الاجتهاد: هناك تعارضاً يحصل بين هدف التوزيع الأكثر عدالة وحفظ الفعالية الاقتصادية، فالضرائب التي تحقق العدالة تقضي على الفعالية، والضرائب التي تحافظ على الفعالية ليست عادلة.
فعلى سبيل المثال: إن الضرائب المترتبة على السلع قليلة المرونة تستتبع عبئاً إضافياً قليلاً، وتؤدي إلى تغيير بسيط في الفعالية، ولكن بما أنّ أغلب السلع الضرورية ذات مرونة قيمية نازلة، لأن هذا النوع من الضرائب تقبض من الطبقات ذات الدخل المحدود غالباً، فهي غير عادلة. إنّ الضرائب المباشرة هي أقرب إلى العدالة؛ لأنّ انتقال عبء الضرائب فيها غير مقدور بسهولة، وهي أفضل من حيث الفعالية.
تؤدي بعض الضّرائب إلى فقدان الفعالية، وتمتاز معرفة هذا النوع من الضرائب وتحديد مقدار فقدان الفعالية([1]) بأهمية في رسم وإصلاح الضرائب.
نحاول أن ندرس فعالية الضرائب الإسلامية، وذلك من خلال تعريف الفعالية، والضرائب المثلى، وتجارب الإصلاحات الضريبية، برغم أنّ الضرائب الإسلامية الثابتة تتمتع بخصائص لا تمثل مانعاً في مقابل دافع الاستثمار والنمو الاقتصادي وحسب، بل تلعب دوراً كبيراً في توزيع الدخل، ولاسيما رفع مستوى المعيشة.
1ـ الفعالية في الضرائب وتعريف فقدان الفعالية([2])
إنّ أنواع الضرائب غير الضرائب المقطوعة([3]) تقوم بعملية خفض رفاهية المستهلك عبر طريقين:
الطريق المباشر، وذلك من خلال نقل المصادر من الفرد إلى الدولة، والذي يؤدي إلى نتيجة دخلية مباشرة.
والطريق غير المباشر، وذلك عبر زيادة قيمة استهلاك البضائع المشمولة بالضرائب بالقياس إلى البضائع غير المشمولة([4])، مما يؤول إلى ظهور أثر دخلي غير مباشر وأثر بديل.
توضيح ذلك: إنّ قسماً من مصادر القطاع الخاص تـنتقل إلى القطاع العام، وتـنخفض القدرة الشرائية للقطاع الخاص بعد فرض الضرائب، وهذا الأثر نتيجة عادية للضرائب، ولن يحدث خللاً في الفعالية، إلاّ أنّ لفرض الضّرائب أثراً آخر، وهو ما يسمى بالعبء الإضافي([5])، أو الضرر الميت، والذي يؤدي إلى تغيير السلوكيات الاقتصادية، ويتبعه انحراف تخصيص المصادر، وبذلك لن تتم الاستفادة الفضلى من المصادر والإمكانات([6]).
والنتيجة أن الضّرائب ، ومن خلال تغيير الاختيارات، لها عبء إضافي؛ لأنّها تحرف الإجراءات الاقتصادية عن الحالة الحرة([7]).
إنّ فقدان الفعالية للضريبة أو العبء الإضافي يطلق على مقدار فقدان رفاهية مسدد الضريبة، والذي يحصل زيادة على مقدار ما يسدده من ضريبة نتيجة لفقدان دخله.
ولابد من الالتفات إلى أنّ العبء الإضافي يحدث عن التغيير الناشئ من الضريبة أو الانحراف في القيم النسبية للسلع (العوامل) المشمولة بالضرائب بالقياس إلى السلع (العوامل) غير المشمولة فقط، وعليه فإنّ الضريبة التي لا تغير القيم النسبية لا تؤدّي إلى عبء إضافي.
من هنا يمكن استخلاص نتيجتين مهمتين:
أـ إنّ فقدان الفعالية يترتب حتى في صورة كون الطلب عمودياً بالنسبة للسلع المشمولة بالضريبة، أي أن يكون بحيث لا يخضع لتأثير تغيير قيم المستهلك من خلال الضريبة، وذلك لتغير القيمة النسبية([8]).
