فوائد الصيام

الصيام من الوجهة الطبية .. بقلم: د. عبد الحميد دياب – د. أحمد قرقوز

الصوم نظام حياتي غذائي دوري، يلتزم به الانسان المؤمن شهرا في كل عام، وله تأثيره العميق على نفسيته وجسمه، وهو تدبير وقائي، كما هو إجراء علاجي لكثير من الحالات المرضية، ولعل الجهاز الهضمي أكثر الأجهزة تأثرا بهذا النظام.

الاجتهاد: الصيام قال تعالى في سورة البقرة: (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون) [البقرة: 183].
وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ” صوموا تصحوا “.

قبل البحث عن الصيام من الوجهة الطبية، يجب أن نشير إلى ناحية هامة، وهي أن الصيام في القرآن عبادة يجب الامتثال بها لأمر الخالق العظيم، ولا يجوز تعليقها بما يكشفه لنا العلم، فمجال العلم، مهما ارتقى محدود، ولا يمكن له أن يستوعب كامل حكمة الله، في كل ما يروض عليه الكائن البشري، أو كل ما يروض به هذا الكون بشكل عام. ولكن هذا لا يمنع من التحدث عما تكشف عنه الملاحظة أو يكشف عنه العلم من فوائد للتوجيهات الإلهية.
– الصوم نظام حياتي غذائي دوري، يلتزم به الانسان المؤمن شهرا في كل عام، وله تأثيره العميق على نفسيته وجسمه، وهو تدبير وقائي، كما هو إجراء علاجي لكثير من الحالات المرضية، ولعل الجهاز الهضمي أكثر الأجهزة تأثرا بهذا النظام،

ولذلك فسنبدأ البحث بلمحة موجزة عن غريزة الهضم عند الانسان:

يشترك الفم وغدده اللعابية، والمعدة وغددها ومفرزاتها، والكبد والبنكرياس ومفرزاتهما الهضمية والصفراوية، والأمعاء ومفرزاتها المعوية، تشترك كلها في عملية الهضم، لتحول لقمة الطعام، إلى مستحلب قابل للامتصاص في الأمعاء، ويحمل الدم هذه الأغذية الممتصة إلى الكبد حيث يقوم الكبد بتصفيتها، واختزان الزائد منها، وإعطاء البدن ما يحتاجه منها بشكل دقيق، ولا تنتهي عملية الهضم عند هذا الحد، بل تتوزع الأغذية بواسطة شرايين البدن إلى كل خلية فيه ولكن بالشكل المبسط الذي تستطيع أن تستفيد منه في الحصول على طاقتها، وعلى العناصر الأساسية لها، من حموض أمينية ودسمة ومواد أخرى لعمليات البناء والتكاثر والنمو، وتعطي هذه الخلايا ما تحويه من فضلات وبقايا تلك العمليات إلى الدم ليقوم بطرحها عبر الكليتين أو الرئتين أو الأمعاء، ويشارك في هذه العمليات القلب وجهاز الدوران كما يشارك بها الدماغ والأعصاب.

وهكذا فعملية الطعام لا تنتهي ببلع اللقمة، وإنما تبتدأ بها، تلك اللقمة التي تحرك أجهزة البدن كافة لتدبيرها، وإذا كان أكثرنا يقصر في أداء أعماله اليومية سواء أكانت تلك الأعمال جهدا عضليا أو نفسيا أو فكريا، فالقليل منا من يقصر في تشغيل معدته بما يلتهمه من الطعام طيلة النهار، ولذلك يغدو الجهاز الهضمي أكثر الأجهزة عملا وتحملا لأعباء الهضم الكبيرة، فإذا أمكن أن نريح أعضاء الجسم كافة والجهاز الهضمي خاصة، بنظام ثابت، طيلة شهر كامل، لحصلنا بذلك على فوائد عديدة لا يمكن إنكارها ومنها:

1 – تخليص البدن من شحومه المتراكمة التي تشكل عبئا ثقيلا عليه، والتي تغدو مرضا صعبا عندما تزداد، ذلك المرض هو داء السمنة، فالجوع هو أحسن الوسائل الغريزية المجدية في معالجة السمنة وإذابة الشحوم المتراكمة وتصحيح استقلاب الدسم بالبدن ككل، كما تقي الانسان من مضار الأدوية المخففة للشهية أو الهرمونات المختلفة، التي قد يلجأ لها لمعالجة بدانته،

2 – طرح الفضلات والسموم المتراكمة.

3 – إتاحة الفرصة لخلايا الجسم وغدده لان تقوم بوظائفها على الوجه الأكمل وخاصة، المعدة والكبد والأمعاء.

4– إراحة الكليتين والجهاز البولي بعض الوقت من طرح الفضلات المستمر.
5 – تخفيف وارد الدسم على الشرايين، والوقاية من إصابتها بالتصلب.

6 – الجوع يولد في الجسم رد فعل بعد الصيام، يتجلى برغبة في الطعام، وبشعور بالنشاط والحيوية، بعد أن اعتاد على تناول الطعام بشكل ممل.

الصوم، إذا أحسن الالتزام بآدابه التي سنها لنا الرسول صلى الله عليه وسلم، يمثل أرقى أشكال المعالجة بالجوع، هذا الشكل من المعالجة الذي بدأت أوروبا مع بداية نهضتها بالاهتمام به في معالجة بعض الأمراض، فكتب الطبيب السويسري بارسيلوس يقول: ” إن فائدة الجوع في العلاج قد تفوق بمرات استخدام الأدوية ” أما الدكتور هيلبا Helba فكان يمنع مرضاه من الطعام لبضعة أيام، ثم يقدم لهم بعدها وجبات غذائية خفيفة.

