هل-الفقه-متحيز-للذكر-أو-الأنثى؟

هل الفقه متحيز للذكر أو الأنثى؟ / سماحة السيد منير الخباز

الاجتهاد: بسم الله الرحمن الرحيم. ﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ صدق الله العلي العظيم. انطلاقًا من الآية المباركة نتحدث في نقطتين: في مناقشة نظرية الفقه الذكوري. / في تحديد الموقع الإجتماعي للمرأة المسلمة.

النقطة الأولى: مناقشة نظرية الفقه الذكوري.

هنالك مجموعة من الأقلام طرحت نظرية الفقه الذكوري، ومضمون هذه النظرية أن الفقه الإسلامي كتبه الرجل لصالحه، الفقه الإسلامي إذا قرأنها وجدناه متحيز للرجل دون المرأة، فالرجل هوالذي كتب الفقه وصاغ الفقه من أجل تأمين مصالحه وفرض شخصيته على المرأة، بحيث جعل المرأة جهازًا طيّعًا بيد الرجل. مثلًا: الفقه الإسلامي يرى أن قيادة الأسرة أي القوامة للرجل، فالمرأة مَقود وليست قائد.

وأكثر من ذلك، لايمكن للمرأة أن تخرج من بيت القائد – وهوالزوج – إلا بإذنه، بمعنى أن الفقه أعطى دكتاتورية للرجل يتحكم بها في خروج المرأة ودخولها. وأكثر من ذلك: منع المرأة حتى من العبادة إلا بمزاج الزوج. فقال: لايجوز للمرأة أن تصوم تطوعًا ولا أن تحج تطوعًا إلا بمزاج زوجها، فإن لم يرضى فليس لها صوم ولا حج قربٍ تطوعي، فربط حتى عبادتها بمزاج زوجها.

وأكثر من ذلك، أن الفقه الإسلامي الذي كتبه الرجل اعتبر المرأة انسانًا من الدرجة الثانية لا من الدرجة الأولى. ففي الرواية المعتبرة عن ابن مسكان عن الإمام الصادق : ”إذا قتلت المرأة زوجها قَتلت به، وإذا قتل الرجل امرأته، فإن طالب أهلها بالقود – يعني بالقصاص – قدوا إلى أهله نصف الدية، وإن قبل أهلها بالدية فلهم نصف دية الرجل“ يعني المرأة ليس من حقها دية كاملة. فعند القتل، تكون دية الرجل مئة نقاة، ودية المرأة خمسون ناقة.

إذن، إذا قرأنا هذه الأحكام، وجدنا فقه يسيطر عليه الذكر لمصالحه ولتحقيق أهدافه، تمامًا كالتأريخ الإسلامي. التاريخ الإسلامي تاريخ ذكوري، تاريخ بناه الرجل. فهو الذي خاض المعارك، وأسس الدول، وبنى الحضارة، ولا نصيب للمرأة، أيضا الفقه يرتكز على الرجل وصلاحياته وأهدافه. فهذا فقه ذكوري وليس فقه إنساني متوازن بين الرجل وبين المرأة.

هذه نظرية الفقه الذكوري، أمام هذه النظرية، نحن ماذا نقول؟

هناك عدة نظريات لا يسع الوقت لطرحها، أنا أقتصر على نظريتين مقابل هذه النظرية:

النظرية الأولى: ما طرحه السيد الطباطبائي صاحب تفسير الميزان – أعلى الله مقامه – وتبعه تلميذه الشيخ المطهري – عليه الرحمة -، محصل النظرية أمران:

الأمر الأول: أن علاقة الرجل بالمرأة، علاقة تكامل لا تفاضل. يعني كلٌ منهما يكمل الآخر، لا أن أحدهما أفضل من الآخر. إذا قرأنا قوله تعالى: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ﴾. يقول صاحب الميزان: لو كان الرجال أفضل من النساء لقالت الآية: الرجال قوامون على النساء بما فضلهم عليهن، الآية جعلت المسألة متأرجحة، لم تعط كلامًا صريح.

