الاجتهاد: حضر الميرزا أبو القاسم الكلانتري الطهراني درس خاتم المجتهدين الشيخ مرتضى الأنصاري قدسسره ما يقرب من عشرين سنة، وأصبح يتعاظم منزلة يوما فيوما حتى ذاع صيته ونبغ في الوسط العلمي من بين أقرانه وصار أحد أركان حوزته ومعتمد استاذه ومقرّر أبحاثه، وفي حينها صرّح استاذه باجتهاده في مواقع من مجالسه، واشتهرت علميّته وفضله، فكان بعد فراغ استاذه من الدرس يقرّر ما أخذه في الفقه والاصول لجماعة من أقرانه وجلسائه في حلقة الدرس.
الثالث من ربيع الثاني عام 1292هـ ذكرى وفاة المرحوم آية الله الميرزا أبو القاسم الكلانتري الطهراني.
هو الميرزا أبو القاسم بن محمد علي بن هادي النوري الكلانتري الطهراني. لقّب بـ «النوري» نسبة إلى مدينة نور بمحافظة مازندران في شمال إيران، حيث كانت موطن أجداده ؛ وبـ « الكلانتري » (١) نسبة إلى خاله محمود خان النوري الذي تولّى في طهران منصب كلانتر، وهو رئيس الأصناف التجارية في عهد ناصر الدين شاه القاجاري.
ولادته:
ولد قدسسره بطهران في الثالث من ربيع الثاني سنة ( ١٢٣٦ ه ) أيام الملك فتحعلي شاه القاجاري.
أسرته:
١ ـ جدّه الحاج هادي النوري، وكان من التجار الأخيار المعروفين في مدينة نور بمازندران. هاجر منها مع أهله إلى طهران وسكن فيها.
٢ ـ أبوه الحاج محمد علي النوري ، وكان مع ثلّة التجار المشتغلين بطلب العلم.
٣ ـ أمّه ، وهي اخت الميرزا محمود خان النوري ، من بيت شرف وتقوى بطهران.
وقد خلّف أولادا لا نعرف منهم إلاّ :
٤ ـ نجله الأكبر الميرزا محمد علي الطهراني، وهو عالم فاضل عاش في طهران، وتوفّي بعد أبيه بقليل ودفن بجواره في مرقد السيد عبد العظيم الحسني بالري.
٥ ـ ولده الأصغر الميرزا أبو الفضل الطهراني (جد زوجة الإمام الخميني “ره”(2)، وكان فقيها حكيما شاعرا وأديبا. ولد سنة (١٢٧٣ه) بطهران. قرأ على والده وجماعة من الأعلام أمثال السيد المجدد الشيرازي والميرزا حبيب الله الرشتي والشيخ محمد رضا القمشئي والميرزا أبي الحسن جلوه الفقه والاصول وغيرها. له كتب كثيرة، منها: «شفاء الصدور في شرح زيارة العاشور» و «حاشية الأسفار» و « ديوانه » وقد احتوى على أبيات كثيرة في مدح المعصومين ومدح استاذه السيد محمد محسن الشيرازي، و« صدح الحمامة في أحوال الوالد العلاّمة» كتب فيه حياة والده، توفي بطهران سنة(١٣١٦ه) ودفن في مقبرة والده بجوار السيد عبد العظيم الحسني.
٦ ـ حفيده الميرزا محمد بن أبي الفضل الثقفي الطهراني مؤلف تفسير « روان جاويد » ولد سنة ( ١٣١٣ ه ) بطهران ودرس على آقا ميرزا كوچك الساوجي وآقا شيخ بزرگ الساوجي ، ثم هاجر إلى قم المقدسة وتلمّذ في المعقول على السيد أبي الحسن الرفيعي القزويني وقرأ الفقه والاصول على جماعة، منهم: الشيخ عبد الكريم الحائري اليزدي ومنحه إجازة الاجتهاد. له تأليفات كثيرة، منها: « غرر الفوائد في الحاشية على درر الفوائد » لاستاذه الشيخ عبد الكريم الحائري و « تقريرات مبحث النكاح » لاستاذه الحائري، وغيرهما.
حياته العلمية :
تعلّم الميرزا أبو القاسم الكلانتري الطهراني القراءة والكتابة وبعض مقدّمات العلوم الدينية لدى علماء مدينته. كان يمتاز بذكاء مفرط ونبوغ كبير في تلقّي الدروس العلمية، والإحاطة بها.
سافر مع عمّه حدود سنة (١٢٤٦ ه) ـ وهو ابن عشر سنين ـ إلى حوزة أصفهان العلمية ـ وهي من المراكز العلمية المهمّة آنذاك ـ وبقي فيها ثلاث سنين ، وأتقن خلالها مقدمات العلوم ، ثم عاد إلى طهران فمكث فيها سنتين.
ثمّ هاجر إلى العراق في نحو سنة (١٢٥١ ه) ـ وهو بسنّ الخامسة عشرة ـ لإكمال دراسته، فمكث في العتبات المقدسة بعض سنين، ولكن لمّا لم يتيسّر له المكوث هناك بسبب ضنك العيش رجع إلى طهران ثانية في سنة (١٢٥٣ ه) تقريبا. وحيث قد استوعب علوم الأدب التحق بمدرسة المروي وأخذ العلوم العقلية فيها عن الملاّ عبد الله الزنوزي، والفقه والاصول عن عدد من أساتذتها ، منهم : الشيخ جعفر بن محمد الكرمانشاهي.
عرف بالفضل والعلم عند علماء زمانه فأشاروا عليه بالعودة إلى العراق، فهاجر إليه سنة ( ١٢٥٦ ه ) وهو آنذاك ابن عشرين سنة ، فقرأ في مدينة كربلاء على الفقيه الكبير السيد إبراهيم القزويني ـ المعروف بصاحب الضوابط ـ ولازمه في درسي الفقه والاصول.
وقد حدثت في سنة (١٢٥٨ ه) واقعة هجوم محمد نجيب باشا العثماني على كربلاء وأدّت إلى قتل سكّانها ، فاضطرّ قدسسره إلى الخروج منها، فهاجر إلى أصفهان حتى هدأت الفتنة، فعاد بعدها إلى محلّ هجرته واستقرّ به المقام في النجف الأشرف ملتحقا بحوزتها العلمية التي كانت تعتبر أكبر الحوزات الشيعية.
فحضر الميرزا أبو القاسم الكلانتري الطهراني درس خاتم المجتهدين الشيخ مرتضى الأنصاري قدسسره ما يقرب من عشرين سنة، وأصبح يتعاظم منزلة يوما فيوما حتى ذاع صيته ونبغ في الوسط العلمي من بين أقرانه وصار أحد أركان حوزته ومعتمد استاذه ومقرّر أبحاثه، وفي حينها صرّح استاذه باجتهاده في مواقع من مجالسه، واشتهرت علميّته وفضله، فكان بعد فراغ استاذه من الدرس يقرّر ما أخذه في الفقه والاصول لجماعة من أقرانه وجلسائه في حلقة الدرس.
عزم على الرجوع إلى طهران سنة (١٢٧٧ه)، فالتقى استاذه الشيخ الأنصاري فطلب منه الشيخ الأعظم القيام بوظيفته الشرعية أينما حلّ وارتحل، وبذلك أصبح قدسسره من زعماء الدين الذين يشار إليهم بالبنان، فعاد مرجعا في الفتيا والتدريس ونشر العلم وسائر أحكام الدين. وكان يحضر دروسه جمع غفير من العلماء والفضلاء، فدرّس الفقه والاصول(٧) سنوات في مدرسة المروي.
تلامذته :
١ ـ نجله الميرزا أبو الفضل الطهراني ( ت ١٣١٦ ه ). وقد روى عنه بطريقه.
٢ ـ الشيخ محمد صادق الطهراني المعروف بـ « البلور » ، ( ت ١٣١٧ ه ).
٣ ـ الملاّ علي بن فتح الله النهاوندي النجفي ( ت ١٣٢٢ ه ).
٤ ـ الشيخ علي أكبر بن محمد مهدي الحكمي ( ت ١٣٢٢ ه ).
٥ ـ الشيخ حسن علي الطهراني ( ت ١٣٢٥ ه ).
٦ ـ الشهيد الشيخ فضل الله النوري ( ١٣٢٧ ه ).
٧ ـ السيد حسين بن صدر الحفّاظ القمّي الطهراني ( ت ح ١٣٣٥ ه ).
