علم الأصول

أصول الفقه والصيرورة التاريخية .. دراسة في نشوء علم الأصول وتطوّره التاريخي / 1

الاجتهاد: المقدمة([1]): لم تظهر مسائل علم أصول الفقه ــ كغيرها من الظواهر ــ دفعةً واحدة، كما لم تبقَ على حالها، ويحتاج الجواب عن التساؤل حول زمان ظهور هذا العلم والتحوّلات التي طرأت عليه إلى بحث وتنقيب؛ وما سنذكره هنا ليس سوى محاولة للإجابة عن هذه الأسئلة. / بقلم: الدکتور أبو القاسم گُرجي* – ترجمة: منال عيسى باقر.

وممّا لا شكّ فيه أنّ الإطلالات التاريخيّة ــ التي جاءت إمّا على شكلٍ مستقلٍّ أو في بدايات الكتب الأصوليّة ــ مفيدة، لقد استطاعت إلى حدّ معين الإجابة عن التساؤلات السابقة بالنسبة لأهل السنّة وحتّى المذاهب الأخرى التي يعتبرها العلماء بائدة مثل المذهب الظاهري وغيره، ورغم هذا، ظلّت هذه الإطلالات عاجزةً عن رصد المذهب الشيعي الإمامي الذي يشكّل أتباعه أكبر نسبة سكّانيّة بعد أهل السنّة،

كما قدّم رجاله أعمالاً ومؤلفاتٍ علمية كثيرة للأمّة الإسلاميّة، مثل: النهاية، والمبسوط لشيخ الطائفة، والتذكرة، والمنتهى، والمختلف، والتحرير، والقواعد، والإرشاد للعلاّمة الحلّي، واللمعة، والدروس، والذكرى، والبيان للشهيد الأوّل، والمسالك، وشرح اللمعة للشهيد الثاني، وجامع المقاصد للمحقّق الكركي، وشرح الإرشاد للأردبيلي، والكفاية، والذخيرة للمحقّق السبزواري، ورياض المسائل للسيد علي الطباطبائي، والحدائق للبحراني، ومفتاح الكرامة للسيد جواد العاملي، والجواهر للشيخ محمد حسن النجفي، والمكاسب للشيخ الأنصاري، ومصباح الفقيه لرضا الهمداني، إضافةً إلى المئات من المؤلّفات الأخرى الهامّة في علم الفقه الإسلامي.

وهكذا الحال ــ أيضاً ــ في المصنّفات الأخرى من قبيل: الذريعة للسيد المرتضى، والعدّة للشيخ الطوسي، والتهذيب، والنهاية، والمبادئ للعلامّة الحلّي، والمعارج، والمناهج، والزبدة، والمعالم، والضوابط، والقوامع، والفصول، والقوانين، والرسائل، والكفاية، وغيرها من مئات الكتب الأصوليّة الفقهيّة المهمّة.

يعتقد الكاتب أن العالم المنصف ــ أيّاً كان مذهبه ــ لا ينكر حقيقة أنّ كتباً مثل الحدائق، والجواهر، والمكاسب، أو مثل القوانين، والفصول، والرسائل، والكفاية قلّما تتوفّر في المذاهب الأخرى من حيث السّعة والدقّة والتحقيق، لكن المؤسف أنّ معظم الكتّاب الشيعة لم يعيروا هذا العلم الاهتمام المطلوب، رغم ما كان لهم من مشاركةٍ في تدوين تاريخه ــ كما ذكرنا ــ إلاّ أنّها لم تكن تلك المشاركة المنشودة على صعيد تاريخ الفقه الشيعي.

ورغم ما بذلته من جهدٍ حثيث في ملامسة جوانب هذا الموضوع، إلا أنني أعتقد أنه ليس كافياً؛ لما يتطلّبه الدرس الأصولي من بحث مركّز في كلّ مسألةٍ من مسائله؛ كي تنجلي الحقب الزمنية التي ظهرت فيها مسائله، والتحوّلات التي طرأت عليها، وهو عمل عظيم ومهمّ بيد أنه يحتاج لوقت الطويل، لذا آمل أن يكون هذا البحث المختصر انطلاقةً لدراساتٍ أكثر عمقاً وسعة.

جولة تمهيدية في علم أصول الفقه

ولا بدّ ــ في البداية ــ من الاطلاع على بعض ما يتصل بالصيرورة التاريخية لعلم أصول الفقه، وذلك قبل الشروع في البحث الرئيس.

1 ــ ما هو علم أصول الفقه؟

عُرّف علم الأصول بتعاريف مختلفة، الهدف منها واضح والمقصود، بيد أنّ التعريف الجامع هو: معرفة القواعد الكلّية، بحيث إذا اجتمعت المصاديق والأفراد مع القواعد لتوصّلنا للحكم الفقهي الكلّي، الشامل بمفهومه للواقعي منه والظاهري، فمثلاً: دلالة الأمر على الوجوب قاعدةٌ أصوليّة معروفة، هذه القاعدة إذا عثرنا على مصداقٍ لها كالأمر بالنفقة على الزوجة والولد، ثم ضممنا هذا المصداق إليها، نستخرج الحكم الفقهي، فنقول: تعلّق الأمر بالنفقة على الزوجة والولد، وكلّ ما أمر به فهو واجب؛ لقاعدة دلالة الأمر على الوجوب؛ إذاً النفقة على الزوجة والولد واجبة.

2 ــ ما هو موضوع علم الأصول؟ وما هي فائدته؟ وماذا يُبحث في ثناياه؟

موضوع علم الأصول الأدلّة الأربعة نفسها، وهي: الكتاب، والسنّة، والإجماع، والعقل([2])، وهذا مشهور بين علماء هذا العلم، وعلى الأخصّ أولئك المتأخّرين منهم، وقد جعل هؤلاء العلماء هذه الأدلة ــ بما هي أدلة ــ موضوعاً لعلم أصول الفقه، بناءً عليه، فالكلام عن حجيّة هذه الأدلة ــ أي دليليّتها ــ لا يعتبر من مسائل الأصول بل من مبادئه([3])، وينسب هذا القول إلى صاحب القوانين([4])، وفي المقابل، جعل فريق آخر هذه الأدلّة موضوعاً لعلم الأصول بغض النظر عن كونها أدلّة، وعلى هذا فإنّ بحث دليليّتها سيغدو جزءاً من مسائل علم الأصول، ويتبنّى صاحب الفصول هذا الرأي([5]).

وقد أخذ الآخوند الخراساني ــ صاحب الكفاية ــ الإشكالات المطروحة على الرأي المشهور العقيدة بعين الاعتبار، فلم يرَ الأدلّة الأربعة موضوعاً لعلم الأصول، بل قال: إنّ موضوع علم الأصول عنوان كليّ، ينطبق على تمام موضوعات مسائل هذا العلم، بما فيها هذه الأدلّة الأربعة وغيرها، وبناءً عليه، سيدخل حتى مثل البحث في خبر الواحد ــ رغم عدم كونه من الأدلة الأربعة ــ ضمن موضوع علم الأصول ([6]).

