السيد-كاظم-اليزدي

منهج السيد محمد كاظم اليزدي”ره” في التعامل مع سند الروايات

الاجتهاد: التعامل مع السند يتّخذ عند السيد محمد كاظم اليزدي منهجاً خاصّاً، من حيث اعتماده على الرواية، إلى درجة يطمئنّ خلالها إلى أنّ غالبية المأثور من الروايات تتسم بالاعتبار، بغض النظر عن درجة ذلك. / بقلم المؤرخ كامل سلمان الجبوري

حتى أنّه، انطلاقاً ممّا ألمحنا إليه أكثر من مرّة، بأنّ السيّد اليزدي يتعامل مع النص من خلال المقولة، أو المبدأ القائل بأنّ الجمع الدلالي هو أولى من الطرح، غير أنّ هذا المبدأ – كما هو ملاحَظ – قد يغالي فيه البعض إلى درجة أن يؤوّل الخبر مثلاً على خلاف الظاهر منه، حتى أنّ بعض الأخبار (نصّ) واضح في دلالته وليس ( ظاهراً ) فحسب، ومع ذلك يرتكب بشأنه من التأويلات ما ليس بمقبول…

هذا بالنسبة إلى فقهاء متنوّعين، ولكن بالنسبة إلى اليزدي، فإنّ الاهتمام الزائد بمبدأ عدم طرح الرواية، يقتاده إلى أن يتجاوز مجرّد الدلالة إلى ( السند ) بحيث يصرّح مثلاً في إحدى ممارساته قائلاً:

( الجمع الدلالي مقدّم على الترجيح السندي )، بمعنى: أنّ الخبرين إذا تضاربا وكان أحدهما ضعيفاً ولكن يمكن حمله من خلال حمله مثلاً على الندب أو الكراهة، مقدّم على ترجيح الأوّل المعتمد شهرةً قبالة الثاني المخدوش سنداً، قال ذلك تعقيباً على الأقوال المختلفة في باب الربا، لبيع الرطب من الأشياء باليابس منها، حيث حمل المانعة على الكراهة بقرائن متنوّعة، وعقّب بكلامه المذكور..

بيد أنّ هذا لا يعني أنّ مطلق الضعيف مقبول عند اليزدي بقدر ما تفرضه سياقات متنوعة،

منها:  السياق المذكور ومنها ( وهذا هو الأهم ): السياقات التي يقترن فيها الخبر بأحد مبادئ التوثيق، مثل: العمل به عند الأصحاب، ومثل: تصحيح ما يصح منه، ومثل: مراسيل البعض… إلى آخره،

ومنها: إذا كان متوافقاً مع جوهر الشريعة،… ولسوف نستشهد بأمثلة هذه النماذج بعد سطور… لكن ينبغي ألاّ نلقي بلومنا كثيراً على أمثلة هؤلاء المتساهلين في السند، قبالة المتشدّدين منهم قديماً وحديثاً، بخاصّة إذا أخذنا بنظر الاعتبار: أنّ المتشدّدين أنفسهم في نهاية المطاف لا يلوون عن الخبر الضعيف إلاّ نادراً، وإلاّ فإنهم يدخلون إلى مداخل متنوّعة للعمل به بشكل أو بآخر، ولعلّ في نهاية المطاف يجعلونه ( مؤيّد ) أو ( معزّز ) لرواية معتبرة أو لأصل يعتمدونه… إلى آخره،

أو حينما يسقطونه أساساً ويتّجهون إلى ( العموم الفوقي ) نجد أنّ هذا ( العموم ) نفسه يتساوق مع مضمون الخبر الضعيف، وتكون النتيجة هي: العمل بالخبر الضعيف حتى بالنسبة إلى المتشدّد من الفقهاء…

وأمّا في حالة مَن عرف باحتياطاته في الفتوى، وتشدّده في السند من خلال رفضه للضعيف، يعمل بدوره في نهاية المطاف بهذا العمل: متوكّئاً على ( الأحوط ) في العمل به… وهكذا.

والحق: بما أنّ الوجدان يحكم بأنّ الثقة وغير الثقة، يشتركان في إمكانية الصدور عن الخبر المعتبر؛ لأنّ الكاذب مثلاً لا يعني أنّه كذّاب في جميع كلامه بقدر ما يتسلّل الكذب إلى قسم منه: عدا ما أشار إليه المعصومون ( عليهم السلام ) إلى أسمائهم، وأمرونا بعدم الأخذ عنهم..