ولذا ومن أجل تقليل العبء الإضافي للضرائب إلى أدنى مستوى لابدّ أن تتعلق الضرائب بمتغيرات لها تغييرات وانحرافات بسيطة في السلوكيات الاقتصادية، وذلك من قبيل: فرض الضرائب على سلع تستتبع قيماً نازلة، كالضرائب على الملح أو التبغ، مما لا أثر واضح لها، وإما أن يكون فرض الضرائب بحيث يصبح السعر النهائي لها([9]) أقلّ من السعر المتوسط([10])([11]).
ب ـ إذا كانت جميع السلع (العوامل) مشمولة بالضرائب، وكان سعر الضرائب واحداً فيها، فلن يحدث تغيير في القيمة النسبية، وبالنتيجة لن يحصل أي عبء إضافي.
1ـ1ـ الضريبة المثلى على الدخل([12])
إنّ البحث عن كيفية رسم نظم ضريبية من الموضوعات القديمة جداً في بحث الضرائب، وذلك بهدف تقليل العبء الإضافي إلى الحدّ الأدنى، وتحقيق وتوزيع الدخل المطلوب اجتماعياً، وبعبارة أُخرى: إيجاد توازن بين العدالة والفعالية.
لقد كان البحث عن العبء الضريبي مرتبطاً بالفعالية، وعلى صلة وثيقة بمفهوم العدالة.
توضيح ذلك: إنّ هناك تعارضاً يحصل بين هدف التوزيع الأكثر عدالة وحفظ الفعالية الاقتصادية، فالضرائب التي تحقق العدالة تقضي على الفعالية، والضرائب التي تحافظ على الفعالية ليست عادلة. فعلى سبيل المثال: إن الضرائب المترتبة على السلع قليلة المرونة تستتبع عبئاً إضافياً قليلاً، وتؤدي إلى تغيير بسيط في الفعالية، ولكن بما أنّ أغلب السلع الضرورية ذات مرونة قيمية نازلة، لأن هذا النوع من الضرائب تقبض من الطبقات ذات الدخل المحدود غالباً، فهي غير عادلة.
إنّ الضرائب المباشرة هي أقرب إلى العدالة؛ لأنّ انتقال عبء الضرائب فيها غير مقدور بسهولة([13])، وهي أفضل من حيث الفعالية([14]).
إنّ نظرية الضريبة المثلى أُسلوب جديد لحل المشاكل المذكورة.
من الواضح أنّ السعر الضريبي لابدّ أن يكون صفراً تخلصاً من العبء الإضافي هذا من جهة، ومن جهة أُخرى لابد من أخذ ضرائب أكثر من الطبقات ذات الدخل الكبير، وذلك لإيجاد توزيع عادل. وفي الحقيقة أنّ القضية الأساسية هي التوافق بين هاتين الضرورتين، والحل الممكن هو الاستفادة من الضرائب المقطوعة، والتي تتغير من خلال قدرة الأفراد.
فالأفراد والقادرون على الحصول عل دخل عالٍ سوف يسددون ضرائب مقطوعة أكثر، كما ستدفع الدولة تسديدات انتقالية مقطوعة للأفراد الذين لهم دخل محدود جداً.
ويزداد السعر المتوسط للضريبة في هذا النوع من الضرائب؛ نتيجة لاستعداد الحصول على الدخل، ويبقى السعر النهائي صفراً دائماً. وهذا الأُسلوب يواجه إشكالين:
الأول: إنه يتطلب جمع معلومات واسعة حول القابلية بالقوة لكسب دخل الأفراد.
الثاني: إنّ هناك دوافع قوية لدى الأفراد للكشف عن قدراتهم الدخلية أقل مما هي عليه.
يسعى أُسلوب الضرائب المثلى إلى حل هذه المشكلة، وذلك بملاحظة فقدان المعلومات حول مستوى مهارات الأفراد. فالمفروض في هذا الأُسلوب هو أن تقوم الدولة من خلال الاطلاع على توزيع قدرة الكسب في المجتمع والمعلومات الأُخرى، كمرونة عرض القوى العاملة والنظريات المتعلقة بدرجة رغبة عدم المساواة، بإعداد جدول عن الأسعار الضريبية، والذي يوفر موازنة أمثل بين العدالة والفعالية، وإن لم تكن قادرة على تحديد قدرات الأفراد.
