الاجتهاد: انطلقت أمس فعاليات المؤتمر الدولي لمجمع الفقه الإسلامي في دورته الرابعة والعشرين، في دبي بدولة الإمارات العربية المتحدة وتستمر أعماله حتى 6 من نوفمبر الجاري، بحضور 137 مشاركًا من رجال الدين والعلم من مختلف التخصصات، وهي دورة تتميز عن سابقاتها كمّاً وكيفاً.
أما الكَمُّ فهو زمن المؤتمر الذي كان عادة خمسة أيام قد تبعث بالكلل والملل، فجعلته ثلاثة أيام تبعث على النشاط والجد، وبموضوعات تكون ضعف أيام المؤتمر غالباً أو أكثر، فيكون البحث مترامي الأطراف، واسع الاختلاف، فجعلته ستة موضوعات ذات أهمية بالغة.
أما الكيفُ ففي الموضوعات التي سيتناولها البحث، فإنها موضوعات العصر، التي تمس الحاجة إلى بحثها، والخروج بما ينفع الناس من بيان الحكم الشرعي فيها، وهي:
العقود الذكية وكيفية تفعيلها والإقالة منها، ومدى ارتباطها بموضوع العملة الرقمية، فإن هذا الموضوع هو حديث الساعة في الساحة الاستثمارية، وعالم المال، فقد حارت فيه الأفهام، وتعددت بشأنه التصورات، وكثر فيه الخلط بين مانع ومبيح، ومبشر ومنفر، وهو حديث العالم كله، إلا أن العالم غير المسلم لا يهمه من هذه العقود إلا المصداقية والربح وتجنب الخسارة، أما المسلم فيعنيه أول ما يعنيه حكم الله تعالى فيه، ليرى هل يدخل فيه أم يمتنع منه.
وموضوع التضخم وتغيير قيمة العملة، وهو الموضوع الذي أرق المجمع، حيث سبق أن بحثه في سبع دورات، وعقدت من أجله ندوات عدة، وكتبت فيه رسائل عدة وعشرات الأبحاث، ومع ذلك لم يتحرر فيه القول، لشوائبه المختلفة، تأصيلاً وتفصيلاً، وما له من تبعات وانعكاسات على مستوى الأفراد والدول والمؤسسات الرسمية والمحلية، وكون وجهات النظر المختلفة فيه محترمة.
ولعلنا في هذه الدورة، وقد كثر التضخم لكثير من العملات، حتى أصبحت شبه العدم، لعلنا نصل فيه إلى تصور يُفضي إلى صدور قرار فقهي حكيم، يراعي العدالة المنشودة، ويحقق التوازن بين الفرقاء.
وموضوع عقود الفيديك – وهي العقود المتعلقة بهندسة البناء والتطوير العقاري والصناعي من مرحلة التخطيط إلى استكمال المشروعات، والتي تكون بين الدول والمؤسسات الكبيرة، والتي تم اعتمادها من الاتحاد الدولي للمهندسين الاستشاريين، وتضع إطاراً تعاقدياً يعمل على تفادي المشكلات التي تنشأ أثناء التنفيذ في العقود الدولية أو المحلية – فإن هذه العقود تحتاج تكييفاً فقهياً.وواجب علماء الأمة أن يبينوا للناس مدى موافقة هذه العقود للأحكام الشرعية، وما يصح منها شرعاً وما لا يصح، لما يترتب عليها من حقوق مالية كبيرة، تؤدي في الغالب إلى الإضرار بطرف لمصلحة طرف آخر.
وموضع التسامح في الإسلام، وضرورته المجتمعية والدولية وآثاره، وهو الموضوع الذي يجب أن تشحذ الهمم لإحيائه وتثقيف الناس به، لما حدث له من تغييب متعمد في منهج التعامل بين الناس، وفي منهج التعليم المؤسسي على وجه الخصوص، فنتج عن ذلك فساد عريض وشر مستطير، عانت منه البشرية كثيراً ولازالت تعاني.
ولما كان الإسلام مصبوغاً صبغة تسامحية في كل تشريعاته، فإن الواجب أن تظهر هذه الصبغة في تعامل الناس وثقافتهم، حتى يعلم الآخر منهجنا المسالم، فينصفنا من نفسه، فإن السِّلم لا يولد إلا سِلماً.
وموضوع تحقيق الأمن الغذائي والمائي، وأهم المشكلات التي تواجهها الدول الإسلامية، وآثاره على التحديات المستقبلية للأمة الإسلامية، فإنه موضوع إسلامي عظيم؛ حيث إن الإسلام دعا المسلمين إلى استغلال ثروات الأرض، واستخراج مكنوناتها التي قدرها الله تعالى فيها،
غير أن كثيراً من المسلمين لم يقوموا بواجبهم نحو ذلك، اتكالاً على ما يفد إليهم من غيرهم، فأصبحوا عالة بل أسرى مسترحمين، وذلك ما لا يجوز لهم فعله، فكان على مجمع المسلمين هذا أن يبين للمسلمين ما يجب عليهم نحو أنفسهم، حتى يحققوا الاكتفاء الذاتي على الأقل.
وموضوع الجنيوم البشري والهندسة الحيوية المستقبلية، وهو الموضوع الذي سبق بحثه في المجمع، وعقدت له ندوات عدة، وصدرت فيه قرارات، وفي ظل الثورة الصناعية الرابعة التي وصلت إلى التلاعب بالجينات الحيوية وتطويرها، فإن ذلك يحتم على المجمع أن يبحث مستجداته حتى تُعرف أحكامها.
وبهذا تكون موضوعات هذه الدورة القليلة العدد أكثر حاجةً للناس، وصدور رُؤى وقرارات واضحة فيها سيكون أكثر نفعاً إن شاء الله تعالى.
الإمارات اليوم