وآلية تأثير الصيام، تعتمد على ما يمتلكه الجسم من قدرة على التأقلم مع مختلف الظروف، التي لا تتوفر فيها الأسباب الضرورية للحياة بشكل كاف، كنقص الغذاء والماء، حيث يضطر البدن لان يعيش على حساب ما ادخره من مواد للحصول على طاقته ولبناء أنسجته، وفي هذه الظروف يختلف نمط الاستقلاب عنه في الحالة العادية، حيث يجري صرف الأغذية وفقا لقواعد اقتصادية صارمة، ثم يأخذ بحل أنسجته الداخلية وفقا لأهميتها، فيبدأ بما يدخره من السكاكر.

ثم بالنسيج الشحمي، ثم بالنسيج البروتيني الكهل… إذا فتعتمد المعالجة بالصوم على هذه الأنسجة المتداعية وقت الجوع، ثم إعادة ترميمها من جديد عند العودة لتناول الطعام، ولعل هذا هو السبب الذي دعا بعض العلماء ومنهم باشوتين، لان يعتبروا أن للصوم تأثيرا معيدا للشباب. ومن ناحية أخرى فللصوم انعكاسات نفسية حميدة على الصائم، يتجلى ذلك، برقة المشاعر، ونبل العواطف، وحب الخير، والابتعاد عن الجدل والمشاكسة.

والميول العدوانية، ويحس الصائم بسمو روحه وأفكاره، وصدق الرسول صلى الله عليه وسلم إذ يقول ” الصيام جنة، فإذا كان أحدكم صائما فلا يرفث، ولا يجهل، فإن امرؤ قاتله أو شاتمه فليقل: إني صائم “.

أما بالنسبة لعلاقة الصيام بالوظيفة الجنسية، فتعتمد على تقوية الإرادة النفسية للانسان بمجاهدة نفسه، والعزوف عن المعاصي التي تثير الوظيفة الجنسية كالنظر والتفكير بالمعاصي والرذيلة، والتي تسبب زيادة إفراز الهرمونات الجنسية، ولذلك فقد كان الصيام، الدواء الناجع الذي وجه إليه الرسول عليه الصلاة والسلام الشباب الذي لا يستطيع الزواج إذ قال: ” يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة، فليتزوج، ومن لم يستطع فعليه بالصيام فإنه له وجاء ” (أي وقاية من المعاصي) ولا شك أن انحراف الشباب في الحياة الجنسية، سواء بتفكيرهم أو بأعمالهم، يعود بالأساس لعدم تهذيب عواطفهم وغريزتهم، وهذا هو السبب الأساسي في فشل معظم شبابنا في أن يكونوا بقدر المسؤولية التي تواجه أمتهم، والتي تتطلب منهم عطاء أكبر في ميادين العلم والعمل، وإيمانا أقوى من كل المغربات، ومن كل الخطوب والمحن.

وبشكل عام فقد ثبت تأثير الصيام الجيد على الكثير من الأمراض وأهمها:

1 – أمراض جهاز الهضم: كما في التهاب المعدة الحاد حيث أن أساس المعالجة فيه هو الصيام لمدة 24 ساعة، كما يفيد الصيام في تهيج الكولون، وأمراض الكبد. وسوء الهضم.
2 – البدانة.
3 – تصلب الشرايين، وارتفاع ضغط الدم، وخناق الصدر.
4 – التهاب الكلية المزمن الحابس للصوديوم، أو المسبب للوذمة.
5 – الربو القصبي.
6 – الاضطرابات النفسية والعاطفية.

وقبل أن نختم البحث يجب التنبيه إلى نقطتين هامتين:

أولا: قد يسبب الصيام ضررا بالنسبة لبعض الفئات من الناس، أو الذين لا يستطيعون تحمله، أو يؤثر سلبا على بعض الأمراض، وهنا يفضل عدم الصوم إذا ثبت الضرر، والافطار في تلك الحالات رخصة منحها الله لأولئك الناس، حيث قال في سورة البقرة (ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر) [البقرة: 184].

ثانيا: لكي نحصل على فائدة الصيام المثلى، يجب الالتزام الصحيح بآدابه التي منها: تأخير السحور، وتعجيل الفطور، وعدم الاسراف في الطعام كما وكيفا، فلا يجوز التهام كميات كبيرة من الطعام، كما لا يجوز الاسراف في تنويع الأطعمة، وللأسف، فإن واقع الناس اليوم بالنسبة للصيام كواقعهم بالنسبة لمعظم العبادات هو اهتمام بالأسماء والمظاهر، وإهمال لروح تلك العبادات، فأصبح الاسراف في الطعام كما وكيفا في رمضان، هو من لوازم رمضان، بل هو من بركة رمضان، وهكذا فإهمال هذه الآداب جعل من رمضان، شهر التخمة والبطنة والتنعم، بعد أن كان بالنسبة لأجدادنا، شهر الصبر والتقشف والايمان والجهاد، تم فيه – ما يمكن أن نسميه من بركة رمضان حقا – التفريق بين الحق والباطل في معركة بدر الكبرى، وعلا فيه مجد الاسلام بفتح مكة المكرمة، وتمت فيه وقعتا اليرموك والقادسية، وتغير فيه وجه التاريخ بانتصار المسلمين على التتار في موقعة عين جالوت، كما اندحر فيه الصليبيون على يد البطل صلاح الدين في معركة حطين.

المصدر: الصفحة 200 من كتاب: مع الطب في القرآن الكريم. رسالة أعدت لنيل إجازة دكتور في الطب D. M الدكتور عبد الحميد دياب- الدكتور أحمد قرقوز . مؤسسة علوم القرآن دمشق. ص. ب: 4620 – الطبعة الأولى 1400 ه‍ – 1980 م الطبعة الثانية 1402 ه‍ – 1982 م

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign

Clicky