ونتوصّل ــ مما أسلفناه ــ إلى أنّ مسائل علم الأصول ــ ولو بناءً على أحد الأقوال ــ هي التي تقع كبرى قياس الاستنباط، ومعنى ذلك أنّه لو ضُمّت إلى هذه الكبرى صغرى تناسبها، فإن الناتج عنها سوف يكون حكماً كليّاً فقهيّاً، مثل مسألة حجيّة الخبر الواحد أو عدم حجيّته، وكذلك الاستصحاب والقياس.

وبذلك تكون فائدة علم الأصول قد اتضحت أيضاً، ألا وهي الحصول على قدرة الاستنباط وملكته.

3 ــ بماذا تمتاز العلوم؟

وتبقى مسألة مهمّة لا بدّ من طرحها هنا، وهي: بماذا تمتاز العلوم عن بعضها بعضاً؟ هل بموضوعاتها أم بأغراضها أم بأمور أخرى؟

يرى صاحب الكفاية أنّ تمايز العلوم إنّما يكون باختلاف أغراضها، الأمر الذي يستوجب تدوينها، وقد رتّب الخراساني على مقولته هذه نتيجةً مفادها، أنّه من الممكن حساب مسألتين ــ أو أكثر ــ جزءاً من مسائل علمين معاً، ذلك أنّه من الممكن أن يكون لهاتين المسألتين غرضين متعددتين، كلّ واحد منهما برّر لنا حساب المسألة عينها في علم معين([7])،

فمثلاً: مسألة جواز اجتماع الأمر والنهي أو عدمه من مسائل علم الأصول التي يُقصد بطرحها صحّة العمل المرتبط بهذين العنوانين أو عدمه، فقد تندرج هذه المسألة ضمن مسائل علم الكلام، باعتباره يبحث عن أحوال المبدأ والمعاد، وعمّا يصح صدوره أو يمتنع عن المبدأ الأعلى، أو يجوز إسناده إليه أو لا، ومسألة اجتماع الأمر والنهي من هذا القبيل، ذلك أنّنا نركّز فيها على الجواب عن السؤال التالي: هل يجوز ــ عقلاً ــ أن يأمر المولى بعملٍ ما من جهةٍ من الجهات، ثم ينهى عنه في الوقت عينه من جهةٍ أخرى أم أنّ ذلك غير ممكن؟

وبعد هذه المقدّمة، نكون قد وصلنا إلى صلب الموضوع الذي يتمحور بحثنا حوله، ونقسم الكلام إلى فصلين، هما:

الأوّل: تكوّن علم أصول الفقه، ومكانته بين العلوم الأخرى.

الثاني: التطوّرات التاريخيّة والمنعطفات الأساسيّة التي شهدها هذا العلم على مدار التاريخ.

مكانة أصول الفقه بين العلوم

لاشكّ أنّ استخدام علم الأصول والإفادة منه لعلم الفقه نفسه، إنّما بدأ منذ رحيل الرسول الأكرم “صلى الله عليه وآله وسلم”، وقد تنامى هذا العلم ــ تدريجيّاً ــ عندما تضاعفت المسائل الابتلائيّة، خاصّة بعد البُعد عن عصر الرسالة، وبالأخص بعدما بدأت الغيبة الكبرى (329هـ) بالنسبة إلى الفقه الشيعي؛ إذ بدأت ــ آنذاك ــ مرحلة جديدة من التوظيف الشيعي لهذا العلم.

ولأنّ الحاجة إلى الاجتهاد واستنباط القواعد الأصوليّة لم تكن ضروريّةً في عصر النص؛ حيث كان الوصول إلى الرسول الأكرم “صلى الله عليه وآله وسلم” أمراً يسيراً، والأمر كذلك حتّى عصر الأئمّة (عليهم السلام)؛ حيث كان قولهم وفعلهم وتقريرهم حجّة؛ لهذا، لم يكن تأخّر الحاجة لاستخدام المسائل الأصولية لاستنباط الأحكام الفرعيّة دليلاً على تأخّر ظور المسائل عينها عن مجيء الإسلام أو عن أي أمرٍ آخر، بل لعلّها كانت أقدم ظهوراً من ظهور الإسلام نفسه، حتّى أنّ قسماً منها كان ــ بالفعل ــ أقدم من ذلك بكثير.

ولكي نزيد الفكرة تجليةً، نؤكّد على أنّ مسائل علم الأصول لا تخرج عن الأنواع التالية:

1 ــ مبادئ علم الأصول اللغويّة: مثل الوضع وأقسامه، والحقيقة والمجاز، والمنقول، والمشترك، وعلائم الحقيقة، واستعمال اللفظ في أكثر من معنى.

ولا يُعدّ هذا النوع من المسائل الأساسية لعلم الأصول، بل هو من المسائل الأدبيّة واللغوية، وليس طرحها في هذا العلم إلا لكون فهم بعض الموضوعات أو المحمولات أو النسب الأصولية متوقّفاً عليها، بناءً عليه، لا يجب أن تعتبر مثل هذه الموضوعات من كيان أصول الفقه أو أن تأخذ حيّزاً من تاريخه والتحوّلات التي طرأت عليه.

2 ــ مباحث الألفاظ: مثل مدلول الأمر، ومدلول النهي، ومدلول الجمل الخبريّة، والفور والتراخي، والمرّة والتكرار، والتوصّلي والتعبدي، ووقوع الأمر عقيب الحظر، ومدلول الألفاظ العامّة، واسم الجنس، والمجمل والمبيّن.

وتعتبر هذه المباحث من مسائل علم الأصول، إلاّ أنه كان قد أخذها من اللغة والأدب، وأحياناً من العرف والعقل، ونستنتج من هذا أن تاريخ هذه المباحث يجب أن يدرس ــ غالباً ــ في تاريخ العلوم الإنسانيّة واللغوية والأدبيّة وغيرها، ممّا يؤكّد أن تاريخها ــ أي هذه المسائل ــ أقدم من الإسلام.

3 ــ مباحث الاستلزامات العقليّة غير المستقلّة: مثل وجوب المقدّمة، ومبحث الضدّين، واجتماع الأمر والنهي، ودلالة النهي على الفساد. ولا بدّ أن يَلحق بحث المفاهيم بهذه المجموعة أيضاً.

يتركّب هذا النوع من المباحث الاصولية من اللفظ والحكم العقلي، وما يهمّ علم الأصول منه تلك الناحية العقليّة لا البُعد اللفظيّ، مثلاً: هل هناك ملازمة عقليّة بين وجوب الشيء ووجوب مقدّمته أم لا؟ وهل أنّ وجوب الشيء ملازمٌ ــ عقلاً ــ لحرمة ضدّه أم لا؟ وهل اجتماع الأمر والنهي في شيء واحد ــ مع تعدّد الجهات ــ مصداق لاجتماع الضدين أم لا؟ وهكذا… ويتبيّن ممّا تقدّم أن تاريخ هذه المسائل يرتبط بتاريخ الدراسات العقلية، وهي أقدم من الإسلام بكثير.