٨ ـ الملاّ حبيب الله الشريف الكاشاني ( ت ١٣٤٠ ه ) ، تلمذ عليه شطرا من اصول الفقه.
٩ ـ الشيخ عبد النبي النبوي النوري ( ت ١٣٤٤ ه ).
مؤلّفات الميرزا أبو القاسم الكلانتري الطهراني :
إضافة إلى مهارته واضطلاعه في أغلب العلوم فإنّه رحمهالله يعتبر أحد جهابذة العلماء في الفقه والاصول، وقد ترك أسفارا جمّة أغنى المكتبة الإسلامية بها ، وإليك عناوين ما وقفنا عليه من تراثه القيّم :
١ ـ التقريرات في الفقه :
أطلق عليه الشيخ الطهراني في الذريعة (١٦ : ٢٨٢) اسم «الفقه الاستدلالي» ، وقد احتوى على محاضرات استاذه الشيخ الأنصاري في أبواب: الطهارة وصلاة المسافر والزكاة والغصب والوقف واللقطة والرهن والإجارة وإحياء الموات والقضاء والشهادات ، ولكن لم نعثر على مخطوطته إلاّ على بحث القضاء والشهادات منها في مكتبة كلّية الإلهيات بمدينة مشهد المقدسة برقم (٨٩٣).(راجع : فهرستها، فهرست الكلية ٢/ ٥٨).
٢ ـ التقريرات في اصول الفقه :
تضمن محاضرات استاذه الشيخ جعفر بن محمد الكرمانشاهي الطهراني التي ألقاها بطهران، وهو جزءان، ألّفه سنة ( ١٢٦٦ ه ). رأى الشيخ آقا بزرك الطهراني مخطوطته. ( راجع الذريعة ٤ : ٣٦٩ ).
٣ ـ رسالة في بعض فروع الإرث :
وهي رسالة في الردّ على « الرسالة الإرثية » لمعاصره السيد إسماعيل البهبهاني (ت ١٢٩٥ ه) من علماء طهران، كان قد حكم فيها بإثبات وارثية رجل اسمه رجب ولد من جارية لرجل يقال له: عزيز الله بن أحمد الطهراني. ألّفها باللغة العربية سنة( ١٢٨٧ه)، ثم ترجمها إلى الفارسية لاستفادة العموم، مخطوطتها في مكتبة معهد الشهيد مطهّري العالي في طهران برقم (٢٤٢٦). ( فهرستها : فهرست مكتبة مدرسة الشهيد المطهري ١ : ٤١٨ ).
٤ ـ رسالة في المشتقّ :
وهي بحث في تحرير محلّ نزاع الاصوليّين بشأن الامور السبعة للمشتقّ، وذكر الأقوال في المسألة، وفي خاتمتها تنبيهات أربعة وتذنيبان. أشار الشيخ الطهراني في الذريعة (الذريعة ٢١ : ٤٠) إلى أنّ مضامينها قد درجت في « مطارح الأنظار » لكن لم نجدها في المطبوع منه ، ولم يعثر على مخطوطتها. وقد طبعت الرسالة مرّتين : الاولى بطهران سنة ( ١٣٠٥ ه ) ضمن مجموعة رسائل الشيخ الأنصاري ، والثانية بقم سنة ( ١٤٠٤ ه ) ضمن « مجموعة رسائل فقهية واصولية ».
٥ ـ مطارح الأنظار :
وهو هذا السفر الذي بين يديك ، وسيأتي الكلام عنه.
قالوا فيه :
ذكر أرباب المعاجم وأهل التراجم الرجالية آراءهم فيه، وما قاله العلماء والأفاضل من أساتذته ومعاصريه وتلامذته من مدحهم وإطرائهم له وجزيل الثناء عليه، نسرد هنا بعضا ممّا جاء في إجلالهم وتكريمهم له :
١ ـ قال ابنه الفاضل الميرزا أبو الفضل رحمهالله في شأن أبيه :
« حكيم الفقهاء الربّانيين ، وفقيه الحكماء الإلهيّين ، وحيد عصره وزمانه ، وفريد دهره وأوانه ، علاّمة العلماء والمجتهدين ، وكشّاف حقائق العلوم بالبراهين » (3).
٢ ـ قال فيه الخطيب الشهير الملاّ محمد باقر الواعظ وهو أحد معاصريه :
«علاّمة العلماء العاملين، وفحل الفضلاء المحقّقين، مقرّر الفروع والاصول، جامع المعقول والمنقول، الأديب الأريب، المحقّق المدقّق الورع العالم، واستاذ أساتيذ الأعاظم، الحاج ميرزا أبو القاسم الرازي الطهراني، أفاض الله عليه شآبيب الغفران، وأسكنه في أعلى مساكن الجنان » (4).
٣ ـ قال تلميذه الملاّ حبيب الله شريف الكاشاني : « كان من أكابر تلامذة الشيخ المرتضى، فاضلا كاملا، ومجتهدا فقيها اصوليا، حكيما عارفا، ذا سليقة مستقيمة وفطانة قويمة، وكان حاذقا ماهرا في الفقه والاصول، مسلّما عند الفحول … » (5).
٤ ـ عبّر عنه معاصره الشيخ الآخوند محمد كاظم الخراساني بـ « بعض الأفاضل المقرّر لبحثه » أو « بعض الأجلّة » (6).
٥ ـ قال الميرزا محمد مهدي الكهنوئي الكشميري: «كان من أعاظم المجتهدين، وأكابر العلماء العاملين، المقدّس المتورّع، وصاحب المراتب الجليلة والمناقب الفخيمة … » (7).
٦ ـ قال عنه المحدّث الشيخ عباس القمّي رحمهالله : « عالم فاضل محقّق مدقّق فقيه اصولي » (8).
٧ ـ قال بشأنه السيد محسن الأمين العاملي: «كان المترجم له من عباد الله الصالحين، وفي أيام قراءته على الشيخ مرتضى كان من وجوه تلاميذه، وكان بعد فراغ استاذه من الدرس في علمي الاصول والفقه يعيده ويقرّره لجماعة من حاضري الدرس» (9).
٨ ـ قال الشيخ آقا بزرك الطهراني فيه:« من أعاظم علماء عصره… كان من الصلحاء الأتقياء المتورّعين، لم يأل جهدا في إعلاء كلمة الحقّ وتأييد المذهب والدين .. أصبح أحد أركان حوزة الأنصاري ومن عمد ذلك المعهد الشريف، وصار معتمد أستاذه ومقرّر بحثه.. » (10).
٩ ـ قال حفيده الشيخ محمد الثقفي الطهراني في وصف جدّه:« كان جنابه معروفا بين أهل العلم بأنّ من تلمذ عنده بلغ رتبة الاجتهاد ، بل الإفتاء » (11).
وفاته :
نظرا لكثرة مطالعته وتأليفه الكتب المتعدّدة لذا فقد لحقه مرض الرمد، وعلى أثره اصيب بالعمى في أواخر عمره، فلزم بيته طوال فترة حتى دنا أجله والتحق بالرفيق الأعلى، وذلك في مدينة طهران في الثالث من ربيع الثاني سنة (١٢٩٢ه) ، ودفن في مدينة الري بجوار مرقد السيد عبد العظيم الحسني بمقبرة أبي الفتوح الرازي بظهر مرقد حمزة بن موسى عليهالسلام.
ومن الطريف أنّه توفّي في نفس التاريخ الذي ولد فيه ، وقد بلغ عمره الشريف (٥٦) عاما دون زيادة أو نقصان.
وقد رثاه نجله الأديب الشاعر الميرزا أبو الفضل الطهراني بقصيدة يائية مطلعها :
دع العيش والآمال واطو الأمانيا
فما أنت طول الدهر والله باقيا
إلى أن قال :
رمى الدهر من سهم النوائب ماجدا
أغرّ كريما طاهر الأصل زاكيا
هماما من العلياء في عقر دارها
أناخ ويوم الفخر فاق الأعاليا
وعلاّمة الدنيا وأوحد أهلها
ومن كان عن سرب العلوم محاميا (12)
الهوامش
(١) كلانتر: كلمة فارسية تتكوّن من: «كلان» بمعنى كبير، و«تر» علامة التفضيل. ولها معان، منها: محافظ المدينة ورئيس نقابة التجّار ورئيس عشيرة ورئيس مخفر الشرطة. انظر فرهنگ معين، ولغت نامه دهخدا، والمعجم الفارسي الكبير: « كلانتر ».
