الاجتهاد: آل الخالصي أسرة عربية كريمة ترجع إلى بني أسد في الجبايش ثم انتقلت الى الخالص ثم الى الكاظمية، وقد عرفت بكثرة من انجبت من الفقهاء وحملة الشريعة.
إلا أن اسم “الخالصي” صار يشير بشكل خاص الى مدرسة وتوجه فكري عبر عنه الشيخ محمد الخالصي الفقيه المتميّز والمتمرّد، والمجاهد الذي يمتلك طاقة عجيبة لا يكلّ ولا يمل.
كان الذراع اليمنى لوالده الشيخ مهدي الخالصي الكبير أحد أهم وأبرز قادة ثورة العشرين، وقد نفي إلى ايران قبل أبيه، ثم نفي والده بعد لك من قِبل الإنكليز في حزيران 1923م إلى الهند ثم اليمن ثم الحجاز ثم إيران لإعلانه إلغاء بيعة الملك فيصل الذي لم يلتزم بشروط بيعته التي تتعلق بسيادة العراق.
وهو ما تلاه قيام 25 من مجتهدي النجف ابرزهم الشيخ النائيني وأبو الحسن الاصفهاني بالهجرة من العراق اعتراضاً على نفيه، والقصة معروفة بتفاصيلها ونتائجها.
لم تكن مواقفه القوية تقتصر على الجانب السياسي، فهو الفقيه الذي يعتبر المدرسة الأولى للاصلاح الفقهي عند الشيعة في العصر الحديث، والذي ترك أثر كبيرا على حركات الاصلاح في العراق ولبنان وايران.
عندما رجع من ايران الى العراق سنة 1949 بعد فترة طويلة قضاها في المنفى عدل عدد كبير جدا من المقلدين إلى تقليده، بل ذكر الشيخ محمد جعفر شمس الدين في كتابه “الخالصي والشيعة” أنه حدثت حالة غير مسبوقة من العدول من مجتهدين أحياء إلى مجتهد حي.. إلا أنه فقد الكثير من قاعدته الشعبية بعد أن اشتهرت فتواه بحرمة وبدعية الشهادة الثالثة في الأذان، والتي استغلها خصومه ضده.
صلى الجمعة في وقت كان غالب الفقهاء يفتون بحرمتها في عصر الغيبة، ولم يكن يقوم بها إلا الاخباريون.
كان وطنيا صلبا معروفا بمواقفه القوية ضد قوى الهيمنة الغربية، حيث عرف بمقاومته القوية جدا للشاه بهلوي عندما كان في ايران، ثم بعد رجوعه للعراق كانت له مواقف قوية ضد الانكليز والملكية لا سيما ما يتعلق بحلف بغداد، ثم الشيوعية، ثم بعد انقلاب 1963 كان له موقف قوي ضد البعثيين والحرس القومي.
كما كان أحد أهم من عملوا على مشروع التقريب الاسلامي في العراق، وحظي باحترام كبير من علماء اهل السنة في العراق. كما وقف بقوة ضدّ الغلو والالحاد، والتطرف المذهبي.
كان صاحب عقل وقاد وقلم سيال، أهم وأبرز كتبه “احياء الشريعة على مذهب الشيعة” ورسالته في صلاة الجمعة التي تعد من أقوى وأمتع ما كتب عن هذه الفريضة، فضلا عن كتابه العجيب “اسرار احكام الشريعة” الذي لا يقرأه أحد دون أن يتعجب بمستوى معرفته العالية في العلوم الطبيعية.
كما عرف بدعوته لاصلاح المناهج الدراسية وهو ما كان واضحا في كتابيه “شرح العناوين” الذي شرح به كتاب والده “عناوين الأصول” وكتابه الآخر “الوقاية من أخطاء الكفاية”.
كما ان كتابه “المعارف المحمدية” في العقائد حاز على اهتمام وتقدير كبير وكما قال لي احد العلماء لولا الاعتبارات السياسية لكان كتابا تدريسيا في الحوزة، ورسالته العلمية “الاسلام سبيل السعادة والسلام” كانت موضع اعجاب كثير من العلماء، وسمعت شخصيا من بعض فقهاء النجف الكبار رغبته في شرحها لولا بعض الاعتبارات.
عرف بفصاحته، وقوة بيانه. كما كان شاعرا قوي اللغة، حسن النظم، وقصيدته عن صلاة الجمعة رغم انها ارجوزة فقهية إلا أنها تتميز ببيان ساحر جدا، ونمط استدلالي يجمع بين البساطة والعمق معا، وهي تعبر بذلك عن اسلوبه في الاستنباط الفقهي…
عرف ببساطته، لا سيما في علاقته مع عامة الناس. وكان يؤمن بأن الفقيه معلم، وليس مدرسا كما قال النبي (ص): انما بعثت معلما. وقد استطاع أن يربي جيلا واعيا مثقفا، قويا في مواقف رفض الظلم والتسلط. واقعا لا يمكن أن يتحدث أحد عن الاصلاح الديني دون أن يتذكر هذا الرجل، الذي توفي في مثل هذه اليوم 19 رجب 1383 هـ الموافق 21/ 12/ 1963، بعد أن قدم صورة مشرقة بدأت نظيفة وانتهت نظيفة.