الفقه الإسلامي الموروث لم يتحدث عن دولة مسلمة بل عن دار إسلام/الأصل أن كل الدول التي تحتضن مجتمعات مسلمة ذات أغلبية هي دول مسلمة سواء نصت على ذلك في دساتيرها أم لا/ اشتراط فصل الدين عن الدولة فصلا تاما لتحقق مفهوم الدولة هو تضييق لا يراعي الصيغ المتنوعة لعلاقة الدين بالدولة في الدول الغربية نفسها ولا مركزية الإسلام في ثقافة المجتمعات المسلمة ولا خصوصية التطور الاجتماعي لكثير من البلدان المسلمة
موقع الاجتهاد: في إطار الموضوع المحوري “الدولة الوطنية في المجتمعات المسلمة” انعقد يومي 19 و20 من ربيع الأول 1438 هـ بأبو ظبي عاصمة دولة الإمارات العربية المتحدة الملتقى الثالث لــ”منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة”، بمشاركة نحو400 شخصية علمية وفكرية من مختلف القيادات الفكرية والدينية.
واختتمت فعاليات الملتقى بالتأكيد على أن الدولة الوطنية المعاصرة تستمد مشروعيتها من قاعدة تحقيق المصالح ودرء المفاسد، ما يعني أن «دولة الخلافة هي صيغة حكم غير ملزمة للمسلمين»، حسب دراسة مؤصلة قدمها الشيخ عبدالله بن بيه، رئيس منتدى تعزيز السلم خلال فعاليات الملتقى، وهو ما يستدعي تجديد الخطاب الديني، مع إدراك الصعوبات التي تعترض ذلك، ومن أخطرها، تحريف المفاهيم لعدم استيعاب أصولها الأولى أو للجهل بالشروط الزمانية والمكانية التي تعيد صياغة المفهوم؛ ومن ثم فإنه لا أمل في إيجاد بيئة ملائمة لتحقيق ثقافة السلم من دون تحرير المفاهيم.
وكان الملتقى فرصة جديدة لتفعيل مقتضيات إعلان مراكش لحقوق الأقليات بالتذكير بتفرد الوثيقة التي انطلق منها أي وثيقة المدينة أول وثيقة في التاريخ تؤسس لدولة مدنية قوامها المواطنة يتضامن ويتعايش فيها الناس من أديان وأعراق مختلفة ويتساوون في الحقوق والواجبات واستحقاق الكرامة الإنسانية. وما زال إعلان مراكش يسترعي انتباه الهيئات العلمية والمنظمات الدولية ويتبنى وثيقة للتفعيل والدراسة فمن قبل كثير منها.
أهم النتائج التفصيلية للموضوعات المطروقة في هذا الملتقى:
النـتـائـج:
أولا- في المبادئ والمنطلقات والمفاهيم:
– إن معضلات الأمة الإسلامية لن تجد لها حلولا بمعزل عن دينها الذي ارتضاه الله لها بالأدلة البينات والحجج الواضحات بشرط سلامة منهج التعامل مع النصوص وعمق الفهم لمقاصد الشريعة وحسن تنزيل الأحكام الشرعية على واقع اتضحت معالمه واستوعبت عناصره وأبعاده.
– إن أزمة الأمة ليست في قيم دينها وأحكامه ولكن في عدم سلامة منهجية التعامل مع النص الشرعي.
– إن أزمات الأمة الإسلامية وإن كانت متعددة الأسباب والأبعاد فإن مفتاح الحلول يكمن في تجديد الخطاب الديني ليعبد للناس طرق السلم والعيش المشترك والترقي في مدارج تكريم الإنسان وعمارة الأرض.
– إن من أخطر التحديات التي تواجه تجديد الخطاب الديني تحريف المفاهيم لعدم استيعاب أصولها الأولى أو للجهل بالشروط الزمانية والمكانية التي تعيد صياغة المفهوم؛ ومن ثم فإنه لا مطمع في إيجاد بيئة ملائمة لثقافة السلم بدون تحرير المفاهيم من اجتيال الجهل أو تحريف الغلو.
– إن بُؤرة تجديد الخطاب الديني إنما تكمن في صياغة المفاهيم صياغة مستقلة مبتكرة أو مراجعة المفاهيم المعتمدة في المجالات المستهدفة وما يتولد عنه من الأحكام لتهذيبها وعرضها من جديد على أصولها من جهة وعلى النتائج من جهة أخرى، مما قد يؤدي إلى تحويرها أو تغييرها أو تطويرها أو تعديلها وتبديلها.
