الاجتهاد: في مثل هذه الأيام قبل أربعين عاماً حزم الإمام الراحل روح الله الموسوي الخميني حقائبه عائداً من منفاه الباريس إلى إيران حيث انتظرته الملايين في الشوارع، ليتولّد تسونامي شعبي سياسي انتهى بعد أيام بانتصار الثورة التي غيّرت وجه إيران والمنطقة وتحوّلت صانع سياسات يدخل نادي الكبار ويترك بصماته في الأحداث الدولية الكبرى.
بمثل ما خطت الثورة خطواتها الأولى في عهد الإمام الراحل واصلت وراكمت البناء بثبات في ظل قيادة الإمام علي الخامنئي، ممسكة بثلاثية واضحة عناوينها،
أولاً استقلالية القرار الوطني للدولة وارتكازه حصراً على المصالح الوطنية للشعب الإيراني، وثانياً بناء مقومات الاكتفاء الذاتي الصناعي والزراعي والتقني ضمن مسار واضح لامتلاك مقومات الدول العظمى في ميادين النمو الاقتصادي والتقدم العلمي، وثالثاً اعتبار الاستثمار في خيار المقاومة على مستوى المنطقة جزءاً لا يتجزأ من السعي لمكانة إيران الفاعلة في السياسات الإقليمية والدولية عملاً بشعار الإمام الخميني يوم وصوله إلى طهران عشية انتصار الثورة، اليوم إيران وغداً فلسطين.
صمدت إيران خلال أربعة عقود بوجه الضغوط السياسية والعسكرية والاقتصادية، التي أرادت جلبها إلى طاولة التفاوض على حساب قرارها المستقل، وإفهامها أن الاستقرار والبناء لهما ثمن، وهو المساومة على الاستقلال، فتعرّضت إيران لأشرس الحروب، وأقسى العقوبات، وكل أنواع الحصار والشيطنة والتشهير،
وبدلاً من أن يضعفها ذلك ويجعلها تتقبل عروض المساومات، ذهبت إيران لبناء مصادر القوة العسكرية وطوّرت مقدرات تسليحية بإمكانات ذاتية جعلتها واحدة من أقوى دول العالم عسكرياً خصوصاً في مجال الصواريخ.
وفي المجال الاقتصادي نجحت إيران ببناء مقومات الاكتفاء الغذائي والاستهلاكي بالاعتماد على مواردها الطبيعية وطاقاتها البشرية، وطورت تقنيات وابتكرت حلولاً، وأنتجت أجيالاً من المبدعين في مجالات الطب والفيزياء والرياضيات والعلوم الذرية كان أبرز نتاجاتها بلوغ المراتب المتقدمة في برنامجها النووي بمقدرات إيرانية وطنية.
وفي السياسة نجحت إيران ببناء نظام سياسي قوي منفتح على احتواء التعددية السياسية الداخلية، متماسك في مواجهة المخاطر الخارجية. وظهرت أحزاب وصحف تعبر عن وجود معارضة وازنة، لكن ظهر بالمقابل في كل المحطات الفاصلة أن إيران عصية على الكسر والعصر في آن واحد.
الإنجاز الأهم لإيران الثورة والدولة كان وقوفها الصلب في صف حركات المقاومة، فكانت الظهير والداعم والسند للمقاومة في لبنان وفلسطين، وبعدهما لنشوء قوى المقاومة في العراق واليمن، والأهم وقفتها التاريخية مع سورية في مواجهة الحرب الظالمة التي استهدفتها واستهدفت موقعها في محور المقاومة.
وها هي إيران التي تحتفل بأربعينية انتصار ثورتها الإسلامية تجد إلى جانبها الوطنيين والقوميين واليساريين والثوريين والأحرار من كل فكر وعقيدة، لأنها وقفت مع قضية فلسطين وخيار المقاومة بصدق وشرف، بينما أغلب الحكومات العربية التي تزوّدت بأموال تفوق مقدرات إيران، فشلت في تحقيق أي نمو أو تقدم، وقدمت الوعود باستعادة الحقوق العربية التي يغتصبها كيان الاحتلال بقوة علاقتها بالغرب وعلى رأسه أميركا، فانتهى بها الأمر لتسويق التطبيع مع كيان الاحتلال والترويج لصفقة القرن وجوهرها التنازل عن القدس.
في أعياد الثورة التي تحييها إيران يتوجه كل المقاومين العرب والمؤمنين بحق فلسطين وشعبها ومقاومتها بالتحية لقيادتها وشعبها ومناضليها، مؤكدين مواصلة السير معاً حتى التحرير الكامل لتراب فلسطين واستئصال الغدة السرطانية التي يمثلها كيان الاحتلال في جغرافيا المنطقة، ثكنة عسكرية متقدمة لحساب مشاريع الهيمنة الأميركية، حيث سيبقى نموذج الثورة والدولة في إيران مصدر إلهام دائم يثبت إمكانية الثبات على خيار التمسك بالاستقلال والتشبث بالحقوق وبقدرة الشعوب على حماية حريتها وسيادتها.
المصدر: صحيفة البناء