إذن، ليس هناك تفضيل للرجل على المرأة أو بالعكس، المسألة هي مسألة تكامل. كيف؟ أضرب مثالًا: من ناحية القوة العقلية، ترى المرأة لا تقل في القوة العقلية عن الرجل، المرأة ليست أقل عقلًا أوذكاءً من الرجل. حتى الإحصاءات كإحصاءات اليونسكو الأخيرة تشير إلى أن المرأة لا تقل عن الرجل حاليًا في جامعات العالم، لا في مجال الفلسفة، ولا في مجال الأدب. أصبحت معدلاتها ونتائجها لا تقل عن الرجل.

إذن، ليس هناك تفاضل من حيث الذكاء أومن حيث القدرة العقلية، التفاوت بينهما في القوة النفسية. كيف؟ الله تبارك وتعالى أعطى الرجل قوة من الصرامة وقوة الإرادة والامبالاة. طبعًا ليس كل الرجل، بل المقصود نوع الرجل. نوع الرجل يمتلك صرامة وقوة إرادة إذا اتخذ قرار مشى في قراره ولا يصغي للحسابات العاطفية والحسابات الثانوية، فالرجل يمتلك صرامة وقوة إرادة أكثر من المرأة. في المقابل: المرأة تمتلك طاقة من العواطف لا يملك الرجل عُشرًا منها. فإذن، الرجل يحتاج إلى طاقة المرأة، والمرأة تحتاج إلى طاقة الرجل.

الآن مثلاً، رئيسة أندينوسيا أو رئيسة الفلبين السابقة: امرأة، المرأة وإن وصلت إلى الموقع القيادي، لكنها لا تتخذ إجراءات حاسمة إلا إذا اعتمدت على الرجل. حتى المرأة الغربية والتي لا تعترف بقوامة الرجل وتقول أن الرجل ليس له القوامة، إذا تأزمت الأسرة، أي حدثت مشكلة في داخل الأسرة، تعتمد على الرجل في أخذ القرار الحاسم لدفع المشكلة. يعني المرأة تشعر في قرارة نفسها أن الرجل يمتلك صرامة وقوة إرادة في إصدار القرارت وفي إجرائها أكثر منها، لذلك تعتمد عليه.

في المقابل، المرأة تمتلك طاقة من العاطفة لا حد لها، الرجل يحتاج إلى هذه الطاقة، كيف؟ كل مجتمع يحتاج إلى حضارة، ليس هناك مجتمع يقبل بالتخلف، كل مجتمع يريد حضارة. الحضارة من يقوم بها؟ يقوم بها الرجال المبدعون، الحضارة تعتمد على أكتفاف المبدعين. هل يمكن للرجل أن يبتدع بدون استقرار نفسي؟ مستحيل أن يبدع الرجل بدون استقرار نفسي. الأمن النفسي والاستقرار النفسي عنصر ضروري للإبداع، لا أستطيع أن أعطي وأبدع إذا كنت لا أعيش هدوء واستقرار نفسي. الإنسان الذي يعيش قلق في عواطفه، اضطراب في نفسيته، وتوتر في داخله، لايمكن ان يبدع. إذن الرجل لا يبدع حتى يحصل على الاستقرار النفسي.

من أين يأخذ الرجل استقراره النفسي؟ من المرأة وهي المخلوق الوحيد القادر على إعطاء الرجل توازن واستقرار نفسي وهدوء عاطفي. الرجل من غير المرأة غير متوازن، لا يحصل على التوازن النفسي لا من قبل أبيه ولا أخيه ولا صديقه، لا يوفر أحد للرجل استقرارًا وهدوءًا نفسي غير المرأة. إذن الرجل محتاج للمرأة.

﴿خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا﴾ سكون لا بمعنى السكون الجسدي بل بمعنى السكون النفسي، يسكن نفسيًا أي يزول منه التوتر والقلق بما تغدقه عليه المرأة من العواطف والمشاعر. إذن، المجتمع كله يحتاج إلى المرأة، المجمتع يحتاج إلى إبداع والإبداع يحتاج إلى الاستقرار النفسي والاستقرار النفسي يتوقف على المرأة. إذن المجتمع يحتاج إلى المرأة حتى يحصل على عناصر الإبداع ومبادئ الإبداع. إذن، صار الرجل يكمل المرأة في صرامته والمرأة تكمل الرجل لأنها تعطيه الأمن النفسي فيبدع ويعطي وهذا معنى ﴿هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ﴾

