نظرات-حول-المرجعية

نظرات حول المرجعیّة للشيخ محمد علي التسخیري

نؤكّد على أنّ الاُسلوب التّقلیدي في انتخاب المرجعیّة لم یعد اُسلوباً نافعاً، بل یحمل معه نقاط ضعف كبرى یمكن أن ینفذ من خلالھا العدو، ویسري معه الوھن في الجسم العام. كما نؤكّد أنّ الولایة لا تتعدّد مطلقاً بمقتضى كلّ الملاكات المطروحة.

موقع الاجتهاد: تقوم فكرة المرجعیّة لدى الشیعة على اُسس متعدّدة أھمّھا مسألة الاجتھاد والتقلید باعتبارھما مبدأین أصیلین في عملیّة فھم الحكم الإسلامي والعمل به، ویعبّر الإسلام من خلالھما عن مرونته وواقعیّته، فلا یمكن لكلّ أحد أن یستنبط الحكم الإسلامي، خصوصاً مع ملاحظة الفارق الزمني الطویل بیننا وبین عصر النّصوص، الأمر الّذي یتطلّب تخصّصاً لبعض النّاس في فھم الشّریعة والاجتھاد فیھا، ثمّ تُعرض النتائج على الآخرین لیعملوا بھا.

وھو مضمون الآیة الشریفة: وَما كَانَ المُؤمِنُونَ لِیَنْفِرُوا كافّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَة مِنْھُمْ طائِفَةٌ لِیَتَفَقّھوا في الدّینِ وَلِیُنْذِروا قَوْمَھُمْ إذا رَجَعُوا إلَیْھِمْ لَعَلّھُمْ یَحْذَرُون.( التوبه 122)
ولكي یُسدَّ الطریق على المتطفّلین على الاجتھاد فقد وُضعت له اُسس وقواعد تضبطه وتضمن إلى حدّ كبیر قربه من الواقع.
ولأنّ المجتھدین قد یختلفون في عملیّة الاستنباط، ولیس لأي رأي مھما سما أن یمنع من الرأي الآخر إذا كان ھذا الأخیر منسجماً مع القواعد المطروحة) فقد تُرك باب الاجتھاد مفتوحاً.
ومن الخطأ أن نتصوّر أنّ النصوص القرآنیّة النّاھیة عن الاختلاف تنظر إلى جانب الاختلاف الطبیعي في الاستنباط الصّحیح من النّصوص، وإنّما تنظر إلى التنازع في المواقف العملیّة.

وقدعمل المسلمون بھذین المبدأین لقرون ممتدّة، إلاّ أن الكثیر من العلماء في “الأعلمیّة “وتبعاً لاستدلالات عقلائیّة وتحوّطاً للأحكام الشرعیّة طرحوا فكرة اشتراط من یجوز تقلیده، وذلك في خصوص موارد الاختلاف في الفتوى.
وقد كان لھذه الفكرة الدور الكبیر في السّوق نحو قیام ” المرجعیة” كظاھرة طبیعیة على امتداد المسیرة.
كما لا ننسى أن بعض العلماء كانوا یمتلكون من العظمة والسّعة الحدّ الذي جعلھم مرجعاً لكلّ الاُمّة، لا بل كادت شخصیّتھم العلمیّة الضخمة تسدّ أبواب الاجتھاد كلّھا، وذلك كما یقال بالنسبة لشخصیّة المرحوم الشیخ الطوسي “رحمه الله”.
كما یمكن أن نعتبر حالة التشرذم والاستضعاف التي كان الشیعة یعیشونھا خلال قرون وخصوصاً في العصور الأخیرة وشوقھم لقیادة دینیّة تجمع شملھم وتوحّد كلمتھم وتدافع عن حقوقھم، من أھمّ العوامل في تركیز دور”المرجعیّة ” في حیاة الشیعة وخصوصاً في العصور الأخیرة.
وقد قامت المرجعیّة بأدوار ضخمة في المجالات العلمیّة والاجتماعیّة والسیاسیّة ولا یمكن أن ینكرھا أحد.
ومما ساعد على ھذه الأمور قیام المرجعیّة بدور ولائي مستمدّ من النّصوص التي تقرّر موضوع اشتراط الفقھ في شخص” وليّ الأمر” الأمر الّذي منح المرجعیّة القدرة على توحید المواقف السیاسیّة أحیاناً، وتنظیم عملیّة جبایة الخمس والزّكاة وباقي الضرائب والوجوه الشرعیّة، وتنظیم الحوزات العلمیّة، والقیام بالخدمات الاجتماعیّة الكبرى، والاحتفاظ بالشخصیّة المستقلّة للعالم الشیعي.
ومنذ حدوث التطوّرات والتعقیدات الاجتماعیّة، ونشوء الكثیر من القضایا المستجدّة، وتعقّد الكثیر من المواقف السیاسیّة والاجتماعیّة، ونفوذ الكثیر من العناصر المعادیة، اتّجھت المرجعیّة نحو تقویة جھازھا وتوسیع معلوماتھا وتنظیم أسالیبھا العلمیّة والعملیّة لمواجھة الموقف الجدید.
وقد شھد العالَم الشّیعي تحوّلات جیّدة في ھذا المضمار في الحوزات الشیعیّة الكبرى في النجف وقم ومشھد، لا مجال لنا ھنا لاستعراضھا.
ولم تعد الدّراسات تقتصر على الأبواب التقلیدیّة كالصلاة والطّھارة، وإنّما راحت تتناول شیئاً فشیئاً بعض الأبواب الأكثر اجتماعیّة، واُلّفت الرسائل في المسائل المستحدثَة، إلاّ أنّھا – والحقّ یقال- لم تتقدّم التقدّم المطلوب.