نعم، فيما يتعلّق ببحث المفاهيم ــ وهو مركّب من اللفظ والعقل ــ يهتمّ علم الأصول بالجانب اللفظيّة لا العقليّ منه، مثلاً يبحث علم الأصول في باب مفهوم الشرط: هل تدل الجملة الشرطيّة على علّية الشرط للجزاء علّيةً منحصرة، حتى نستفيد منها مفهوماً، على طبق القاعدة العقليّة القاضية بأنّ انتفاء العلّة المنحصرة مستلزم لانتفاء معلولها، أم أنّه ليس للجملة الشرطيّة مثل هذه الدلالة، حتّى نستفيد منها ما ذكرناه، وعلى كلّ حال، فالجانب اللفظيّ من هذه الموضوعات مرتبطٌ بالعلوم اللغوية والآداب، وهي علوم يعود تاريخها إلى ما قبل الإسلام.

4 ــ مباحث الاستلزامات العقليّات المستقلّة: مثل التحسين والتقبيح العقليين، والملازمة بين حكم العقل والشرع، والأصول العقليّة؛ ومن الواضح أن تاريخ هذا النوع من المسائل يعود إلى ما قبل الإسلام.

5 ــ المسائل العقلائيّة: مثل حجيّة الظهور، وحجيّة خبر الثقة، وهذا النوع من الموضوعات يتبع التاريخ العقلائي، أي أنّ البناء العقلائي ــ من قديم الأيام ــ قائمٌ على طبقها دون أن يردع الشارع المقدّس عنها، بل لقد أمضاها في بعض الأحيان على نحو الخصوص، مما يدلّ على أن الشارع لا حكم تأسيسيّ له هنا، حتى يتعلّق تاريخه بالإسلام.

6 ــ المباحث الشرعية: وقد يُعبّر عنها بالأدلّة السمعيّة، مثل أصل البراءة الشرعيّة، وأصل الاحتياط الشرعي، والاستصحاب.

ويمكننا القول: إن هذا النوع من المسائل الأصولية يعود تاريخ ظهوره إلى ظهور الإسلام، ولا يُستبعد هنا أن يأتي حكم الشرع إرشاداً لحكم العقل أو إمضاءً للأحكام العقلائيّة التي يعود تاريخ ظهورها إلى ما قبل الإسلام.

7 ــ تعارض الأدلّة، أو التعادل والتراجيح: وأصول مباحث هذا الباب عقليّة أو عقلائيّة مثل: أصل تساقط المتعارضين، ومبدأ الجمع العرفي في الموارد التي يمكن فيها جمع المتعارضين جمعاً عُرفيّاً، وقلّما نواجه غير هذا النوع من المسائل مثل الرجوع إلى المرجّحات المنصوصة، وفي هذه الحالة، سيكون لهذا النوع من الموضوعات الأصولية جذوراً أقدم من الإسلام.

8 ــ مباحث الاجتهاد والتقليد: وغالباً ما تطرح في كتب الأصول، لكنّها فرعيّة ــ في واقعها ــ موضوعات فقهيّة فرعية، لا ترتبط بعلم الأصول ارتباطاً حقيقياً.

يتبيّن ممّا تقدم أنّ علم الأصول علم التقاطيٌ، فقد اقتبس مسائله من العلوم الأخرى، لكن ذلك لا يضرّ باستقلاليّته، بل يجعله كشكولاً، ذلك أنّ تمايز العلوم ــ كما ألمحنا ــ إنما يكون بتمايز الأغراض لا المسائل، وعليه فمن الممكن أن يشترك علمان في بعض المسائل، غايته أن يُدوّن علمان تُبحث المسائل في أحدهما باعتبار أحد الأغراض فيما تُبحث المسائل عينها في العلم الآخر باعتبار غرض آخر، ومسائل علم الأصول غالبها من هذا النوع؛ إذ الكثير منها ممّا يترتب عليه أغراض متعدّدة يدوّن علمٌ على حدةٍ بها باعتبار أحد أغراضها أو يمكن على الأقل أن يدوّن، فيما يدوّن علم آخر بها باعتبار غرضٍ آخر، وإذا ما استعرضت هذه المسائل في أصول الفقه فإنّما يكون ذلك لوقوعها كبرى قياس الاستنباط.

ونذكّر ــ في خاتمة هذا الفصل من الدراسة ــ بأن علم أصول الفقه يشبه علم المنطق في أنّه علم آليّ، ونسبته إلى علم الفقه كنسبة المنطق إلى العلوم العقليّة.

تحوّلات علم الأصول على مدار التاريخ

ثمّة مراحل عدّة يمكن أن تتصوّر لعلم الأصول على مدار التاريخ، حيث لكلّ مرحلة مزاياها الخاصة بها والتي أثرت تأثيراً فاعلاً في تاريخ تحوّلات هذا العلم، وتتوزّع هذه المراحل بين أهل السنّة والشيعة، فقد اختصّ بعضها بأهل السنّة، وبعضها بالشيعة، كما يشتركان ــ معاً ــ في بعضها الآخر.

المرحلة الأولى: عصر التـأسيس والتكوّن

1 ــ يعتقد الأستاذ محمد أبو زهرة أن الإمام الشافعي هو الذي وضع علم الأصول، حيث يقول في كتاب mمحاضرات في أصول الفقه الجعفريn: mوالجمهور من الفقهاء يقرّون بأسبقيّته بوضع علم الأصولn([8])، وقد أضاف على ذلك في كتاب mالشافعيn ــ بعدما ذكر الكلام المتقدّم ــ أن الفخر الرازي قال: mاعلم أنّ نسبة الشافعي إلى علم الأصول كنسبة أرسطو إلى علم المنطق، وكنسبة الخليل بن أحمد إلى علم العروضn ([9]).

وأعتقد أنّه إذا كان المقصود من وضع علم الأصول تأسيسه واختراعه، فلا شكّ في عدم صحّة نسبة ذلك إلى الشافعي ولا إلى أيّ شخصٍ آخر؛ إذ قد عُلم أنّ لعلم الأصول أنواعاً متعدّدة من المسائل، ترتبط باللغة، والأدب، والعلوم العقليّة، والبناء العقلائي، وبالشارع سبحانه أيضاً، وفي هذه الحالة، لا بدّ من أن ترجع نسبة تأسيس هذا العلم واختراعه إلى أصحاب تلك العلوم لا إلى أيّ شخص آخر، فكيف يقال: إنّ الشافعي هو الذي أسّس هذه المسائل وبناها من دلالة الأمر على الوجوب، والنهي على الحرمّة، وحكم العقل في حُسن الأفعال وقبحها، والعمل في خبر الثقة، وحجيّة الاستصحاب؟! وعلى المنوال عينه نسبة وضع علم المنطق لأرسطو.

أمّا إذا كان المقصود من وضع علم الأصول إظهاره وتوضيحه أو استخدام قواعده في استنباط الأحكام، فإن نسبة ذلك إلى الشافعي تغدو صحيحةً شريطة حصرها ببعض موضوعات هذا العلم لا بالعلم كلّه، ومن الجليّ انفتاح باب الاجتهاد والتمسّك بالقواعد الأصوليّة لاستنباط الأحكام على مصراعيّة منذ صدر الإسلام وخاصّة بعد وفاة الرسول “صلى الله عليه وآله وسلم”، وقد كان الصحابة والتابعون والفقهاء يستندون ــ ولو بشكل ارتكازي عفوي ــ على هذه القواعد في الاستنباط، فقد حصل أن حُمل ــ هنا أو هناك ــ الأمرُ على الوجوب، والنهي على الحرمة، كما خُصّص العام، وقيّد المطلق، وتمّ العمل بظواهر الألفاظ، واستند ــ أيضاً ــ إلى خبر الثقة وإلى الإجماع.. أو ليس هذا كلّه اجتهاداً وتمسّكاً بالقواعد الأصوليّة؟!

