يتطرق سماحة المرجع الديني في هذا البحث (التعامل في الأسواق المالية وتخريجه من وجهة النظر الإسلامية) الذي هو مقتطف من كتابه “البنوك – أحکام البنوك والأسهم والسندات والأسواق المالیة ‘‘البورصات‘‘من وجهة النظر الإسلامیة” إلى الموضوعات التالية: النقود الذهبیة والفضیة، والنقود الورقیة بمختلف أقسامها، والسلع بکافة أنواعها، و الطعام بکافة أشکاله.
الاجتهاد: اولا: النقود الذهبیة والفضیة. التعامل بالنقود الذهبیة والفضیة فی السوق ان کان ببیع الذهب بالذهب والفضة بالفضة، فالمعتبر فیه امر واحد وهو التماثل بین الثمن والمثمن وعدم زیادة احدهما على الاخر، واما التقابض بینهما فی مجلس العقد فالاظهر عندي عدم اعتباره، وهذا بلا فرق بین ان یکونا مسکوکین أولا، وان کان ببیع الذهب بالفضة والفضة بالذهب، فالمعتبر فیه أمر واحد وهو التقابض فی المجلس، فلو افترق البائع والمشتري قبل القبض بطل البیع، فلا یجوز حینئذ تصرف کل منهما فی مال الاخر، إلا إذا کان بینهما التراضی على ذلک، حتى اذا کان البیع باطلا کما هو الحال فی الغالب ولا سیما فی الاسواق المالیة (البورصات)، واما التساوي فی الکمیة فهو غیر معتبر فیه، وان کان ببیع الذهب او الفضة بالنقود الورقیة، فلا یعتبر فیه شیء من الامرین، على اساس ان احکام الصرف لا تترتب على النقود الورقیة.
النقود الورقیة
التعامل بالنقود الورقیة ان کان من طریق البیع والشراء النقدي لمختلف العمولات فلا اشکال فیه من الناحیة الشرعیة، وان کان من طریق البیع والشراء سلما او مؤجلا لتسلیم اسبوعین او اشهر مثلا فایضا لا اشکال فی صحته شرعا، لا من ناحیۀ الربا، باعتبار ان هذا التعامل انما هو على اساس عملیۀ البیع والشراء، لا على اساس عملیۀ القرض والاقتراض، ولا من ناحیۀ احکام الصرف، لأن احکام الصرف ـ کاعتبار التقابض فی المجلس او التماثل بین العوضین ـ لا تجري على النقود الورقیة.
وقد یتم التعاقد بینهما من طریق التحویلات البریدیة البرقیة والسفاتح ( الحوالات) واکثر التعامل فی سوق الورق النقدیة یتم من الخارج، واما تکلفة الارسال فهی على حسب الاتفاق الواقع بین المتعاقدین، ولا فرق فی الصحۀ بین ان یکون التعامل بالمباشرة او الحوالة من الخارج، وقد یتم تداول العملات فی البورصۀ بعقود مؤجلۀ ثمنا ومثمنا بتسلیم شهر مثلا، وهل تصح هذه العقود من الناحیۀ الشرعیة أو لا؟
والجواب : نعم ، انها تصح کما مر، لا بملاك انها من مصادیق العقود الخاصة لما عرفت من انها لیست من مصادیقها ، بل بملاك انها من مصادیق التجارة عن تراض، وعلیه فتکون مشمولۀ لاطلاق قوله تعالى: ( لا تأکلوا أموالکم بینکم بالباطل إلا أن تکون تجارة عن تراض) ، بل لا یبعد کونها مشمولة لاطلاق قوله تعالى:” أوفوا بالعقود” .
وهذا اضافة الى وجود التراضی بینهما فی تصرف کل منهما فی مال الاخر حتى ولو کان العقد باطلا بموجب قوانین السوق الصارمة.