بالإضافة إلى التجربة الفقهية ذاتها تدلنا على الحقيقة المتقدّمة، حيث إنّ عشرات الأخبار الضعيفة متوافقة تماماً مع الأخبار المعتبرة في مضامينها، ولا نعدم فقيهاً، يريد الاستشهاد بالنصوص على دعم وجهة نظره الفقهية إلاّ يسوق جميع أو غالبية الأخبار المتّصلة بموضوع بحثه وفيها: المعتبر وغير المعتبر، وإلاّ لما حق له أن يستشهد بغير المعتبر، وما هذا إلاّ ويعني: أنّ إمكانية أن يكون الضعيف – بحسب المعايير الرجالية – معتبراً بما قدّمناه، أمراً لا ضرورة للتشكيك به..

على أيّة حال؛ بالنسبة إلى ( السيّد اليزدي ) فإنّ عمله بالضعيف من الخبر يظل – كما أشرنا – متوكئاً على العمل به لدى الفقهاء، وخاصّة إذا كان مشهوراً، أي: أنّه يعمل بالضعيف سواء أكان العامل به قليلين أو كثيرين بحيث يصبح العمل به أو الفتوى المتوكئة عليه: مشهورة.

وإليك نماذج من ممارسات اليزدي في هذا الحقل:

– ( الأقوى هو القول الأوّل للأخبار المتجسّدة بعمل المشهور ) باب الخمس.
– ( إلاّ أنّه منجبر بالعمل ) الخمس.
– ( المنجبر بالشهرة، ورواية محمد بن محبوب الذي هو من أصحاب الإجماع ) منجّزات المريض.
– ( الصحيح إلى صفوان الذي هو من أصحاب الإجماع عند بعض أصحابنا ) منجّزات المريض.

– ففي حسن سليمان… الطويل… وفي مرسل محمد بن الصباح… وقد عمل بهما الأصحاب ) منجّزات المريض.

هذه النماذج الخمسة، عدا السادس، تفصح بوضوح عن نمط تعامل اليزدي مع الأخبار غير المعتبرة، فحيناً يتوكّأ على مصطلح ( المنجبر بعمل المشهور، وحيناً المنجبر بالعمل، وحيناً المنجبر بالشهرة، وحيناً على أحد أصحاب الإجماع في (مرسل) صفوان، وحيناً – وهذا ما يلفت النظر – يضيف إلى ( الرواية المرسلة ) الرواية الحسنة: كما لوحظ في الممارسة السادسة.

طبيعياً، إنّ الحسن والموثّق لا يمكن بحالٍ أن يكتسبا قوّة بعمل المشهور بهما؛ لأنّهما مستقلاّن في الاعتبار كما هو واضح، بل كما ملاحظ في كثير من ممارسات (السيّد اليزدي) ذاته عندما يستشهد بـ(الحسن) بصفته معتبراً… ولعلّ ذلك، أي عدّه (الحسن ) منجبراً بالعمل، مجرّد تأكيد لإثبات وجهة نظره الفقهية.

وأيّاً كان فإنّ الضعيف برواية، والضعيف بإرساله، يجد له جابر ) من خلال عمل المشهور، وأصحاب الإجماع… إلى آخره.

لكن هل يعني هنا أنّ ( اليزدي) يعمل بالرواية غير المعتبرة حتى لو لم ينجبر بالعمل؟ طبعاً لا، إلاّ في حالات نادرة كما لحظناه بالنسبة إلى إيثاره العمل بالخبرين المتضاربين، إذا كان الإمكان إلى جمعهما متاحاً، حينئذٍ إذا كان أحدهما ضعيفاً، فالعمل به متعيّن قبالة عدم ترجيح الآخر الأصح سنداً.