هل يمكننا القول: إن الصحابة والتابعين والفقهاء ــ أمثال ابن عبّاس، وابن مسعود، والشعبي، وابن سيرين، وابن أبي ليلى، وأبي حنيفة، ومحمّد بن الحسن وآخرين غيرهم ممن عاشوا قبل الشافعي ــ لم يجتهدوا؟! أو لم يكونوا مطّلعين على المسائل الأصوليّة، من قبيل التمسّك بظاهر الكتاب والسنّة، والعمل بالرأي، وإجماع الصحابة، والمصالح المرسلة، والقياس، بل ومستخدمين لها في عملية استنباط الأحكام؟ أم أنّهم لم يستندوا عليها رغم علمهم بها؟! وإلا فكيف أُطلق على كلّ واحد منهم لقب mالفقيهn إذا لم يقوموا بذلك؟ وكيف كان أبو حنيفة صاحب الرأي والقياس؟

نعم، كان الاجتهاد ــ في البداية ــ بسيطاً وسهلاً؛ وذلك نتيجة قلّة المسائل الابتلائيّة وبساطتها، وكذا لسهولة الوصول إلى الرسول “صلى الله عليه وآله وسلم” والصحابة، ومعرفة المقصود من الآيات والسنّة؛ نظراً لاطلاعهم على شأن النزول وسائر الشواهد والقرائن، وذلك على خلاف الأزمنة المتأخّرة؛ حيث تعقّدت المسائل وابتعد عصر النزول وصدور النص، وخفيّت القرائن والشواهد.. ممّا زاد في صعوبة الاجتهاد،ونحن لا نرتاب في أنّ الاجتهاد في عصر الشافعي كان أكثر تعقيداً ممّا سبقه.

والجدير ذكره هنا، أن بعض الآيات الشريفة وروايات أهل السنّة والشيعة تدلّ على ثبوت الاجتهاد زمن الرسول “صلى الله عليه وآله وسلم”، أو تدلّ على حجيّة الفتوى مطلقاً، أو على استناد الأئمّة إلى ظاهر الكتاب والسنّة، كما وعلى وجود بعض المصطلحات الأصوليّة في عهد الصحابة، وأشير إليها:

أ ــ قال الله تعالى في القرآن الكريم: >فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ< التوبة: 122؛ تدلّ هذه الآية الشريفة على الوجوب الكفائي للتفقّه، وهل للتفقّه في الدين معنى آخر غير طلب الشريعة ومعرفة أحكامها والتخصّص فيها؟([10]) ألا يعني هذا إمكان استخدام القواعد الأصوليّة ولو على مستوى بسيط؟

ب ــ نُقل عن الرسول “صلى الله عليه وآله وسلم” ــ عندما أرسل معاذ بن جبل إلى اليمن ــ أنه قال له: mبمَ تحكم؟ قال: بكتاب الله، قال: فإن لم تجد؟ قال: بسنّة رسول الله “صلى الله عليه وآله وسلم”، قال: فإن لم تجد، قال: أجتهد رأيي  ([11])، كما نقل عن رسول الله “صلى الله عليه وآله وسلم” أنّه قال لابن مسعود: mإقض بالكتاب والسنّة إذا وجدتهما، فإن لم تجد الحكم فيهما اجتهد رأيك ([12]).

وقد ورد الكثير من روايات أهل السنّة مما جاء فيه مدح للعمل بالرأي والاجتهاد، فيما وردت نصوص أخرى في ذمهما،ويستفاد من مجموعها أنّ العمل بالاجتهاد كان متداولاً في زمن الصحابة، بل حتّى في عهد الرسول “صلى الله عليه وآله وسلم” أيضاً، ومن الواضح أنّه لا يمكن العمل بالرأي والاجتهاد دون الاستناد إلى القواعد الأصوليّة، مهما كان هذا الاستناد بسيطاً.

ج ــ وردت روايات كثيرة من طرق الشيعة تتعلّق بحجيّة الفتوى([13])، وعدم جواز العمل بالقياس والرأي، منها رواية عن الإمام الصادق”عليه السلام” قال فيها لأبان بن تغلب:إجلس في المدينة، وأفتِ الناس، فإنّي أحبّ أن أرى في شيعتي مثلكn ([14])، وفي رواية أخرى يقول الإمام الصادق “عليه السلام” لمعاذ بن مسلم النحوي: mبلغني أنّك تقعد في الجامع تفتي الناس، قلت: نعم، وأردت أن أسألك عن ذلك، حتّى قال: إصنع ذلك؛ فإني كذا أصنعn ([15]).

ويدلّ إطلاق هذه الروايات بل صريحها على العمل بالاجتهاد في ذلك الزمان.

د ــ وتدلّ بعض الروايات الأخرى على أنّ الأئمة أنفسهم كانوا يستندون إلى ظاهر الكتاب والسنّة، وهذه رواية من رواياتٍ صحيحة أخرى وردت عن زُرارة، تقول: سأل الإمام أبي جعفر %: ألا تخبرني من أين علمت وقلت: إنّ المسح ببعض الرأس وبعض الرجلين؟ فضحك، وقال: يا زرارة! قاله رسول الله “صلى الله عليه وآله وسلم” ونزل به الكتاب من الله ــ عزّوجلّ ــ لأنّ الله ــ عزّوجلّ ــ قال: فاغسلوا وجوهكم، فعرفنا أن الوجه كلّه ينبغي أن يُغسل،

ثم قال: وأيديكم إلى المرافق، فوصل اليدين إلى المرفقين بالوجه، فعرفنا أنّه ينبغي أن يُغسلا على المرفقين، ثمّ فصل بين الكلام فقال: وامسحوا برؤوسكم، فعرفنا حين قال: برؤوسكم أنّ المسح ببعض الرأس لمكان الباء، ثمّ وصل الرجلين بالرأس كما وصل اليدين بالوجه، فقال: وأرجلكم إلى الكعبين، فعرفنا ــ حين وصلها بالرأس ــ أنّ المسح على بعضها، ثمّ فسّر ذلك رسول الله “صلى الله عليه وآله وسلم” للناس فضيّعوه([16]).

هـ ــ وقد وردت بعض المصطلحات الأصوليّة في بعض الروايات، مثل الناسخ والمنسوخ، والعام والخاص([17]).

ح ــ ويمكن الاستدلال ــ أيضاً ــ بإطلاق الآيات والروايات الدالّة على حجيّة خبر الواحد، وأصل البراءة، والاستصحاب وغيره، وهي تثبت إمكانيّة استخدام جملة من القواعد الأصوليّة في استنباط الأحكام([18]).

يدلّ ما تقدّم من الروايات والأحاديث على استعمال الاجتهاد واستخدام القواعد الأصولية ــ بشكل بسيط وسطحي ــ منذ صدر الإسلام.