ومن الخصائص الرائعة لهذه النظرية هي أنّ الإصلاحات الحاصلة على أساسها قلما تؤيد نموذجاً موحداً من السعر الضريبي.
إنّ تعديلات الضرائب المثلى، وإن كانت قائمة على نظرية اقتصادية دقيقة، إلاّ أنّ تـنفيذها أمر لا يخلو من تعقيدات؛ وذلك لأنّ المعلومات التي تتطلبها تعديلات الضرائب المثلى بعيدة المنال في الأغلب، فليس من الممكن الحصول على تقديرات دقيقة عن المرونة القيمية في نظام متكامل من الطلب والعرض، وعلى الأقل في الدول النامية. هذا بالإضافة إلى قلة المعرفة بالنسبة إلى الماهية الدقيقة لتابع الرفاهية الاجتماعية. كما أنّ وجودها في نظريات الانتخاب العام غير يقيني. ففي نظرية الضرائب المثلى يفرض أن تعمل الدولة على توفير مصدر دخل ثابت مع مجموعة محدودة من الوسائل الضريبية، والتي لا يتطلب تـنفيذها أيّه نفقة. يعتقد اسلمرد أنّ المشكلة الأساسية لنظرية الضرائب المثلى تكمن في عدم لحاظ تكنولوجيا جمع الضرائب، وأنّ هذه القضية حدّت كثيراً من قابلية إعمال النظرية في حل الكثير من المشاكل الأساسية القائمة. وعلى هذا الأساس فإنّ الترجيح بين النظم الضريبية لابدّ أن يعتمد هذه الحقيقية، وهي أنّ بعض الضرائب أسهل تحقيقاً من غيرها.
إنّ نظرية الضرائب المثلى لابدّ أن تأخذ القضايا التـنفيذية للنظام الضريبي بنظر الاعتبار، إذا أُريد لها أن تكون دليلاً يمكن الاعتماد عليه في مقام العمل([15]).
إنّ إدغام قضية تسهيل التطبيق في نظرية الضرائب المثلى يتطلب انتقال التركيز من هيكلية الأفضليات (المركز الأساس لنظرية الضرائب المثلى) إلى تكنولوجيا الجمع الضريبي. ومن هنا يُستفاد من مصطلح النظم الضريبية المثلى([16]).
إنّ هذا المصطلح يشير إلى نظرية الأمر الضريبي، والتي لا تؤكد على هيكلية الأفضليات فحسب، بل تأخذ تكنولوجيا جمع الضرائب بنظر الاعتبار وبصورة جدية.
وعلى هذا الأساس فإنّ البحث العملي للأفضليات النسبية لأنواع الضرائب على بعضها الآخر، والذي يقوم على موضوع قابلية قياسها، يقع وبشكل جدي في دائرة النظم الضريبية المثلى بدلاً من الضرائب المثلى.
ويرى اسلمرد: أنّ هناك إدراكاً مطرداً في وجود ارتباط بسيط بين أنواع ردود الفعل السلوكية تجاه الضرائب، والتي تُعدّ أمراً مهماً في العالم الخارجي، وهيكلية توابع الرغبة (الأفضليات)، وإنما هي مرتبطة بصورة أكبر بقابلية الحصول على إستراتيجيات مالية (قابلية تـنفيذ النظام الضريبي) ومن الممكن أن تجعل القوانين الضريبية غير موفقة في تحقيق أهدافها([17]).
برغم المنطق الذي لا ينكر نظرية الضرائب المثلى فإنّ الكثير من التعديلات الضريبية الأخيرة تمركزت حول حصول الضرائب على أُسس واسعة وأسعار تعادلية، خلافاً لمسار الضريبة المثلى.
وبالطبع، وعلى خلاف الطلبات الأولية للضرائب على أساس واسع، والذي يستلزم أسعاراً تصاعدية أعلى، فقد تم التشديد على الفعلي للأسعار الضريبية النهائية الهابطة وانخفاض مستوى الاختلالات الناشئة عن الضرائب.
إنّ الضرائب المثلى والموحدة([18]) تشتركان في أنهما تهدفان إلى الوصول إلى الفعالية الاقتصادية، وتختلفان في طريقة تحقيق ذلك. فأنصار الضرائب المثلى يأملون في الوصول إلى نظام ضريبي أكثر فعالية، بينما يقبل أتباع الضرائب الموحدة بالهدف الأكثر محدودية لتحسين فعالية الضرائب([19]).
