وقف إطلاق النار محمد حسين ملك زاده

الظروف الشرعية والفقهية لوقف إطلاق النار المؤقت والدائم/ القوانين الدولية كأداة لتقييد الدول الإسلامية

خاص الاجتهاد: في ظلّ الظروف الراهنة التي تشهد فيها الساحة السياسية والإعلامية نقاشات وتكهّنات حول مسألة السلم أو المواجهة مع الولايات المتحدة الأمريكية والكيان الصهيوني، تتضاعف أهمية الفهم الدقيق للأطر الفقهية والأصول الشرعية في هذا المجال. ويأتي ذلك بصفة خاصة مع سعي البعض إلى الخلط بين مفاهيم مثل وقف إطلاق النار أو الاتفاق المؤقت وبين السلم الدائم، ومن خلال ذلك التشكيك في مشروعية المقاومة.

وما يلي هو حوار تفصيلي لموقع مفتاح الإخباري التحليلي المتخصص في العلوم الإنسانية الإسلامية مع الأستاذ البارز في حوزة قم العلمية آية الله محمد حسين ملك زاده، حول الأطر الشرعية للتعامل مع الأعداء المحتلّين في ضوء فقه الجهاد الإسلامي.

الإطار العام للتعامل مع العدو المحتل

من منظور الإسلام والشريعة والفقه الإسلامي، لا يمكن تصور علاقتنا بالعدو الكافر الذي يحتل جزءًا من الأراضي الإسلامية إلا في حالتين اثنتين:

أولاً: حالة الحرب والجهاد والمقاومة ضد العدو المحتل. في هذا الوضع، يجب على المسلمين، باستخدام جميع الوسائل المشروعة وفي إطار الأحكام الشرعية، العمل على دفع العدوان، وإنهاء الاحتلال، ومواجهة شر العدو وفساده. هذا هو الموقف الأساسي والأولي في التعامل مع العدو الكافر المحتل.

ثانيًا: حالة يُطلق عليها في الفقه الإسلامي “الهدنة” أو “المهادنة”.
[١] تعني “الهدنة” أو “المهادنة” عقدًا واتفاقًا يتعهد بموجبه الطرفان بوقف القتال والنزاع لفترة زمنية محددة. بعبارة أخرى، هذا العقد هو نوع من السلم المؤقت والمحدد بمدة. ويُعد تحديد المدة بدقة من الأركان الأساسية لهذا العقد، ويجب أن تكون المدة واضحة ومحددة. وفي الواقع، فإن المعادل الصحيح والشائع له في اللغة الفارسية اليوم هو “وقف إطلاق النار المؤقت”.

الهدنة في الفقه الإسلامي: شروطها واستثناءاتها

لا يصحّ في عقد الهدنة أن يُذكر نصٌّ عامٌّ كقول: “ليكن وقفٌ لإطلاق النار في الوقت الحالي” فحسب، أو أن يُحدد زمانٌ مبهمٌ أو قابلٌ لتأويلاتٍ مختلفةٍ لدى الأطراف. فلو قيل مثلاً: “ليكن وقفٌ لإطلاق النار حتى أول عيد”، في حين أن “أول عيد” قد يكون يوماً مختلفاً لكل طرف، فإن مثل هذه الغموضات تُبطِل عقد الهدنة.

استثناء تحديد مدة الهدنة: خيار الإمام المسلم

مع ذلك، هناك استثناءٌ وحيدٌ لتحديد المدة، وهو الحالة التي يشترط فيها إمام المسلمين لنفسه في عقد الهدنة “خيار”؛ بمعنى أنه متى رأى المصلحة، جاز له نقض الهدنة من طرف واحد وفسخها. في هذه الحالة، يستمر وقف إطلاق النار مرهوناً بتقدير إمام المسلمين للمصلحة.

