المؤسسة الدينية ونسبة الفشل فيها

المؤسسة الدينية ونسبة الفشل فيها / الشيخ غسان مسلم البغدادي

خاص الاجتهاد: المشكلة ليست في الحوزة الدينية بل في الاشخاص الذين استغلوا هذا الاسم وتزينوا بزينة الحوزة (العمامة والزي الحوزوي) فلا تقولوا الحوزة فاشلة بل الفاشل دخل الحوزة ولا تقولوا المعمم سارق بل الحرامي ارتدى العمامة./ للأنصاف نعترف بوجود ثلة من المعممين كل له هدف دنيوي معين ولكن نسبة الفشل في المؤسسة الدينية ضئيلة جدا قياسا مع باقي المؤسسات الاخرى مع عدم وجود الضوابط فيها ووجود ضوابط صارمة في المؤسسات الاخرى. بقلم: الشيخ غسان مسلم البغدادي

كتب احدهم على صفحات التواصل مقالا ذكر فيه : ان افشل مؤسسة في الوجود هي المؤسسة الدينية لعدم وجود ضوابط لمن يلتحق بها وبين وجود بعض الشخصيات التي فشلت في المجتمع واعطى بعض المصاديق لتلك الشخصيات واضاف انه لابد من جعل ضوابط لتنقيتها من النطيحة والمتردية ووو الخ .

وحقيقة ان هذا الشخص جوبه من بعض اتباع المؤسسة الدينية وانصارها وفي المقابل صفق له وطبل اعداء المؤسسة الدينية وكانت الردود قاسية ووصلت الى حد الشتم والتجاوز ما بين الطرفين فأحببت ان اكتب مقالا بعيدا عن التعصب والعاطفة عن المؤسسة الدينية .

المؤسسة الدينية تعريفها ونشوئها:

المؤسسة الدينية عبارة عن مجموعة مدارس دينية قد تكون مترابطة مع بعضها او مستقلة تحت اشراف اشخاص معينين اما ان يكونوا من العلماء او الفضلاء او الناس الذين يبغون الحصول على الاجر والثواب من خلال نشر الدين وفي كل ديانة او طائفة توجد مدارس دينية تتكفل بنشر تعاليم تلك الديانات والطوائف وانا سوف ابحث في موضوع المقا (الحوزة الدينية) لان هدف المقال الرد على من كتب في تسفيه تلك المؤسسة او عدم وجود ضوابط خاصة بها وان شاء الله مستقبلا نبحث في باقي المؤسسات الدينية كالأزهر الشريف وغيره.

المدرسة الدينية: هي نوع من المدارس تركز مناهج الدراسة فيها على الموضوعات الدينية بجانب العلوم الأخرى في مناهجها وهي تقابل المدرسة المدنية ومن أمثلة المدارس الدينية (الحوزة الدينية ) و(الازهر الشريف ) وغيرها.

الحوزة الدينية نشوئها: وهو لفظ اصطلاحي للمدرسة الفقهية التابعة للمذهب الجعفري وتنقسم هذه الحوزة العلمية إلى مدرستين أساسيتين (في العصر الحالي) هما:

الحوزة العلمية في النجف الاشرف والحوزة العلمية في قم المقدسة .

نشوئها : نشأت الحوزة الدينية كمؤسسة دينية ظاهرة للعيان باستقلالية بعد الغيبة الكبرى ولكن جذور نشوئها تمتد الى عصر الامام علي عليه السلام ولكنها كانت على شكل اختيار بعض اصحابه لتعليمهم علوم الفقه والقران والتفسير كأبن عباس مثلا وابن مسعود وازدهرت المدارس الدينية في عصر الامام الصادق عليه السلام حيث ظهرت مدرسة الكوفة ومدرسة الحجاز وكان روادها ومعلموها هم طلبته الذين تربوا على يديه ثم امرهم ان ينتشروا في بقاع الارض ليعلموا الناس وهناك مدارس سجلها التاريخ كـ:
1ـ مدرسة الكوفة: ظهرت من اوساط القرن الثاني (مرحلة حياة الامام الصادق (عليه السلام)) واستمرت إلى الربع الأول من القرن الرابع الغيبة الكبرى.
2ـ مدرسة قم: ظهرت من الربع الأول من القرن الرابع واستمرت إلى النصف الأول من القرن الخامس (أيام السيد المرتضى وشيخ الطائفة الطوسي) أعلى الله مقامهما.
مدرسة بغداد: وظهرت من النصف الأول للقرن الخامس إلى احتلال بغداد من قبل المغول سنة 656 هـ.
مدرسة الحلة: وظهرت من احتلال بغداد، واستمرت إلى حياة الشهيد الثاني عام 965 هـ.