1ـ 2ـ تجارب التعديلات الضريبية
إنّ للضرائب امتداداً تاريخياً طويلاً، ربما يكون بقدم الدول، فقد كانت الدول تقوم بأخذ الضرائب بأشكال مختلفة([20])، وكان أبرز أقسام الضرائب هو ضرائب المنتوجات الزراعية وضرائب الأشخاص.
وأمّا تعديل الضرائب، وظهور ضرائب متطورة، فقد شهد تطوراً رافق التكامل التدريجي للمدنية الإنسانية([21]).
وقد اقترن توسع مهام الدولة في أكثر عقود القرن العشرين بزيادة مطردة للضرائب في الدخل الوطني، إلاّ أنه في أواخر السبعينيات من القرن الماضي جعل تزايد هذا المسار أمام بداية ثورة ضريبية، واطّردت عملية الرفض للأسعار والهيكليات الضريبية بشكل واضح.
وشهدنا في ثمانينيات القرن نفسه خطوات غير مسبوقة للتعديل الضريبي، مما جعله برنامجاً لعمل سياسي تقريباً([22]) وعنصراً مهماً من برامج التعديل، بحيث أوصى به البنك العالمي والصندوق الدولي ودعماه.
إن الهيكليات الضريبية لأغلب الدول النامية تتمتع بخصائص، من قبيل: التعقيد، عدم المرونة بالنسبة إلى النمو، وتغيير هيكلية الفعالية الاقتصادية، عدم الفاعلية والعدالة.
من هنا قام الكثير من هذه الدول بإحداث تعديلات ضريبية بهدف ضمان نظام ضريبي فاعل وقابل للتطبيق من حيث التـنفيذ، وقادر على تقديم دخل كافٍ مع أدنى مستوى من الخلل الاقتصادي([23])، فمن هذه الضّرائب الضريبة على الدخل، والتي ترتبط بالقرن التاسع عشر كما ذكروا، وكان قد اقترحها بيت (PIT) رئيس وزراء إنگلترا إلاّ أن انتشارها وتعميمها كان في القرن العشرين([24]).
وقد حاول العديد من الدول اتخاذ إجراءات لتوسيع قواعد الضّرائب على دخل الأشخاص والشركات، وتتضمن هذه الإجراءات تقليل الاعتماد على الدوافع الضريبية، وتقليل التأكيد على الاستثناءات والإعفاءات، والاستفادة من الأساليب القائمة على القرائن الضريبية، وفرض الضرائب على البيع والدخل، وفرض ضرائب الحد الأدنى للممتلكات والحالات التي يصعب إعمال الضرائب فيها.
لقد كانت هناك رغبة واضحة في الثمانينات إلى خفض سعر الضرائب على الأشخاص والشركات، وقد قام صندوق النقد الدولي بتقديم هيكلية لا تتعدى ثلاثة أسعار، ولا يتجاوز السعر النهائي 40%، وجعلت بريطانيا وأميركا عدد طبقات السعر اثنتين أو ثلاثاً، وخفضتا الحد الأعلى للسعر حسب الترتيب 98 و70% إلى 40 و28%.
إن التضييقات التـنفيذية الكثيرة تؤدّي إلى حدوث ضعف، وتوجه ضربة للأهداف الدخلية، والمساواة والفعالية.
إنّ تفعيل الضّرائب يمكن أن يتمّ من خلال عدة طرق، منها: حفظ البساطة الضريبية، الاجتـناب عن التـنظيم اليومي، توسعة القواعد الضريبية وخفض الأسعار الضريبية المتوسطة والنهائية، جعل ضرائب على الدخل تقوم على القرائن العملية (أو ضرائب بالحد الأدنى)، النظر إلى نفقات الميزانية لإعادة التوزيع، توحيد أسعار الضرائب على الشركة وسعر المرتبة العليا لجدول الضّرائب على الدخل الفردي، والأهم من ذلك كله الاستثمار في القدرة الإجرائية المتطورة.
إنّ الكثير من أخصّائيي الضّرائب يستدلون على أنّ جعل العدالة([25]) الإجمالية أفضل من العدالة المثالية والكاملة التي لا يرجى تحققها. وعلى هذا الأساس فإنّ الضرائب على القيمة المضافة ذات السعر الواحد، مقترنة بالإعفاء عن الغذاء، أفضل من أسعار متعددة.
