ثياب السبايا

هل سلبت ثياب السبايا؟! .. العلامة السيد جعفر مرتضى العاملي

الاجتهاد: هل سلبت ثياب السبايا؟! إن المراد بالعري الذي تتحدث عنه النصوص التي ذكرت في السؤال ليس هو ما يصل إلى حد ظهور أجساد النساء للرجال الأجانب، بقرينة أن الحديث في طائفة من تلك النصوص هو عن سلب ملاحف النساء، والملحفة هي الملاءة. والملاءة هي بعض ثياب المرأة، وتجعل عادة فوق سائر ثيابهن.

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

جاء في موسوعة شهادة المعصومين «عليهم السلام» (لجنة الحديث في معهد باقر العلوم «عليه السلام» المطبعة: اعتماد ـ قم): «وتسابق القوم على نهب بيوت آل الرّسول وقرّة عين الزّهراء البتول، حتّى جعلوا ينتزعون ملحفة المرأة عن ظهرها»(1).
وجاء في الموسوعة أيضاً: «قال ابن الجوزيّ: وأخذ ملحفة فاطمة بنت الحسين واحد وأخذ حليّها آخر وعرّوا نساءه وبناته من ثيابهنّ..»(2).
وفي كتاب: مثير الأحزان لابن نما الحلي جاء: «وانتزع ملحفتها من رأسها وبقين عرايا»(3).

وجاء في بحار الأنوار (ط سنة الطبع: 1983م مؤسسة الوفاء ـ بيروت) الجزء 45 صفحة 193: «ونساؤه سبايا، حفاة عرايا».
وجاء في كتابنا: عاشوراء بين الصلح الحسني والكيد السفياني ص97: «أن الغزالي قال: وحال الحسين لا يحتمل الغلط، لما جرى من قتاله، ومكاتبة يزيد إلى ابن زياد بسببه، وحثه على قتله، ومنعه من الماء، وقتله عطشاً، وحمل رأسه وأهله سبايا، عرايا، على أقتاب الجمال إليه».

وجاء في كتاب «شرح إحقاق الحق» للسيد المرعشي النجفي ج27 ص505: «ورأيت في تاريخ ابن خلكان رحمه الله قضية غريبة فأحببت ذكرها هيهنا، وهي: قال مشارف الخزانة الصلاحية: ذكرت الله وقد آويت إلى فراشي فيما عامل به آل سفيان لأهل بيت رسول الله «صلى الله عليه وآله» في قضية الحسين، وقتله، وقتل أهل بيته، وأسر بنات رسول الله «صلى الله عليه وآله»، وحملهم على الأقتاب سبايا، ووقوفهم على درج دمشق سبايا عرايا».

وجاء في البداية والنهاية لابن كثير (ط دار إحياء التراث العربي) ج8 ص213: «قول الرافضة: إنهم حملوا على جنائب الإبل سبايا عرايا، حتى كذب من زعم منهم: أن الإبل البخاتي إنما نبتت لها الأسنمة من ذلك اليوم لتستر عوراتهن من قبلهن ودبرهن».
وفي تاريخ الطبري: «مال الناس على نساء الحسين وثقله ومتاعه، فإن كانت المرأة لتنازع ثوبها عن ظهرها حتى تغلب عليه، فيذهب به منها»(4).

وفي الكامل في التاريخ ج4ص79: «ونهبوا ثقله ومتاعه، وما على النساء حتى إن كانت المرأة لتنزع ثوبها من ظهرها فيؤخذ منها».
وفي الإرشاد للشيخ المفيد (ط دار المفيد) ج2 ص112: «فوالله لقد كنت أرى المرأة من نسائه وبناته وأهله تنازع ثوبها عن ظهرها حتى تغلب عليه فيذهب به منها.. وجاء عمر بن سعد فصاح النساء في وجهه وبكين، فقال لأصحابه: لا يدخل أحد منكم بيوت هؤلاء النسوة، ولا تعرضوا لهذا الغلام المريض.. وسألته النسوة ليسترجع ما أخذ منهن ليتسترن به

فقال: من أخذ من متاعهن شيئاً فليرده عليهن.. فوالله ما رد أحد منهم شيئاً».
وفي بحار الأنوار واللهوف في قتلى الطفوف: «أشرفت امرأة من الكوفيات، فقالت: من أي الأسارى أنتن؟!
فقلن: نحن أسارى آل محمد «صلى الله عليه وآله»، فنزلت المرأة من سطحها، فجمعت لهن ملاء وأزرا ومقانع وأعطتهن فتغطين»(5).