الأمر الثاني: أن الإسلام جعل أحكامه متوازنة بتوازن وتكافؤ الطاقات. كيف؟ مثلًا: الإسلام أعطى للرجل القوامة وأعطى للمرأة حق الحضانة، أعطى الرجل القوامة لقوة الإرادة وأعطى المرأة حق الحضانة لطاقتها العاطفية. المشهور بين الفقهاء – لست بصدد التعرض لكل رأي فقهي – أنه لو انفصل الرجل عن المرأة وعنده أولاد صغار، الولد إن كان ذكر: له حق حضانة الأم لمدة سنتين، وإن كان أنثى له حق حضانة الأم لمدة سبع سنوات، إذن، حق الحضانة للأم.

نأتي من جهة أخرى، الإسلام أعطى للرجل سهمًا كاملًا من الميراث، وأعطى المرأة نصف السهم ﴿لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ﴾. في المقابل، حمّل الرجل مسؤولية النفقة على الأسرة، وأسقط عن المرأة مسؤولية النفقة. فقال للرجل: ما أعطيناك سهمًا من الميراث كاملًا مجانًا، أعطيناك سهمًا كاملا من الميراث وحملناك النفقة على الأسرة، ولأننا أسقطنا عن المرأة النفقة، أعطيناها نصف سهم. إذن هناك عملية توازن في الأحكام لتوازن المناصب.

مثلا: الإسلام خص الشهادة في الهلال بالرجل. المرأة إذا رأت الهلال، رُأيتها حجة عليها، تصوم وتفطر لأنها رأته، لكن ليست رؤيتها حجة على غيرها. بينما، نأتي لمسألة الحيض والعدة، لدينا رواية معتبرة: ”الحيض والعدة للنساء، إذا ادعت صُدّقت“ يعني الرجل لا يتدخل في هذه المسألة، المرأة إذا قالت هي في حيض يُقبل قولها، إذا قالت أنها في عدة يُقبل قولها، إذا قالت انتهت العدة يُقبل قولها، هذه أمور تختص الشهادة فيها بالمرأة.

هناك عملية توازن وليس هناك تفاضل بل توازن وتكامل. فليس الفقه متحيز للرجل ضد المرأة أو العكس. هذه هي النظرية الأولى للسيد صاحب الميزان – عليه الرحمة – وقد رأينا أنها نظرية ناقصة لأنها لم تعالج جميع الفروق الفقهية بين الرجل والمرأة.

النظرية الثانية: ترتكز على أمرين:

الأول: أن الحكم الشرعي له عنصران: عنصر شكلي وعنصر روحي.

العنصر الشكلي هو صياغة الحكم «واجب، حرام، مكروه». العنصر الروحي هو المنطلق الذي من أجله شُرّع الحكم وجُعل الحكم. لا يمكن لنا أن نقرأ الحكم بعنصره الشكلي، لا بد أن يُقرأ بعنصريه. لا يمكن أن نقول أن هذا الحكم متحيز للرجل أو متحيز للمرأة أو متحيز لفئة دون أخرى إلا إذا قرأناه بعنصريه.

نضرب مثالًا: إذا أتينا إلى مسألة الزكاة أو الخمس، قد يقال أن هذا الحكم ظالم، لأن صاحب الثروة يخرج من الصباح إلى الليل يقدح ويتعب في سبيل اكتساب الثورة، ويأتي الشيخ المعمم ليأمر بإتيان الخمس. الرجل يتعب ويشقى في كسب الثروة وهو يجلس مرتاح يأخذ الخمس. هذا الحكم ظالم، الخمس ثروتي وتذهب بكل سهولة.

إذا قرأنا الحكم بعنصره الشكلي نراه ظالمًا، أما إذا قرأناه بعنصره الروحي وسألنا: ماذا وراء الحكم؟ الإسلام يقول: المجتمع يعيش طبقتين: طبقة رأس مالية تمتلك الثروة وطبقة عاملة كادحة تكاد تحصل على قوت يومها أو شهرها أو سنتها. لأجل إيجاد قاسم مشترك بين الطبقتين «الطبقة الرأس مالية والطبقة الفقيرة» فرض ضريبة الزكاة وفرض ضريبة الخمس، هذه الضرائب فرضها لعلاج الطبقية بين أطباق المجتمع. إذن، الحكم إذا قرأنها بعنصره الشكلي، نراه غير منصف، بينما إذا قرأنها بعنصره الروحي نراه أنه بمصلحة المجتمع، فالحكم له عنصران: شكلي وروحي.