أمّا إذا كان مقصود الأستاذ أبي زهرة وآخرين غيره من كلمات من قبيل “وضع” هو تدوين علم الأصول، ممّا يعني أنّ الشافعي كان أوّل من دوّن كتاباً في هذا العلم، فالمرحلة الثانية من تحوّل علم الأصول كفيلة بإيضاح هذا.

يعتقد السيد حسن الصدر أنّ الإمامين الباقر والصادق “عليهما السلام” هما من أسّس علم الأصول، قال في كتاب تأسيس الشيعة: أوّل من أسّس علم الأصول وفتح بابه وفتق مسائله، الإمام جعفر “عليه السلام” ثمّ بعده ابنه الإمام أبو عبدالله الصادق “عليه السلام”، أمليا على أصحابهما قواعده.. ([19])، لكن هذا الكلام لا يخلو من نقاش وبحث؛ من ناحية تعبيره بكلمة “تأسيس”، تماماً كما كنا نتحفظ على تعبير أبي زهرة.

المرحلة الثانية: عصر انطلاق التدوين الأصولي

تنقسم هذه المرحلة ــ بدورها ــ إلى مراحل متعدّدة، باعتبارات عدة كالنقص والكمال، والخلط بسائر العلوم وعدمه.

لم تكن مسائل علم الأصول مستقلّةً في الماضي، بل كانت تأتي في سياق المسائل الفقهية، إلاّ أنّها في هذه المرحلة قد بدأت ــ فعلاً ــ بأخذ استقلالها، يقول ابن خلدون في مقدّمة تاريخه: mكان أوّل من كتب فيه (في علم الأصول) الشافعي ــ رضي الله عنه ــ أملي فيه رسالته المشهورة، تكلّم فيها في الأوامر والنواهي و.. ([20]).

وكنا أشرنا إلى أن السيد حسن الصدر يعتقد أن الصادقين ‘ هما مؤسّسا علم الأصول، وأنّ بعض ما أملياه في هذا الشأن قد دُوّن فيما بعد ضمن مصنفات عدّة من بينها:

1 ــ أصول آل الرسول للسيد شريف الموسوي هاشم بن زين العابدين الخوانساري الإصفهاني. 2 ــ الأصول الأصليّة للسيد العلامة المحدّث عبدالله شبّر. 3 ــ الفصول المهمّة للشيخ المحدّث محمد بن الحسن بن علي بن الحرّ العاملي المشغري، صاحب كتاب وسائل الشيعة.

ويضيف الصدر، قائلاً: وبناءً عليه، فما ذكره جلال الدين السيوطي في كتاب الأوائل من أنّ أوّل من صنّف في أصول الفقه الشافعيّ بالإجماع، إذا كان مقصوده منه تأسيس علم الأصول فهو غير صحيح، وإذا قصد منه التصنيف المتعارف في هذا العلم فهو أيضاً غير سليم، ذلك أنّ أوّل من صنّف في علم الأصول كان هشام بن الحكم شيخ المتكلمين الإماميّة؛ حيث ألّف كتابه الألفاظ ومباحثها، وقام بعده يونس بن عبدالرحمن بتأليف كتاب اختلاف الحديث، الذي يروي مبحث التعادل والتراجيح عن الإمام موسى بن جعفر، والشافعي متأخّر عنهما ([21]).

وقد انتقد أبو زهرة كلام السيد حسن الصدر في مقدّمة أصول الفقه الجعفري حيث قال: “صحيح أن الإمامين الباقر والصادق “عليهما السلام” أمليا مسائل علم الأصول على أصحابهما، إلاّ أنّ هذا ليس بتصنيف، بل الشافعي هو من صنّف هذا العلم، ومن جهةٍ ثانية، صحيح أنّ هشام بن الحكم ويونس بن الرحمن قد صنّفا كتابهما قبل الشافعي ولكن أوّلاً: هذه المؤلّفات مشتركة بين علم الأصول والعلوم الأخرى. ثانياً: تختصّ بمسألة واحدة من مسائل علم الأصول، في المقابل أعاد الشافعي ترتيب جميع مسائل هذا العلم ([22]).

وأعتقد أنّ الشافعي لم يؤسّس علم الأصول، ولم يدوّن فيه مصنّفاً كاملاً كما يعتقد أبو زهرة([23])، إنّما تلقّى ما أتى به الآخرون، مضيفاً إليه من عنده ومحقّقاً فيه؛ تبعاً لطاقاته الخلاّقة، وهو أمرٌ يعبر ــ في حدّ نفسه ــ عن كمالٍ في الشافعي لا نتوقّعه إلاّ من أمثاله.

إضافةً إلى ذلك، يُعدّ كتاب الشافعي واحداً من أماليه لا من تأليفاته([24])، كما هو الحال في كتب الأمالي التي ذكرها السيد حسن الصدر عن الإمامين الصادقين”عليهما السلام”، وما أكثر ما تدلّنا نصوص هذا الكتاب التي ورد فيها جملة: قال الشافعي على صواب ادعائنا هذا.

والجدير ذكره أنّ رسالة الشافعي لم تتعرّض لجملة من المسائل الأصوليّة كما شاع فيما بعد، إنّما تناولها ضمن قوالب الكتاب والسنّة، وهذه العناوين هي: باب ما نزل من الكتاب عاماً يراد به العام ويدخله الخصوص ([25])، وباب ما أنزل من الكتاب عام الظاهر وهو يجمع العام والخاص ([26])، وباب بيان ما نزل من الكتاب عام الظاهر يراد به كلّه الخاص ([27])، ومقارنة ذلك بما جاء في كتب المتأخّرين يوضح هذه الحقيقة جيداً، ومسائل علم الأصول الواردة في هذا الكتاب لا تغلب على مسائل العلوم الأخرى حتّى يصحّ جعله كتاباً في علم أصول الفقه.

وقد وجدنا في هذا الكتاب العناوين التالية: باب فرض الله طاعة رسوله مقرونة بطاعة الله ومذكورة وحدها ([28])، وباب ما أمر الله من طاعة رسوله([29])، وباب ما أبان الله لخلقه من فرضه على رسوله اتّباع ما أوحي إليه، وما شهد له به من اتباع ما أمر به ومن هداه، وأنّه هاد لمن اتبع([30])، وباب فرض الصلاة الذي دلّ الكتاب ثم السنّة على من تزول عنه بالعذر وعلى من لا تكتب صلاته بالمعصية ([31])، وباب الفرائض التي أنزلها الله نصّاً ([32])، والفرائض المنصوصة التي سنّ رسول الله “صلى الله عليه وآله وسلم” معها ([33])، وجمل الفرائض ([34])، وفي الزكاة ([35])، و في الحج ([36])،وفي العدد ([37])، وفي المحرّمات النساء([38])، وفي محرّمات الطعام ([39])، إضافةً إلى عناوين أخرى من هذا القبيل.

إن تسمية هذا الكتاب بأصول الفقه ــ مع الأخذ بعين الاعتبار حجمه ــ ليست تسميةً حقيقيّة، لكن قراءة هذا الكتاب على كلّ حال ــ إضافةً إلى بقيّة مؤلّفاته ــ تدلّ على عظمة الشافعي العلميّة.

