التقليد

المرجع بين التقليد والتبعيض .. الشيخ محمد العبيدان القطيفي

الاجتهاد: للتبعيض مصداقان: الأول: أن يكون تبعيضاً ابتدائياً، بمعنى أنه لم يسبق للمكلف تقليد أحد المجتهدين المتساويـين، بل هو بصدد تعيـين من يقلد، إما لبلوغه حديثاً، أو لموت مرجعه مثلاً، أو لغير ذلك من الأسباب، وقد ثبت له من خلال أهل الخبرة مساواة من يتعين عليه تقليدهما، فيعمد للتبعيض بينهما، بأن يقلد أحدهما في شيء، ويقلد الآخر في شيء آخر وهكذا. والثاني: أن يكون تبعيضاً استمرارياً، بمعنى أن يقلد المكلف مجتهداً من المجتهدين، ويعمل برأيه في مسألة ما، ثم يعمد لتقليد المجتهد الآخر في المسألة نفسها بعد ذلك.

تعريف الأعلم: اشتملت كلمات الأعلام على ذكر مجموعة من التعريفات للأعلم:

منها: ما ذكره الشيخ الأعظم(ره)، من أن الأعلم هو الأقوى ملكة وليس الأزيد معلومات[1].

ومنها: ما جاء في مفاتيح الأصول، من أن الأعلم هو الأكثر علماً والأوسع إحاطة بالمعلومات[2].

ومنها: ما ذكره صاحب العروة(ره)، من أنه الأجود استنباطاً، وهذا يكون من خلال أعرفيته بالقواعد والمدارك ذات الارتباط بالمسألة، كما يكون من خلال اطلاعه على نظائرها والأخبار المرتبطة بها.

ومنها: أنه الأعرف في تحصيل الوظيفة الفعلية عقلية كانت أم شرعية، والأعرف في أخذ كل فرع من أصله[3].

ومنها: الأعلم هو الأعرف بتطبيق الكبريات على صغرياتها، وأدق في الاستنباط للأحكام، وأكثر إحاطة بالجهات الموجبة لجودته[4].

وسوف نركز على تعريف السيد اليزدي(ره) لأنه موضع قبول عند كثير من الأعلام، وقد تضمن تعريفه(ره) عدة أمور:

1- أن يكون أعرف بالقواعد والمدارك لكل مسألة مسألة، سواء أكان ذلك دليلاً اجتهادياً أم كان ذلك دليلاً فقاهتياً.

2- أن يكون أكثر اطلاعاً على النظائر وأكثر اطلاعاً على الأخبار. وذلك لما للنظائر من مدخلية في فهم الحكم والاستنباط، لأن العلم بكثرة النظائر توجب العلم بأن هذا الفرع يندرج تحت أي واحدة من الكبريات بحيث يكون صغرى لها،

ولنوضح ذلك بمثال:

إن الحقوق على أقسام، فهناك حق التحجير، وهناك حق الرهن، وهناك حق الدائن، وهناك حق الزوجة، وغيرها، فمتى عرف الفقيه نظائر مختلفة لهذه الحقوق أمكنه عندها أن يميز حق الزكاة أو الخمس من أي واحد من هذه الحقوق، وهكذا.

كما أن أكثرية الاطلاع على الأخبار، بلحاظ أنها يستفاد منها في مسألة مع أنها واردة في مسألة أخرى، مثلاً أن تكون الرواية واردة في باب الديات، فيستفاد منها في باب الصلاة أو الأمور العبادية الأخرى.

3- أن يكون أجود فهماً للأخبار. وعاد ولخص المراد من الأعلم، نتيجة توفر هذه الأمور عنده، فقال: أنه الأجود في عملية الاستنباط. وعرفه غيره بغير ذلك.

وعلى أي حال، فإن إطلاق الأعلمية يتضمن احتمالات:

الأول: أن يكون بلحاظ كثرة المعلومات، فمن يكون صاحب معلومات أكثر فهو الأعلم.

الثاني: أن يكون بلحاظ كثرة إصابته للواقع.

الثالث: أن يكون بلحاظ قوة دليله، فمن يكون أقوى دليلاً على دعواه، فهو الأعلم.

والفارق بين الثلاثة، يظهر في مسألة جواز التبعيض في كل مسألة مسألة، إذ أنه على وفق الثالث، يمكن التبعيض، لكنه لا يمكن ذلك على الأولـين، والوجه في ذلك: إن الأعلمية في الأولـين تكون أمراً قائماً بمجموع المسائل، بخلافه على الثالث، فيقوم بآحادها، فتقوم بكل مسألة مسألة.