الأمر الثاني: جميع الأحكام التي يسميه البعض فقهًا ذكورياً، إذا قرأناها بعنصريها الشكلي والروحي وجدنا أنها تصب في المصلحة الإنسانية العامة وليست مع الرجل أو مع المرأة. أنا أقسمها إلى قسمين: قسم بعنصره الشكلي لايتحيز للرجل، وقسم بعنصره الروحي لا يتحيز إلى الرجل.

نأتي للقسم الأول: الفقهاء يقسمون الأحكام إلى قسمين: أحكام ثابتة وأحكام متغيرة. الأحكام الثابتة لا يستطيع البشر أن يغيرها، لا بالعنوان الأولي ولا بالعنوان الثانوي. مثلًا: الصلاة، الصلاة واجبة ولا يمكن تغيير حكمها على يد البشر، هذا الحكم ثابت.

لكن هناك أحكام تتغير، كيف؟ الطلاق بيد من؟ بيد الرجل. الرواية تقول: ”الطلاق بيد من أخذ بالساق“ وهو الرجل. هل نستطيع جعل الطلاق بيد المرأة؟ نعم، كيف؟ بأن تشترط على زوجها في نفس العقد أن تكون وكيلةً عنه في تطليق نفسها منه متى ما حدث ظرف يقتضي ذلك. بالنتيجة، إذا قبل الزوج بالشرط وتم العقد بينهما، يستطيع الزوج أن يطلّق وأيضا المرأة تستطيع أن تطلّق. إذن، الطلاق بيد الرجل ويمكن أن يكون بيد المرأة. إذن، ما صار الحكم متحيز للرجل دون المرأة، لأنه مرن قابل للتغيير.

نأتي الآن مثلاً إلى مسألة دية المرأة، العلمانيون يرفعون الصوت عاليًا ضد هذا الحكم. نأتي أولًا لمسألة الزكاة، الزكاة واجبة في ماذا؟ الزاكة واجبة في موارد تسعة: الأنعام الثلاثة «الإبل والبقر والغنم»، والنقدين المسكوكين من الذهب والفضة، والغلاة الأربع. هل يمكن أن تجب الزكاة في غيرها؟ نعم يمكن، بيد الفقيه الجامع للشرائط بولايته يستطيع أن يفرض الزكاة في ما هو أكثر من هذه الموارد التسعة إذا اقتضت المصلحة الاجتماعية ذلك.

من أين أخذنا ذلك؟ من الإمام علي ، الروايات كلها تقول: فرض الإمام علي الزكاة على الخيل، الخيل ليس بها زكاة لكنه فرض الزكاة عليها. ”فرض علي الزكاة في الخيل العتاق وفي البرازين“ لأنه رأى أن المصلحة الاجتماعية لا تكفيها الزكاة ففرض ضريبة من أجل تغطية الحاجة الاجتماعية. إذن، علي – – بما هو ولي في زمانه، استطاع أن يغير هذا الحكم الشرعي، بأن يضرب ضريبة أكثر من أجل رعاية المصلحة العامة.

نفس الشيء بالنسبة للفقيه ودية المرأة. يأتي أحد ويقول: دية المرأة نصف دية الرجل، فيقتل الرجل رجلًا ويدفع مئة ناقة بينما عندما يقتل امرأةً يدفع خمسين ناقة. هذا صحيح بالعنوان الأولي، ولكن لو رأى الفقيه الجامع للشرائط أن المصلحة العامة في المجتمع الإسلامي تقتضي أن يساوي دية المرأة بدية الرجل، فله ذلك. يستطيع أن يقول: دية المرأة أفرضها بحكم ولاياتي أن تكون مساويةً لدية الرجل. إذن هذا حكم مرن يقبل التغيير فلا يعتبر متحيزًا للرجل ضد المرأة. إذن، قسم من الأحكام بعنصرها الشكلي يمكن أن لا تكون متحيزةً للرجل ضد المرأة.

