ليلة القدر

أهل البيت (عليهم السلام) وتحديد ليلة القدر .. سماحة السيد عادل العلوي

الاجتهادمع إختلاف الأقطار والبلدان، بل إختلاف الكرة الأرضية في نصفها النهاري والنصف الآخر اللّيلي، لو أدرک شخص ليلة القدر في نصفها، ثم سافر في طائرة إلى النصف الآخروأدرک ليلته، فهل أدرک ليلتين من القدر، أم هي ليلة واحدة؟ ثم هل يأتي بإعمال ليلة القدر في البلد الثاني، أو الليلة الثانية؟

س 1 ـ «سئل أبوعبدالله الصادق (عليه السلام) عن ليلة القدر فقال : اطلبها في تسع عشرة وإحدى وعشرين وثلاث وعشرين » سماحة السيد هل يفهم من ذلک أن ليلة القدر متعددة أم هي واحدة ؟

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف خلقه محمد وآله .

ربي أنطقني بالهدى وألهمني التقوى .

ج :1 إنّ من اعظم الليالي عند الله كما أخبر في كتابه الكريم هي ليلةُ القدر الّتي هي خير من ألف شهر. تتنزل فيها الملائكة والروح من كلّ أمر حكيم بسلام حتّى مطلع الفجر، وهي ليلة واحدة إلّا أنها لنفاستها وقداستها أخفاها الله في ليال لحكمة ربانيّة وسرّ إلهي، حتّى لا يتوفق إلى دركها من لم يكن من أهلها ولأسرار أُخرى، كما أخفى إسمه الأعظم بين أسمائه الحسنى ، وكما يفعل الحكماء في نفائس حكمهم وعلومهم أن تبث في مؤلفاتهم ومصتفاتهم ، فيقف عليها من كان من أهل النفائس والدّرر والحكم البالغة .

كما إنّ المعلول يوجد بوجود علّته، إلّا ان العلة عبارة عن وجود المقتضى وعدم المانع وتحقق الشرائط والمعدّات، فان الحرارة إن كانت معلول النار، فلابدّ من وجود مقتضى النار كالحطب، ثم عدم المانع كأن لا يكون رطبآ، وإجتماع الشرائط كوجود سبب الاشعال، والمعد كعود الكبريت لإشعال الحطب ، والعلة وان كانت عبارة عن وجود المقتضى وعدم المانع ، إلّا إنّه من لوازمها إجتماع الشرائط والمعدّ كذلک .

وليلة القدر وان كانت واحدة إلّا أنها أُخفيت في العشر الأواخر من شهر رمضان في كل عام ، وفي ليلة الخامس عشر من شعبان ، وفي ليالي القدر الثلاثة المعروفة في مدرسة أهل البيت: أي التاسع عشر والواحد والعشرين والثالث والعشرين ، وفي السابع والعشرين من آخر شهر رمضان ، ولكن مع إصرار أصحاب الأئمة : في معرفة ليلة القدر بالخصوص، تقلّصت دائرة الاخفاء بين ليلتين الواحد والعشرين والثالث والعشرين ، وكان التركيز البالغ إلى الثالث والعشرين ، حتّى كاد أن يقطع إنّها ليلة القدر خاصة .

ثم ورد في الأحاديث الشريفة إن ليالي القدر ثلاثة باعتبار أنّ الأُولى والثانية بمنزلة المعدات للثالثة ، الّتي هي ليلة الامضاء، وإنّه يفرق فيها كلّ أمر حكيم ، فانه يقدّر ما في الكائنات من الحوادث خلال سنة ، وكان التقدير بأمر الله في عرشه، ثم بنزل ذلک مع الملائكة ومنهم الروح وهو الملک الأعظم ، وورد أنه أعظم من جبرئيل ،

وقيل هو جبرئيل الأمين فتنزل الملائكة بإذن الله على حجّة الله ووليه الأعظم ، الّذي بيمُنه رزق الورى ، وبوجوده ثبت الأرض والسماء، فلولاه لساخت الارض ومن فيها وما فيها، وما يتعلق بها من الكواكب ، ثم المجرّات الّتي أُحصيت إلى الآن 250 ميليارد تقريبآ، وان في كل مجرّة تلثمأة ميليارد كوكب ،

فكانت الأرض الّتي اختارها مركزآ ومحورآ لكلّ هذه المجرّات والكواكب ، كما إنّ محور الأوّل ومركزه هو الانسان الكامل الّذي تجلّى فيه إسم الله الأعظم فكان مظهرآ ومرآة له في كل الخلائق ، وهو النبي الأعظم ، فانه أول ما خلق الله نوره وروحه ، وكان رحمة للعالمين ، وسرت الحقيقة المحمديّة في الخلق أجمعين ،

ومن بعده كان الانسان الكامل في كل عصر إمام العصر والزمان ، ويومنا هذا حتّى القيامة امام العصر والزمان هو الحجّة الثاني عشر من الأئمّة المعصومين :، فالملائكة والروح تتنزل بكل أمر حكيم في ليلة القدر على صاحب الزمان 7 الّذي هو الانسان الكامل ، أشرف خلق الله حتّى الملائكة المقرّبين .