طبيعة الهدنة: وقف مؤقت للقتال لا سلم دائم

الهدنة تعني اتفاقاً مؤقتاً لوقف القتال، لا سلما دائماً. وعلى الرغم من أنه قد يُطلق على هذا الاتفاق مسمّى “سلم” أو أي تسمية أخرى، إلا أن المهم من منظور الفقه الإسلامي هو أن السلم الدائم مع عدوٍّ يحتل جزءاً من الأراضي الإسلامية مستحيلٌ تماماً. يعتبر الفقه الإسلامي إبرام سلم مع مثل هذا العدو أمراً غير ممكن، وكما ذُكر سابقاً، ليس أمام المسلمين سوى خيارين: إما محاربة هذا العدو لتحرير الأراضي المحتلة، أو الدخول معه في هدنة. تستمر الهدنة ما دامت شروطها قائمة.

القوانين الدولية كأداة لتقييد الدول الإسلامية

هذا هو الأساس النظري والقاعدة الفقهية العامة في هذا الشأن. لكن في مقام التطبيق وعلى صعيد واقع اليوم، ما نواجهه هو أعداء مثل الولايات المتحدة، الكيان الصهيوني، وبعض الحكومات الغربية التي لا تلتزم بأي من تعهداتها. إنهم لا يقيمون وزناً للقوانين الدولية، العرف العالمي، قواعد الدبلوماسية، أو غيرها من المبادئ المشابهة.

في الحقيقة، يبدو أن هذه القواعد والوثائق الدولية قد صُممت فقط للسيطرة على الدول الأخرى وكبح جماحها، وخاصة الدول الإسلامية؛ لأن القوى الغربية نفسها لا تظهر أي التزام جدي بهذه القواعد عملياً. هذه المسألة لا تنطبق فقط على الجمهورية الإسلامية الإيرانية أو الدول الإسلامية الأخرى، بل تُلاحظ هذه الحالة أيضاً فيما يتعلق ببعض الدول غير الإسلامية.

بالمقارنة مع الدول الغربية، تُظهر بعض الدول غير الغربية، مثل الدول الأفريقية، وبعض الدول الآسيوية، ودول أمريكا الجنوبية، التزاماً أكبر بالأعراف وقواعد القانون الدولي. فالمسؤولون السياسيون والدبلوماسيون في هذه الدول يُبدون في حالات عديدة التزاماً أشد بالقوانين الدولية.

في المقابل، تتصرف الدول الغربية بطريقة تمكنها من انتهاك هذه القوانين وتجاهلها متى شاءت. وبصرف النظر عن الامتيازات الهيكلية والتمييزية مثل “حق الفيتو” الذي خصصوه لأنفسهم في الهياكل الدولية، فإنهم لا يلتزمون بالتعهدات الدولية في حالات أخرى أيضاً.

إننا اليوم نواجه أعداء مثل الولايات المتحدة الأمريكية، والكيان الصهيوني، وبعض الحكومات الغربية التي لا تفي فحسب بعهودها ومواثيقها الدولية، بل لا تعير اهتماماً حتى للمبادئ الأخلاقية تجاهنا؛ لا سيما الكيان الصهيوني الذي لا يراعي اعتبارات إنسانية ولا مبادئ أخلاقية أو قانونية.

يلجأ هذا الكيان باستمرار إلى الكذب والخداع والخيانة واستغلال الفرص لانتهاك القوانين الدولية، وتجاوز الأعراف العالمية، والتعدي على حقوق الإنسان، وارتكاب جرائم مثل الإرهاب، والقتل، واحتلال الأراضي، والمجازر الجماعية. وفي قاموس هذا الكيان، فإن مفاهيم مثل السلام والهدوء لا تحمل أي معنى أو مكانة. وما يطلبونه من الطرف المقابل ليس سوى الاستسلام التام. هدفهم هو السلطوية واستعباد الآخرين.

الفكر التوسعي لليهود: نظرة فقهية

إن هذا المنظور متجذّر في الأفكار الأيديولوجية والدينية لبعض الأوساط الصهيونية، حيث يُنظر إلى غير اليهود على أنهم “حيوانات بشرية”؛ كائنات يجب أن تكون في خدمة “الشعب الأسمى” أي بني إسرائيل. ووفقاً لهذه النظرة، لا يجوز للأمم الأخرى أن تملك شيئاً: لا ثروة، ولا إمكانيات، ولا عزة وكرامة، ولا حرية، ولا حتى عرضها وشرفها. كل هذه الأمور يجب أن توضع في خدمة المصالح الصهيونية.