ومن المسائل التي شغلت بال الحوزات العلمیّة والجماھیر المؤمنة معاً في كثیر من الفترات مسألة انتخاب” المرجع الأعلى”خصوصاً بعد ازدیاد عدد المجتھدین، وتعدّد المدارس، واشتداد حسّاسیة الصراع مع قوى الكفر والاستكبار العالمي وتطوّر أسالیبه في المواجھة والعداء.

وھذا ما یتجلّى بشكل أوضح عندما یتوالى فقدان العالم الإسلامي لشخصیّات مرجعیّة في فترة زمنیّة قصیرة، وھو ما حدث في یومنا ھذا، حیث فقدت الاُمّة الشخصیّات التالیة على التّرتیب التالي:
آیة الله العظمى الشھید السیّد محمد باقر الصدر.
آیة الله العظمى السیّد عبدالله الشیرازي.
آیة الله العظمى الإمام السیّد الخمیني.
آیة الله العظمى السیّد المرعشي النجفي.
آیة الله العظمى السیّد الخوئي.
آیة الله العظمى السیّد السبزواري.
آیة الله العظمى السیّد الگلبایگاني.
آیة الله العظمى الشیخ الأراكي.
رحمھم اللّه تعالى جمیعاً وأسكنھم الفسیح من جنّته.

وھذه الفواجع أحدثت توتّراً شدیداً وقلقاً مستمرّاً ناتجاً من تعدّد الولاءات وكثرة الادّعاءات وغموض الحقیقة، وأثارت الشّبھات حول الأسالیب التقلیدیّة لانتخاب المرجع، والعلاقة بین ” المرجعیّة” و” ولایة الأمر” ومفھوم الأعلمیّة، وھل یُقتصر على الصورة التقلیدیّة له والتي یُعبّر عنھا بالقدرة الأكثر على الاستنباط في الأمور المعروفة؟
أو أنّھا تحمل معھا عناصر أخرى كسعة الاطّلاع على القضایا الاجتماعیّة والسیاسیّة العالمیّة، والقدرة الأكبر على تنقیح المواضیع الّتي یراد معرفة أحكامھا، بما یسمح للأعلم أن یكون أقرب من غیره في معرفة الموقف الإسلامي من القضیّة، خصوصاً إذا لاحظنا التّرابط الوثیق بین مواقف الإسلام وأحكامه ومفاھیمه في كلّ المشاكل الحیاتیّة الإنسانیّة؟

كل ھذه التساؤلات طُرحت على صعید البحث لا العلمي فقط، وإنّما على الصعید الثقافي العام، وحقّ لھا أن تُطرح على كلا الصعیدین وإن اختلفت لغة الطّرح بینھما.
ولسنا نستطیع أن نبتعد عن ھذه المشكلة أو ندفن رؤوسنا في الرّمال تاركین الاُمور تتّخذ بنفسھا مجراھا الطبیعي، فعلینا إذاً أن نقول كلمة في ھذه المسألة الخطیرة راجین أن ینظر الجمیع إلیھا بعین الإخلاص في قول الحقیقة.

إنّنا نعتقد أنّ الأسالیب القدیمة الّتي تمّ التعامل بھا في مجال انتخاب المرجعیّة العامّة، حیث اُوكلت الاُمور إلى نوعیّة الظروف وقدرة التّبلیغ بالإضافة إلى المقام الذّاتي الّذي یملكه المرجع، ھذه الأسالیب إن كانت ناجعةً في العصور الماضیة عصور التشرذم والاستضعاف فھي الیوم تكاد تنقلب على أھدافھا في عصر الطلائعیّة الشیعیّة لكلّ العالم الإسلامي، عصر الكلمة الشیعیّة الاُولى في قبال كلّ الطّواغیت وكلّ القوى الاستكباریّة.