(2) ولدت زوجة الامام الخميني (قدس سره) السيدة الفاضلة خديجة ثقفي عام 1229 شمسي في طهران في أسرة أشتهرت بالعلم والأدب. والدها المرحوم آية الله الميرزا محمد ثقفي صاحب تفسير (روان جاويد)، كان من علماء طهران المجددين ومن تلامذة المرحوم آية الله العظمى الحائري اليزدي. فجدّها الميرزا ابو الفضل طهراني مؤلف الكتاب الشهير (شفاء الصدور في شرح زيارة عاشوراء) كان من نوابغ عصره . و والد الميرزا ابوالفضل طهراني هو المرحوم الميرزا ابو القاسم كلانتر مؤلف كتاب(تقريرات الشيخ الانصاري) ، احد فقهاء طهران.
(3) الكرام البررة ١ : ١٦٠ ، عن كتاب صدح الحمامة في أحوال الوالد العلاّمة لابن المترجم له.
(4) مقدمة ديوان ابنه الميرزا أبي الفضل الطهراني.
(5) لباب الألقاب : ١١١.
(6) كفاية الاصول : ٩٦ و ١٧١.
(7) تكملة نجوم السماء ١ : ٤٦٩.
(8) الكنى والألقاب ١ : ١٤٤.
(9) أعيان الشيعة ٢ : ٤١٤.
(10) الكرام البررة ١ : ٥٩ ـ ٦٠.
(11) مقدمة ديوان ابنه الميرزا أبي الفضل الطهراني.
(12) وهذه القصيدة مطبوعة في ديوانه : ٣٩٠ ـ ٤٠٤ في (٢٣٠) بيتا.
المصدر: مقدمة كتاب مطارح الأنظار للمترجَم / المجلد الأول / تحقيق مجمع الفكر الإسلامي
وهناك ترجمة أدبية لـ الميرزا أبو القاسم الكلانتري الطهراني بقلم نجله الفاضل الميرزا أبو الفضل (م ۱۳۱6) في كتاب “صدح الحمامة في أحوال الوالد العلاّمة،” بتحقيق المحقق علي الفاضلي الذي جاء بها في المجلد الثالث من كتاب مطارح الأنظار (نشر: معهد الإمام الخميني والثورة الإسلامية للتحقيق والدراسات العليا / محرم 1428) والتي نقدم لكم:
ترجمة المؤلف
ترجمة المؤلف الميرزا أبو القاسم الكلانتري الطهراني (1)
ونذكر أولاً ما ذكره ابنه الميرزا أبو الفضل (م ۱۳۱6) في حقّه في كتاب صدح الحمامة في ترجمة الوالد العلّامة، موزّعاً، ثم نتبعه بكلمات الآخرين في حقّه.
وكل ما ننقله عن ابنه هنا مأخوذ بألفاظه، إلا أنّنا راعينا جانب التلخيص، ذلك أنّ المصنف يتحكّم عليه الأسلوب الأدبي بحيث إنه كأنما حاول أن يقدّم نصاً أدبياً دون أن يذكر ترجمة لأبيه، فحاولنا تجميع وترتيب كافّة المعلومات الواردة وبألفاظها، ولم نزد شيئاً سوى ما وضعناه بين المعقوفين فإنه زيادة منّا لانتظام الكلام أو توضيحه،
قال:
أبو القاسم الثقفي النوري الطهراني، الحكيم المتكلّم، الفقيه، الأصولي، الأديب، المفسّر، الخطيب، المؤلف.
ولد ثالث ربيع الثاني سنة 1236 ق بطهران. وكان أبوه الحاج محمد علي أحد من ادّثر بالزهد والتقى، من أبرّ الأخيار، وأعظم التجّار، دأبه الترحّم على الأطفال، والتفضل على الأيتام.
وكذلك جدّه الحاج محمد هادي كان كابنه من تجار دار الخلافة {طهران} و أحد من اتّسم بالعزّ والشرافة، وكان في عنفوان عمره و إبّان أمره من أهل {نور} مازندران، وكان هو و قومه نور تلك البلدان، فظعن منها إلى طهران، و عزم فيها على الاستيطان، تأهل فيها و تزوّج، وارتقى في مراقي العز والمجد والزهد، فولد له أبناء هم للخير غيوم وأنواء، منهم جدّي من والدي العلامة، ومنهم جدّي من أمّي أدام الله لها إكرامه.
كان {والدي} مذ مشت قدمه علقاً بارتقاء مصاعد المعالم والمكارم، وكان له عمّ ينخرط في سلك المحصلين، فاشتغل عليه بقراءة بعض المقدمات، واتّسم من الاطلاع عليها بسمات، حتى بلغ عشر سنين و عزم عمّه على الرحيل إلى إصبهان،
فاصطحبه مكتنفاً إياه في حجره، فلبث فيها سنة، وكان عمّه يشجيه بقوارع الضرب وضرائب اللسان بخيال أمر التأديب، فسأم تكاليفه، وأصبح يترقّب الفرج منه، حتی عزم عمّه على شدّ الرحال إلى محط الشرف والمجد والإقبال مشهد السبط الرضي الشهيد الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب “عليه السلام”، فطوی الفدافد وهو في عصبة من الأماجد حتى أتت به المهاوي إلى قرية شهرابان وبينها وبين الزوراء (بغداد) مرحلتان، فصادفوا رهطاً من أهل دار الخلافة {طهران}، وفيهم عصبة من قومه و قرنائه، يعودون من تلك القباب السوامي إلى {طهران} ، فرأى أن مقاساة شدائد تكليفات عمّه ممّا تفنی به الأطواد، وهو بصغر سنّه لا يستطيع تحمّلها، فعزم على الأوب مع العصبة إلى أهل داره وقراره.
واشتغل في دار الخلافة [طهران ] بتحصيل العلوم و تکمیل الرسوم حتى اصطعد ذروة منبر التكليف، فشد ضبع العزيمة والداه على التشرف بزيارة المفروض {حج بیت الله الحرام} حتى أناخوا بكربلاء المعظمة فتركوه فيها لاكتساب المعالی، و صرف أمره إلى بعض من يثق به والده من أودّائه وإخوانه، و هو يقرأ على بعض وجوه العلم وأعيانه، حتى أفضت النوبة إلى عود الحجيج، وهو ينتظر إياب والديه، لكنهما عادا من طريق الشام إلى طهران، فغالبه التوق إلى وطنه فامتطى أقتب النهوض حتى حل عند أهله.
واستأنف ما كان وجهه قلب همّته من تنشّق عرار الفضائل والعلوم، حتى مضى قريب من أربع سنين، وتعلم في تلك المدة ولم يذرّف بعد على العشرين، أمّهات المعاني والأصول والفقه والمعقول ودقائق علم الكلام والحكمة.
وكان جل تحصيله في تلك المدة عند صدر الفلاسفة وبدر المتألهين أبي محمد عبد الله الزنوزي مدرس المدرسة الفخرية بدار الخلافة {طهران}.
ثم أزمع على التشرف بكربلاء فصاهی هوج اليعملات حتى أبرکت ركائبه لديها فحضر عالي حضرة السيد المنيف والعلم المرصوص الأساس، العلامة العليم، السيد محمد إبراهيم القزوینی صاحب ضوابط الأصول، فاشتغل عليه برهة من زمانه حتى حاز من فضله نصيباً.
ثم اتفق إياب موكب الشيخ الأكبر الأشهم الأحشم الشيخ مرتضى الأنصاري الذي في حجر تربیته نشأ ومنه جلّ ما لديه تعلّم إلى النجف الأشرف، فلمّا أتته البشارة بوروده قلقل بقوده الشماليل حتى أناخ بحضرته العليّة، وأقام بروضته الندية، ففاز من علمه بمعلّي القداح، وشمّر في خدمته ذيله، وصرف إلى الاستفادة منه يومه وليله، فصار إمام الفقه المجلّل، واكليل الكمال وتاجه المكلّل، لم يكن في أكفائه من يباريه، ومن أشهر تلامذة الشيخ الأنصاري العلامة السيد محمد حسين { الكوهكمري} والعلامة السيد الميرزا محمد حسن الشيرازي، والعلامة حبیب الله الرشتي والعلامة عبد الرحيم النهاوندي، وبالجملة فهؤلاء الأربعة إذا انضمّ شملهم بوجود [شيخنا الوالد] صاروا في كساء الفضل خمسة، يتحيّر اللبيب من فضلهم، تجمّلت بهم المحافل، سارت تصانيفهم في الآفاق، وأذعن لهم بالتسليم أهل الخلاف والوفاق، بهم ينكشف ظلم الأيام وترتفع أعلام الإسلام.