كما استدل على أنّ الضرائب ذات السعر الواحد على الدخل الفردي، مقترنة بالإعفاء الكثير، أفضل من نظام ذي أسعار ضريبية تصاعدية جداً وكسور واعتمادات متـنوعة.
ومن الممكن ـ ومن خلال ملاحظة السياسية الضريبية المذكورة ـ تصور أنّ الاجتـناب عن التخصيصات الخاطئة للمصادر عبر الضّرائب والابتعاد عن الإجراءات التي يصحبها تعقيد عملي أهمّ من الاستفادة من نظام ضريبي لتحريك التـنمية الاقتصادية بإعادة توزيع الدخل.
من هنا كانت لجان الصندوق في السنوات الأخيرة تتعاطى مع قضايا العدالة الأُفقية أكثر بكثير من قضايا العدالة العمودية([26]).
إن النظم الضريبية التصاعدية القانونية نادراً ما تـنتج نظماً ضريبية تصاعدية مؤثرة (واقعية) برغم أنّ التصاعدية القانونية تؤدي في الأغلب إلى عدم مساواة أُفقية أساسية؛ وذلك لإمكان الهروب المختلف بين الجماعات المسددة للضرائب([27]).
إنّ هناك نكاتٍ مهمة في فعالية الضرائب يمكن الإشارة إليها باختصار:
ـ إنّ هناك عبئاً إضافياً يترتب إثر تغيير القيم النسبية بواسطة الآثار البديلة للضرائب.
ـ إن الأسعار الضريبية العليا والضرائب المختارة تؤدي إلى زيادة فقدان الفعالية، وذلك بملاحظة مرونة العرض والطلب (السلع والعوامل) العالية.
ـ إنّ الضّرائب يترتب عليها فقدان فعالية (المعاملة بين الفعالية والعدالة)، وذلك باعتبارها وسيلة لإعادة توزيع الدخل.
ـ إنّ أهمية قضايا الفعالية الضريبية والعوامل المؤثرة عليها تتطلب جعل هدف تحسين الفعالية في النظام الضريبي مكان الهدف الأكثر فعالية للضرائب.
ـ إن توسعة القواعد الضريبية وخفض الأسعار النهائية العالية تؤدي إلى الفعالية.
ـ إنّ أهداف التسهيل وحيادية التخصيص (الفعالية) والعدالة الأُفقية يكمل بعضها بعضاً، وتقع في مقابل هدف العدالة العمودية. وعليه فإنّ إيداع هدف العدالة العمودية لسياسات النفقات بدلاً من السياسات الضريبية يمكن أن يحول دون التخصيص الخاطئ، ويؤدي إلى تحسين الفعالية.
2ـ دراسة الفعالية في الضّرائب الإسلامية
يمكن دراسة الضّرائب الإسلامية من عدة جوانب، من قبيل: البحث عن وجوه التمايز واشتراك الضّرائب المنصوصة إسلامياً والضّرائب المتداولة في المجتمعات المختلفة، واختلاف آلية الحصول، ونموذج إنفاق وأهداف الضرائب المنصوصة و الضّرائب الجديدة، ودراسة إمكانية الوصول إلى نظام ضريبي واحد نظرياً وعملياً في النظام الاقتصادي الإسلامي، إلاّ أننا ـ واعتماداً على التوجيهات الواردة أعلاه ـ نتطرق إلى فعالية الضرائب الإسلامية على صعيدي القاعدة والأسعار الضريبيتين.
2ـ1ـ القواعد الضريبية في نظام ضرائب الدخل في الإسلام
كانت ضرائب الدخل في الإسلام تتضمن زكاة الغلات الأربعة (الحنطة ـ الشعير ـ التمر ـ الزبيب) والخمس، (ولا سيما خمس أرباح المكاسب، وخمس المعادن سابقاً).
من هنا فإنّ جميع أنواع الدخل المكتسب من قبل الأفراد وفي جميع الأقسام تتعلق به الضرائب في الدخل الإسلامي، فإذا امتلك الفرد عوامل الإنتاج فهو مشمول بالضرائب.