وعلى أي حال، فإن إرادة المعنى الأول للأعلمية في غير محلها، لأن سيرة العقلاء قائمة على ملاحظة الأقربية للواقع في المسائل التي يرجع فيها، وكثرة المعلومات لا دخل لها في ذلك. كما أن المعنى الثاني أيضاً، غير مراد، لأنه لا يتيسر تشخيص الأعلمية لمن يتولى تشخيصها من أهل الخبرة. فيتعين الاحتمال الثالث، وهو أعرفية الشخص ومتانة أدلته، وجودة سليقته، وحسن فهمه للأخبار، مما له مدخلية في ذلك بنظر أهل الخبرة.

بل لا يبعد أن المرتكز العرفي قائم على ما ذكرناه فيها، لذا نرى أن أهل الخبرة يرجعون للأعلم قبل أن يعرفوا كمية معلوماته، ومقدار إصابته للواقع.وعلى هذا، فلا يـبعد أن ترجع جميع التعريفات التي ذكرت للأعلم لهذا الذي ذكرناه، والله العلم بحقائق الأمور.

المرجع في تعيـين الأعلم:

بقي أن نشير إلى بيان من هو المرجع في تعيين الأعلم، وقد ذكر الفقهاء(رض) أن المرجع في تعيينه، هم أهل الخبرة، قال السيد اليزدي(قده) في العروة: والمرجع في تعيـينه: أهل الخبرة والاستنباط.

ويعني بذلك من تكون لهم قدرة وتميـيز لذلك. نعم هل يعتبر فيهم الاجتهاد، أم لا؟ يـبتني معرفة اشتراط ذلك من عدمه على تفسير العبارة المذكورة في كلام السيد اليزدي(قده)،

فيوجد احتمالان فيها:

الأول: أن تكون كلمة(والاستنباط) عطفاً تفسيرياً على كلمة أهل الخبرة، فيكون المعنى حينئذٍ أن المراد من أهل الخبرة، هم من كانوا مجتهدين، لا مطلقاً.

الثاني: أن تكون كلمة(والاستنباط) معطوفة على كلمة أهل الخبرة، وتكون الواو للمغايرة، فعندها يكون المعنى أن أهل الخبرة، قد يكونوا من أهل الاستنباط، وقد لا يكونوا كذلك، لكنهم قاربوا الاستنباط، وهم من يعبر عنهم بأهل الفضل.

والظاهر من المحتملين هو الثاني، دون الأول، فيثبت عندها أنه لا يعتبر في أهل الخبرة أن يكون مجتهداً، نعم يعتبر فيه أن يكون من أهل الفضيلة[5].

التبعيض في التقليد:

ثم إنه قد لا يكون إحراز الأعلم من بين الفقهاء ممكناً، لصعوبة تشخيص الأعلم خارجاً لتقارب المستوى العلمي بين الفقهاء، أو لاختلاف أهل الخبرة في التشخيص والتحديد، ما يجعل تحديد ذلك في شخص واحد خارجاً صعباً، ومع كون الفقهاء مختلفين في الفتوى كما هو الفرض، فعندها يتخير المكلف في تقليد من شاء منهم، كما يجوز له التبعيض بينهم في الفتوى.

معنى التبعيض:

للتبعيض مصداقان:

الأول: أن يكون تبعيضاً ابتدائياً، بمعنى أنه لم يسبق للمكلف تقليد أحد المجتهدين المتساويـين، بل هو بصدد تعيـين من يقلد، إما لبلوغه حديثاً، أو لموت مرجعه مثلاً، أو لغير ذلك من الأسباب، وقد ثبت له من خلال أهل الخبرة مساواة من يتعين عليه تقليدهما، فيعمد للتبعيض بينهما، بأن يقلد أحدهما في شيء، ويقلد الآخر في شيء آخر وهكذا.

الثاني: أن يكون تبعيضاً استمرارياً، بمعنى أن يقلد المكلف مجتهداً من المجتهدين، ويعمل برأيه في مسألة ما، ثم يعمد لتقليد المجتهد الآخر في المسألة نفسها بعد ذلك، كما لو قلد في الأسبوع الأول يوم الجمعة ظهراً المجتهد الأول في وجوب صلاة الجمعة ظهراً، وقلد الأسبوع الثاني المجتهد الثاني في وجوب صلاة الظهر، فإن عدوله من المرجع الأول للمرجع الثاني يعدّ تبعيضاً استمرارياً في التقليد.