وبالجملة فقد أطبق أرباب الفضل أنه لم يجتمع في عصرٍ من الأعصار مثل ما اتفق في حوزة الشيخ الأنصاري من الفضلاء، حتى مضى القضاء بوفاة الشيخ العلامة في سنة ۱۲۸۱ق، إلا أن الأربعة المذكورين قد نظمهم النجف الأشرف، وجيده بهم تقلّد وأذنه بهم تشنّف، لكن الوالد الماجد قد لفظته أدوار الزمان إلى خطّة طهران، لا يذكر بها للعلم اسم ولا يعرف للفضل رسم.
ثم إنه اتفق في تلك السنين [في كربلاء المقدسة في سنة ۱۲۵۸ ق] أنه وقعت في تلك الديار العليّة والرياض البهية غائلة هائلة وهي تغلب الظالم الغشوم المدعو بنجيب باشا، أحسى أهل الحق غصصاً مبيرة، قتل أبناءهم وسبي نساءهم واستباح حريمهم حتى فاضت الدماء من الطرق والشوارع، فوقع في بال علماء الغري بلبال، فتفرقوا وخافوا القتل والحرق، فعزم جنابه على العود إلى وطنه.
فأتي إلى طهران ثم إلى إصبهان فرأى نار العلم بها خابية وأعلام الجهل عالية، لِما وقع في تلك السنة من موت سید السادات و معدن الإفادات السيد محمدباقر { الشفتی}، إلا أنه اشتغل فيها على بعض أجلّة العلماء والحكماء، واكتسب لديه شيئا من أصول المعقول والحكمة والكلام، فأصبح بذهنه الوقاد مشرق شموس المعرفة.
فلما قضى {من إصبهان} بعض الوطر، وكان فراق شيخه الأجل {الشيخ الانصاري} يمر عليه العيش، عزم على الخروج منها، حيث رأى أن الكدرة التي وقعت في كربلاء عادت إلى الصفاء، وتغيّرت الأزمنة وانقضى ذلك البلاء، وكان يرى في نفسه داء لا بشفی بل نارٌ لا تطفى لاشتياقه إلى التشرف بحضرة شيخه النبيل.
فشدّ أزر عزمه في التشرف بمشهد المرتضی، والحضور في طيب نادي شيخه المرتضی، فأوجف وسار حتّى نال من حضرته مناه، فما مضى شهران حتّى أتاه خبر موت والده عليه الرحمة والغفران، فاضطرب باله حتّى ظنّ أن موته حلیف موته وأن الفقر سيقلع أصله، وكاد يحصل له القنوط من الرحمة بالكلية، فدخل الحرم الطيب والبقعة المباركة وهو متبتّل مأيوس فتفأل بكتاب الله فرأى فيه: {مَن كَانَ يَظُنُّ أَن لَّن يَنصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ … بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لِيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ } (2) ، فلما رأى هذه الآية بزغ في قلبه نور الهداية وبدا له أن الناصر والرازق والمؤثر هو الله وأنه الفعال لما يرید، فساق إليه الآمال وقصر عليه الاتكال، و استغفر من ذلك الوهم الفاسد.
وبالجملة فلما وصل إليه نبأ {وفاة والده}، استأذن الشيخ العلامة في العود إلى البلد، لمعالجة الأود، ورفع الكرب والكمد، فأذنه فيه.
فوصل إلى مضرب خبائه، وسكن عند سكن فنائه، ونظم أموره، وواسی جرحه، وكاد أن يفرغ عن أشغاله، وأخذ في أداء ديون أبيه، وردّ ما أوتمن لديه إلى صاحبيه، وسائر ما أوصى به، وقلّده أمره، فشغل تلك الأشغال عن العلم دهره، وأصبح نائياً عن التدريس والتدرّس، ورمي بسهام البلايا ولم يعمر بعد إلا عشرین وخمساً.
ثم اختار الأهل والعيال، وتزوج كريمة من الأهل والآل، فما مضى من ذلك إلا شهران أو ثلاثة حتى أنسر الشوق فيه بغائه، فركب الأسفار واقتحم الأخطار، تاركاً لذة العيش في حر الهواجر، إلى مأنسه النجف.
فسوى {في النجف الأشرف} تسع سنين، والدهر عليه بيسير الخير والعلم ضنين وغير ضنين، يعانی لوعة الفاقة، يصل النهار بالليل، وهو على الاشتغال {بالعلم} هامر السيل، لا يلتفت إلى نصب ودعة، أو ضيق وسعة، لكثرة اهتمامه بالعلوم ولتشرفه بظاهر لقيا الشيخ الأعظم وزاهر محيّاه، فإنّ كلّ الخير كان مستودعاً في لقياه.
وفي أوائل تلك السنين التسعة، شدّ بعزم زور بیت الله، وحيث كان بحسب الشرع مستطيعاً، ولكن لم يك بيده ما يكون للغلّ نقيعاً، باع أكثر كتبه التي كان يدور من تحصيله عليها الأمور، وفي جملتها كانت نسخة من الفصول الغرويّة، علّق عليها حواشي يعجز عنها كل ذي روية، فباعها لكثرة الاضطرار، إلا أنه قد يخفّ مثلها على الهميم، أن كان ذلك لتحميل مقام کریم.
ولما عاد من سفره {حج بيت الله الحرام} ، واستضاء من ندى شيخه بغرره، ومضى من ثوائه خمس سنين، اقتضی بعض مصالح الدنيا والدين أن يبعث إلى أهله، فأقبلوا إليه موجفين، فهو وإن انفتح عليه باب من الراحة، إلا أنه ضاق عليه لضيق ذات يده، وانسدّت عليه طرق المعاش، فهو وإن كان يشتغل بتحصيل العلم على هذا الحال إلا أنه كان بمعرض أن يصدّه عن الاشتغال.
فلولا ألثّ عليه هتّان من نوال شيخه الذي كان إليه ملاذ كل سميح ومستميح لأفناه العدم والافتياق، فلم يزل يكابد أهوال الفقر، ویسلّی تفسه بتملّك أزمة الفضائل، وهو عند ذلك يحضر عالي مجلس شيخه العلامة ويستفيض من فضله وأفضاله، ويدرس أهل العلم اللاجئين إليه.
وكان كذلك يمضي ملواه حتى مضى أربع سنين من ذلك، وهو سالك مسالك التهالك، إلى أن سنح له أرب جرّه من أرض إلى أرض، ومن رفعٍ إلى خفض حتّی ساقه إلى مقطع سرّته ومجمع أسرته، فلما عزم على العود عرض على شيخه العلامة السبب، وترخّص من الحضرة العليّة وذهب، وجاء مع أهله وولده إلى بلده.
ثم ما مضی شيءٌ، من ثوائه بفنائه {بطهران} حتى عزم على التشرف بذری طوس، فركب العيس حتى ألمّ لديه.
واجتمع حين تشرّفه بتلك القبّة السامية، بالشيخ المعظم عبد الحسين المتوفي سنة ۱۲۸6، وكان بينهما من مراسم الوداد والاتحاد ما يغار به الفرقدان، وما كانت هذه الشيمة حديثة بل قديمة ولقد كان معه أنيساً ولجنابه جليساً، وهو مسافر من اصفهان في سفره {الثاني}، ولم يزالا كذلك حتى سلك الردي بجنابه في مسالك.
ثم لما قضى من زوره الوطر، قدم في صحبة {الشيخ عبد الحسين ] وذهبا إلى مسقط رأسهما ومورد استئناسهما.
ثم نبت فيه غصن الشوق ونشا، وظمأ إلى لقيا شيخه [الأنصاري} و عزم {الشيخ عبد الحسين] أيضا إلى التشرف بزور من في الغري، وسافرا إلى مشهد أمير المؤمنين، فوقف ثلاث سنين، ثم بعث بمجيء الأمل والبنين.
وفي تلك السنة التي سافر فيها {والدي} إلى الروضة الغروية والبقعة العلوية وهي سنة ثلاث وسبعين بعد المئتين والألف من الهجرة النبوية، برزتُ أنا من كتم العدم إلى منصّة الوجود، وكان لمّا عزم على الرحيل أوصى إلى سکنه والأهيل أنّ هذا الجنين إن كان من البنين فسمّوه أبا الفضل، و تفأّل بذلك لنجاتي إن شاء الله من ظلمة الجهل.
