء عدة شروط ضرورية حتى يكون الأمر مشروعاً، وهى أن تتم عملية التخصيب بين زوجين، وأن يتم استدخال اللقِيحة فى المرأة أثناء قيام الزوجية بينها وبين صاحب الماء، ولا يجوز ذلك بعد انفصام عرى الزوجية بوفاة أو طلاق أو غيرهما، وأن تُحفظ هذه اللقائح المخصبة بشكل آمِن تماماً تحت رقابة مشددة، بما يمنع ويحول دون اختلاطها عمداً أو سهواً بغيرها من اللقائح المحفوظة، وألَّا يتمَّ وضع اللقيحة فى رَحِمٍ أجنبيةٍ غير رحم صاحبة البويضة الملقحة لا تبرعاً ولا بمعاوضة، وألَّا يكون لعملية تجميد الأجنة آثار جانبية سلبية على الجنين نتيجة تأثر اللقائح بالعوامل المختلفة التى قد تتعرض لها فى حال الحفظ، مثل التشوهات الخِلقية، أو التأخر العقلى.
الدكتور نصر فريد واصل: جائز في العدّة
على عكس الآراء السابقة الرافضة أو المتحفظة بضوابط، أو ما ترى أن الأمر فيه شبهة شرعية، أجاز الدكتور نصر فريد واصل، مفتي مصر السابق، إنجاب الزوجة من زوجها بعد وفاته من طريق الاحتفاظ بحيواناته المنوية وإخصابها ببويضة الزوجة، ثم وضعها في رحم الزوجة بعد وفاة الزوج، بشرط أن يكون ذلك خلال العدّة وبموافقة الورثة الشرعيين.
وأشار الدكتور واصل إلى أن في خلال فترة العدة تكون الزوجة محرّمة على غيره، وما زالت تابعة لزوجها رغم وفاته، وبالتالي يجوز لها إذا كانت محتفظة بـ «منيْ» منه أن تخضع لعملية التخصيب والتلقيح الطبي. أما بعد انتهاء فترة العدة، فإن ما كان مباحاً يصبح محرّماً، لأن علاقتها بالزوج الميت انتهت، وبالتالي يجوز لها الزواج بغيره. أما خلال فترة العدة فما زالت بقايا العلاقة الزوجية قائمة.
وأوضح الدكتور نصر فريد أن عدة المتوفى، التي يجوز خلالها الإنجاب منه وبموافقة الورثة الشرعيين، حددها الشرع في قول الله تعالى: «وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ» (آية 234) سورة «البقرة».
المصدر: وكالات