إنّ وجود هذه الخاصية (سعة القاعدة الضريبية) في الضرائب على الدخل الإسلامي تؤدي إلى زوال الانحراف في تخصيص المصادر وعدم الفعالية.
ويستثنى من أرباح المكاسب النفقات الحياتية، فهي مما لا يتعلق بها الخمس، وبعبارة أُخرى: إنّ الدخل الذي ينفق على الأُمور الحياتية خارج عن الخمس.
وعلى هذا الأساس من الممكن ابتداء في سوق البضائع المذكور أن يحدث فقدان فعالية وتخصيص خاطئ، ثم يمتد إلى سوق العوامل، فإذا كانت السنة الخمسية للفرد مثلاً قد اقتربت، وكان لديه مقدار من الدخل، يجب دفع خمسه، إلاّ أنه مع ذلك يستطيع أن يستثمره مع وجوب دفع الخمس، فهو من خلال الاستثمار لا يحول دون انخفاض قيمة المال فحسب، بل يزيده نتيجة لكسب الربح.
نعم، هناك أساليب أُخرى يمكن للفرد اعتمادها للتخلص من دفع الضريبة، وذلك من قبيل: الهبة، والإنفاق. فلو لم يكن الدخل المذكور مما تعلق به الخمس لما كان الإنفاق أو الهبة راجحة لديه. وأما إذا كانت السلعة المرغوبة للأُسر متشابهة تقريباً، ويرجحونها على الاستثمار، فالطلب عليها سيزداد، مما يؤدي إلى زيادة قيمتها. ومن الممكن أن يستخدم منتجو السلعة في المرحلة اللاحقة عوامل إنتاجية أكثر لزيادة العرض، مما يؤول إلى تغيير في تصميم الأُسر وتخصيص عوامل إنتاج.
إنّ قضية التهرب من الخمس تـنشأ من أنّ مقدار نفقات الحياة غير ثابتة ومعينة، كأمر معفو عنه، ولكن لابد من الالتفات إلى أنّ الهبة والهدية إنما لا يتعلق بهما الخمس إذا كانتا مما يناسب الشأن الاجتماعي للفرد.
وأمّا الطريق الثاني فينبغي أن يكون إنفاق المتبقي من الدخل لرفع الحاجات المعقولة، ومتـناسباً مع مكانة الفرد الاجتماعية، ففي هذه الصورة يعفى من الخمس، وأمّا إذا تعدت الهبة والهدية الشأنية كانتا من مصاديق الإسراف، وتعلق بهما الخمس، فكلما كان مقدار الإعفاء ـ كالإعفاء القياسي ـ بالمستوى الحياتي المتعارف والمقدار الثابت أمكن في هذه الصورة المناورة لتغيير تصميم الأُسر، وبالنتيجة كان تغيير تخصيص العوامل أقل. وبما أنّ النفقات المسرفة والخارجة عن الحاجات المناسبة والمكانة الاجتماعية للأُسر غير مشمولة بالإعفاء من الخمس فسوف تؤدي إلى تضييق فقدان الفعالية والتخصيص الخاطئ.
فاستثمار الأموال المذكورة ـ وفقاً للتعاليم الإسلامية، ومن منظار العقل الاقتصادي والسلوك العقلائي ـ مرجح لدى الفرد.
كما أنّ الرغبة الحاصلة من استثمار نصيب الأُسرة إذا كانت أكثر من الرغبة الحاصلة من إنفاق الدخل فسيكون فقدان الفعالية أقل. ومن الطبيعي أنّ هذه الحالة على صلة وثيقة بوضع البلد الاقتصادي أيضاً. وعلى أية حال فإنّ هناك دخولاً راكدة ونفقات نادرة وقابلة لغض الطرف عنها في النظام الاقتصادي للإسلام.
2ـ 2ـ الأسعار الضريبية
يختلف سعر ضريبة المحاصيل الزراعية المشمولة بالزكاة باختلاف نوع السقي، فإذا كان السقي بماء المطر أو الماء الجاري، أو كانت الزراعة (من قبيل: النخل والعنب) مما يسقى بالمياه الجوفية، كان مقدار الزكاة 10%، وأمّا إذا كان السقي بالدلاء أو الماكنة والمضخة وغيرها مما يتطلب جهداً كانت زكاتها 5%، وأمّا إذا سقيت بالطريقتين كانت زكاتها بالنسبة إلى الطريقتين معاً (بالنسبة).