مشروعية التبعيض:

وقد وقع الخلاف بين الأعلام في مشروعية التبعيض بقسميه الابتدائي والاستمراري بين الفقيهين المتساويـين في الناحية العلمية حال الاختلاف بينهما في الفتوى، على أقوال، ولا بأس قبل ذلك من التمهيد بمقدمتين:

الأولى: امكان المساواة:

وقع الخلاف بين الأعلام في إمكانية وجود المساواة بين الفقهاء خارجاً في المستوى العلمي، على قولين:

الأول: ما أختاره جماعة منهم، كالعلامة والشهيد الأول(ره)، وغيرهما من البناء على عدم إمكان تحقق ذلك خارجاً.

الثاني: ما قاله جملة من الأعلام، وعليه من عاصرناهم من الفقهاء، من الالتـزام بإمكان ذلك.

الثانية: التبعيض ابتدائي واستمراري:

يختلف الأعلام في البناء على مشروعية التبعيض في المصداقين السابقين، لوقوع الخلاف بينهم في أن التبعيض ابتدائي، أو استمراري، توضيح ذلك:

لقد حصر جملة من الأعلام كالشهيد الأول، والشيخ الأعظم الأنصاري(ره)، وجماعة مشروعيته بما إذا كان التخيـير ابتدائياً، وهو ما إذا لم يقم المكلف بعدُ بانتخاب مرجع تقليد، فيكون مخيراً بالعمل بفتوى أي من الفقيهين المتساويـين، ولا يجري ذلك بعد قيامه بتقليد أحدهما، لأنه بتقليده له صار قوله حجة في حقه، فلم يعد جاهلاً، ومن المعلوم أن التقليد وظيفة الجاهل، ومن كانت عنده حجة ليس كذلك. وعليه رتبوا أنه لا يجوز العدول من المجتهد الحي إلى المجتهد الحي المساوي له بعد تقليده للمجتهد الأول.

بينما وسع آخرون من الأعلام دائرته، فلم يقيدوا مشروعية التبعيض بالابتداء، بل بنوا على شموله لحال الاستمرار، فيمكن للمكلف أن يبعض بين الفقيهين حتى بعد انتخابه لأحدهما في التقليد، ومن هنا قالوا بجواز العدول من المجتهد الحي لمثله، حتى بعد تقليده في المسألة التي قلده فيها.

وعليه، سوف يكون التبعيض وفقاً للقول الأول محصوراً في التبعيض الابتدائي، بخلافه على القول الثاني. وهذا يعني أن القائلين بحصر ذلك في خصوص التبعيض الابتدائي، لن يلتـزموا بالتبعيض الاستمراري، بل يجعلونه خاصاً في خصوص الابتدائي منه.

وعلى أي حال، يقع الحديث ضمن مسألتين:

الأولى: التبعيض الاستمراري:

وقع الخلاف بين الأعلام في مشروعية التبعيض الاستمراري، على أقوال:

الأول: ما صرح به غير واحد من الأعلام كصاحب العروة، وجملة من المعلقين عليها، كالإمام الخوئي(ره) تبعاً للشهيد الأول، والشيخ الأعظم الأنصاري، وكاشف الغطاء(ره)، وغيرهم، من البناء على عدم جواز ذلك، فلا يجوز لمن قلد واحداً من المجتهدين المتساويـين، أن يعدل عنه إلى المجتهد الآخر، فلو عمل مثلاً بفتوى المجتهد الأول، كما لو قلده في وجوب صلاة الجمعة، لم يجز له أن يعمل في الأسبوع الذي يليه بعدم وجوبها من خلال تقليده للمرجع الثاني.

الثاني: ما عليه عدة من أعلام الطائفة، كالعلامة، والمحقق الكركي، والشهيد الثاني(ره)، وجملة من معلقي العروة، من الالتـزام بجواز التبعيض بينهما، فيمكنه أن يصلي قصراً في مسافة 43 كلم، عملاً بفتوى المجتهد الأول، ويصلي تماماً في المسافة نفسها مرة أخرى عملاً بفتوى المجتهد الثاني، وهكذا.

الثالث: ما أختاره بعض أساطين العصر من المحققين(دامت أيام بركاته)[6]، من التفصيل، فيبنى على عدم جواز التبعيض بينهما، إذا توفر شرطان:

أحدهما: أن يكون أحدهما أورع من الآخر، بمعنى أن يكون أكثر تبثتاً منه في الفتوى، ومراعاة للاحتياط، وعدم مخالفة المشهور.

ثانيهما: أن لا يكون له علم إجمالي منجز، ولا حجة إجمالية، تمنعه من الأخذ بأحد قوليهما.