– إن مفهوم الدولة والدولة الوطنية من المفاهيم المفجرة التي يجب تفكيكها وإعادة تركيبها، لأن البعض تذرع به لتحقيق غايات يضفي عليها الشرعية من خلال نصوص مجتزأة من سياقاتها، ومن خلال إهمال فج لأدنى قواعد منهج تنزيل الأحكام والمفاهيم التي أصل لها علماء المسلمين عبر الأزمنة المتوالية.
– إن مشروعية الدولة الوطنية اليوم تتضرر من اشتراط شروط مثالية لا تستوعب منطق الشرع نفسه ولا منطق التجربة التاريخية للأمة بقدر ما تتضرر من اشتراط التماهي والتطابق مع صيرورة الدولة ومؤسساتها في التجربة الغربية الحديثة.
– إن اشتراط فصل الدين عن الدولة فصلا تاما لتحقق مفهوم الدولة هو تضييق لا يراعي الصيغ المتنوعة لعلاقة الدين بالدولة في الدول الغربية نفسها ولا مركزية الإسلام في ثقافة المجتمعات المسلمة ولا خصوصية التطور الاجتماعي لكثير من البلدان المسلمة.
– إن من خصائص الشريعة الخاتمة تكامل الديني والدنيوي فيها وكون بعض الحقوق مركبة يجتمع فيها حق الله وحقوق العباد.
– إن طبيعة الرسالة المحمدية باعتبارها الرسالة الخاتمة اقتضت أن تتسع أصولها ومقاصدها للبشرية جمعاء وأن تترك للعقل والرأي والتجربة الإنسانية النصيب الأوفر في تدبير ما الأصل فيه التغير والتطور كمسائل الدولة ووظائفها ومؤسساتها.
– إن التمييز بين المستويين الديني والدنيوي المصلحي في الأحكام منهج نبوي أصيل استوعبه سلف الأمة ففرقوا بين ما مجاله التوقيف وما مجاله الاجتهاد القائم على جلب المصالح ودرء المفاسد الخاضع لمقتضيات الزمان والمكان والإنسان.
– إن كثيرا من الباحثين تربكهم العلاقة بين الديني وبين الدنيوي والإحالة المتبادلة فيما بينهما في الإسلام لضعف معرفتهم بطرق الاستنباط من النصوص وبمقاصد الشريعة وأدوات التنزيل في السياقات الزمانية والإنسانية، فيقتصرون على ظواهر من النصوص دون مقاصد وعلى فروع بدون قواعد فيدخلون في خصومة مع كل واقع يتجدد.
– إن هذه الإحالة المتبادلة بين الديني والدنيوي تورث وهما عند غير الراسخين في العلم أنه ديني بحت أو دنيوي محض توقع في كثير من سوء الفهم للنصوص، وفي التعسف على الواقع، وتفويت مصالح الخلق.
ثانيا – في تنزيل منهجية المنتدى على موضوع الدولة الوطنية في السياق الراهن:
-إن الفقه الإسلامي الموروث لم يتحدث عن دولة مسلمة بل عن دار إسلام.
– إن العبرة في إسلامية الدار ليست بالأحكام ولا بالحكام بل بالسكان؛ أي بوجود أغلبية مسلمة بوسعها ممارسة شعائر دينها في أمان.
-إن الدولة في القانون الدولي كما خددتها معاهة مونتيفيديو 1933 بالأورغواي عبارة عن اجتماع العناصر التالية:
1- وجود أرض محدودة ومعينة.
2 – وجود شعب يقيم على هذه الارض بشكل دائم.
3- وجود شكل من الحكم في حده الأدنى.
4- القدرة على إقامة علاقات مع الدول الأخرى.
– إن مسألة الدولة لا تجد موقعها في التعبديات، بل هي من صميم المصلحة التي رعاها الشرع وأوكل إلى العلماء النظر فيها والحكم بمقتضاها وفق المنهج المنضبط الذي يسمح بالوصول إلى صياغة مفهوم وصورة للدولة لا ينافيان مقتضيات الشرع ويتفقان مع معطيات العصر.
– نصوص الفقهاء شاهدة على أن قضية الخلافة لا ترتبط بأصول الدين، ولا ترقى إلى مستوى مسالك اليقين.
– إن ضرورة وجود سلطة تحفظ مصالح الناس وترعى شؤونهم أمر لا خلاف فيه في شريعتنا قولا وفعلا وتقريرا، لكن لا يلزم من هذا أي تحديد لطبيعة هذه السلطة ولا كونها دولة موحدة جامعة للمسلمين.
– إن التجربة التاريخية للأمة تثبت تعدد دول الإسلام، وتعدد أئمتها، ولم يثبت أن أحدا سعى إلى توحيد الأقطار تحت راية واحدة بسبب الواجب العقدي المستبطن لمبدأ وجوب الخلافة ووحدة الإمام.
