الاجتهاد: كان الراحل يصوم حتى قبل سنوات، شهر رجب وشعبان ورمضان على التوالي وفي مختلف فصول السنة. / ما زال الوسط العلمي لا يعرف الكثير عن الخدمات العلمية التي قدمها آية الله السيد محمد مهدي الموسوي الخرسان./ كان الراحل العالم الوحيد من حوزة النجف اﻷشرف، الذي شارك في تصحيح بحار الأنوار.
يعد فضيلة المحقق الأستاذ رضا مختاري من أساتذة الحوزة العلمية البارزين في مدينة قم، وممن تشرفوا بلقاء الراحل آية الله المحقق السيد محمد مهدي الموسوي الخرسان وإجراء حوارات علمية معه.
وفيما يلي ترجمة حوار مع اﻷستاذ رضا مختاري حول شخصية الراحل آية الله السيد محمد مهدي الموسوي الخرسان.
السمات الأخلاقية والشخصية
إن الراحل آية الله الخرسان (أعلى الله مقامه) كان من الشخصيات الفريدة بنوعها في عصرنا، ومن كبار العلماء، ويجب دراسة مختلف جوانب شخصيته ومؤلفاته.
اسمحوا لي أن أتحدث في مستهل حديثي عن الجانب الأخلاقي والزهد في شخصيته.
كان الراحل يصوم حتى قبل سنوات، شهر رجب وشعبان ورمضان على التوالي وفي مختلف فصول السنة.
وقبل سنوات عندما كان شهر رجب في فصل الصيف، تشرفت بلقائه في النجف اﻷشرف.
ذهبت لزيارته إلى مسجد الشيخ الأنصاري عند صلاة المغرب-وهو نفس المسجد الذي كان الإمام الخميني يصلي فيه مرة واحدة يوميًا ويلقي دروسه.
أدى الراحل صلاة النافلة كاملة وسار نحو المنزل مشيًا على الأقدام وسرنا معه، وكان من الواضح بأنه كان صائمًا.
كان شهر رجب، وقال ابنه بأن سماحته يصوم رجب وشعبان ورمضان في مختلف فصول السنة.
نحن في شبابنا لم نكن نتحمل الصوم لكن الراحل كان يصوم وهو طاعن في السن، واﻷهم من هذا إنه كان يقيم النافلة في المسجد على غرار الأيام الأخرى، ثم يراجع إليه الناس، ومن ثم يتوجه إلى بيته.
كذلك كان يقيم قبل ظهر أيام الجمعة، مجلسًا حسينيًا مليئًا بالأجواء الروحانية.
حياة في منتهى البساطة
أما فيما يتعلق ببساطة حياته فأنه لأمر واضح لا يحتاج إلى شرح.
فمنزله القريب من مسجد الشيخ الأنصاري كان في قمة البساطة ولم يكن مفروشًا بالسجاد وإنما ببساط بسيط. أما الأبواب والجدران فكانت على حالها منذ عقود.
كذلك الأقلام والكتب وكتيب الملاحظات كانت موضوعة في صناديق كرتونية عادية، ولم يكن لديه رفوف خاصة للكتب ولا طاولة خاصة للمطالعة.
وباختصار، كانت حالته المعيشية وحالة منزله بشكل لا يمكن تخيل حالة أكثر بساطة منها.
هذا لا يعني بأن الراحل لم يكن لديه إمكانية الحصول على حياة أفضل أو لأنه كان مضطرًا! كلا، كان بإمكان آية الله الخرسان الحصول على كل ما يريد. فهو التلميذ الخاص لآية الله الخوئي، والصديق الخاص لسماحة آية الله السيستاني، والصديق الخاص لآية الله السيد علي بهشتي.
كنت أعرف بأن آية الله محمد مهدي الخرسان يعيل بعض الأسر ويساعد الفقراء، لكنه ومع استطاعته على الوصول إلى ما يريد، كان يعيش حياتًا أساسها الزهد والبساطة. وكان يكرس وقته للعبادة وإقامة المجالس الحسينية وما شابهها من قضايا.
هذا في جانب علو أخلاقه وسموه، ولربما يرفض بعض طلبة الحوزة من متوسطي الحال، العيش في مثل هذا البيت.
من المهم أن يطلع الجميع على أسلوب حياة عالم كان قد عاش في الحوزة لقرن من الزمن وقدم خدمات جليلة، وكذلك بيته وزهده.
فلو تحدثنا عن هذه الأمور لكان فيها دروس للجميع ولا سيما الطلبة.
الخدمات العلمية
ما زال الوسط العلمي لا يعرف الكثير عن الخدمات العلمية التي قدمها آية الله محمد مهدي الخرسان.
فرغم إقامة مؤتمر أمناء الرسل في النجف الأشرف وفي قم برعاية مركز إدارة الحوزة والعتبتين الحسينية والعلوية، فإن آثاره ومؤلفاته لم تقدم كما ينبغي.
شهد مؤتمر أمناء الرسل نشر 46 مجلدًا من آثار آية الله الخرسان تحت عنوان «موسوعة العلامة الخرسان»، وبقى ما يقارب عشرة مجلدات لم تنشر بعد وهي ضمن هذه الموسوعة.
كان الراحل ممن ساهموا بشكل فاعل قبل الثورة اﻹسلامية في تصحيح كتاب بحار الأنوار الذي نشر في 110 مجلدًا في إيران.
فهو العالم العراقي وغير الإيراني الوحيد الذي شارك في تصحيح بحار الأنوار، ومنها 9 مجلدات نشرت بتصحيحه.
يومها كان يصحح من النجف اﻷشرف ويرسل تصحيحه إلى طهران، حيث كانت دار نشر الإسلامية تتولى نشر الكتاب.
فآية الله الخرسان العالم العربي الوحيد أو العالم الوحيد من حوزة النجف اﻷشرف، الذي شارك في تصحيح بحار الأنوار.
أسرة الخرسان من الأسر العريقة علميًا في العراق والنجف الأشرف. فوالده الكريم آية الله السيد حسن الخرسان أول من نشر كتاب الحدائق والاستبصار والتهذيب في إطار الطبع بأسلوب الحرف المتحرك.
كذلك فإن شقيقه السيد محمد رضا الخرسان كان من علماء النجف وقد توفي قبل سنوات. فهذه اﻷسرة، أسرة أصيلة وعلمية وعريقة في النجف الأشرف ومعروفة زهدًا وديانة.
علاقته باﻹمام الخميني
قبل التطرق إلى الجانب العلمي، دعوني أستذكر بقضية مهمه، وهي علاقة سماحته بالإمام الخميني (أعلى الله مقامهما).
فقد أخبرني آية الله الخرسان بأنه استأجر بيتًا لنجل اﻹمام الخميني السيد مصطفى عند مجيئهما إلى النجف الأشرف. فكان الحاج السيد مصطفى الخميني جاًرا لسماحة السيد الخرسان، وعندما رحل السيد مصطفى عن الدنيا، جاءت خادمته في الصباح الباكر، إذ لم يعرف أحد بالأمر، إلى بيته وهي متوترة تخبره بوفاة نجل اﻹمام الخميني.
المصدر: شفقنا