وأمّا بقية الدخول فيتعلق بها الخمس بنسبة 20% كسعر نهائي([28]).
إنّ اختلاف سعر الضّرائب في الزكاة والخمس أولاً يؤدي إلى فقدان الفعالية والتغيير في تخصيص المصادر؟ يعني أولاً تختص المصادر الأكثر بإنتاج المحاصيل المشمولة بالزكاة.
إننا إذا قمنا بمحاسبة السعر الحقيقي (المتوسط) في كل نوع فسوف يمكننا الحكم بصورة أصح؛ وذلك لأنّ الخمس وإن كان السعر النهائي فيه 20% إلاّ أنّ الإعفاء فيه أمر ملحوظ (استثناء النفقات الحياتية)، فسعره المتوسط ليس ثابتاً، فيكون بمستوى سعر الزكاة.
بيان ذلك: إنّ متعلق زكاة المحاصيل الزراعية (المشمولة بالزكاة في صورة وجود شروط تعلق هذه الضرائب) يتراوح بين 5 و10% بحسب نوع السقي، في وقت يكون خمس أرباح المكاسب (دخل الفرد) بعد استثناء نفقات الحصول على الدخل المذكور والنفقات المرتبطة بحياة الفرد ومن يعولهم 20%، أي 20% زيادة على الدخل، وليس هناك ما يحاسب بسعر ثابت 20% غير خمس المعادن.
إنّ السعر الحقيقي أو المتوسط في الزكاة بين 5 و10% في حالة تغيير، وأمّا السعر المتوسط لخمس المعادن فـ 20%، والسعر المتوسط لخمس أرباح المكاسب يختلف باختلاف رغبة الأُسر في إنفاق دخلهم.
ومن الواضح أنّ السعر المتوسط لخمس المعادن أكثر من الأسعار المتوسطة للقسمين الآخرين.
ولكن لتدارك الفرق اليسير بين السعر الأول والثاني (الخمس والزكاة) ينبغي الإشارة إلى هذه النكتة، وهي أنّ نفقات الحياة في مستوى شأن الأُسرة مشمولة بالإعفاء، وأنّ المقنن يؤكد على الإنفاق بالحد المتعارف، بينما إذا فرضنا أنّ نفقات الأُسر المشمولة بضرائب الخمس لا تتأتى عموماً إلاّ من خلال الدخل دون الطرق الأُخرى ـ أي أنّ الأُسر تـنفق قسماً من دخلها للمؤن الحياتية ـ فسيكون السعر المتوسط (السعر الحقيقي) في خمس أرباح المكاسب 20% من 100% من الدخل باستثناء نسبة رغبة الأُسر إلى الإنفاق.
فعلى سبيل المثال إذا كانت نسبة رغبة الإنفاق لطبقات الدخل الضعيف مشمولة بخمس الدخل بنسبة 80%، أي أنهم ينفقون 80% من مجموع الدخل ويدخرون 20%، وكانت النسبة نفسها للطبقات ذات الدخل العالي 70%، والطبقات ذات الدخل العالي جداً 60% من مجموع الدخل، فإنّ الأسعار المتوسطة (السعر الحقيقي) لضرائب خمس الدخل لكل طبقة حسب الترتيب تساوي 4 و6 و8%([29]).
إنّ الأسعار المذكورة، وإن كانت تصاعدية، ولكن للاختلاف اليسير في مقدار رغبة الأُسر في الإنفاق فسوف لن يكون اختلاف الأسعار كبيراً بالنسبة إلى سعر الزكاة، ولذا لن يؤدي إلى فقدان الفعالية، كما أنَّ هذه الأسعار أقل من الأسعار المتعارفة في العالم للضرائب على الدخل (الفردية، وعلى الشركات)، ولن تمنع من دافع العمل والادخار. ولكن من الممكن أن تحدث تغييرات في تخصيص المصادر مع حفظ بقية الظروف، حيث ترتبط محاسبتها الدقيقة ببقية الظروف المؤثرة في انتقال مصادر الإنتاج.
الهوامش
(*) أستاذ في الحوزة والجامعة، وعضو الهيئة العلمية في مركز بحوث الحوزة والجامعة، مختصّ في الاقتصاد الإسلامي.
([1]) efficiency loss.