ثم قبل إستحكام الأُمور في ليلة القدر، فإنّه من العقلانية والرحمانيّة كما هو المتعارف بين الناس في هندسة بناء مستحكم أن يخطط في التصور للبناء أوّلا، ثم يرسم ذلک ثانيآ، ثم ينفذ بعد إمضائه ونهايته ، وكذلک أمر الله وتدبيره في خلقه ،

فانه يقدّر (وكلّ شيء أنزلناه بقدر) وكان التقدير في ليلة التاسع عشر، ثم يرسم ذلک ويكتب في لوح المحو والإثبات ، وهو في ليلة الواحد والعشرين ، ثم يتم إمضائه وحكمه لمرحلة التنفيذ والاجراء وفي ليلة الثالث والعشرين في أُم الكتاب واللّوح المحفوظ .

ومن أحيا الليلتين الأوليتين ، فإنه بإمكانه أن يغيّر المقدرات الإلهيّة بإذن الله، فإذا كانت الصدقة تدفع البلاء المبرم ، كذلک الدعاء والعبادة في ليالي القدر، فانها ليالي المحو والإثبات ، إلّا إنّه في ليلة الثالث والعشرين يبقى الأمر كذلک حتّى مطلع الفجر، فيمكن للمؤمن والمؤمنة ان يُحرزا سلامتهما وسلامة من يلوذ بهما بالدعاء والمناجاة والعبادة ، سلام هي حتّى مطلع الفجر، وبعد ذلک يقضى الأمر.

وكانها تغلق الفايلات والملفّات ويعطى بيد الملائكة لتنزل حتّى يطّلع عليها ولي الله الأعظم في الخلق ، فيعلم في الجملة بما يجرى في الخلائق طيلة سنة ، وهذا من سُنّة الله وحكمته في خلقه .

فليلة القدر واحدة ، إلّا انّ تعدّدها لإخفائها، ولتنظيم المقدّرات بحكمة وتدبير ربّاني . وإنّ لله في خلقه شؤون ، وكلّ يوم هو في شأن .

س 2 ـ سماحة السيد ما هي نقاط الاشتراک والاختلاف في تحديد ليلة القدر بين مدرسة أهل البيت : والمدارس الأُخرى ؟

ج 2 ـ نقطة الاشتراک بين المدرستين (مدرسة الخلفاء) و(مدرسة أهل البيت “عليهم السلام”) إنّه في كل سنة لابدّ من وجود ليلة القدر، وإنّها عظيمة عند الله سبحانه وتعالى ، فانّها خير من ألف شهر، ولابدّ من أحيائها بالعبادة والدعاء، كما إنّ من نقطة الاشتراک انّها أُخفيت في العشر الأواخر من كلّ شهر رمضان ،

إنّما الاختلاف انّه في مدرسة أهل البيت : في ليلة الواحد والعشرين ، ومايليها، والتركيز الخاص على الثالث والعشرين ، ولكن عند غيرهم ، أما في ليلة السابع والعشرين كما هو المشهور عند الجمهور، كما هو المعروف في عصرنا هذا، أو ليلة الخامس والعشر من شهر شعبان .

وفي أحاديث أهل البيت : انّ النصف من شعبان إنّما هو ليلة قدر الأئمّة الأطهار : وليلة الثالث والعشرين ليلة قدر الله وقدر رسوله[1] .

س 3 ـ هل ليلة القدر التي أنزل فيها القرآن إنقضت بنزوله ؟ أو أنها تتكرر في كل سنة ؟ وما هي الأدلّة على ذلک ؟

ج 3 ـ لا شک ان ليلة القدر تتكرّر في كل سنة ، بل كانت منذ أن خلق الله السموات والأرض ، ومنذأن كانت عدّة الشهور عندالله اثنى عشر شهرآ، ومنها شهر رمضان ، وفي كلّ شهر رمضان يكون فيه ليلة القدر تتنزل الملائكة والروح من كلّ أمر على ولي الله الأعظم من آدم وإلى الخاتم من كان من الأنبياء والمرسلين ، وكان إمام زمانه :، فإنّ الإمامة تكون بفرد واحد في كل زمان ،

وان كان أمامان كالحسن والحسين 8 فأحدهما بالفعل والآخر بالقوّة والشأنية ، فيكون فعلا بفقد الإمام الأوّل ، وهذا بخلاف النبوّة فيمكن إجتماع أنبياء في مواطن عديدة ، وفي زمان واحد.