وبالجملة فلما استكمل السنين الثلاث، أتاه الأهل والأثاث، فما مضى واحدة حتّى نمّ رقيب الدهر بينه وبين أحبّائه، واعترت مصلحة أمره بها الشيخ العلامة بالعود إلى {طهران}، فشمّر الذيل إلى دوره، وأقبل مع الشيخ {عبد الحسين} حتى وصل إلى دياره، وهو يومئذٍ من يدعى أنه أفضل أهل العصر المتقنين، وسنه الشريف لم يتجاوز عن أربعين.
وهو عند ذلك شمس الفضل وربيع المرتاد و مرجع الأفاضل والأعلام، وأبو الأرامل والأيتام.. ويكفي في فضله وشأنه ما قاله شیخه بین قوم يدعون أنهم من أقرانه – مع أن دأب الشيخ عدم تبجيل تلميذٍ له وإن جل مقداره -، مع ذلك فكم نشر له {من} الفضائل في غواص النوادي و خواص المحافل.
فلما حلّ بديار العجم، وأرجع الليث منه إلى الأجم، رُمي بدره بالمحاق، وشمله بالافتراق، وضحاه بالبُهم، يصبح وهو مجنّ المحن وغرض البلايا، ويمسي وهو منتحا الشدائد.
فمن عظائم آلامه، أنه وقع في قومٍ لا يريحونه في ليلٍ ولا يوم، لا يزالون يهدون إلى جنابه كاسات الآلام والخطوب الفوادح، وهو دام ظله يحلم عنهم ويقاسي أفعالهم و يبلّغهم من فضله آمالهم، فهو كالجبل لا تضعضعه العواصف.
وبالجملة فقد جرى عند حلوله (طهران] بينه وبين علمائها الكبار قصص وحكايات، ومعارضات ومخاصمات، ولا ينبغي تفصيل هذه القصص، لما جرى فيها بينه وبين خلّانه وأصحابه ورفقائه من كدرة لم يكن عليها خفاء، وإن تبدّلت في هذه الأواخر بعضها بالصفاء، إلا أنها تحوي على عجائب إذا رآها البصير وو عاها الخبير ذهب عقله.
ثم إنه في أيام إقامته في تلك الربوع الندية والمشاهد الزكية، وفي أوقات إناخته في محطّ رحله و محل أهله، صنّف زبراً ودفاتر، فحقق ونقّح وشرح وصرّح غالب ما أفاده شيخه العلامة، و أوضح رموزه، وبحث عن إشارات ما أفاده بعد ما ضم إليها من فوائد فأتقن وبيّن غالب مسائل الأصول، و شرح في الفقه على طريقة الشيخ العلام کتاب شرائع الاسلام.
ولم يتيسّر إتمام كتبه، وإن أودع فيما شرح من كواعب نكره و عربه، فجعل للفقهاء علما يهتدون بناره في الظلم. وقد ضمن تلك الدفاتر تحقیقات دقيقة و تدفیقات رشيقة.
وبعض تلك الدفاتر موجود بأيدي الناس، يذعن له المعاصر، ويتداوله الأكابر.
ثم إنّ ممّا مني به في نظم تلك الطرائف أنّه شنّ الإغارة عليها بعض اللصوص، ولا أدري اسمه بالخصوص، فإنه أدام الله ظله الظليل يعنون غالب ما صنفه في الأصول بقوله: “هداية”، فلما اطّلع عليها ذلك الرجل أغار عليها فجعل تبدیل لفظ الهداية بالذريعة إلى حصول مقصوده وسيلة وذريعة، ونسبها إلى نفسه، وعثر {الوالد} على هذا العمل الشنيع، {لكنه} لم يصرّح لأحدٍ باسمه حتي لي.
وقد أوتر دهره له قسيّ الأسقام، فرماه في هذه السنين برمدٍ شدید، بُلي به جسده، وقوّض به عمده، وشغله عن كل ما فيه من الأشغال، وأضناه حتى صار أضنى من الغزال، وهو اليوم مبتلئ بذلك الكرب العضال، ويعاني منه أشد عنى وأعنى بلبال.
ومن أنكى الخطوب المتفرعة على امتداد الكروب أن أخذ في التعبير عليه عداه، وهجره أحبّاؤه وأودّاؤه.
ولما أتاه الدهر بهذا البلاد أخذ في معالجات مشجية، ومداويات مؤذية، وجعل يداوي مرضه قريباً من سنتين أو ثلاثة، حتى نهب السقم من بيت جسده أثاثه، وزاد في مرضه ونحوله، بل صار الدواء ممدّاً للبلاء، كلّما أصرّ في العلاج كثر سوء المزاج، فعزم على الاعتزال عن معاشرة الناس بعد ما ظهرت علامات اليأس، فهو اليوم و إن كان فضله كالشمس عند الفحول، إلا أنه اختار لنفسه زاوية الخمول، ومع ذلك فأهل العلم يؤمون نجاره، ويرِدون إليه ورود الهيم العطاش، وهو اليوم بحمد الله شيخ مشايخ العراق، والمفيض أنواه سحابه المرعاد المبراق، وكان يحضر أهل العلم أنديته البهيّة السميّة، ما كان في الديار العربية والبلاد العجمية، ومنه استمطروا واستفاضوا.
وبرز من تلامذته من هو نزهة ومهجة الأعصار، و عين الفضل ووجهه، وفي كل قطر من تلامذه قطر.
وقد مضى من أوبته من ربع النجف المخضرّ من السنين ستة عشر، وله اليوم من العمر خمسة و خمسون(3)، وفي ظلاله الوريفة يصبح أهل الفضل ويمسون. انتهى ما ذكره ابنه في صدح الحمامة.
وقال النائيني المتخلّص ب«عبرت» (م ۱۳۲۱ ش؟) في كتابه تذكرة مدينة الأدب 1 / 103 ضمن ترجمة ابنه الحاج میرزا أبي الفضل ما ترجمته، ونحوه فيما ذكره مؤلّفوا نامه دانشوران ۱/ 4۷۲ وعنهما غير واحد من المصادر:
ولد في الثالث من الربيع الثاني سنة ۱۲۳6 في ولمّا آنس رشده بادر إلى تحصيل العلوم الدينية، فظهرت عليه يوماً فيوماً آيات القدس وآثار الفضل، بحيث كان في العاشرة من عمره كان يفهم ويعرف بسهولة كتب المقدمات العلمية، فصحب بعض أعمامه وهو كان أيضاً في زمرة طلاب العلوم إلى إصفهان، ومكث هناك ثلاثة أعوام تابع فيها دراساته، ثم عاد إلى طهران وبقي فيها سنتين، ثم سافر إلى العتبات، ومكث هناك {في كربلاء} سنتين، ثم اضطر {ويسبب ضيق العيش} في العودة {إلى موطنه] وقد تفرغ من العلوم الأدبية.
فتَلمَذ في {طهران في} مدرسة خان مروي عند الآخوند ملا عبد الله الزنوزي فی تحصيل العلوم العقلية، و عند غيره في الفقه والأصول، حتى بلغ عشرين عاماً. فعاد ثانية إلى العتبات {إلى كربلاء المقدسة وبايصاء وإيعاز من أساتذته} وحضر درس الأستاذ السيد إبراهيم القزويني في العلوم الشرعية، وفي أواسط حكومة ناصر الدین شاه القاجاري وقعت فتنة في كربلاء من قتل ونهب، اضطّره إلى ترك تلك الديار والرجوع إلى إصفهان.
وبعد ما خمدت الفتنة في كربلاء عاد ثالثة إلى تلك الديار {النجف الأشرف} وحضر درس الشيخ مرتضى {الأنصاري}(4) وأكمل عنده دراساته في العلوم الشرعية.
وفي سنة ۱۲۷۷ عاد إلى طهران واشتغل في مدرسة حاج محمد حسین خان فخر الدولة بالتدريس سبع سنين.(5).
وفي أخريات أيامه عرض له رمدٌ شديد فذهب ببصره، ووافاه الأجل في سنة ۱۲۹۲ق في اليوم الذي ولد فيه وهو الثالث من ربيع الثاني، ودفن في جوار السيد عبد العظيم خلف مقبرة السيد حمزة بن موسى الكاظم.