([2]) zee (1995).p. 250.
([3]) الضّرائب التي تلحظ بمقدار قطعي مع غض النظر عن الخصوصيات الفردية (من قبيل: الدخل، الثروة، وغيرهما) lumpsum.
([4]) إنّ الضّرائب تعمل بهذين الطريقين أيضاً في سوق العوامل، وتؤدّي إلى خفض رفاهية المنتج.
([5]) علي رضا لشكري، نظام مالياتي اسلام (نظام الضرائب في الإسلام): 51ـ52.
([6]) exess burden.
([7]) أحمد توكلي، ماليه عمومي (الضريبة العامة): 212.
([8]) ولهذا السبب يستفيد هيكس في بيان فقدان الفعالية من تابع طلب التدارك بدلاً من الطلب العادي.
([9]) السعر الذي يتعلق بالأساس الضريبي (وهو ما يتعلق بضرائب من قبيل: الدخل، الثروة، و…) في مقابل زيادة آخر مستوى أساس ضريبي.
([10]) سعر الضريبة المتوسط هو المقدار الحاصل من تقسيم كل الضّرائب المدفوعة على كل الأساس الضريبي للفرد.
([11]) لشكري، نظام مالياتي اسلام: 52.
([12]) إنّ الدخل المشمول بالضريبة عبارة عن القيمة النقدية للقدرة الشرائية الفردية، والتي يمتلكها الفرد لاستهلاك السلع والخدمات في فترة محددة، بالإضافة إلى أي نوع تغيير في الملكية الخالصة في المدة المذكورة. للاطلاع يراجع: المهندس الدكتور أبو طالب ومهدي تقوي، ماليه عمومي (الضريبة العامة): 146.
([13]) لشكري، نظام مالياتي اسلام: 53.
([14]) توكلي، ماليه عمومي: 218.
([15]) SLEMROD (1990). PP,168_176.
([16]) OPTIMAL TAX SYSTEMS.
([17]) SLEMROD,OP CIT 168_176.
([18]) UNIFORM TAXN.
([19]) THIRSK, OP. CIT.PP.57-58.
([20]) علي رضا لشكري، أصول ماليات اسلامي (أسس الضّرائب الإسلامية)، أطروحة ماجستير: 28.
([21]) مدرسي، مقدمه اي بر نظام وبودجه در اسلام: 21.
([22]) KAY (1990), P.18.
([23]) khilzaden shirazi,and anwar shoh (1991), p 44.
([24]) جدير ذكره أنّ هذه الضّرائب تختلف عن خمس أرباح المكاسب، والذي يعد نوع ضريبة على الدخل، وذلك لأنّ الدخل الخالص في النظم الضريبية للعالم، دخل الفرد باقتطاع نفقات كسب الدخل، وأمّا في خمس أرباح المكاسب فبالإضافة إلى كسر هذه النفقات، فإنّ نفقة الفرد والحياتية ومن يعولهم يتم كسرها من الدخل، ثم يؤخذ الخمس ( الضّرائب ) من المتبقي (المصدر نفسه: 21).
([25]) المقصود من العدالة الضريبية هو أنّ كل مسدد ضريبي يشارك في توفير نفقات الدولة من خلال دفع الضّرائب بمقدار حصته العادلة (لشكري، نظام مالياتي اسلام: 128).
([26]) العدالة الأُفقية هي أن يدفع الأفراد الذين لهم قدرة تسديد متساوية، الضّرائب بشكل متساوٍ، والعدالة العمودية هي أن يدفع الأفراد الذين يمتلكون قدرة أكبر على التسديد ضرائب أكثر (المصدر نفسه: 25).
([27]) tanzi (1990) pp.68-69.
([28]) إلاّ إذا صدق عرفاً غلبة أحد العنوانين، فمقدار الزكاة يتبع العنوان الغالب (اليزدي، العروة الوثقى: 292).
([29]) السعر المتوسط لطبقة ضعيفة الدخل = 20% (100% ـ 80%)= 20% * 20%= 4%.
السعر المتوسط للطبقة ذات الدخل العالي: 20% (100% ـ 70%)= 20% * 30%= 6%.
السعر المتوسط للطبقة ذات الدخل العالي جداً: 20% (100% ـ 60%)= 20% * 40%= 8%.
المصدر: نصوص معاصرة