ولكل مدرسة من هذه المدارس طريقتها الخاصة وأبعادها الفكرية المختصة بها ولكن المهم هو الاتحاد في الهدف، فالمدارس الشيعية وعلماء الشيعة أهدافهم واحدة وإن اختلفت الآراء والمشارب والطرق الاستدلالية.
ولعلَّ النقطة التي وجدت في الحوزة العلمية مفقودة في غيرها من المدارس والأماكن التي يرتادها طلبة العلم من المسلمين.

فقد يدرس الإنسان في الجامعات والمعاهد وغيرهما لكنه لا يجد الطبيعة التي درجت عليها الحوزة العلمية، أي روح البحث والنقاش للوصول إلى الحقيقة التي هي الهدف الأسمى لكل إنسان.

التجديد في الحوزة العلمية:
لقد حدث في الحوزة العلمية تجديد على مر العصور من قبل علمائنا الابرار (رضوان الله عليهم اجمعين) ابتداء من الشيخ المقدس الطوسي والعلامة الحلي والاعظم الشيخ مرتضى الانصاري (رض) الذي كان له الدور الأساسي في تجديد الفكر الاصولي والفقهي والعظماء الثلاثة الشيخ العراقي والشيخ النائيني والشيخ الاصفهاني (قدس الله انفسهم الزكية) إلا أن الحركة الإصلاحية والتجديدية الكبرى في تاريخ الحوزة العلمية حصلت على يد المجدد الأكبر الرائد المفكر الكبير الشيخ محمد رضا المظفر (رضوان الله عليه) من خلال تأسيسه جمعية منتدى النشر الإسلامي وكلية الفقه وكلية الخطباء الحسينين ومشروع كلية الاجتهاد الذي لم يرى النور.

وكذلك من خلال مؤلفاته الكبرى المنطق، أصول الفقه، عقائد الإمامة، الفلسفة الإسلامية التي هي عماد الدروس الحوزوية ومرتقى الاجتهاد ومقصد المجتهدين والطلاب.
وكذلك دور الامام السيد الشهيد محمد باقر الصدر (رضوان الله عليه) المجدد الثاني للحوزة العلمية من خلال كتبه الكبرى [المعالم الجديدة للأصول] [دروس في علم الاصول].

الفرق بين المؤسسة الدينية (الحوزة ) وغيرها من حيث الضوابط:

لا يخفى ان الضوابط على قسمين توقيفية وتأسيسية فالحوزة امتازت بانها مذ نشوئها كما بينا ضوابطها بسيطة مرتبطة بالقران والسنة فعندما ندقق في قوله تعالى: (لولا نفر من كل امة طائفة ليتفقهوا في الدين ….الخ ) نجد ان النفر في التفقه في الدين لا ينحصر بشخص معين او بشخص يتميز بصفات خاصة بل انه خطاب موجه لطائفة من الناس اخذوا على عاتقهم ان يتفقهوا ليعلموا الناس لذلك امتازت المؤسسة الدينية منذ عصر النبي صلى الله عليه واله بانها على مرتبتين خاصة وعامة او كما نعبر في علوم القران ان النبي كان له اسلوب في تعليم القران وعلومه واحكامه يتلخص في طريقين:

1ـ الاسلوب العام: وهي طريقته في تعليم عامة الناس القران واحكام الشريعة وباقي العلوم من خلال الخطاب الذي كان يوجه لهم في كل مكان من خلال تفسير الآيات وهو ما وصل الينا عن طريق الروايات وكذلك اهل البيت عليهم السلام .

2ـ الاسلوب الخاص: وهو ما يسمى باختيار النخبة وهذا الطريق كذلك يتفرع الى قسمين:

أ ـ اختيار النخبة من الصحابة حيث ورد عنهم ان النبي كان يعلمهم عشر آيات من القران فلا يجاوزونها حتى يتعلموا ما فيها من علم وعمل …الخ . وكان يعد هؤلاء الصحابة لتعليم الناس .