وفي أحسن الوديعة للسيد محمد مهدي الموسوي الإصفهاني الكاظمي (م ۱۳۹۰) في ترجمة تلميذه المحقق الجليل ملا علي النهاوندي: ج ۱، ص 164:
وكان هذا الشيخ [يعني الميرزا أبا القاسم} من أعاظم العلماء المشاهير، وأفاضل الفقهاء النحاریر، مقرّراً درس أستاذه الأعظم المرتضى الأنصاري. وكان له ولد عالم نبيه وإن لم يبلغ مرتبة أبيه أعني الحاج الميرزا أبا الفضل..
وقال السيد محسن الأمين العاملي (م ۱۳۷۱) في أعيان الشيعة ۲/ 4۱۳ – 414: الميرزا أبو القاسم.. النوري الطهراني الشهير به “کلانتري”، صاحب تقریرات بحث الشيخ مرتضى الأنصاري المشهورة. وكان من عباد الله الصالحين، و في أيام قراءته على الشيخ مرتضی کان من وجوه تلاميذه، وكان بعد فراغ أستاذه من الدرس في علمي الأصول والفقه يعيده ويقرره لجماعة من حاضري الدرس، و توجد كتاباته فيهما بخط ولده الميرزا أبي الفضل، وطبع المجلد الأول منها في الأصول مراراً، وسمي مطارح الأنظار، ولاقى رواجاً عظيماً لأنه من أحسن ما قرّر فيه مطالب الشيخ مرتضي.
وقال الشیخ عباس القمي المحدّث (م ۱۳۵۹) في الكنى والألقاب ۱/ ۱۳۸:
أبو القاسم کلانتر الطهراني….. عالم فاضل محقق مدقق فقيه أصولي، صاحب التقريرات في الأصول…
وقال آغا بزرگ الطهراني (م ۱۳۸۹) في طبقات أعلام الشيعة (الكرام البررة) 1 / 58 ما ملخّصه: الميرزا أبو القاسم النوري الطهراني الكلانتري.
لقب بالكلانتري لاشتهار خاله محمود خان کلانتر الذي صلبه السلطان ناصر الدين شاه القاجارې عام المجاعة.
من أعاظم علماء عصره، نشأ نشأة صالحة، ومال إلى طلب العلم، وكان يمتاز بذكاء مفرط واستعداد کثیر، كما كانت تلوح عليه أمارات النبوغ… أخذ بطهران الفقه والأصول عن الشيخ جعفر بن محمد الكرمانشاهی وقد کتب تقريراته في سنة 1266(6) … وحضر درس شيخ الطائفة المرتضى الأنصاري مدة طويلة وأخذ بالتقدم يوما فيوما حتى نبغ في وسطه، وأصبح أحد أركان حوزته، ومن عمد ذلك المعهد الشريف، وصار معتمد أستاذه ومقرّر بحثه، وقد كتب تقريراته وطبع بعضها باسم مطارح الأنظار بإشراف نجله العلامة الميرزا أبي الفضل، وقد بقي على ملازمته للأنصاري .. حتى صرح أستاذه باجتهاده في عدة من مجالسه،
وكان بعد فراغ أستاذه من الدرس يقرر درسه في الفقه والأصول لجماعة من تلاميذ أستاذه، وفي سنة ۱۲۷۷ عاد إلى طهران للقيام بوظائف الشرع الشريف، فكان بها من رؤساء الدين والزعماء الروحانيين، مرجعا في الفتيا والتدريس وسائر الأحكام، وكان يحضر درسه جمع من العلماء والفقهاء..
فقد ولي التدريس في مدرسة المروي فكان يدرس بها الفقه والأصول سبع سنوات، وكان من الصلحاء الأتقياء المتورّعين، لم يأل جهداً في إعلاء كلمة الحق و تأييد المذهب والدين إلى أن توفّي… فعمره ست و خمسون سنة دون زيادة أو نقصان، دفن في مقبرة الشيخ أبي الفتوح الرازي المفسّر…
وقال حفيده الميرزا محمد الثقفي (م 1364 ش) كما في مقدمة ديوان ابن المصنف ص ۸۵ : وكان جنابه معروفا بين أهل العلم بأنّ من تلمذ عنده بلغ رتبة الاجتهاد بل الإفتاء.
وقال الملا محمد باقر الواعظ (م ۱۳۱۳) في كتاب جنة النعيم ۳: ۳۳۱ – ۳۳۲، وفي ط الحجري ص ۵۲۹ ضمن تعداده العلماء المنسوبين إلى «الري» أو «طهران»:
الثامنة – المرحوم علامة العلماء العاملين، وفحل الفضلاء المحققين، مقرر الفروع والأصول، جامع المعقول والمنقول، الأديب الأريب المحقق المدقق الورع العالم، وأستاد أسانيد الأعاظم، الحاج میرزا أبو القاسم الرازي الطهراني، أفاض الله عليه شآبيب الغفران، وأسكنه في أعلى مساكن الجنان.
ثم قال بالفارسية:
الحق این بزرگوار نظير و شبیهی نداشت بعد از مراجعت از عتبات تدریس مدرسه فخريه مشهوره به مدرسه خان به ایشان تفويض یافت و مطالب غامضه فقهيه را مبتکر و در انحاء علوم و فنون متبحر گردید ليكن به قدری که از صحبت عوام گریزان بود تدارك و تلافی آن را به مجالست علماء و خواص می فرمود و انس بالله را بر انس ناس به مضمون این بیت ترجیح میداد…
و عاقبت به واسطه کثرت فکر و نظر مرمود البصر گردید، و از خانقاه و معبد خویش حرکت نمی نمود و اکنون در جوار حضرت عبد العظيم مجاور مقبره مرحوم شيخ أبو الفتوح رازي مدفون است.
وهذه ترجمته: لم يكن لهذا الشيخ نظير وشبیه، وبعد عودته من العتبات فوض إليه تدريس المدرسة الفخرية المشهورة ب «مدرسة خان» وكان في حلّ غوامض المطالب الفقهية مبتكراً، وفي أنواع العلوم متبحّراً، إلا أنه كان يتجنّب معاشرة العوام ويرغب في مجالسة العلماء والخواص، ويفضّل الأنس بالله على الأنس بالناس:
تركت الأنس بالإنس فما في الإنس من أنس
فأمليت على القرآ ن درساً أيّما درس
عسى يؤنسني ذاك إذا استوحشت من رمسي
وكان عاقبة أمره لكثرة فكره ومطالعته أن أصيب بالرمد ولازم محرابه ودفن بمشهد عبد العظيم بجوار مقبرة المرحوم الشيخ أبي الفتوح الرازي.
وقال جلال الدين المحدث الأرموي (م ۱۳۵۸ ش) في مقدمته القيمة على ديوان ابن المؤلف ص ۸۷
للناظم رسالة في ترجمة حال أبیه سمّاها صدع الحمامة فمن أراد ترجمته المبسوطة فعليه بتلك الرسالة، فإن فيها شفاء لعلة الطالب، على أن في هذا الديوان ما یغنی عن ذلك، لأنه كثيراً ما يتخلص ممّا فيه من بیان مقصد إلى مدح والده وطلب الشفاء من الله تعالی لرمده… و يعلم أيضا مما وصفه به في الصدح بقوله: «حكيم الفقهاء الربانيين، وفقيه الحكماء الإلهيين، وحيد عصره وزمانه، وفريد دهره وأوانه، علامة العلماء والمجتهدين، وكشاف حقائق العلوم بالبراهين…”
ثم قال: ومن أمعن نظره في كتابه مطارح الأنظار علم أن ما ذكره ابنه في حقه ليس بجزاف، فكيف لا وقد سمعت من بعض جهابذة في الأصول أنه لم يصنّف في أصول الفقه.
وقال عنه تلميذه الملا حبیب الله الشريف الكاشاني (م 1340) في لباب الألقاب ص111:
كان من أكابر تلامذة الشيخ المرتضی، فاضلا كاملا، ومجتهدا فقيها أصولياً حكيما عارفا، ذا سليقة مستقيمة، و فطانة قويمة وقريحة، وكان حاذقاً ماهراً أستاذاً في الفقه والأصول، مسلّماً عند الفحول وقد قرأت عليه شطراً من الأصول، عمي في أواخر عمره الشريف من كثرة المطالعة والتأليف.
وعبّر عنه الآخوند الخراساني (م ۱۳۲۹) في كتابه القيم كفاية الأصول في مواضع منه بـ ” الأفاضل المقرّر لبحثه ” أو «بعض الأجلة».