فكانت ليلة القدر منذ هبوط آدم وحواء على الأرض ، وإلى أن تقوم الساعة وتندثر الكواكب ، وهذا ما ورد في روايات عديدة معتبرة في مدرسة أهل البيت : ممّا يستدل بها على ذلک[2] .

س 4 ـ هل يكون الفضل الّذي ذُكر لليلة القدر شاملا ليومها أيضآ، أم أنه ينتهي بانتهاء هذه الليلة المباركة ؟ حبذا لو توضحون ذلک للمشاهد الكريم .

ج 4 ـ لما كان فضل الأيّام والليالي من الأُمور الغيبيّة ، ولا يعلم الغيب على نحو الاستقلال إلّا الله سبحانه وتعالى ، فإذا اقتضت حكمته أن يطلع عليه أحد من رسله فقد أطلعه ، وإن كان من صلاح الأُمّة أن يخبر عنه ، فيأمره بالأخبار وهذا كلّه من اللطف الإلهي ، واللطف كما جاء في تعريفه : كلّ ما يقرب العبد إلى الطاعة ويبعدّه من المعصية لاعلى حدّ الإلجاء، وبهذا القيد الأخير يخرج الجبر، إذ لا جبر ولا تعويض بل أمر بين الأمرين كما في مدرسة أهل البيت :.

وحينئذٍ إنّما نعرف فضل الليالي والأيّام وماشابه به ذلک بأخبارها الواردة من قبل رسل الله وأنبيائه وأوصيائهم المعصومين :، وأهل البيت أرى بما في البيت التكويني والتشريعي ، وإنّهم أخبروا بعظمة ليلة القدر وفضائلها ومكارمها وقالوا إنّ نهار القدر كليلته في الفضيلة والمنزلة ،

فلابدّ من رعاية حقوقهما أي حقوق القدر في ليلته ونهاره . كما أشار المحدّث الكبير الشيخ عباس القمي ؛ في مفاتيح الجنان إلى ذلک ، لما ورد في الروايات الشريفة الدالّة على ذلک .

س 5 ـ من الواضح سماحة السيد أنه يوجد إختلاف في حلول الليل والنهار في أقطار الكرة الأرضية ، كما أن كثيرآ ما يحصل الاختلاف في بداية الشهر القمري ، ومع ذلک فهل تكون ليلة القدر والبركات الّتي ذكرت لها مختصة بالليلة الّتي تكون في قطر دون آخر، أو تعم سائر الأقطار؟ حبذا لو توضحون لنا ذلک ؟

ج 5 ـ هنا بحوث عديدة ومن زوايا مختلفه ، فتارة من زواية علم الهيئة والفلک ، وأُخرى من زاوية العرفان ، وثالثة من زاوية الأحاديث الشريفة والآيات الكريمة ، وما جاء في التفسير والتأويل ، وبمقدار ما يتحمّله البرنامج أشير إلى بعض البحوث على نحو الإجمال والإشارة والتنبيه ، عسى أن يكون نقطة إنطلاقة لمن يريد أن يتعمق في هذا المجال .

فما أذكره هو على ضوء العقل والعلم الطبيعي والنقل : أي الآيات القرانية والأحاديث الشريفة في الدين الإسلامي الحنيف الأصيل ، وفي مدرسة أهل البيت :.

أمّا على ضوء العقل والعلم الفينزياوي الطبيعي ، فإنه يحكم بانه لابدّ لكلّ شيء ان ينطلق من النقطة ، وذلک لبساطتها ووحدتها، ثم تكون مركزآ لكلّ
الأشياء، فانّه بقاعدة الفرار من المركز لولا الارتباط بين المركز وغيره ، للزم أن تفرّ الأشياء، ممّا يوجب الانعدام والاصطدام ، أمّا المركز فهو قائم بنفسه ، وانه في الوجود البحت هو الله الحي القيوم الّذي يقوم به كلّ شيء، ثم فيما سواه، فانّه واحد، يمثلّه ويظهر في أسمائه وصفاته فيكون مظهرآ ومرآة له ، وهذا الواحد بحسب الدليل العقلي والبرهان النقلي، هو الانسان الكامل، الّذي خلقه الله سبحانه، ليتخلفه في الخلق، وفي مركز الخلق وهو الأرض (إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً)[3] .