وممّا يجدر ذكره هنا، أنّ علماء الشيعة كانوا قد دوّنوا بعض مسائل علم الأصول قبل أهل السنة، لكن لا لأنهم أرادوا الاستفادة منها في استنباط الأحكام، بل من أجل الدفاع عن عقائدهم أمام أهل السنّة، ولهذا سعوا في تصنيف مسائل من قبيل “اختلاف الحديثين” وإبطال القياس، لما لديهم من آراء خاصة تقابل آراء أهل السنة،

ورغم تأخّر أهل السنّة في التدوين إلاّ أنهم سبقوا الشيعة في فكرة بلورة هذا العلم وتكميله، حتّى يستفيدوا في استنباط الأحكام وذلك:

أوّلاً: لأنّهم فقدوا السنّة النبويّة ــ وهي أحد أهم مصادر الأحكام ــ قبل الشيعة؛ لاعتقادهم بنهاية عصر النص بوفاة النبي “صلى الله عليه وآله وسلم”.

ثانياً: وما وصلهم من الروايات الصحيحة من النبي “صلى الله عليه وآله وسلم” لم يكن كافياً بالنسبة إليهم لسدّ حاجاتهم الدينيّة.

ومن هذا المنطلق، طُرحت ــ بدايةً ــ مسألة الرأي والإجماع، ولجأ الفكر السنّي ــ بعد ذلك ــ إلى مسائل من قبيل القياس وفتاوى أهل المدينة والمصالح المرسلة والاستحسان؛ لسدّ الفراغ الموجود، فألّفوا ــ تدريجياً ــ كتباً في هذا المجال.

ميّزات المرحلة الثانية

امتازت هذه المرحلة بـ:

1 ــ أحرزت مسائل علم الأصول استقلاليّتها في هذه المرحلة بعد أن كانت ملازمةً لمسائل الفقه التي كانت تُطرح في سياقها قبل مرحلة التدوين.

2 ــ قطع علم الأصول مراحله الإبتدائية، في الوقت الذي لم تُطرح فيه مسائل الفقه بتعقيداتها وصعوباتها، لذا امتاز بنوعٍ خاص من البساطة، فلم يدخل في التعقيدات والتدقيقات التي عرفتها العصور المتأخّرة.

3 ــ صحيح أنّ الأبحاث الكلاميّة كانت قد بدأت في العصر الأموي وتألّقت في العصر العبّاسي، إلاّ أنّ المعارك الكلاميّة لم تشتدّ كما في القرن الثالث وما بعد، إضافةً إلى رفض أئمة المذاهب ــ قدر طاقاتهم ــ دخولَها علمَ الأصول، حتّى أنّهم منعوا أتباعهم أيضاً من ذلك؛ لهذا، لم تدخل المسائل الكلاميّة والمباحث المنطقيّة ــ التي تعدّ من ضرورات الأبحاث الكلاميّة ــ علم أصول الفقه.

المرحلة الثالثة: حقبة الاندماج

وهي مرحلة اندماج علم الأصول بعلم الكلام، وقد اختصّ بها أهل السنّة، فقد انخرط متكلّمو السنّة ــ وخاصّة المعتزلة منهم، وكانوا أهل بحث وجدل ــ في نطاق الدرس الأصولي، فحرفوا ــ إلى حدّ كبير ــ هذا العلم عن مسيره الرئيس، وهو استنتاج الأحكام الفرعيّة، فصيّروا المسائل الأصوليّة كليّةً مجرّدة عن مسائلها الفرعيّة.

وفي الحقيقة، لا بدّ أن نعتبر ــ مع الأخذ بعين الاعتبار غرض تدوين علم الأصول ــ أنّ الكتب الأصوليّة كانت مجموعةً من العلوم اللغويّة والأدبيّة والكلاميّة، وحتّى المنطقيّة أحياناً وإلى ما هنالك.

وقد كانت مصنّفات هذه المرحلة ــ غالباً ــ من نتاج المتكلّمين، سيّما المعتزلة منهم، وحيث سدّ أهل السنة باب الاجتهاد في القرن الرابع الهجري لم يشهد أصول الفقه عندهم سوى استمراراً لهذه المرحلة، دون أن تحدث فيه تحوّلات جذريّة أو مميّزة، وذلك باستثناء ــ كما تقدّم ــ بعض المسائل المنطقية التي أخذت تنفذ تدريجيّاً إليه، كما لاحظنا انشغال المتأخّرين بكتابة شروح وتعليقات وتوضيحات على مصنّفات المتقدّمين، دون أن ينصرفوا إلى كتابة تصانيف مستقلّة.

ونشير هنا إلى بعض أهمّ المصادر الأصوليّة السنّية بمذاهبهم المختلفة، سواء في هذه المرحلة وما بعدها، ذاكرين تاريخ الوفاة.

1 ــ الآراء الأصوليّة، لأبي علي محمد بن عبدالوهّاب بن سلام الجبائي (303هـ).

2 ــ الآراء الأصوليّة، لأبي هاشم عبدالسلام بن محمد بن عبدالوهّاب الجبائي (321هـ) ([40]).

3 ــ الأصول، لأبي الحسن عبيد الله بن الحسن الكرخي (340هـ) ([41]).

4 ــ أصول الفقه، لأبي بكر أحمد بن علي الرازي الجصّاص (370هـ).

5 ــ العمد، تأليف القاضي عبدالجبّار بن أحمد المعتزلي الأسدآبادي (415هـ).

6 ــ المغني، للمؤلّف نفسه.

7 ــ التحصيل، لأبي منصور عبدالقاهر بن طاهر التميمي الأسفراييني (429هـ).

8 ــ تقويم الأدلّة، لأبي زيد عبدالله بن عمر الدبوسي القاضي الحنفي (430هـ).

9 ــ المعتمد، لأبي الحسين محمد بن علي الطيب البصري (436هـ).

1 ــ الإحكام في أصول الأحكام، لأبي محمّد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسي الظاهري (456هـ).

11 ــ الكفاية، لأبي علي محمّد بن الحسين بن محمّد بن الفراء الحنبلي (458هـ).

12 ــ البرهان، لأبي المعالي عبدالملك بن أبي محمّد عبدالله بن يوسف، إمام الحرمين الجويني (478هـ).

13 ــ كنز الأصول، لفخر الإسلام علي بن محمّد البزدوي (483هـ).

14 ــ أصول الفقه، لأبي بكر السرخسي محمّد بن أحمد بن أبي بكر (أو أبي سهل) شمس الأئمة الحنفي (482هـ أو 490هـ).

15 ــ المستصفى، لحجّة الإسلام أبي حامد محمّد بن محمّد بن محمّد بن أحمد الغزالي (505هـ).

16 ــ كفاية الفحول في علم الأصول، لعبدالعزيز بن عثمان بن إبراهيم، المعروف بالقاضي النسفي (533هـ).

17 ــ المحصول، لمحمّد بن عمر بن الحسين بن الحسن، المعروف بالإمام الفخر الرازي (606هـ).