الهدنة كخيار وحيد في مواجهة الاحتلال الصهيوني

لذلك، إذا قُدّر لنا أن نخرج من حالة العداء مع مثل هذا العدو، فإن هذا الأمر لا يمكن أن يتم إلا في إطار الهدنة ــ أي وقف إطلاق النار المؤقت ــ ولا يوجد أي خيار يتجاوز هذا في إطار الشريعة الإسلامية. فالصلح مع الكيان الصهيوني لا معنى له أساساً، ولا يمكن مناقشته من حيث المبدأ.

حكم الهدنة مع العدو المحتل

بشكل عام، ينطبق هذا الحكم على كل عدو كافر يحتل جزءاً من الأراضي الإسلامية. وفيما يخص الكيان الصهيوني، يصدق هذا الحكم بتأكيد وصراحة أكبر. وبالطبع، هذه الهدنة نفسها لا تكون مشروعة وجائزة إلا إذا روعيت فيها مصلحة المسلمين.

حتى في حال إقامة الهدنة، يجب الحفاظ على حالة التأهب الدائم. يُستخدم في الأدبيات العربية تعبير “الإصبع على الزناد”، وهو كناية عن المراقبة الشديدة، واليقظة الدائمة، والاستعداد التام للرد الفوري على أي تهديد من العدو. وهذا يعني أنه حتى في زمن وقف إطلاق النار المؤقت، يجب أن نبقى في حالة تأهب قصوى.

كما كان يعبّر الإمام موسى الصدر: “إسرائيل شرّ مطلق”. ومع أن هذا التعبير قد يحمل تسامحاً من المنظور الفلسفي، إلا أنه في بيان حقيقة أداء هذا الكيان، يُعد مقبولاً ومفهوماً. فقد أظهرت التجربة التاريخية أيضاً أن الكيان الصهيوني يرتكب جرائم حتى في فترات الهدنة، وهي جرائم لا يرتكبها أحياناً حتى في زمن الحرب.

في الدول التي عايشت تجربة المواجهة مع الكيان الصهيوني ــ مثل لبنان ــ فإن وقف إطلاق النار مع إسرائيل لا يؤدي إلى الهدوء فحسب، بل يثير قلقاً واضطراباً شديدين. في بعض الحالات، يخشى سكان هذه المناطق فترة وقف إطلاق النار أكثر من فترة الحرب؛ لأن الصهاينة في مثل هذه الظروف، يرتكبون أحياناً فظائع تتجاوز الأعمال الحربية.

وعلى أي حال، في مواجهة عدو كالكيان الصهيوني، فإن واجبنا إما هو الجهاد، والمقاومة، والنضال المستمر حتى زوال هذا الكيان وطرده من الأراضي الإسلامية والجغرافيا الإسلامية؛ أو في ظروف خاصة، إقامة وقف إطلاق نار مؤقت مع أقصى درجات الحيطة، واليقظة، والاستعداد الكامل لمواجهة أي خيانة أو عدوان.

توضيح مصطلحي “الهدنة” و”المعاهدة” في الفقه الإسلامي
[1] إن المصطلحين يشيران في الحقيقة إلى معنى واحد، وقد وردا كذلك في المصادر الفقهية. فعلى سبيل المثال، يصرّح الشيخ الطوسي (قدّس سرّه) في كتاب “المبسوط” بقوله: “الهدنة والمعاهدة واحدة”. وفي مواضع أخرى، استُخدم تعبير “مهادنة”، كما استخدم فقهاء آخرون أحياناً “هدنة” وأحياناً “مهاداة”. بناءً على ذلك، يُستخدم هذان المصطلحان بمعنى واحد ولا يوجد فرق مفهومي بينهما

دیدگاهتان را بنویسید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *

Clicky