السلع
التعامل بانواع السلع الخارجی فی اسواق البورصة وغیرها کالاقمشة والمواد الانشائیة والکهربائیة والتصنیعیة وغیرها، یمکن تکییفه بأحد الأنحاء التالیة:
1 – یتم التعامل بکمیة محددة من تلک الانواع باوصافها المعینة وشروطها الخاصة بعقود معجلة ثمنا ومثمناً
2 – یتم التعامل بها بالبیع والشراء بعقود نقدا ثمنا ومؤجلة مثمنا، بأن یتم الاتفاق بین البائع والمشتري بتحویل المبیع بعد عشرة أیام أو أسبوعین أو أکثر .
3 – یتم التعامل بها بعقود معجلة مثمنا ومؤجلة ثمنا، ولاإشکال فی صحة هذه العقود بأقسامها الثلاثة .
4 – یتم التعامل بها بعقود مؤجلۀ ثمنا ومثمنا، وقد تقدم ان هذه العقود وان لم تکن مشمولة لادلة الامضاء الخاصة، الا انها مشمولة لاطلاق قوله تعالى: “إلا تکون تجارة عن تراض” بل لا یبعد ان تکون مشمولة لاطلاق قوله تعالى ” أوفوا بالعقود”. هذا اضافة الى وجود التراضی بینهما حتى فیما اذا کانت المعاملة باطلة.
وقد تسال انه اذا قام الشخص ببیع سلع فی السوق لتسلیم شهر بدون ان یکون مالکا له حین البیع، ولکنه اذا حل الاجل اشتراه من السوق وسلمه الى المشتري، فهل هذا البیع صحیح أو لا ؟
والجواب: ان بیع ما لا یملک وان کان باطلا فی نفسه، ولکن البائع یملک المبیع عند حلول الاجل وقادرا على تحویله الى المشتري فی وقته، فبالامکان تصحیح ذلک بأحد وجهین:
الأول :
ما تقدم من انه لا مانع من ان یقوم شخص بانشاء ملکیة ما یملکه فی وقت متاخر من الان، فیکون الانشاء فعلیا والمنشأ متأخرا، ونقصد بالانشاء الوجود الانشائی وهو بطبیعة الحال یکون فعلیا، ولا یتصور فیه التعلیق، وبالمنشا الوجود الفعلی له بفعلیة موضوعه، ومن هنا لا محذور فی تاخر المنشا عن الانشاء باعتبار انه یتوقفعلى فعلیۀ موضوعه فی الخارج.
الثانی :
الظاهر ان البائع فی مثل هذه الحالة یبیع ما تعهد على نفسه، والمشتري یقوم بشراء ما تعهد به لا المعدوم فی الخارج، هذا اضافۀ الى ان کلا منهما کان یرضى بتصرف الاخر فی ماله حتى اذا کان البیع باطلا شرعا کما مر .
الطعام
التعامل بالطعام کالحنطة والشعیر والارز ونحوها ، فان کان الحنطة بالحنطة والشعیر بالشعیر والشعیر بالحنطۀ وهکذا، اعتبر فیه التماثل حتى اذا کان احد العوضین اجود من الاخر، فلا یجوز بیع خمسین کیلو من الحنطۀ الجیدة بستین کیلوا من الحنطۀ الردیئۀ وان کانتا متساویتین فی القیمة، ولا فرق فی ذلک بین ان یکون التعامل بالعقود المعجلة او المؤجلة، وان کان التعامل بها بالنقود الورقیة او الذهبیة أو الفضیة فلا اشکال فیه سواء اکان بالعقد العاجل ام الاجل، بل یجوز ذلک حتى اذا کان کل من الثمن والمثمن مؤجلا، لما مر من ان مثل هذه المعاملۀ صحیحۀ فی نفسها بلحاظ انطباق عنوان التجارة عن تراض علیها.
المصدر: من كتاب: ” البنوك – أحکام البنوك والأسهم والسندات والأسواق المالیة ‘‘ البورصات ‘‘من وجهة النظر الإسلامیة ” بقلم: سماحۀ الشیخ محمد إسحاق الفیاض حفظه الله