وإلى غير ذلك من أخبار، مضافاً إلى الشعر المنسوب للإمام زين العابدين «عليه السلام»: «تسيرونا على الأقتاب عارية».
وكلام السيدة زينب «عليها السلام»: «أي كريمة أبرزتم»؟!.
وكلام السيدة فاطمة بنت الحسين «عليها السلام» وأي صبية سلبتموها».
وكلام السيدة زينب «عليها السلام» في الشام: «أمن العدل يا ابن الطلقاء تخديرك إماءك وسوقك بنات رسول الله سبايا قد هتكت ستورهن».
والشعر المنسوب للسيدة فاطمة بنت الحسين عند العودة إلى المدينة:
وأخبر جدنا أنا أسرنا
وبعد الأسر يا جدَّا سبينا

ورهطك يا رسول الله أضحوا
عرايا بالطفوف مسلبينا

وقد ذبحوا الحسين ولم يراعوا
جنابك يا رسول الله فينا

فلو نظرت عيونك للأسارى
على أقتاب الجمال محملينا

رسول الله بعد الصون صارت
عيون الناس ناظرة إلينا(6)

وكل هذه الأخبار تفيد: أنّ القوم هجموا على الفاطميات وسلبوهن كل ما عليهن من الحلي والحلل، والمقانع، والمآزر، والملاحف، وتركوهن عرايا، مسلبات.. وكما تتحدث الروايات في بحار الأنوار وغيره: خرجن حافيات مسلبات حاسرات.. وأنهنّ طلبن من ابن سعد «لعنه الله» ملابس ليتسترن بها، فلم يعطهن أحد شيئاً مما أخذه.. وسيَّروهنّ على أقتاب الجمال، سبايا، عرايا، ولما وصلن إلى الكوفة أعطت إحدى الكوفيات النساء مآزر ومقانع ليتغطين.

فهل هذا يُعقل، وهل هذا يُمكن أن يحصل؟!
وكيف يسمح الله سبحانه وتعالى بهذا الانتهاك الذي لا يحتمله قلب الإنسان ولا عقله؟! ليس كفراً ولكن عجباً..
أين قول الإمام الحسين لزينب: واعلمي أن الله حافظكنّ؟! أين الحفظ؟!
وأين قول الإمام الحسين: هيهات منا الذلة؟!
وكيف يمكن للسيدة زينب «عليها السلام» أن تتحدى القوم بعد هذا وتخاطبهم بالقوة المذكورة في خطبها وأن تقول لهم: ما رأيت إلا جميلا..!!!

الجواب:

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
والحمد لله، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد..
فإن المراد بالعري الذي تتحدث عنه النصوص التي ذكرت في السؤال ليس هو ما يصل إلى حد ظهور أجساد النساء للرجال الأجانب، بقرينة أن الحديث في طائفة من تلك النصوص هو عن سلب ملاحف النساء، والملحفة هي الملاءة. والملاءة هي بعض ثياب المرأة، وتجعل عادة فوق سائر ثيابهن.

ولو كان المراد العري التام لوجدنا:

أولاً: أن النسوة يكافحن من أجل الستر والحفظ إلى حد الرضا بورود الحتوف على كشف أجسادهن للملأ.

وثانياً: لوجدنا زينب «عليها السلام» تذكر ذلك في خطبتها بالشام في مجلس يزيد، وهي إنما ذكرت كشف وجوه النساء، ولم تذكر العري، وكشف الأجساد(7).

ثالثاً: إن تلهف الأئمة «عليهم السلام» إنما كان على نفس سبي النساء، ولو كان هناك عري بالمعنى الذي يرمي إليه السائل لوجدت هذا الأمر هو الأبرز في كلام الأئمة، والأكثر إيلاماً لهم «عليهم السلام».
فالمقصود بالعري هو سلبهن الألبسة اللائقة بهن كالملاحف والملاءات التي تكون فوق الثياب الساترة للجسد، وترك الأسمال، والثياب التي لا يليق بالمرأة الشريفة أن تظهر بها.. حتى وإن كانت ساترة للجسد.

رابعاً: إن حديث جمع إحدى الكوفيات ملاء وأزراً ومقانع، وأعطتها للنساء يدل على ما نقول.
خامساً: إن العديد من النصوص التي ذكرت في السؤال لا تدل على مقصود السائل، كما يعلم بالمراجعة والتدقيق فيها..
وقول الإمام السجاد «عليه السلام»: «تسيرونا على الأقتاب عارية»(8). إن صح، لا يدل على ذلك أيضاً، لأن كلمة عارية وصف للأقتاب.

وقول السيدة زينب «عليها السلام»: «أي كريمة أبرزتم»؟!(9) لا يدل أيضاً على مطلوب السائل..
وكذلك الحال بالنسبة لقول السيدة زينب «عليها السلام» ليزيد: أمن العدل يا ابن الطلقاء؟! إلخ..
ومثله قول فاطمة بنت الحسين «عليه السلام»: «وأي صبية سلبتموها»(10).

أضاف بعض الإخوة الأكارم قوله:
وأما مثل قولها «عليها السلام»: «ما رأيت إلا جميلاً»، فراجع إلى القتل الذي أصاب الرجال.. وسؤال السائل يدل عليه، فإنه قال: كيف رأيت صنع الله بأخيك؟!
يقصد ما أصابه من القتل..
وكذلك جواب السيدة زينب «عليها السلام» «عليها السلام»، حيث قالت: «هؤلاء قوم كُتِبَ عليهم القتل، فبرزوا إلى مضاجعهم»(11).
وأما مثل قوله «عليه السلام»: «هيهات منا الذلة»، فإن المقصود به: الذلة في الدين، كما قال «عليه السلام» في موضع آخر: «لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل، ولا أقر لكم إقرار العبيد».

