توحيد التواريخ الإسلامية

من أوراق العلامة المظفر”ره”.. توحيد التقويم الهجري والهلال بين الدول الإسلامية

الاجتهاد: عثر في أوراق المرحوم الدكتور السيد محمد بحر العلوم على مسودة هذه المذكرة بخط الشيخ المظفر وهي تتضمّن ملاحظات للمناقشة والحوار بما ورد بتقرير الجامعة العربية – آن إذ – بخصوص توحيد التواريخ الإسلامية ومواعيد العبادة.

والذي يبدو أن التقرير لنتائج جلسة حوار ربما كان منعقداً في مجلس (براني المرحوم السيد علي بحر العلوم) ثم احتفظ بالمسودة عند السيد بحر العلوم وربما حصلت هذه الجلسة بتوجيه من المرجعية العليا.

إن الهدف الذي يرمي اليه التقرير هدف جليل له الأثر البالغ في حياة المسلمين وتوحيد كلمتهم ولا يزال المخلصون ينعون على الأمة الإسلامية اختلافها حتى في مظاهر اعيادها ذلك الاختلاف الذي هو على الأكثر نتيجة التواكل والتحلل وعدم العناية الجدية المخلصة بلّم الشعث ورأب الصَّدع.

ويا حبذا أن تتعاون المؤتمرات الإسلامية في توجيه امتنا الى ما يجمع شملهم ويوحد كلمتهم تعاونا يستهدف خدمة الدين الإسلامي والامة خدمة صادقة خالصة.

وفي سبيل تحقيق هذا التعاون نعلق بما يعن لنا على ما جاء في تقرير الجامعة العربية في خصوص توحيد التواريخ الإسلامية ومواعيد العبادة فنقول:

إننا – المكلفين بالواجبات الإلهية – لأجل أن نخرج عن عهدة تلك الواجبات لابد لنا من أن نؤديها كما وردت في الشريعة بجميع ما لها من قيود وشروط، والا كنا عابثين مستهينين بها.

ولا شك في أن الوقت المحدّد للعبادة كالصوم والصلاة من جملة القيود التي يجب مراعاتها والمحافظة عليها بدقة متناهية.

وفيما يتعلق بموضوع وقت الصوم بالخصوص الذي تناوله التقرير جاء في الحديث النبوي الصحيح ما يؤكد عدم جواز الاستباق به عن وقته ابدا كالحديث الشريف «لا تصوموا قبل رمضان وصوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته والحديث الآخر «لا تقدموا الشهر بصيام يوم ولا يومين إلا أن يكون شيء يصوم أحدكم لا تصوموا حتى تروه ثم صوموا حتى تروه» إلى غيرهما (راجع کنز العمال ج 4 ص ۳۰۲ رقم الحدیث  6071 فما بعده).

وبعد هذا نقول: ان الشريعة الإسلامية اعتبرت ميقات الصوم بالشهر الهلالي (الشهر العربي) الذي عدته بالأيام الهلالية. واليوم الهلالي (وهو اليوم العربي) يبتدئ من أول الليل بينما ان اليوم الشمسي يبتدئ من نصف الليل.

ولذا كانت العرب حينما تؤرخ ایام الشهر تقول: ”لثلاث مضين. لأربع مضين… وهكذا. ولثلاث بقين ولأربع بقين.. وهكذا” . فاعتبرت حساب أيام الشهر بالليالي لا بالنهار بدلیل تذكير العدد فالمعدود مؤنث هو الليلة.

وعليه إذا تولد الهلال في اثناء الليل او في النهار فلا يدخل هذا اليوم في حساب الشهر – کما اراد التقرير أن يفرضه – لأنه لم يكن من اول الليل قد تولد الهلال. فإذا صمناه فقد قدمنا الشهر بصيام يوم وهذا ما لا تجوزه الأحاديث الشريفة المتقدمة وهي احادیث صريحة متواترة.

والنتيجة التي نستخدمها ان توحید جميع الأقطار الإسلامية او الارضية على اعتبار يوم معين اول شهرهم الصيامي او يوم عيدهم لمجرد ان الهلال تولد اول الليل في مكة المكرمة لا يمكن أن ينطبق على ما جاء في الشريعة الإسلامية من توقيت الصيام والاعياد وبالشهر الهلالي الذي يتبدئ حساب أيامه من اول الليل.

ولأجل هذا حكم كثير من الفقهاء بأن ثبوت الهلال في بلد لا يكون حجة على البلدان الأخرى كما هو مذهب آل البيت “عليهم السلام”.

والتقرير أشار إلى اختلاف البلدان في تقدير الزوال والغروب للصلاة فتكون البلدان مختلفة ايضا في تقدير يوم صومها وعيدها لاختلافها في تولد الهلال من اول الليل فيها. أي أنه لابد ان يمر غروب الليلة الأولى من الشهر وقد تولد الهلال فيه وكل بلدة على حدة.

ومع اعتبار ذلك لابد أن تختلف البلدان المتباعدة في تأریخ اول الشهر. وهذا الاختلاف لا يتجاوز – على كل حال – يوما واحداً.

وقياس توقيت الشهر على توقيت الزوال بقرينة (جرنتيش) – کما حاول التقرير – قیاس لا يستقيم لأن هذا التوقيت بتعيين خطوط طول البلدان انما يضبط توقيتها الزوال، لا انه يوّحد زوالها وتاريخه والتقریر پرید بهذا القياس ان يوحد التاريخ، لشهور البلدان المتباعدة واين هذا من ذلك

نعم يستقيم هذا القياس اذا جعلت مكة المكرمة مرکز انطلاق لتوقيت اوقات الشهور في البلدان الأخرى بأن تحتفظ لكل بلدة بوقتها الخاص بها نستطيع ان نعرف بالضبط لكل بلد اول شهرها کما نعرف في معرفة خطوط الطول لكل بلدة اول زوالها، وفائدة هذا هو ضبط اوائل الشهور في البلدان لا توحيد تواريخها كما يريد ان يستنتجه التقرير ويحصل عليه.

وهذا فرض معقول لا يتعارض مع القواعد الإسلامية وضبطه يحتاج إلى دقة بالغة في الحساب و ثقة كاملة بثبوت الهلال في مكة المكرمة ولابد أن يتفق جميع المسلمين على طريقة ثبوت الهلال.

هذا كله اذا صح لنا الاجتهاد بأن نعتبر الهلال يتولد النور به، أما اذا جمدنا على التعبير في الحديث النبوي بقوله صلى الله عليه وآله وسلم”: صم للرؤية وأفطر للرؤية” واستنتجنا منه أن ثبوت الهلال لا يكون الا بالرؤية ولا غيره بالحساب والآلات الرصدية فأن المسألة تكون أشکل،

ولا يصبح في ذلك الغرض الذي ذكرناه بشرعنا الا بالرؤية لكل بلد اسلامي باستقلاله والبلدان المجاورة له التي تتحد معه في افق الرؤية.

 

المصدر: كتاب موسوعة العلامة الشيخ محمد رضا المظفر – المجلد الثامن – من وحي الفكر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign

Clicky