18 ــ الإحكام في أصول الأحكام، لأبي الحسن، علي بن محمّد بن سالم الآمدي (631هـ).

19 ــ منتهى السؤول والأمل، لأبي عمرو، عثمان بن عمر بن أبي بكر بن يونس، المعروف بابن الحاجب (626هـ).

20 ــ مختصر المنتهى، للمؤلّف نفسه.

21 ــ الحاصل، لمحمّد بن الحسين، المعروف بتابع الدين الأرموي (656هـ) ([42]).

22 ــ التحصيل، لأبي الثناء محمود بن أبي بكر، المعروف بسراج الدين الأرموي (682هـ).

23 ــ تنقيح الفصول في علم الأصول، لأبي العبّاس، أحمد بن إدريس عبدالرحمن القرافي (684هـ).

24 ـ منهاج الوصول إلى علم الأصول، لأبي الخير أو أبي سعيد، عبدالله بن عمر بن أحمد، المعروف بناصر الدين البيضاوي (685هـ).

25 ـ بديع النظام الجامع بين كتابي البزودي والأحكام،لأحمد بن علي بن تغلب(أو ثلعب)الحنفي،المعروف بابن الساعاتي(694هـ).

26 ــ منار الأنوار، لأبي البركات، عبدالله بن أحمد بن محمود، المعروف بحافظ الدين النسفي (710هـ).

27 ــ شرح منار الأنوار باسم كشف الأسرار، للمؤلّف نفسه.

28 ــ أصول الفقه، لأبي العباس أحمد بن عبدالحليم بن تيمية الحنبلي (728هـ)([43]).

29 ــ تنقيح الأصول، لعبيدالله بن مسعود البخاري (747هـ).

30 ــ التوضيح لشرح تنقيح الأصول، للمؤلّف نفسه.

31 ــ شرح مختصر المنتهى، لعبدالرحمن بن ركن الدين أحمد بن عبدالغفّار، المعروف بالقاضي عضد الأيجي (756هـ).

32 ــ جمع الجوامع، لأبي النضر، عبدالوهّاب بن علي بن عبدالكافي السبكي (771هـ).

33 ــ رفع الحاجب عن مختصر ابن الحاجب، للمؤلّف نفسه.

34 ــ شرح منهاج البيضاوي، للمؤلف نفسه.

35 ــ نهاية السئول في شرح منهاج الأصول، لأبي محمّد، عبدالرحيم بن حسن بن علي الأسنوي (772هـ).

36 ــ الموافقات، لأبي إسحق، إبراهيم بن موسى بن محمّد اللخمي، المعروف بالشاطبي (790هـ).

37 ــ معيار العلوم في علم الأصول، لأحمد بن يحيى الزبيدي، صاحب البحر الزخار (840هـ).

38 ــ شرح جمع الجوامع للسبكي، تأليف أحمد بن أمين الدين الرملي (844هـ).

39 ــ شرح منتهى السئول لابن حاجب، للمؤلّف نفسه.

40 ــ شرح منهاج الوصول للبيضاوي، للمؤلّف نفسه.

41 ــ التحرير، لكمال الدين محمّد بن عبدالواحد، المعروف بابن همّام الحنفي (861هـ).

إضافةً إلى كتب كثيرة، تعدادُها خارج عن نطاق هذه الدراسة.

المصنفات الأصولية الشيعية القديمة

ورغم اختصاص هذه المرحلة بأهل السنّة، إلاّ أنّه كان للشيعة دورٌ في تأليف مصنّفات تختصّ ببعض المسائل الأصوليّة، نذكر بعضها:

1 ــ الخصوص والعموم، لأبي سهل، إسماعيل بن علي بن إسحاق النوبختي، وهو من أعلام القرن الثالث.

2 ــ إبطال القياس، للمؤلّف نفسه.

3 ــ الخبر الواحد والعمل به، لأبي محمّد الحسن بن الميرزا النوبختي، أحد أعلام القرن الثالث.

4 ــ العموم والخصوص، للمؤلّف نفسه.

5 ــ نقض اجتهاد الرأي على ابن الراوندي، لأبي سهل إسماعيل بن علي النوبختي، من علماء القرن الثالث.

6 ــ إبطال القياس، لأبي منصور الصرّام النيشابوري، من علماء القرن الثالث.

7 ــ مسائل الحديثين المختلفين، لمحمّد بن أحمد بن داوود، المعروف بابن داوود (368هـ).

8 ــ كشف التمويه والالتباس في إبطال القياس، لمحمّد بن أحمد بن الجنيد (381هـ).

ميّزات المرحلة الثالثة

تميّز علم أصول الفقه في هذه المرحلة بميّزات عديدة، هي:

1 ــ أعرض علم الأصول ــ إلى حدّ معين ــ عن الجنبة العمليّة، فمال إلى الجنبة التجريديّة والنظريّة، على عكس المراحل الماضيّة التي كان يُدوّن فيها لاستنباط الأحكام الشرعيّة.

2 ــ اندمج علم الأصول بالاستدلالات المنطقية، فلم يكن متمسّكاً بظاهر الكتاب والسنّة والإجماع وما إلى ذلك، وعلى هذا، أضيفت بعض المسائل المنطقيّة ــ بصورة تدريجيّة ــ على مسائله ونفذت في موضوعاته.

3 ــ دخل قسمٌ من المسائل العقليّة والكلاميّة نطاق علم الأصول في هذه المرحلة، مثل مسألة التحسين والتقبيح العقليين، والملازمة بين العقل والشرع، ووجوب شكر المنعم، واختصاص وجوب شكر المنعم بورود الشرع أو شموله لحالة ما قبل وروده، والتكليف بالمحال، والتكليف بالمعدوم، وصفة العلم الحاصل بالتواتر، وعصمة الأنبياء، واختصاص عصمة الأنبياء بما بعد النبوّة أو شمولها لما قبلها، وما إلى ذلك من مسائل عديدة.. ([44]).

وقد أخذت هذه المسائل بالخروج ــ تدريجياً ــ من علم الأصول في المراحل التالية، لكن ــ مع ذلك ــ بقيت تؤثر تأثيراً كبيراً على هذا العلم.

ــ يتبع ــ

الهوامش

(*) أستاذ الفقه والحقوق في جامعة طهران، من تلامذة الإمام الخوئي”قدس سره”، ومن أوائل من كتب في تاريخ العلوم الفقهية والأصولية.

[1] ــــ حيث كنت سابقاً قد كتبت كرّاساً صغيراً حول تاريخ علم الأصول، لذا أحببت هنا أن أضيف بعض الأشياء وأزيد من المعلومات الإضافيّة.

[2] ــــ الميرزا أبو القاسم القمّي، القوانين 1: 9؛ والشيخ محمد حسين بن محمد الرحيم، الفصول 1: 10؛ ومحمود بن جعفر الميثمي، قوامع الفصول: 15.