نأتي لقسم آخر: الأحكام التي بعنصرها المعنوي ليست متحيزة للرجل ضد المرأة. مثلاً، يحرم على المرأة الخروج من بيت زوجها إلا بإذنه. الرواية عن الإمام الصادق، رواية معتبرة: ”إن خرجت من بيت زوجها دون إذنه، لعنتها ملائكة السماء وملائكة الأرض حتى تعود لبيت زوجها“

طبعًا، ليس جميع الفقهاء يفهمون ما نفهمه نحن، هذا هوالعنصر الشكلي، ولكن وراء هذا العنصر الشكلي عنصر روحي آخر. كيف؟ السيد الخوئي – قدس سره – عنده فهم لهذه الروايات «هو لا يفتي بذلك بل يحتاط»: ليس كل خروج هوالممنوع، وهو موجب للعن، بل المقصود هو الخروج الإعراضي بمعنى خروج المرأة من بيت زوجها غاضبةً عليه، معرضةً عنه. هذا هوالذي يوجب اللعن، الرواية لا تتحجث عن مطلق الخروج، بل نوع من الخروج وهو الخروج غضبًا على الزوج وإعراضًا عنه.

حين إذن، إذا فهمنا الروايات بهذا الفهم، لن يكون هذا الحكم متحيزًا للمرأة بل يصب في صالح العلاقة بين الزوجين، يعني حتى تبقى العلاقة حميمةً ووديةً، على المرأة أن لا تخرج غاضبة وأن لا تخرج معرضة، بل تتفاهم مع زوجها في مسألة الخروج.

نأتي لمسألة القيادة، الإسلام يقول: القيادة للرجل، قيادة الأسرة للرجل. أغلب الفقهاء يقولون أن القضاء للرجل وليس للمرأة. لماذا؟ بعض الباحثين الاجتماعيين كتب في مجلة عالم الفكر أن المجتمعات بأسرها لا تنقاد بطبعها إلا بالرجل.

هذا ليس قصورًا في المرأة بل هو قصور في المجتمعات، هي لا تنقاد بطبعها للرجل. يعني حتى المجتمع النسوي يختلف وضعه عندما تجعل عليه رجلًا في مقابل جعل امرأة، فالمجتمع النسوي ينقاد بطبعه لقيادة الرجل ولا ينقاد لقيادة المرأة كما ينقاد لقيادة الرجل.

إذن، الإسلام عندما يقول: قيادة القضاء للرجل وقيادة الأسرة للرجل، ليس انتقاصًا للمرأة، بل لأن طبيعة المجتمعات البشرية تتفق لقايدة الرجل أكثر من قيادة المرأة، فحفاظًا على أهمية المنصب، سلّمه للرجل دون المرأة.

انتهينا من هاتين النظريتين في معالجة الفقه الذكوري ورأينا أنه ليس هناك فقه ذكوري، وإنما هو فقه إنساني يتبنّى المصالح العامة في تشريعاته.

النقطة الثانية: الموقع الإجتماعي للمرأة.

هناك تياران متطرفان في تحديد الموقع الاجتماعي للمرأة،

التيار الأول هو الذي يحاول أن يلغي الدور الأسري للمرأة. نحن نسمع الآن، وسوف تعلو هذه الأصوات في المستقبل، أنه المرأة إنما تثبت جدارتها إذا كانت امرأةً عاملةً «طبيبة، ممرضة، مدرسة». أما إذا كانت ربة بيت، فخلف الله عليها! عنوان «ربة بيت» صار عنوانًا وضيعًا، فيخجل الرجل أن تَوسم زوجته بأنها ربة بيت، وتخجل المرأة أن تكتب مهنتها: ربة بيت. أصبح عنوان رب بيت عنوانًا متخلفًا، إذن، جدارة المرأة ومهارتها بأن تكون امرأةً عاملةً.

