الاستقراء الناقص

الشهيد الصدر؛ فقيه إسلامي حل فضيحة الفلسفة في الاستقراء الناقص/الشيخ حسن عطوان

خاص الاجتهاد: تعرفون أن المنطق الأرسطي فيه شيء اسمه الاستقراء ورتب نتائج كلية على الإستقراء، و الإستقراء قد يكون تاماً فلا بأس بترتب النتائج الكلية عليه، لكن المشكلة في ما لو كان الإستقراء ناقصاً، فكيف ينتج الاستقراء الناقص نتيجة كلية؟

بسم الله الرحمن الرحیم والحمدلله رب العالمین و الصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين ابي القاسم محمد وعلى اهل بيته الطيبين الطاهرين.
في التاسع من نيسان عام ثمانين ميلادية توقف عقل فذّ، وقلب مشبع للسماحة والشفقة والعاطفة والعطاء، توقف عقل وقلب باقر الصدر رحمة الله عليه.

عقل فذ، استطاع بتأمله ان يحل أهم مشكلة واجهت الفلسفة الإنسانية.
عقل جبار استطاع ان يحل مشكلة عبر عنها كثير من الفلاسفة بأنها فضيحة الفلسفة. المشكلة التي يأس الفلاسفة من حلها بعد الشيوع المذهب التجريبي.

تعرفون أن المنطق الأرسطي فيه شيء اسمه الإستقراء و رتب نتائج كلية على الإستقراء، و الإستقراء قد يكون تاماً فلا بأس بترتب النتائج الكلية عليه، لكن المشكلة في ما لو كان الإستقراء ناقصا، فكيف ينتج الاستقراء الناقص نتيجة كلية؟

مثال هذه المسألة المدرسي هو أننا نقول أن الحديد يتمدد بالحرارة، و هذه نتيجة كلية. كيف إستنتجت هذه النتيجة الكلية مع أننا لم نستقرء و لم نجرب إلا عددا محدودا من قطع الحديد؟ بعد شيوع المذهب التجريبي أثيرت هذه المشكلة و عبر عنها بانها فضيحة للعقل الإنساني القائم على الفلسفة الارسطية.

سيد باقر الصدر رحمة الله عليه هو الفيلسوف الوحيد الذي حل هذه المشكلة و أجاب عنها بما أسكت أصحاب الإشكال. أجاب بما هو حاصله بنحو يقتضيه المقام: بأن العقل البشري توجد فيه بحسب حساب الإحتمالات، توالد موضوعي. هذا التوالد الموضوعي بحسب حساب الإحتمالات عندما نضرب نسبة الإحتمال المخالف لليقين ببعضها، تتضائل النسبة تدريجيا في توالد الموضوعي، يصل الى توالد ذاتي. بمعنى أن العقل البشري صمم أنه لا يحتفظ بنسب الإحتمال الضئيل.

و بالتالي فكلما ضربنا نسبة الإحتمال مخالف لليقين، بنسبة احتمال مخالف لليقين، بأخرى كذلك، كلما زادت النسب المضروب ببعضها، نصل الى نسبة الاحتمال الضئيل جدا لا يحتفظ بها العقل البشري، و بالتالي حلت مشكلة الاستقراء الناقص على يد فقيه إسلامي.

وتوقف عقل معطاع، كرس وجوده كله للإسلام. هو يعبر بتعبير منذ وعيت وجودي. فيه درس لنا، اننا يفترض ان نعي وجودنا في الحياة. هذه الحياة صممت بمشيئة الله الذي اراد ان يكون الإنسان فيها مختارا، أن فيها صراعا ، صراع بين الخير و الشر ، و بين الحق و الباطل و بين الاريحية و الدنائة.

هذا الصراع يستوجب أن لا يتعايش شخص مثل يزيد بن معاوية لعنة الله عليه و شخص مثل حسين بن علي رضوان الله عليه، عليه افضل الصلاة والسلام ، شخص مثل صدام حسين و شخص مثل باقر الصدر رحمة الله عليه.

هذه الحياة في نظرية التداول صممت بحيث لا يتعايش فيها الطغيان مع الإيمان و لا يمكن أن يساير فيه المؤمن الطاغية، حتى لو كانت الظروف تستدعي أحيانا للمهادنة، لكنها مهادنة مؤقتة و ليست مساومة على طول الخط.

و بالتالي فهذا درس لنا أعطوه هؤلاء الرجال الاعاظم أن لا مساومة مع الطغيان و الجبروت، لا مساومة بين الإيمان و الطغيان، لا مساومة بين الإيمان والكفر و الإلحاد.

قد نهادن أحيانا، قد نغير التفاصيل و الآليات و الوسائل لكن في النتيجة يفترض أن نستعد لصراع مرير، لأن الآخر هو الذي يريد أن يقصيك من ساحة الدنيا، فإن لم تواجه فأنت مقصى، و إن واجهته قد توفق للإنتصار، ولو لم توفق للإنتصار الآني وخسرت المعركة فهي ليست نهاية المطاف. أنت لبنه من لبنات هذا الصراع،..أنت جزء من مسيرة، مسيرة التوحيد بدأت من آدم الى يوم القيامة. خسارة المعركة الآنية لا تعني شيئا، لأن المهم هو المعركة الحضارية على طول مسيرة الموحدين.

خسارة موحد مؤمن لمعركة ليست نهاية المطار، لأن الصراع مستمر .
سلام الله علیک یا ابا عبدلله یقول: فإن نهزم فهزامون قدما و إن نهزم فغیر مهزمينا، بمعنی إن هزمناکم فکثير ما هزمناكم، في بدر و الأحزاب و حنين و إن هزمتمونا فلسنا بمنهزمين. كيف ان هزمتمونا فلسنا بمنهزمين؟ يعني ان هزمتمونا في هذه المعركة الآنية بظروف اقتضتها مواجه الدهر من قلة الناصر، سلطة الآخر ، دنيا الآخر، إعلام الآخر، لكننا لن ننهزم في معركة الحضارية.

يريد أن يقول الإمام إن خسرنا أجسادنا فأفكارنا سوف تنتشر. يريد أن يقول أن خسارة الحقيقية هي خسارة القيم مثل باقر الصدر رحمة الله عليه كان يعلم أنه سوف يخسر حياته، لكنه كان يعلم أو كان يخطط أن تنتصر قيمه التي هي قيم الاسلام. لأن المهم في الخسارة ليست خسارة الأيام المعدودة من الدنيا في عمر الإنسان. المهم هي خسارة القيم.

كتبت في يوم إني أرى إن القيم تنزل من أعالي النفوس و أرى أن الشهيد الأهم من بين كل قرابينا التي ضاعت هباءً.
كل القرابين قدمناها لأجل أن تترسخ القيم، فإذا نزلت القيم هي الخسارة العظمى و هي خسارة الحضارية. ليس مهما أن تخسر المعركة الآنية لكن المهم أن تخسر قيمك التي قاتلت لأجلها، تتنازل عن قيمك التي قاتلت لأجلها.

لا اريد اليوم التحدث عن باقر الصدر، الحديث عن باقر الصدر حديث عن مشروع الاسلام برمته، و مشروع الاسلام برمته الحديث عنه في زمن هزيمة قيمية مروعة ذو شجون و حديث مؤلم، لكني أردت أن أذكر به وأنتم إن شاء الله من الذاكرين له.

 

المصدر: ملف صوتي لجلسة درس سماحته في الاثنين ٢٢/رجب/ ١٤٣٩ المصادف ٩/نيسان/٢٠١٨

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign

Clicky