وقال عنه الميرزا محمد مهدي اللكهنوي الكشميري (م ۱۳۰۹):
كان من أعاظم المجتهدين، وأكابر العلماء العاملين، المقدس المتورّع ، صاحب المراتب الجليلة و المناقب الفخيمة(7).
وترجم له محمد أمين الخوئي (م 1367) في مرآة الشرق (مخطوط) بقوله: العلامة الميرزا أبو القاسم الكلانتري الطهراني المازندراني: هو أبو القاسم بن محمد علي بن محمد هادي الدَرزْي الكُمْري النوري الطبرسي أصلاً ثم الطهراني موطناً وانتساباً والكلانتری شهرة، وهو نسبة إلى خاله المنصوب لهذا المنصب والشغل في طهران في دولة جلالة الملك ناصر الدين القاجار.
ومنصب “کلانتر” سابقاً كان بمنزلة أمين المالية في العصر الحاضر، و عرّف المترجم بذلك لما كان عليه خاله المذكور من الشهرة والمعروفية في عهده.
وكان المترجم من مشاهير علماء وقته في طهران و عَمَدهم وأجلتهم، وكان فاضلاً، جامعاً لأنواع الفنون، أديباً، متكلماً، محدثاً، فقيهاً أصولياً، وكان كاتباً حسن الإنشاء، دقيق الخاطر، جيد الفكر.
قرأ المترجم في طهران و اصفهان بعد المبادئ على العلامة الحكيم المولى عبد الله الزنوزي الطهراني الحكيم، مدرس العلوم العقلية في المدرسة الفخرية في طهران، وغيره من علماء عصره، ثم هاجر إلى عتبات أئمة العراق، وقرأ في الحائر الشريف الحسيني على العلامة الإمام السيد ابراهيم القزويني الحائري صاحب کتاب ضوابط الأصول وغيره من المؤلفات الرائقة، ثم انتقل منها إلى النجف الأقدس، ولازم فيها مدرسة حضرة الأستاذ علامة الأعلام شيخنا المرتضى الأنصاري مدة من الزمان، وكان من أركان حوزته الكريمة و عمد أصحابه، حتى حاز فيها مقاماً سامياً في العلم وشهد أستاذه الإمام بنيله إلى مرتبة الاجتهاد و علو المقام، ثم رجع إلى طهران ورجع إليه العامة في سنة ۱۲۷۷ الهجري القمري.
كان المترجم “رحمه الله” مدرس العلوم النقلية في المدرسة الفخرية، وكان ذلك من أجل مراتب العلم والروحانية في ذاك العهد، وكان جليلاً شاخصاً وجيهاً في الدولة والعامة، ولكن ابتلاه الله تعالی بكفّ البصر في أواخر أمره، فانقطع عن الناس واعتزل عن الأمور، حتى توفي فيها في سنة ۱۲۹۲ الهجري القمري ودفن في جوار حضرة السيد عبد العظيم الحسني خلف بقعة حمزة بن موسی الكاظم عليه السلام”، وقبره ظاهر معروف. وكان ولادته في سنة1236في طهران.
رثاه نجله الفاضل میرزا أبو الفضل الكلانتري بقصيدة فاخرة، مطلعها:
دع العيش والآمال واطو الأمانيا فما أنت طول الدهر والله باقيا(8)
أساتذة الميرزا أبو القاسم الكلانتري الطهراني
قد علم مما مرّ أنه قرأ على عدة مشايخ منهم الملا عبد الله الزنوزي في المعقول والشيخ جعفر الكرمانشاهي والسيد إبراهيم القزويني صاحب ضوابط الأصول والشيخ مرتضى الأنصاري في العلوم الشرعية.
تلامذته
منهم الملا حبیب الله الشريف الكاشاني (م ۱۳4۰) کما صرح في كتابه لباب الألقاب ص ۱۱۱ حيث قال: وقد قرأت عليه شطراً من الأصول.
وقال أيضا في ترجمة نفسه في الباب الألقاب ص ۱۵۰، وأنا مع ذلك قد حضرت بعد ذلك مجلس الحاج الملا میرزا محمد الأندرمانی سنتين، ومجلس الحاج الميرزا أبي القاسم المعروف بکلانتر سنة، وقرأت عليهما شطراً وافياً من فرائد الشيخ المرتضی.
قال آغا بزرگ:
كان يحضر درسه جمع من العلماء والفقهاء منهم ولده الميرزا أبو الفضل {م ۱۳۱6] والأمير السيد حسين ابن صدر الحقاظ القمي (م ح ۱۳۳5](9) .
قال الأرموي في مقدمة ديوان ابن المصنّف:
وممّن اطلعت عليه من تلامذته السيد الجليل والحبر النبل، المبرّأ من كل شين الآقا المير السيد حسين القمي الطهراني، والشيخ السعيد الشهيد الشيخ فضل الله النوري (م ۱۳۲۷]، والعلم العيلم النحرير الحاج الشيخ عبد النبي النوري {م 1344](10)، والعالم الكامل الخبير الشيخ محمد صادق البلور {م ح ۱۳۱۷]، والفاضل الجامع البصير الشيخ حسن علي الطهراني {م 1325] قدس الله أسرارهم (11).
وقال السيد محسن الأمين:
ومن تلامذته الملا {علي بن} فتح علي النهاوندي {م ۱۳۲۲] المجاور بالنجف الأشرف الذي عاصرناه ورأيناه في النجف الأشرف.
ومنهم الشيخ علي أكبر الحكمي (م ۱۳۲۲) قال في نقباء البشر 4 / 1607: وتتلمذ في المنقول على الميرزا أبي القاسم الكلانتري في طهران(12)
أولاد الميرزا أبو القاسم الكلانتري الطهراني
قال الملا محمد باقر الواعظ في جنّة النعيم ۳/ ۳۳۲ وفي ط الحجري ص ۵۲۹:
از آن مرحوم دو خلف صالح باقی بود که باقیات صالحاتی بهتر از ایشان نبود به احداث سن و ريعان شباب نادره زمان و علامه دوران شدند لیکن بر حسب دعوت الهی فرزند اکبر آن مرحوم میرزا محمد علی که نعم الخلف بود در این اوقات رحلت نمودند و در جوار پدر مدفون شد آن چه از پدر ارث داشت از فضل و هنر به برادر خود تفویض و تودیع کرد.
و دیگر جناب ربيع الفضل اسماء الافضال، ناموس السلف و قدوة الخلف آقا میرزا ابو الفضل است لازال محروساً بحراسة الرّب العلي و حماية النبي والولي
ولو قيل للمعروف ناد أخا الندى لنادى بأعلى الصوت یا فضل يا فضل
همانا عمده قصيده ای که در خزاین این کتابست از ثمار شجرة فضیلت ایشان چیده ام و چندی است برای تزیین خاتمه این کتاب برگزیده ام تا بر صدق دعوای من همان برهان باشد.
وقد حقق صديقنا المحقق الشيخ محمد كاظم المحمودي مؤلفاته الموجودة عدا شفاء الصدور و ستطبع في سلسلة آثارهما.
مولده ووفاته
قد علم ما مر أن المرحوم الميرزا أبو القاسم الكلانتري الطهراني ولد في ثالث ربيع الثاني سنة 1236 بطهران وتوفي في ثالث ربيع الثاني ۱۲۹۲ في نفس اليوم والشهر اللذين ولد فيهما، فعمره الشريف ست وخمسون سنة دون زيادة أو نقصان ودفن في مقبرة الشيخ أبي الفتوح الرازي المفسر بمشهد السيد عبد العظيم الحسني بظهر مرقد حمزة بن موسی.
مؤلفات الميرزا أبو القاسم الكلانتري الطهراني
لنذكر أولا بعض ما ورد إجمالا عن تصانيفه فقال ابنه فيما سلف من ترجمته:
ثم إنه في أيام إقامته في تلك الربوع والمشاهد الزكية في العراق، وفي أوقات إناخته في محط رحله {طهران} ، صنف زیراً ودفاتر، فحقق ونقّح، وشرح وصرّح غالب ما أفاده شيخه العلامة [الشيخ مرتضى الأنصاري]، وأوضح رموزه، وبحث عن إشارات ما أفاده، بعد ما ضم إليها من فوائد، فأتقن وبيّن غالب مسائل الأصول، وشرح في الفقه على طريقة الشيخ [الأنصاري] کتاب شرائع الاسلام، ولم يتيسّر إتمام تمام کتبه، وإن أودع فيها شرح من كواعب فكره و عربه، فجعل للفقهاء علماً يهتدون بناره في الظلم، وقد ضمّن تلك الدفاتر تحقیقات رقيقة، وبعض تلك الدفاتر موجود بأيدي الناس، يذعن له المعاصر، ويتداوله الأكابر.