هذا تطرف في الفكر، وهذا دخيل على ثقافتنا الإسلامية. عندما نرجع إلى الثقافة الإسلامية، لا نلغي عمل المرأة ولكن نقول أن الدور الأساس للمرأة هو تربية الأبناء وإدارة المنزل. كيف يكون هذا من ثقافتنا الإسلامية؟

أذكر لك رواية جميلة جدًا: أسماء بنت يزيد الأنصاري جاءت إلى النبي محمد وهوجالس مع أصحابه، فقالت: ”يا رسول الله إن الله بعثك إلى الرجال والنساء كافة وإنّا معاشر النساء محصورات، مقصورات، قواعد بيوتكم، حاملات أولادكم، مقتضى شهواتكم، وإن الرجال فضلوا علينا بالجُمَع وعيادة المرأة وشهود الجنائز والحج، وأفضل من ذلك الجهاد في سبيل الله، فإذا خرج الرجل منكم معتمرًا أوحاجًا أومجاهدًا، حفظنا لكم أموالكم وغزلنا لكم أثوابكم وربينا لكم أولادكم، أفلا نشارككم في الأجر؟ قال الرسول لأصحابه:“ أسمعتم مسألةً من امرأة أحسن من مسألة هذه المرأة في دينها؟ قالوا: ”أوتهدي امرأة لذلك“، قال ”يا أسماء، أبلغي النساء أن حُسن التبعل يعدل ذلك كله في الأجر“

يعني المرأة إذا أدارت الأسرة تحصل على ثواب الجهاد والحج وعيادة المرأة وشهود الجنائز، جميع الأعمال التي يقوم بها الرجل، تحصل المرأة على ثوابها من خلال إدارتها للأسرة. هذه ثقافتنا الإسلامية التي استقرأناها من الروايات والأحاديث.

ورد عن الرسول ”ما استفاد امرءٌ بعد الإسلام فائدةً أفضل من زوجة تسره إذا نظر إليها وتحفظه إذا غاب عنها في نفسها وماله“ – وفي بعض الرويات: وولده – إذن، ربة البيت، هذا العنوان الذي تحتقره وتعتبره عنوانًا وضيعًا، هذا مفهوم إسلامي وليس وضيعًا. كون المرأة مربية للأجيال التي تصنع الحضارة وتصنع التاريخ، هذا ليس لقب وضيع يخجل منه الرجل، أو تخجل منه المرأة.

وبالتالي، نحن لا نلغي العمل، المجمتع يحتاج إلى المرأة العاملة كالطبيبة والممرضة والمدرسة والأخصائية، ولكن الدور الأساس هو تربية الأسرة.

لو تعارضت تربية الأسرة مع العمل، أيهما يقدم شرعًا؟ تُقدم تربية الأسرة، إذا كان عمل المرأة على حساب تربية أبنائها، إذا كان عمل المرأة يؤدي إلى أن تربي أولادها الشغالة، وأن يتخرج الرجل سيء الأدب وناقص الحنان وميّالًا للإنحراف، لأنه لم يحصل على الحنان الكافي من أمه، ولم يحصل على التربية المتوازنة من أبويه. فمن سيتحمل النتيجة؟ الأم ستتحمل النتيجة لأنها أصرّت على العمل على حساب تربية أبنائها.

التيار الثاني المتطرف: هو الذي يلغي الدور الاجتماعي للمرأة، يقول أن المرأة علاجها بإغلاق الباب عليها وتركها في البيت. لا تدع المجال لها تتعلم ولا تدع المجال لها تتنور ولا تدع المجال لها أن يكون لها دور اجتماعي «دور في خطابة، دور في مأتم، دور في أدب، دور في فكر، دور في عطاء». لا، بل كل هذه الأمور لجناب الرجل! المرأة ليس لها دخل بهذه الأدوار الاجتماعية.

هذا أيضًا تيار متطرف، وإن كان بعض المتدينين يتبنون هذا التيار، ولكنه تيار يأخذ الدين بأكثر من الحجم والمقدار الواقعي له، كيف؟ يعني أنت الآن تعتبر المرأة جهاز كهربائي يعمل في البيت، فمثلما تأثث الشقة بشراء الغسالة والثلاجة، المرأة مثل الغسالة والثلاجة تشتغل في البيت، شغلها أن تخدم المنزل وأن تنظف وتغسل وتطبخ وتنفخ.