وأما مطلق الإذلال الناشئ من إهانة القوم لهم، والسب والشتم، والسبي، ونحو ذلك.. فهذا لا يشمله قوله: «هيهات منا الذلة».
وبهذا أيضاً يجمع بين قول: «هيهات منا الذلة»، وبين قول الإمام الرضا «عليه السلام»: «إن يوم الحسين أذل عزيزنا»(12).
والحمد لله، والصلاة والسلام على عباده الذين اصطفى، محمد وآله الطاهرين..

الهوامش

( 1) موسوعة شهادة المعصومين ج2 ص316 وراجع: بحار الأنوار ج45 ص58 والملهوف ص180 و (نشر أنوار الهدى) ص77 ومدينة المعاجز ج4 ص79 والعوالم، الإمام الحسين ج17 ص302.
( 2) موسوعة شهادة المعصومين ج2 ص315 عن تذكرة الخواص ص228.
( 3) مثير الأحزان ص76 و (ط المكتبة الحيدرية) ص58.
( 4) تاريخ الأمم والملوك (ط الأعلمي) ج4 ص346.
( 5) الملهوف ص190 و (نشر أنوار الهدى) ص86 وبحار الأنوار ج45 ص108 والعوالم، الإمام الحسين ج17 ص377 وراجع: مثير الأحزان ص85 و (ط المكتبة الحيدرية) ص66.
( 6) بحار الأنوار ج45 ص197 والعوالم، الإمام الحسين ج7 ص423.
( 7) الإيقاد ص173 و 174 واللهوف لابن طاووس ص76 وبلاغات النساء (ط دار النهضة ـ بيروت سنة 1972) ص35 و (ط مكتبية بصيريتي قم ـ إيران) ص21 وإكسير العبادات ج3 ص531 والإحتجاج ج2 ص125 وبحار الأنوار ج45 ص134 و 185 ومقتل الحسين للخوارزمي ج2 ص64 والعوالم ج17 ص434 وجلاء العيون ج2 ص256 ومقتل الحسين للمقرم ص450 والمجالس السنية ج1 ص146.
(8) بحار الأنوار ج45 ص114 و 115 والعوالم ج17 ص373 وينابيع المودة ص471 و (ط دار الأسوة) ص86 و 87 وعن المنتخب للطريحي ص263.
( 9) الإحتجاج ج2 ص109 ح 170 و (ط دار النعمان) ج2 ص29 ومناقب آل أبي طالب ج4 ص115 نحوه، وليس فيه ذيله من «ثمّ ولّت عنهم»، وبحار الأنوار ج45 ص162 و 108 و 188 والعوالم، الإمام الحسين ج17 ص368 وقريب منه في بلاغات النساء ص37 و (نشر مكتبة بصيرتي) ص24 عن يحيى بن الحجاج. وراجع أيضاً المصادر التالية: الأمالي للطوسي ص92 الرقم 142 والملهوف ص192 و (نشر أنوار الهدى) ص86 عن بشير بن خزيم الأسدي، ومثير الأحزان ص86 و (ط المكتبة الحيدرية) ص66 وبحار الأنوار ج45 ص165 الرقم 18 والفتوح لابن أعثم ج5 ص121 عن خزيمة الأسدي، ومقتل الحسين للخوارزمي ج2 ص40 عن بشير بن حذيم الأسدي، وكلها نحوه. وقاموس الرجال ج12 ص269 وتاريخ الكوفة ص293 والدر النظيم ص559.
( 10) الملهوف ص198 و (نشر أنوار الهدى) ص91 ومثير الأحزان ص88 و (ط المكتبة الحيدرية) ص68 وبحار الأنوار ج45 ص112 والعوالم، الإمام الحسين ج17 ص381 وتسلية المجالس ج2 ص359 ولواعج الأشجان ص205.
( 11) الملهوف ص201 و (نشر أنوار الهدى) ص94 و (ط أخرى) ص67 ومثير الأحزان (ط المكتبة الحيدرية) ص71 وبحار الأنوار ج45 ص115 و 116 والعوالم، الإمام الحسين ج17 ص383 ولواعج الأشجان ص209 وقاموس الرجال ج12 ص272 والمجالس الفاخرة ص343 وراجع: شجرة طوبى ج2 ص349.
( 12) الأمالي للصدوق ص190 وروضة الواعظين ص169 ومناقب آل أبي طالب (ط المكتبة الحيدرية) ج3 ص238 وإقبال الأعمال ج3 ص28 وبحار الأنوار ج44 ص284 والعوالم، الإمام الحسين ج17 ص538 ومسند الإمام الرضا للعطاردي ج2 ص27 والمجالس الفاخرة للسيد شرف الدين ص135.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign

Clicky