ب ـ اختيار الخواص من النخبة (علي بن ابي طالب عليه السلام ): حيث كان يعده اعدادا متكاملا لما بعد مرحلة النبوة وذلك يتجسد في قول امير المؤمنين عليه السلام : ( ما نزلت على رسول الله صلى الله عليه واله اية من القران الا اقرأنيها فاكتبها بخطي وعلمني تأويلها وتفسيرها وناسخها ومنسوخها …الخ . (الاحتجاج ج1 ص207).

وهناك كثير من الروايات التي توضح ذلك لمن اراد ان يدقق ويحقق في الموضوع . اذا نرى ان التعليم الديني او قل المؤسسة الدينية مذ بداياتها في عصر النص كانت ضوابطها توقيفية وبعد ذلك تطورت واصبحت تأسيسية على ايدي العلماء بعد الغيبة الكبرى ولكن حتى ما اسس من ضوابط لا يخالف كون باب الله مفتوح لعامة الناس فالأمي والمتعلم على حد سواء في فرصة الدخول الى تلك المؤسسة وهذا الباب الرباني فنحن نطالع كان طلاب الائمة واتباعهم منهم النجار ومنهم العتال ومنهم المكاري ومنهم الراعي ووو الخ .

ولو انهم جعلوا ضابطة خاصة فقط بالمتعلم مثلا لكانت تلك المؤسسة فشلت فشلا ذريعا لأنها ستكون حكرا على بعض الناس دون البعض كما هو حال باقي المؤسسات فنحن مثلا عندما ندخل الى الجامعات نجد اصحاب الشهادات ولكن قد لا نجد اصحاب الدين .

المهم ان الذين يطبلون لمن يتهجم على المؤسسة الدينية بعد تتبعي لهم وجدتهم على ثلاثة اصناف:
1ـ الذي دخل الى المؤسسة الدينية وفشل فيها فصار يرمي سبب فشله وتبريراته لذلك الفشل على المؤسسة الدينية .
2ـ الذين يتبعون (مودة ) الالحاد حيث اننني التقيت ببعضهم واخذت احاوره عن الالحاد وكل ما استفهم منه عن شيء واقسم (والله كذا وكذا ) فقلت له عجبا ملحد ويقسم (بالله ) وهذا ينم عن جهل بقضية الالحاد وانما هي (مودة) كما وصفتها حتى انني في يوم من الايام التقيت بكبير الملحدين في منطقة من مناطق بغداد وكان يجمع الشباب من حوله ويبث سمومه وشاءت الاقدار ان تحدث مشكلة له مع جيرانه بسبب اطفال فاخذ يتهدد عليهم قائلا (والله اليوم احركم حرك وعلي ما تبقون هنا) فتبين ان كبيرهم الذي علمهم السحر (لبس ثوب لا يعرفه).

3ـ الصنف الثالث هو الاخطر الايادي الخفية والتي تعمل وتمول من خلف الكواليس وهؤلاء اهدافهم معلومة وهم اما نواصب او استعمار او غير ذلك .

وهنا يأتي السؤال المهم الذي اطرحه على كل من يثير قضية عدم وجود ضوابط في الحوزة الدينية واقول:
ما هي الضوابط التي تقصدونها هل هي توقيفية او تأسيسية وضعية ؟ فاعلموا ان أي ضابطة تضعونها ستجدونها موجودة في الحوزة في قسم منها كالمدارس المنهجية في الحوزات.

والمشكلة ليست في الحوزة الدينية بل في الاشخاص الذين استغلوا هذا الاسم وتزينوا بزينة الحوزة (العمامة والزي الحوزوي ) فلا تقولوا الحوزة فاشلة بل الفاشل دخل الحوزة ولا تقولوا المعمم سارق بل الحرامي ارتدى العمامة.

وكما اننا للأنصاف نعترف بوجود ثلة من المعممين كل له هدف دنيوي معين ولكن نسبة الفشل في المؤسسة الدينية ضئيلة جدا قياسا مع باقي المؤسسات الاخرى مع عدم وجود الضوابط فيها ووجود ضوابط صارمة في المؤسسات الاخرى (للبيت رب يحميه). والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد واله الطاهرين.

الشيخ غسان مسلم البغدادي؛

استاذ في اصول الفقه وعلوم القران في حوزة الرسول الاعظم في النجف الاشرف – طالب بحث خارج درس الاصول عند سماحة الشيخ هادي آل راضي دام ظله وخارج فقه عن السيد محمد رضا السيستاني دام ظله وكذلك طالب في مركز الاسراء . كما درس في مركز الاسراء للدراسات العليا للتفسير وعلوم القران التابع للشيخ الاملي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign

Clicky