وتوضيح هذا الشرط أن يقال:

أما بالنسبة للعلم الإجمالي المنجز، كما لو علم المكلف بوجوب صلاة عليه يوم الجمعة ظهراً، وتردد في أنها صلاة الجمعة، أو صلاة الظهر، فهو يعلم إجمالاً بوجوب صلاة عليه، لكنه لا يحرز أنها الظهر أو الجمعة، فلو كان أحد الفقيهين المتساويـين، يفتي بالظهر، والآخر يفتي بالجمعة، لم يجز له التبعيض بينهما، بل لزمه الأخذ بأحوط الأقوال، وهو يقضي بالجمع بين الظهر والجمعة.

وكذا لو كان أحدهما يقرر أن المسافة التي توجب القصر هي 42 كلم، والآخر يقرر أنها 44 كلم، ففي مسافة 43 كلم، لا يمكنه أن يبعض بينهما، بل يلزمه البناء على أحوط القولين، وهو يقضي بالجمع بين القصر والتمام، وهكذا.

وبالجملة، لما كان له علم إجمالي منجز بالتكليف، صار ملزماً بإفراغ ذمته منه، ولا يكون ذلك من خلال التبعيض بين الفقيهين، بل يكون بالعمل بأحوط الأقوال القاضي بالجمع، وهكذا.

وأما الحجة التعبدية، فلو اختلف المجتهدان في شرعية المعاملة الواقعة خارجاً، كما لو كان أحدهما يفتي بعدم صحة البيع المعاطاتي، ويفتي الآخر بصحته، فإن المكلف يعلم إجمالاً إما بعدم صحة تصرفه في ما انتقل إليه من الثمن، لعدم صحة البيع المعاطاتي، أو عدم صحة تصرفه في ما انتقل منه من العين، لوقوع البيع المعاطاتي، وعليه، يكون مطالباً بالعمل بأحوط الأقوال، الذي يقضي باجتناب التصرف في الإثنين، المبيع والثمن.

الثانية: التبعيض الابتدائي:

وهو الذي لم يكن مسبوقاً بتقليد من المكلف لأحد الفقيهين المتساويـين، وقد عرفت ابتناء هذه المسألة على أن التخيـير بينهما ابتدائي، أو استمراري. وقد وقع الخلاف فيها بين الفقهاء أيضاً على أقوال:

الأول: مشروعية التبعيض بينهما، فيجوز للمكلف انتخاب من شاء منهما، فيمكنه أن يقلد الأول، كما يمكنه أن يقلد الثاني على حدٍ سواء.

ولهذا القول صور متعددة، سوف نشير إليها في الخاتمة، وليست جميعها مورد قبول عند القائلين به، ذلك أن بعضهم يلتـزم بعدم مشروعيتها.

والحاصل، يمكن القول، بأن ما يتفق عليه القائلون بمشروعية التبعيض في هذه المسألة في الجملة، وليس بالجملة.

وهذا هو مختار صاحب العروة، وجملة من المعلقين عليها، نعم اشترط صاحب العروة(ره) عدم وجود مرجح لأحدهما على الآخر، ومع وجوده كما لو كان أحدهما أورع، أو أكثر عدالة، تعين تقليده.

ومن الأدلة التي يمكن ذكرها لهذا القول، عدم وجود طريقة مغايرة للشارع المقدس لما عليه العقلاء في العمل والوصول للغايات المطلوبة، ما يعني أنه قد أمضى ما عليه العقلاء في تعاملاتهم، فإنهم لا يفرقون في مقام العمل بين الاعتماد على المختلفين مع تساويهم في الأداء، فيراجعون الأطباء، والمهندسين والحرفيـين، دون تفريق بينهم بعد علمهم بتساويهم، وإن كانت طرق أداءهم للعمل مختلفة.

الثاني: ما ربما يظهر من بعض الأساطين(ره)[7]، من البناء على عدم مشروعية التبعيض الابتدائي، لعدم تمامية ما ذكر دليلاً على مشروعيته.

الثالث: ما عليه بعض أساطين العصر من المحققين(دامت أيام بركاته)، من التفصيل بين ما إذا لم يكن بين المجتهدين المتساويـين ما يوجب ترجح أحدهما على الآخر ككونه أورع، ولم يكن في المقام علم إجمالي منجز، ولا حجة تعبدية، فإنه يجوز التبعيض بينهما، وبين ما إذا توفر الشرطان السابقان، فإنه يتعين الأخذ بأحوط القولين.