خارجاً عن ذلك يمكننا أن نستشهد بنماذج من ممارساته التي يرفض بها الرواية غير المعتبرة، إمّا من خلال التصريح بالرفض، أو في حالة السكوت عن التعليق عليها، مع ملاحظة أنّ الرفض يتخذ بطبيعة الحال مسارات متنوّعة، منها:

– عدم جبرانه بالعمل، هذا من نحو على خبر يقرّر بأنّ المرأة تبيّن بالوضع الأوّل عن زوجها وليس بالثاني، قائلاً: ( وفيه: أنّه ضعيف، ولا جابر له )… ومن ذلك:

– عدم اعتباره حتى لو كان معتبراً، إلاّ أنّه معرض عنه، وهو المبدأ الحديثي الذي يقرّر بأنّ الخبر إذا كان ضعيفاً وعمل به يجبر، وإن كان قويّاً ولم يعمل به يهجر،

وهذا ما تمكن ملاحظته في الممارسة الآتية:

(وما في صحيح سليمان بن خالد من أنّها شهران فشاذّ لا عامل به ) عقّب به على مدّة الأمَة المحدّدة بخمسة وأربعين…

ومنها:

– المظان الروائية المشكوك نسبتها إلى أصحابها، مثل:
( الفقه الرضوي ) الذي يتفاوت فقهاؤنا في تقبّله أو عدم ذلك، حيث يبدو أنّ السيّد اليزدي هو من النمط الآخر، وهذا ما نلحظه في جملة ممارسات منها: تعقيبه على الوصية بأكثر من الثلث، حيث قال عنه:

( لا وجه للتمسّك… لعدم ثبوت خبرية الرضوي، فضلاً عن حُجّيته ). وفي مكان آخر من الموضوع ذاته يقول: ( مضافاً إلى أنّ الرضوي غير ثابت الحجّة، بل لم يثبت كونه خبر ).

واضح من هذين التعقيبين أنّ السيّد اليزدي معرض تماماً عن المصدر المذكور، حيث ذهب إلى عدم كونه خبراً، فكيف بحُجّية ذلك.. هذا ويقتضينا الإنصاف أن نحتمل بأنّ الفقه الرضوي – هو من إملاء الإمام (عليه السلام)، وتكلّف بصياغة مضموناته أحد المعنيّين بهذا الشأن.

وبغضّ النظر عن ذلك، نتابع ممارسات اليزدي عبر رفضه العمل بالخبر الضعيف، ومنها:

– تشخيصه لنمط الضعيف من حيث الرواة: كالإمامي والعامي، ومثل مذاهبهم:
مثل واقفيّة الراوي، أو فطحيّته، أو… إلى آخره.

وفي هذا السياق يقف مثلاً عند أحد موضوعات الربا، ورواية غياث بن إبراهيم عن الصادق (عليه السلام)، ويقف عند خبر ( نبوي ) من طرق العامّة، فيعقّب: ( النبوي عامّي ضعيف، ولم يثبت كون غياث موثّقاً، وهو بتري ).. هنا ينبغي الانتباه على تعقيب اليزدي، بالنسبة إلى خبر غياث من حيث عدم ثبوت كونه موثّقاً، يتنافى مع قوله من الراوي المذكور عبر استشهاده بالنصوص، قائلاً:

( واستدلّ على أصل الحكم… بالنبوي العامّي… وبموثّق غياث بن إبراهيم عن الصادق (عليه السلام)… إلى آخره )… والمفروض هنا أن يقول ( وبخبر إبراهيم… ) حتى يتناسب تشكيكه بوثاقة الراوي مع المصطلح الذي يستخدمه، وإلاّ كيف يصفه بـ ( الموثّق ) ويضعّفه بتبرئه صاحبه؟

إلاّ في حالة كونه يعتقد بأنّ ( الصحيح ) هو المعتبر، بخلاف ( الحسن ) و( الموثّق ) حيث يعتبرهما مع ( الضعيف )، وهو ما لاحظناه في ممارسةٍ سابقة.

إنّ ما تقدّم يجسّد ممارسات للسيّد ( اليزدي ) في سياقات تتّصل بالخبر من حيث تضاربه الظاهري والباطني، ومن حيث سنده.

 

المصدر: السيد محمد كاظم اليزدي سيرته وأضواء على مرجعيّته ومواقفه ووثائقه السّياسيّة

حقائق ووثائق ومذكّرات من تاريخ العراق السّياسي لم يُنشر بعضها من قَبل / كامل سلمان الجبوري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign

Clicky