ثم الانسان كان المظهر الأتم للإسم الأعظم، وهو اسم الجلالة (الله) الّذي يتطوى فيه كل الأسماء الإلهيّة والصفات الربوبيّة، ثم خلق الله الأشياء كلّها من أجله كما خلق الانسان من أجله سبحانه وتعالى كما ورد في الحديث القدسي «خلقت الأشياء من أجلک وخلقتک من أجلي » «عبدي أطعني حتّى أجعلک مَثلي، أقول للشيء كن فيكون، وتقول للشيء كن فيكون» فكان الانسان الكامل حينئذٍ محور الكون ومركزه، وكلّ فيض وإفاضة من الله سبحانه وتعالى إنّما يتمّ تقديره وتنفيذه من خلاله،

فهو واسطة الفيض من مقام الأحدية ومن مقام الواحدية، أي الفيض الأقدس والمقدّس ـ كما في العرفان ـ ولما كان لأهل الأرض سنة وإنّ لها بداية وأوّل السنة، لتمشي الأُمور على حساب الزّمن، ومنه: القرن والعقد والسنة والشهور واليوم والساعة والدقيقة والثواني واللحظات، وكذلک لأهل السماوات سنتهم في تشمية الأُمور في تبليغ رسالاتهم ومسؤولياتهم الّتي تتعلق بنظام الكون ومقدراته وأقضيته، وبداية سنتهم (ليلة القدر) كما ورد في الخبر الشريف:

ثم لمّا قدّر الله الأُمور وقضاها وأحكمها في أُم الكتاب، وما كتبه في لوح المحور الإثبات، فانه لابدّ عقلا ونقلا ان يطلّع عليها وليه الأعظم ومظهر إسمه الأعظم، وهو الانسان الكامل الّذي يعبر عنه بإمام الزمان في كل زمان ومكان، فالملائكة الموكّلون بتنزيل المقدّرات على هذا الولي الّذي إستقر في الأرض ، إذ أنّها اختارها الله من بين الكواكب الملياردية في مجرة التبانة، كما اختار التّبانته من بين المليارات من المجرّات .

فملائكة المقدّرات الكونية مع الروح الأعظم تتنزّل على وليّ الله الأعظم ، وهو في يومنا هذا وفي ليالي قدرنا هذه المباركة هو الإمام الثاني عشر الحجّة المهدي المنتظر من آل محمد: وعجّل الله فرجه الشريف، وشملنا الله رأفته ورحمته ودعائه وألطافه الخاصة آنآ بعد أن حتّى نلقى الله سبحانه وهو راض عنّا، ونكون في درجة أوليائنا وائمتنا الأطهار: في مقعد صدق عند مليک مقتدر.

ثم لهذا النزول الملائكي بهذه الضخامة والمسؤولية الكبرى بنزول الرّوح والملائكة ، بكلّ أمر حكيم ، وعلى وليّ الله الأعظم، لا شک أنّ لمثل هذا النزول العظيم بركات جسيمة وعظمى خارجة عن تصوّر البشر كمآ وكيفيآ، وإنّها مختصة بليلة واحدة وهي ليلة القدر الّتي هي خير من ألف شهر.

وحينئذٍ يطرح السؤال نفسه، مع إختلاف الأقطار والبلدان، بل إختلاف الكرة الأرضية في نصفها النهاري والنصف الآخر اللّيلي، لو أدرک شخص ليلة القدر في نصفها، ثم سافر في طائرة إلى النصف الآخر وأدرک ليلته، فهل أدرک ليلتين من القدر، أم هي ليلة واحدة ؟ ثم هل يأتي بإعمال ليلة القدر في البلد الثاني، أو الليلة الثانية ؟

والجواب : أوّلا: مع إختلاف الأفق أو وحدتها وإختلاف الليالي في بلدة واحدة، أو في بلدتين قريبتين فانه ورد في الخبر المعتبر، ماذا عليک أن تعمل أعمال ليلة القدر في الليلتين، فما أيسر ليلتين في ما يطلبه الانسان من ربّه في أدعيته ؟

بحارالأنوار[4] عن مجالس الشيخ بسنده عن القاسم بن محمد بن علي قال: كنت عند أبي عبدالله فقال له أبوبصير: ما الليلة الّتي يرجى فيها ما يرجى؟ قال : في احدى وعشرين وثلاث وعشرين قال : فإنّ لم أقو على كلتيهما، قال : ما أيسر ليلتين فيما تطلب .

قال: قلت : فربما رأيت الهلال عندنا وجاء من يخبرنا بخلاف ذلک في أرض أُخرى ؟ فقال : ما أيسر أربع ليال تطلبها فيها.