خاتمة:

بقي أن يشار في الختام أن التبعيض قد يكون في الأحكام، وقد يكون بين الحكم والموضوع، فهنا صورتان:

الأولى: أن يكون التبعيض بين المجتهدين المتساويـين في الحكم والموضوع، بأن يرجع لأحدهما في الحكم ويرجع للآخر في الموضوع.

بل يمكن أن يكون ذلك في موارد عدم وجود فتوى للمرجع الأعلم، فيرجع المكلف في احتياطات المرجع الأعلم للمجتهد الأعلم الذي بعده، كما لو كان الأعلم يحتاط وجوباً بعدم انعقاد النذر من جدة إذا استلزم ارتكاب محظور من محظورات الإحرام، وكان الفقيه الذي بعده في الأعلمية، يلتـزم بانعقاد النذر وإن استلزم ذلك، لكنه لا يجيز الإحرام من جدة، فربما تصور البعض أنه يجوز الرجوع للفقيه الثاني في صحة الإحرام بالنذر، والبقاء على الفقيه الأول في جواز الاحرام من جدة، على أساس أنه من التبعيض بين الحكم والموضوع.

الثانية: أن يكون التبعيض في الأحكام:

وهذا له طرق:

الأول: أن يكون التبعيض في الأبواب الفقهية، بأن يقلد أحدهما في باب فقهي كالطهارة، ويقلد الآخر في باب آخر كالبيع، وهذا موضع اتفاق بين القائلين بمشروعية التبعيض الابتدائي.

الثاني: التبعيض في المسألة الواحدة في عمل واحد في مكان وزمان مختلفين، بأن يقلد أحدهما في وجوب صلاة الجمعة هذا الاسبوع، ويقلد الآخر في صلاة الظهر في الاسبوع القادم[8].

الثالث: التبعيض في المسألة الواحدة، كما لو قلد الأول في وجوب جلسة الاستراحة، وقلد الآخر في عدم جزئية البسملة من كل سورة من السور القرآنية عدا الفاتحة.

تنبيه:

التقليد لا يكون عن تقليد:

يعتبر في التقليد من الجاهل للعالم أن لا يكون عن تقليد، بل لابد للجاهل من أن يستند إلى حجة قائمة عنده على أن حكمه هو التقليد، وإلا لو اعتمد في جواز التقليد على التقليد للزم من ذلك الدور أو التسلسل، لأن كل ما بالعرض لابد أن ينتهي إلى ما بالذات. هذا ولا فرق في تسمية قيام هذه الحجة عند الجاهل بالأحكام بالاجتهاد في جواز التقليد له، أو تسميتها بتحصيل العلم بجواز التقليد.

والاجتهاد المطلوب هنا هو تحصيل الحجة على أن الطريقة المشروعة إلى معرفة الأحكام الشرعية وامتثالها هو تقليد المجتهد الجامع للشرائط.

وقد يقال: بأن ما يتصور من الإحاطة بالأدلة الدالة على مشروعية التقليد، إنما هو في خصوص من كان له حظ من العلم، أو كان له إطلاع على هذا المجال التخصصي من البحوث، دون بقية الناس وإن كانوا أصحاب معرفة في مجالات أخرى، كالطب أو الهندسة مثلاً، فهؤلاء لا يتسنى لهم أن يكون تقليدهم عن اجتهاد؟

قلنا: بأنه يكفي لتحقق الاجتهاد عند هؤلاء في مسألة التقليد ومشروعيته دليل العقل الدال على لزوم رجوع الجاهل للعالم، وكذا سيرة العقلاء الدالة على ذلك أيضاً.

نعم لا إشكال في التقليد في بعض الخصوصيات المرتبطة بالتقليد، كلزوم تقليد الأعلم، وجواز البقاء على تقليد الميت، وعدم جواز تقليد المرأة. يعتبر المشهور في مرجع التقليد أن يكون أعلم الموجودين في عصره، وهذا ما يعرف في الفقه بمسألة تقليد الأعلم[9].

 

الهوامش

[1] مطارح الأنظار ج 2 ص 207.

[2] مفاتيح الأصول ص 632.

[3] مستمسك العروة ج 1 ص 25.

[4] تنقيح العروة ج 1 ص 203.

[5] كلمات توضيحية ج 1 ص 110-114.

[6] المرجع الديني الأعلى للطائفة الإمام السيستاني(دامت أيام بركاته).

[7] مستمسك العروة ج 1.

[8] قد عرفت في ما تقدم وقوع الخلاف في مشروعية مثل هذا التبعيض، فلا نعيد.

[9] كلمات توضيحية ج 1 ص 89-90.

 

المصدر: قسم من مقالة بنفس العنوان. لقراءة المقالة كاملها (هنا)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign

Clicky