مع أنه شرعًا لا يجب على المرأة أي شيء من ذلك، وظيفة المرأة تربية الأبناء. أما خدمة المنزل فهذا ليس واجبًا شرعيًا على المرأة ولا من وظيفتها، إلا إذا اشترط الزوج عليها ضمن العقد شرطًا لفظيًا أوشرطًا ارتكازيًا، فذلك مسألة أخرى، وإلا ليس واجبًا على المرأة بالعنوان الأولي.

نحن لا ندعو إلى الانشقاق بين الرجل والمرأة، بالعكس المرأة المحبة لزوجها والمخلصة له، تتفانى في خدمته وتهيئة وسائل الراحة لزوجها. إنما نقول ليس هذا وظيفةَ شرعية للمرأة، الوظيفة الشرعية هي تربية الأبناء.

لذلك هذا لا يلغي الدور الاجتماعي للمرأة، عندما تعتبر المرأة كالتحفة وتخنقها، أتدري ما هي النتيجة؟ أنت تخلق مشكلة أكبر من ذلك. لدينا الآلاف من الفتيات جالسات في البيوت، إما لأنهن لم يتعلمن، أو تخرجن ولم يجدن وظيفة، أو أن الوقت واسع فكيف تقضي فراغها؟ الفتاة إذا شعرت بالفراغ القاتل، ستلجأ للأساليب الملتوية، من خلال التلفون و”الشاتنتق“ والقنوات التلفزيونية وغيرها. بالتالي، أنت وضعت المرأة في البيت، ولكن وضعت قنبلةً موقوتة، تكاد تنفجر فسادًا وانحرافًا في أي وقتٍ شاءت.

فيحن إذن، ما هوالعلاج؟ العلاج أن نفتح مجال للمرأة لتقضي فراغها وأوقاتها، أن يكون لها دور اجتماعي تقضي فيه أوقاتها وفراغها. أنا أوجه خطابي لأخواتي وبناتي وأمهاتي: أنتن قمن بهذا الدور ولا تتوقفن على الرجل بأن يفتح المجال أو لا، أنتن بادرن، يعني على النساء أن يبادرن بفتح منتديات أدبية وفكرية وخطابية خاصة بالنساء، على المجتمع النسوي أن يبادر وتكون عنده روح المبادرة، وأن يفرض نفسه على المجتمع، على المرأة أن تبادر ذلك بدلًا من أن تنتظر الرجل.

إذا كان الرجال لا يسمحون بجمعية خيرية، فلتبادر النساء لمخاطبة الجهات المسؤولة، يعني تكون عريضة توقع عليها ألف امرأة، وترفع للجهات المسؤولة لفتح جمعية خيرية نسوية. بادروا إلى خطوات فعالة تخلق لكم دورًا اجتماعيًا.

المرأة إذا اشتغلت بجمعية خيرية، أو دور خطابي أو دور أدبي، قضت على الفراغ، وإذا قضت على الفراغ كفتنا مشاكل خطيرة تنتج من الفراغ وعدم استغلال الوقت. إذن، نحن نحتاج إلى دور اجتماعي متوازن، لا على حساب الأسرة ولا على حساب حق المرأة بأن تثبت جدارتها ومهارتها في الأدوار الاجتماعية.

القرآن الكريم عظّم المرأة عندما ضرب بها المثل: ﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ وضرب مثلًا في العفة بمن؟ بالمرأة ﴿وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ﴾.

اقرأ التاريخ الإسلامي، سطّر لنا أبطال من الرجال وأبطال من النساء: خديجة بنت خويلد، فاطمة بنت محمد وزينب بنت علي، وأم البنين الأربعة فاطمة بنت حزام الكلابية . امرأة عظيمة وجليلة، العراقيون دائمًا يتوسلون إلى الله بأم البنين وينذرون لها، وغالبًا يُوفقون في تلك الوسيلة وفي ذلك النذر. أم البنين امرأة جليلة، النذر لها والتوسل بها يقضي الحاجات ويحل المعضلات. امرأة قدمت أفلاذ كبدها دون المبادئ ودون الدين.

الإمام علي قال لعقيل: ”اخطب لي امرأةً ولدتها الفحول من العرب، حتى تلد لي ولدًا ينصر ولدي الحسين“، فقال ”أينك من فاطمة بنت حزام الكلابيية“

 

المصدر: موقع سماحة السيد منير الخباز على النت

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign

Clicky