إذاً لا نستطیع أن نترك الاُمور على عواھنھا خصوصاً مع ملاحظة العداء الاستكباري المخطّط لضرب الثّورة الإسلامیّة، وتركیز الأعداء على المرجعیّة، ومحاولة النفوذ من خلالھا.
إنّنا بحاجة لاُسلوب جدید منسجم مع القواعد الشرعیّة لانتخاب بالإضافة إلى أنّنا بحاجة تامّة للتأكید على الدور الأساس للمرجعیّة، وتخلیصھا ممّا اُضیف إلیھا.

فالمرجعیّة مرجعیّة في الفتوى، علیھا أن تقوم بعرض الوقائع على النّصوص والمنابع الإسلامیّة، واستنباط الموقف الإسلامي عبر عملیّة اجتھادیّة تحمل كلّ عناصر الاجتھاد المطلوبة.
وإذا اُرید لھا أن تكون مرجعیّة عامّة لكلّ قطّاعات الاُمّة وواعیة لكلّ القضایا الفقھیّة وكلّ ما له دخل في تنقیح الموقف الصّحیح من اُمور اجتماعیّة وسیاسیّة وحقوقیّة وغیرھا، كان المفروض بھا أن تستعین بلجنة فتوائیّة مشكّلة من كبار العلماء بالإضافة لكبارالمتخصّصین بمختلف القضایا الّتي یُراد منھا معرفة الموقف الإسلامي الأصیل.

وربّما كان من غیر الممكن بمكان أن نتصوّر أن الاجتھاد الفردي المنعزل یستطیع أن یلمّ بكلّ القضایا الیوم، وربّما أمكن القول ھنا إنّ قیام” دار للإفتاء” تضمّ النّخبة من علماء الشّریعة ھو الحلّ الأمثل لھذه المشكلة، خصوصاً إذا رأینا أنّ كلّ الأدلّة المذكورة للتقلید – والمعروف منھا ھو بناء العقلاء – تنسجم تمام الانسجام مع ھذا الطّرح.

أمّا المسألة القیادیّة في الاُمّة فلا بدّ أن تترك بشكل واضح إلى “وليّ الأمر” الفعلي القائم بتنظیم شؤون المسلمین.. ولا معنى لتصوّر قیادتین فعلیّتین في الاُمّة الواحدة والطائفة الواحدة، فضلاً عن تصوّر أنّ كلّ فقیه ولي مطلقاً على كلّ النّفوس والأعراض والأموال في أیّة نقطة من العالم! وإن النظریّة السیاسیّة الإسلامیّة، والواقع وكلّ بناء العقلاء ومجمل النّصوص الآتیة في الولایة تأبى ذلك.

إنّنا من ھنا نُعلنھا حقیقة مرّةً وربّما ضاقت بھا بعض النّفوس، ونؤكّد على أنّ الاُسلوب التّقلیدي في انتخاب المرجعیّة لم یعد اُسلوباً نافعاً، بل یحمل معه نقاط ضعف كبرى یمكن أن ینفذ من خلالھا العدو، ویسري معه الوھن في الجسم العام. كما نؤكّد أنّ الولایة لا تتعدّد مطلقاً بمقتضى كلّ الملاكات المطروحة.

وحینئذ فعلى الواعین من أبناء ھذه الاُمّة أن یعملوا على تركیز ھاتین الحقیقتین المھمّتین، حتى نضمن قدسیّة المرجعیّة ودورھا الفاعل، وحتّى لا نشھد بعد ھذا ضیاع الكثیر من مصالح الاُمّة ووقوعھا تحت رحمة النظرات الفردیّة والنّزعات الروحیّة المائلة إلى الإفراط أو التفریط.

المحتویات :

المقدمة
نظرات حول المرجعیة
اسس المرجعیة الدینیة والمقترحات الحدیثة حولھا
وحدة الولایة وتعددھا
الاسس التي قامت علیھا المرجعیة
المرجعیة بعد انتصار الثورة الاسلامیة
مقترحات حول مستقبل المرجعیة
مسألة الاعلمیة
الاجتھاد والتقلید ومعرفة التشریع
عدم جواز رجوع المجتھد إلى رأي غیره
اعتبار الاعلمیة في المقلَّد
الاستدلال لوجوب الرجوع الى الاعلم
حكم التبعیض والتلفیق
انفتاح باب التبعیض والاستفادة من الرخص
الولایة على الخمس
اقوال العلماء في ذلك( الخمس)
لكي نكون بمنتھى الوضوح

لتحميل المقالة أنقر هنا

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign

Clicky