الاجتهاد: يتطرق الباحث زكي الميلاد المتخصص في الدراسات الإسلامية, وباحث في الفكر الإسلامي والإسلاميات المعاصر؛ في مقاله “الفكر الديني وتجديد النظر في قضايا المرأة ” في النطاق العالمي و كذلك نطاقيين الإسلامي والعربي ك: تركيا وأفغانستان وايران والسعودية وكويت وأردن وعمان وقطر ومصر والمغرب ولبنان. كما يذكر نماذج من تصاعد الدعوات داخل المنظومات التفكير الديني لتجديد النظر في قضايا المرأة.
في العقد الأخير من القرن العشرين، أخذ موضوع المرأة يتحرك بوتيرة متسارعة وملفتة للنظر في المجتمعات العربية والإسلامية. وكأن وعياً جديداً ظهر في التشكل حول موضوع المرأة، الوعي الذي كان محرضاً على دعوات إعادة النظر في إصلاح قضايا المرأة بما يعزز حقوقها وحرياتها ومساواتها العامة. أو كأن ملفاً كان مغلقاً ومجمداً أو منسياً، واستجدت بعض المتغيرات والمعطيات التي جعلت من الضرورة تذكره وفتحه وتحريكه. أو كأن العالم يعيش صحوة نسائية، أو أن النساء أيقظت العالم بقضاياهن وبما يعيد لهن الاعتبار وضمان الحقوق.
وقد ارتبط هذا الوعي والإدراك بمجموعة عوامل مؤثرة ومتشابكة، منها ما يرتبط بالشأن الداخلي، ومنها ما يرتبط بالشأن العالمي، ومنها ما يرتبط بالشأن التقني.
في الشأن الداخلي يتقدم عامل التعليم الذي كان له الأثر البارز والهام في تطور وعي المرأة بالشكل الذي ساعدها على تكوين نظرة طموحة تجاه ذاتها، تعيد من خلالها اكتشاف شخصيتها وتجديد تطلعاتها، وتزداد تمسكاً بكرامتها، وتحكماً بمستقبلها. وهو الوعي الذي جعلها تصطدم بواقع متوارث من قديم تهيمن عليه أعراف وتقاليد لا تعترف للمرأة بتطلعاتها الكبيرة، أو بمشاركاتها في المجالات العامة.
لأن تلك الأعراف والتقاليد نشأت وترسخت في وضعيات كانت المرأة فيها تفتقد إلى التعليم وتسيطر عليها الأمية، فكان من الطبيعي أن تختلف كلياً نظرة المرأة إلى ذاتها بين تلك الوضعيتين. خصوصاً وأنها ـ أي المرأة ـ استطاعت أن تظهر تفوقاً وتقدماً في ميادين التعليم والتدريب، مما جعلها تمتلك أدوات النظر في تقييم الظروف والأحوال التي كانت محيطة بها، وتكتشف بالتالي مدى المسافات التي تفصلها في الانتقال من تلك الوضعيات، ومستوى الجهود المفترضة في إصلاح أوضاعها.
ويضاعف من ذلك التقدم الكيفي للنساء في ميادين التعليم، التطور الكمي والعددي من النساء اللائي يندفعن باهتمام كبير نحو التعليم، وتعج بهن المدارس والمعاهد ومدرجات الجامعات، فضلاً عن الأعداد الكبيرة من المتخرجات اللاتي يقتحمن ميادين العمل والإنتاج. وبذلك استطاعت المرأة أن تصنع لنفسها واقعاً لا يمكن نكرانه، أو عدم الاكتراث به، بل فرضت الاعتراف به، والتعامل معه بطريقة تستدعي تصحيح النظرة القديمة عن المرأة، وتعيد الاعتبار لشخصيتها الحقوقية ومكانتها الاجتماعية.
ويستنتج في خاتمة مقاله أن أمام الفكر الديني خياران في منهجيات النظر وقواعد السلوك مع قضايا المرأة، إما أن يستمر على منهجه القديم، وخطابه الدفاعي والاحتجاجي، والإكتفاء بالحديث عن النظرة الدينية للمرأة، وحماية كيان الأسرة، وربط كرامة المرأة بالعفة دون الحقوق الناجزة، وتركيز النقد على النموذج الغربي للمرأة من خلال الاهتمام بمسائل السفور والتبرج والاختلاط.
وهو المنهج الذي كان عليه منذ مطلع القرن العشرين، حين كانت السياقات التاريخية، والأرضيات الاجتماعية، والتكوينات الثقافية، والمؤسسات السياسية تتحرك في اتجاه الارتباط والاندماج بالأنساق الثقافية والأطر المرجعية للغرب، ابتداء من مرحلة سيطرة الاستعمار الأوروبي على المنطقة في النصف الأول من القرن العشرين إلى ظهور الدولة العربية الحديثة في النصف الثاني، واعتماد النظم الدستورية والتشريعات القانونية والمناهج التربوية من المصادر والمراجع الغربية، إلى تكوين النخب والجماعات الفكرية والسياسية التي تصدت لإدارة المؤسسات والهيئات والمعاهد والجامعات الحكومية.
لذلك كان المبرر تفهم ذلك الموقف الدفاعي للفكر الديني. لكن هذا الموقف لم يعد كافياً أو محمياً ومحصناً في القرن الحادي والعشرين مع التطورات المذهلة في تكنولوجيا الاتصالات وشبكات الإعلام والبث الرقمي عبر الأقمار الصناعية، إلى جانب ثورة المعلومات وانفجار المعرفة، وبروز تيار العولمة الكاسح والمخيف.
الأمر الذي يتطلب وهذا هو الخيار الثاني أن يتحول الفكر الديني من موقف الدفاع السلبي الذي لم يعد فعالاً حتى في الحماية والتحصن والصمود، إلى موقف الدفاع الإيجابي من خلال تجديد مناهج النظر وقواعد السلوك وتنوير الخطاب، والتركيز على قضية تعليم المرأة بأعلى مستوياته، وتدريبها لاكتساب الخبرات العالية.
فحماية المرأة ليس بالجهل أو المعرفة المحدودة، وليس بالتضييق عليها وتحجيم طموحها، واغلاق فرص التقدم أمامها، وإنما الحماية بالعلم فهو طريق إلى الرشد، ومعرفة العواقب، والتبصر في الأمور، والتفكر في الشؤون.. والتأكيد على ربط كرامة المرأة بالعفة إلى جانب الحقوق الشرعية والمدنية والدستورية.
ولكي يكون الخطاب الديني مقنعاً للمرأة عليه أن يتفهم طموحاتها ونظرتها إلى ذاتها ومستقبلها، ويكون ضامناً لهذا المستقبل، ومستجيباً لتطلعاتها، وكافلاً لحقوقها، وباعثاً على تقدمها في ميادين العلم والعمل.
لقراءة المقال بصورة كاملة أنقر على الصورة