[3] ــــ مبادئ العلوم هي الموضوعات التي قيل عنها: إنّها خارجة عن مسائل العلوم الأساسيّة، بيد أنها تقوم عليها، وهي على قسمين: المبادئ التصوّرية، والمبادئ التصديقية، أمّا المبادئ التصوريّة فهي التي تكون التصورات فيها سبباً لمعرفة مسائل العلم، مثل معرفة موضوعات مسائل العلم أو محمولاته. وأمّا المبادئ التصديقية فهي التي يكون التصديق بها سبباً لحصول العلم بالمسائل، مثل القضايا التي طُرحت في أدلّة تلك المسائل، والتي كان العلم بها سبباً في إثبات محمولات المسائل لموضوعاتها. راجع: سعد الدين التفتازاني، منطق التهذيب؛ والمولى عبدالله اليزدي، شرح التهذيب، المعروف بحاشية الملاعبدالله: 151؛ والحكيم السبزواري، منظومة التهذيب وشرحه: 8.

[4] ــــ حيث نسب له ذلك السيد الخوئي في أجود التقريرات 1: 9، وقد راجعت كتاب القوانين ولم أحصل في متنه على شيء، لكنني عثرت على تصريح بذلك نقلاً عن حاشية المصنف نفسه على توضيح القوانين عند عبارة: mوأمّا موضوعه فهو أدلّة الفقهn.

[5] ــــ الشيخ محمد حسين بن محمد الرحيم، الفصول 1: 10.

[6] ــــ المولى محمد كاظم الخراساني، الكفاية 1: 6، طبعة توتونجيان.

[7] ــــ المصدر نفسه 1: 5.

[8] ــــ أبو زهرة، محاضرات في أصول الفقه الجعفري: 6.

[9] ــــ أبو زهرة، الشافعي: 196 ــ 197.

[10] ــــ يوضح الراغب الإصفهاني معنى mالفقهn في كتابه: المفردات، فيراه التوصّل إلى علم غائب بعلم شاهد، ويقول أيضاً: وتفقّه، إذا طلبه فتخصّص به، قال: ليتفقّهوا في الدين، فراجع: الراغب الإصفهاني، المفردات، مادة: فقه.

[11] ــــ الترمذي، الصحيح، أبواب الأحكام، الباب الثالث من عارضة الأحوذي 6: 68؛ وأبو داود، السنن، كتاب الأقضية، باب اجتهاد الرأي في القضاء 2: 272؛ وأحمد بن حنبل، المسند 5: 230، 236، 242؛ والكتب الأصوليّة، بحث القياس، ومن جملتها: أبو الحسن البصري، المعتمد؛ والسيد المرتضى، الذريعة 2: 709، 710؛ والشيخ الطوسي، عدّة الأصول 2: 285.

[12] ــــ راجع المصادر الأصوليّة المتقدّمة.

[13] ــــ والفتوى عبارة عن بيان الرأي، يقول صاحب المفردات: الفتيا والفتوى: الجواب عمّا يشكل من الأحكام.

[14] ــــ الكليني، الكافي 1: 59 وما بعد، أبواب الردّ إلى الكتاب والسنّة واختلاف الحديث وغيره؛ وتقريرات السيد الخوئي، للسيد محمد مهدي الخلخالي، مدارك العروة: 15، 16.

15- الخلخالي، مدارك العروة، تقريرات آية الله الخوئي 1: 16،نقلاً عن الوسائل، الباب الحادي عشر من أبواب صفات القاضي،ح 37.

[16] ــــ الآغا رضا الهمداني، مصباح الفقيه، العمل الرابع، الوضوء: 144.

[17] ــــ السيد الرضي، نهج البلاغة، الخطبة 83، بحسب ترقيم ابن أبي الحديد.

[18]- الشيخ مرتضى الأنصاري، الرسائل؛ والمولى محمد كاظم الخراساني، الكفاية؛ وسائر الكتب الأصوليّة في الأبواب المذكورة.

[19] ـ السيد حسن الصدر، تأسيس الشيعة: 310.

[20]ــ مقدّمة ابن خلدون: 455.

[21] ــ تأسيس الشيعة: 311.

[22] ــ أبو زهرة، أصول الفقه الجعفري: 8، 9.

[23]ــ حيث قال في المصدر نفسه: mلا نقول: إنّ الشافعي قد أتى بالعلم كله..n: 9.

[24] ــــ أحمد شاكر، مقدمة رسالة الشافعي: 12.

[25] ــــ الشافعي، الرسالة: 53.

[26] ــــ المصدر نفسه: 56.

[27] ــــ المصدر نفسه: 58.

[28] ــــ المصدر نفسه: 73.

[29] ــــ المصد نفسه: 82.

[30] ــــ المصدر نفسه: 85.

[31] ــــ المصدر نفسه: 117.

[32] ــــ المصدر نفسه: 147.

[33] ــــ المصدر نفسه: 161.

[34] ــــ المصدر نفسه: 176.

[35] ــــ المصدر نفسه: 186.

[36] ــــ المصدر نفسه: 197.

[37] ــــ المصدر نفسه: 199.

[38] ــــ المصدر نفسه: 201.

[39] ــــ المصدر نفسه: 206.

[40] ــــ وهو ابن العالم أبي علي محمّد بن عبدالوهّاب بن سلام الجبائي، وقد عُرفا بالجبائيان، ويعتبران من أئمة المعتزلة. ولم أعثر على أسماء كتب محدّدة لهما، وكتاب الاجتهاد واحد من مؤلّفات أبي هاشم، كما جاء في الفهرست لابن النديم، وعلى كلّ حال، كثيراً ما ذكر اسم هذين العالمين في الكتب الأصوليّة، خاصة منها كتب المتقدّمين، فانظر: أبا الحسين البصري في المعتمد؛ والشيخ الطوسي في عدّة الأصول؛ إضافةً إلى كتب أصوليّة أخرى.

[41] ــــ ورد اسمه كثيراً في كتب المتقدّمين، وله آراء أصوليّة خاصة مثل العالمين المتقدم ذكرهما؛ أمّا مؤلفاته، التي تُشاد عليها فروع المذهب الحنفي، فلا يوجد اسم خاص لها. نعم ذكر منها mرسالة في الأصولn، وقد طُبعت بعد منضمّةً إلى mتأسيس النظرn للدبّوسي،فراجع: يوسف إليان سركيس، معجم المطبوعات 2، العمود 1551؛ والزركلي، الأعلام 4: 347.

[42] ــــ حاجي خليفة، كشف الظنون 2، العمود 1615، الطبعة الثالثة، 1378هـ.

[43] ــــ دائرة المعارف الإسلاميّة 1: 115؛ وفي كتاب الوافي بالوفيات جاء ذكر كتب ورسائل متعدّدة له في أصول الفقه، ولا يبدو أيّ من هذه المصنفات دورةً كاملة في علم الأصول، تستوعب تمام موضوعاته، إنما تعرّضت لبعض محاور هذا العلم مثل: الإجماع، والخبر، وتعارض النصوص، والقياس، والاستحسان، والاجتهاد والتقليد، والعموم والإطلاق؛ راجع: صلاح الدين خليل بن أيبك الصفدي، الوافي بالوفيّات 26: 7.

[44] ــــ انظر: إمام الحرمين الجويني، البرهان؛ والغزالي، المستصفى؛ والقاضي عبدالجبّار المعتزلي، العمد؛ وأبا الحسين البصري، المعتمد؛ وكتب أخرى.

المصدر:  نصوص معاصرة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign

Clicky