قلت : جعلت فداک ليلة ثلاث وعشرين ليلة الجُهني ؟ فقال : إنّ ذلک ليقال .

قلت : إن سليمان بن خالد روى في تسعة عشر يكتب وفد الحاج، فقال: يا أبامحمد يكتب وفد الحاج في ليلة القدر والمنايا والبلايا والأرزاق ، وما يكون إلى مثلها في قابل، فاطلبها في أحدى وثلاث ، وصل في كل واحدة منهما مأة ركعة، وأحيهما إن استطعت (إلى النور ـ أي إلى طلوع الفجر الصادق ـ واغتسل فيهما، قال: قلت: فإن لم أقدر على ذلک وأنا قائم؟ قال: فصلّ وأنت جالس، قلت: فإن لم استطع؟ قال: فعلى فراشک).قلت: فان لم أستطع ؟ قال: فلا عليک أن تكتحل أوّل الليل بشيء من النوم ، فإن أبواب السماء تفتّح في شهر رمضان، وتصفّد الشياطين، وتقبل أعمال المؤمنين، نعم الشهر ـ شهر رمضان ، كان يسمّى على عهد رسول الله 6 المرزوق .

أسأل الله لي ولكم ولجميع المؤمنين والمؤمنات أن يرزقنا في ليالي القدر في عامنا هذا وفي كلّ عام ، توفيق الطاعة وبُعد المعصية ، وخير الدنيا والآخرة ، وحسن العاقبة والعافية .

وثانيآ: من الثوابت عند العرفاء والعلماء الأعلام إنّ هذه الدنيا الّتي هي دار الطبيعة ودار المادة والصورة المسمّى ب (العالم الناسوتي) أي المنسوبة إلى النّاس وإلى الأجسام الطبيعية الّتي تتكوّن من مادة ، والمسمّاة في المصطلح الفلسفي بالهيولى ، ومن صورة ولها أبعاد ثلاثة : الطول والعرض والعمق ، وهذه الدنيا مسبوقة بعوالم أُخرى غيبية وملكوتية .

كعالم المثال الّذي هو (عالم الصور) دون المادة ، ومن قبله في القوس النّزولي (عالم العقل) المجرّد عن المادة والصورة ، ويمتاز العالم الناسوتي الطبيعي بالتكثّر والتعدّد الزماني والمكاني ، وأما العوالم الأُخرى ، فإنّها محكومة بالوحدة ،

فتعدّد الليالي وتكثرها باعتبار الكرة الأرضيته ومشارقها ومغاربها وباعتبار المنظومة الشمسية وحركتها إنّما في هذه الدنيا، وفي عالم الطبيعة والنّاسوت ، وإذا خرجنا عن هذا العالم ، كما لوكُنّا في عالم المثال وعالم العقل المجرد، فإنّ الليلة لكلّ الكرة الأرضية واختلاف الليالي بإختلاف البلدان في وحدة الآفاق أو أختلافها، إنّما هي ليلة واحدة ، وكذلک النّهار،

فانه في عالم المثال الصوري إنّما هو نهار واحد، وإن كان النهار يتكثّر في عالم الطبيعة بإعتبار إختلاف الكرة الأرضية ، واختلاف المشارق والمغارب فيها من جهة المكان . وباعتبار الحركة في المنظومة الشمسية بإعتبار الزمان .

فالتكثر إنّما هو عند الناس ، وأمّا عند الله وفي علمه ، فإنه بلحاظ الوحدة وبإعتبار الليلة الواحدة في عالم المثال وفي عالم العقل المجرد التي تضمّ الليالي المتكثرة .

فلليلة القدر عند الله الّتي عليها المدار في ترتب الآثار، إنّما هي ليلة واحدة ، لكلّ الناس الّذين على الكرة الأرضية مطلقآ، سواء أكانوا في نصفها النهاري أو نصفها اللّيلي ، وكذلک في كلّ البلاد سواء في شرقها أو غربها، أو جنوبها أو شمالها، ومع الدقة فيما طرحته يندفع الإشكال ، وإن ذكر الأعلام لدفعه وجوهآ أُخرى ، كما هو مذكور في محلّه ، فإن المقصود هو الاختصار، فتدبّر.

الهوامش

[1] ذكرت تفصيل ذلک في (في رحاب شهر شعبان المعظّم) فراجع .

[2] ذكرت تفصيل ذلک في رسالة (حلاوة الشهد في خصائص ليالي القدر) فراجع .

[3] البقرة : 30.

[4] البحار: :94 2 باب 53 الحديث 40.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign

Clicky