-إنه لا يوجد في شريعتنا حول شكل السلطة وصلاحياتها ومكوناتها وطريقة تداولها أحكام ثابتة ملزمة إلا بقدر ما يحقق من المصلحة أو ما يدرأ من المفسدة، ويتلاءم مع أعراف وأحوال الناس، ويوفر السلام ويحفظ النظام، ويكون أقرب إلى روح الشرع في الأحكام.
– إن أساس فقه الدولة في الإسلام عدم منافاة التشريعات والتدابير للنصوص الشرعية؛ وليس شرطا أن تكون منصوصا عليها أو مقيسة على النصوص.
– إن مقتضى انبناء فقه الدولة على أساس رعاية المصالح كون المفهوم القانوني والسياسي للدولة متطورا بحسب إرادة الإنسان وحاجاته، فتكون الدولة حسب إرادة المجموع بسيطة أو فيدرالية أو كونفدرالية، فالإسلام لا يهتم بالشكليات وإنما بالمضامين الموصلة للمصلحة.
– الأصل أن كل الدول التي تحتضن مجتمعات مسلمة ذات أغلبية هي دول مسلمة سواء نصت على ذلك في دساتيرها أم لا
– إن التشكيك في إسلامية الدول المسلمة لمجرد وجود بعض القوانين المخالفة للشريعة ذهول أو تجاهل لقرب عهدها بنكبة الاستعمار ولخصائص الدولة الوطنية في العصر الحديث؛ بكل التحديات والإكراهات التي تفرضها على النسيج الثقافي والاجتماعي والاقتصادي والتشريعي للمجتمعات المسلمة.
– إنه من الخطأ اشتراط عدم مخالفة أي نص شرعي لاعتبار الدولة مسلمة لأن الإسلام بالنسبة للأفراد متحقق بالشهادتين. وهذا الذي تدل عليه النصوص الشرعية، كقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (من صلى صلاتنا واستقبل قبلتنا، وأكل ذبيحتنا، فذلك المسلم، الذي له ذمة الله وذمة رسوله، فلا تخفروا الله في ذمته).
– إنه إذا كان الحكم ممكنا على قانون ما بالمواءمة أو المخالفة للشرع، فإن حكم المتعاطي مع هذا القانون يفتقر إلى منظومة أخرى تنتظم توفر الشروط وانتفاء الموانع وقيام الأسباب والعلاقة بين الرخص والعزائم التي تندرج تحت خطاب الوضع.
– إن الدولة الوطنية في عالمنا الإسلامي مع اختلاف أشكالها وصورها، هي نظم شرعية لها من المشروعية ما للإمبراطوريات الكبرى التي كانت قائمة في التاريخ بناء على قانون المصالح والمفاسد الذي تدور حوله أحكام الشرع، فلا يجوز أن تراق الدماء لتوحيد الدولة، ويجب أن يسود السلام.
– إن حرمة الدول المسلمة ومواطنيها لا يعني أي انتقاص من حرمة غيرها من الدول بل هو مجرد تخصيص بالذكر والاهتمام اقتضاه تصحيح مفاهيم مغلوطة متداولة في السياق الثقافي الإسلامي الراهن.
– إن التضامن وإصلاح الوحدات الوطنية هو السبيل الوحيد للخروج من الظروف الحرجة التي تعيشها المجتمعات المسلمة اليوم.
– إن مكافحة الإرهاب الذي يعتبر آفة العصر ومرضه العضال تقتضي تكاثف جهود الجميع ماديا وفكريا والتضامن مع المسلمين وخاصة في المنطقة العربية لأنهم أول المتضررين .
التوصيات:
– متابعة الاهتمام بالمفاهيم التي يترتب عن سوء فهمها إخلال بالسلم الاجتماعي أو الأهلي أو العالمي.
– المزيد من التنسيق مع الهيئات والمنظمات وممثلي الديانات المختلفة في مجال نشر قيم السلم والعيش المشترك والأخوة الإنسانية.
– تعزيز قيم الدولة الوطنية في المقررات الدراسية في المجتمعات المسلمة وفي أقسام الدراسات الشرعية.
– تشجيع البحث الجامعي في مجال التأصيل للدولة الوطنية مقاصد وتاريخا.
– تخصيص جوائز وطنية وعلى صعيد المجتمعات المسلمة للبحوث المتميزة في دراسة المفاهيم الشرعية المرتبطة بالدولة في نشوئها وتطورها وعلاقتها بالواقع المعاصر.
– نشر أعمال هذا الملتقى بمختلف وسائل النشر الورقي والإلكتروني والتفاعلي لتعم بها الفائدة ويتاح التواصل حولها مع الهيآت العلمية ” لمنتدى تعزيز السلم” ومع المسهمين فيه بالعروض والبحوث.