وفي نامه دانشوران 1 /472 – 474:
وفي أيام عودته إلى دار الخلافة [طهران} صنف كتابين في الفقه والأصول يشتملان على رسائل عديدة بتحقيق وافٍ وأسلوب دقيق.
وفي أعيان الشيعة ۲/ 413:
ومؤلفاته كلها أو جلها من تقرير بحث أستاذه الشيخ مرتضي وكان قد كتبها في النجف الأشرف لا في طهران، ويمكن أن يكون بيّضها في طهران أو ألّف يسيراً منها هناك، أمّا أنّه ألّفها كلّها في طهران كما عن نامه دانشوران فغير صحيح.
ثم إنه لم يطبع منها إلا جزء واحد في الأصول وهو المسمی بـ مطارح الأنظار وهو يحتوي على رسائل الأصول المتقدمة كلها عدا المشتق و حجية الظن والاستصحاب و التعادل والتراجيح، أما رسائل الفقه فلم يطبع منها شيء.
وفي الكرام البررة ۱/ ۵۸:
وله آثار كثيرة جلها مدرجة في مطارح الأنظار، أما رسائله الفقهية فلم يطبع منها شي.
١- التقريرات في أصول الفقه
قال آغا بزرگ:
في مجلد في أصول الفقه بخطه کتبه من تقرير بحث أستاده في طهران قبل تشرفه إلى العتبات، وأستاده هو الشيخ جعفر بن الحاج المولى محمد الكرمانشاهی نزیل طهران وكتب في آخرها: «من نظم أقل تلاميذه أبي القاسم بن محمد علي الطهراني في سنة1266(13)، رأيتها في مكتبة الشيخ جعفر بن محمد الملقب بسلطان العلماء بطهران، ويظهر منه أنه بعد التاريخ تشرف بخدمة شيخه العلامة الأنصاري.(14).
عرّف نسخة من مخطوطتها في فهرس مكتبة مجلس الشورى الإسلامي 16 / 425 برقم 5537 وذكر أنها بخط مؤلفها حيث جاء على ظهرها أنها من تقريرات درس أستاذه الشيخ جعفر الكرمانشاهي وليس بصواب بل أنها نسخة من المطارح وهي من النسخ المعتمدة في التصحيح وليست بخط مؤلفها أيضاً، ومنه سرى الاشتباه إلى ترجمته في موسوعة مؤلفي الإمامية ۲/ ۵۸۹.
٢- التقريرات في الفقه
أطلق عليه في الذريعة 16 / ۲۸۲ وفي مرآة الشرق (مخطوط) اسم الفقه الاستدلالي وهي أبحاث أستاذه الشيخ مرتضى الأنصاري ومشتملة على الطهارة، وخلل الصلاة، وصلاة المسافر، والزكاة، والغصب، والوقف، واللقطة، والقضاء والشهادات(15)، والرهن، والإجارة، وإحياء الموات(16).
3- الحاشية على الفصول الغروية
ذکر این المؤلف فيما قدّمناه من ترجمته أنه اضطر لحج بيت الله الحرام إلى بيع أكثر كتبه وفي جملتها كانت نسخة من الفصول الغروية علّق عليها حواش يعجز عنها كل ذي روية.
4 – الرد على الرسالة الإرثية
هو رد على رسالة ألّفها السيد إسماعيل الموسوي البهبهاني في موضوع حكم فيه السيد بالإرث، فانتقد حكمه بعض المعاصرين من العلماء و منهم المؤلف، فألف السيد البهبهاني رسالة في الرد عليهم، فكتب المؤلف الرسالة في الرد عليها.
وقد حققناها وستطبع في رسائله.
5- رسالة في المشتق
وقد حققناها أيضا وطبعت في آخر کتابنا هذا المطارح، وستطبع أيضا في رسائله.
6- شرح شرائع الإسلام
قال أبنه فيما قدمناه من ترجمته:
وشرح في الفقه على طريقة الشيخ {الأنصاري} کتاب شرائع الاسلام ولم يتيسر إتمام تمام کتبه.
۷- مطارح الأنظار.
الهوامش
1- اقتبسنا أكثر ترجمة المؤلف من مقدّمة صدح الحمامة لصديقنا المحقق الشيخ محمد كاظم المحمودي.
2- الحج 15.
3-كان عمر والد المؤلّف عند الوفاة ستة وخمسون دون زيادة ونقيصة لأنّه ولد في 3/ ربیع الثاني /1236 وتوفي في 3/ ربیع الثانی ۱۲۹۲، فعليه تكون هذه الكتابة قبل وفاته بقليل.
4- في نامه دانشوران ۱/ 4۷۲: أنه صار معتمداً للشيخ الأنصاري بعد فترة وجيزة من تلمذه لديه، وأن دراسته عند الشيخ كانت مدة (۲۰) عاماً وأن الشيخ أكّد كراراً ومراراً على بلوغه مرتبة الاجتهاد.
5- وفي نامه دانشوران: وصار مرجعاً للخواص والعوام، وكان الفقهاء والعلماء ينتابون مجلس درسه كل يوم ويستفيدون من إفاضاته وبياناته، ولما ولّي عمدة المجتهدين الحاج ملا على مدرسة الحاج محمد حسین خان فخر الدولة اختاره مدّرساً لتلك المدرسة، فدرّس فيها سبع سنين في الفقه والأصول.
وفي المآثر والآثار 1 / 216 و في ط: ص 160 : الحاج میرزا أبو القاسم الكلانتري مدّرس المدرسة الفخرية في دار الخلافة طهران.
6- فرغ المؤلف من مبحث الاستصحاب من المطارح في سنة 1264 ولعل في نقل التاريخ وقع سهو .
7- تكملة نجوم السماء 1 / 469.
8- القصيدة مذكورة في ديوانه : ص 589 – 604.
وأيضاً رثاه بقصيدة أخرى مذكورة في ديوانه : ص 216 – 224 ومطلعها : الدار دار ليس فيه قرار والموت خصم ليس منه فرار
9- الكرام البررة 1 / 60. وذكره أيضا في نقباء البشر ۲/ ۵۳۳ حيث قال: كان أيام شبابه في طهران قرأ بها الأوليات و مقدمات العلوم ثم حضر على العلامة الميرزا أبي القاسم النوري الكلانتري في الفقه والأصول وغيرهما وصارت له مع الميرزا أبي الفضل الكلانتري ابن أستاذه المذكور مودة كاملة و صحبة متواصلة.
10- ذكره أيضا في عداد تلامذته محمد أمين الخوئي في مرآة الشرق (مخطوط).
11. مقدمة الديوان: ص ۸۵ .
ج: ذكره أيضأ محمد أمين الخوئي في مرآة الشرق (مخطوط)، والسيد مهدي الموسوي الإصفهاني في أحسن الوديعة 1 / 164 حيث قال: وكانت عمدة تلمذ الملا علي النهاوندي على شيخنا الأنصاري وعلى تلميذه الرشيد الميرزا أبي القاسم المشتهر بـ «کلانتر» صاحب التقريرات في مباحث الألفاظ المتكرر طبعها في إيران.
12- وذكره أيضا في الذريعة 13 / 339.
13- فرغ المؤلف من مبحث الاستصحاب من المطارح في سنة1264، ولعل في نقل التاريخ وقع سهو.
14- الذريعة 4 / 369 وذكره أيضا في الكرام البررة 1 / ۵۹
15- عرّف نسخة من بحث القضاء والشهادات في فهرس مكتبة كلية الالهيات بمدينة مشهد ۲/ 58 برقم ۸۹۳ اعتمادا على ما كتب على ظهر النسخة وبعد ما حصلنا عليها تبيّن أنها لأغا محمد النجم آبادي صاحب منصب القضاء بطهران، وأخو آغا حسن النجم آبادي وهو في طريقه إلى التحقيق والنشر بجهود مؤسسة آية الله العظمى البروجردي.
16. الذريعة16 / 282، نامه دانشوران ۱: 4۷۲ تذكرة مدينة الأدب 1: 4۷۲؛ مرآة الشرق (مخطوط): أعيان الشيعة ۲/ 414.