لا حجية ذاتية للقطع واليقين وإنما طريقية .. الشيخ محمد علی میرزایي

ليس من لديه دليل معذوراً بالضرورة. بعض من لديه الدليل معذور و البعض الآخر غير معذور في اي ساحة كانت. مثلا في اختيار الأديان والمذاهب ليس كل من لديه دليل هو ينجو من الحساب و يصبح اختياره مقبولا عندالله. / كل النظريات التي تبنى على التعددية وحق الناس في التعبد بأي مذهب أو دين أتى ما دام هناك دليل هي نظريات باطلة. لأن العقل والبرهان والدليل هي فوق التيارات والمذاهب والمدارس والنحل.

خاص الاجتهاد: أسبقية المنطق والعقل والسمع والنظر على مجرد الدليل:
ليس من لديه دليل معذوراً بالضرورة. بعض من لديه الدليل معذور و البعض الآخر غير معذور في اي ساحة كانت. مثلا في اختيار الأديان والمذاهب ليس كل من لديه دليل هو ينجو من الحساب و يصبح اختياره مقبولا عند الله. أركز على هذه النقطة لأن نظريات كثيرة يطلقها بعض من العلماء هذه الأيام تتصل بهذه النقطة بالتحديد.

دعنا نتحدث عن أكبر من مجرد الدليل وإنما اليقين والقطع. ليس كل من صار لديه قطع بسلامة دينه أو مذهبه هو ينجو و يصبح من حقه تبني ذلك الدين. نعم بعض من لديه قطع و يقين بصحة المعتقدات يصبح من الناجين. هذا بقطع النظر عن تطابق يقينه مع الواقع والحقيقة عند الله أم لا.

وعليه فيمكن تقسيم الحالات هكذا:
1- الشخص لا يقين لديه ولا قطع وإيمان لديه بصحة معتقده
2- الشخص لديه يقين و قطع و إيمان متين بما يعتقد به

هنا في الحالة الأولى أي حالة الشك والتردد والظن، الواجب على الشخص أن يسعى بكل ما يملك من قوة و عقل و وسائل للتواصل إلى الإيمان واليقين. ولو مات على معتقد له لا يقين له به وإنما يعش الشك والظن و هو قادر على التوصل إلى اليقين هو غير معذور عند الله.

ولكن إن كان لديه الشك أو الظن ولكنه أقصى ما يمكن أن يصل إليه في ظرفه هنا يعمل بالمعتقد الأقرب إلى العلم واليقين والذي هو على أعلى درجات الظن. عليه فيسعى للخروج من المراتب الدنيا للظن أو الشك إلى المراتب الأعلى منه أي يعمل على ترقية وعيه و علمه ليبلغ مراتب قريبة من العلم و إن لا يصل إلى اليقين والعلم والإيمان العميق والواقعي.

إشكاليات المعتقدات والأديان والمذاهب التي يتبناها الإنسان عن شك و ظن هي واضحة و أشرنا إلي الصور و طبيعة الحكم فيما يتصل بهذا الشخص.

وأما المسألة الخطيرة التي سببت وقوع بعض العلماء في إشكاليات و أقوال باطلة هو فيما لو كان الشخص لديه دليل بل يقين بأنه على حق. ههنا الموضوع شائك فعليكم الالتفات جيدا.

في الحقيقة إن مجرد الاطمئنان والدليل بل اليقين ليس هو له قيمة إلا أن يأتي من الطريق الصحيح. تخيل لو أننا نثق بأحد بطريقة غير معقولة و غير منطقية حيث نؤمن به إيمانا مطلقا. هنا كلما نسمعه من هذا الشخص نعتبره من الوحي المنزل. فعليه نتأكد مما يقول و يملي علينا بصورة قطعية. هل هذا القطع حجة و معتبر عند الله؟ و هل أن العقيدة التي نتلقاها منه تصبح عقيدة مشروعة عند الله؟

هذا ما لا يلتفت إليه بعض العلماء مع الأسف الشديد و هم يركزون على وجود الدليل و عدمه حصرا ولا يتعمقون إلى هذا الأمر.

بتعبير أوضح و أرجو أن تلتفتوا له لأنه موضوع شائك و دقيق و حساس:

هل الله تعالى يريد منا الدليل والبرهان واليقين أم يريد منا الدليل اليقيني لأن الدليل والبرهان واليقين موصل إلى الحقيقة؟

هل الله تعالى يريدنا أن نصل إلى الحقيقة أم يريدنا أن نصل إلى اليقين والايمان والدليل اليقيني؟ هنا نجد قلة الدقة من هولاء. يتحدثون وكأن الأمر كله مرتبط بالدليل والقطع ولكن الحقيقة هي أن الله يريد لنا التوصل إلى الحقيقة و بما أن الدليل اليقيني يفرض على الإنسان أن يبذل أعلى مراتب السعي والجهد، فيصبح احتمال التوصل إلى الحقيقة عبر اليقين والدليل القطعي أقوى الاحتمالات في الأغلب.

عليه فالسعي هو الحاسم و هو ما يبقى لنا و ليس الدليل فحسب. وأن ليس للإنسان إلا ما سعى. أي أن ما علينا هو السعي و قيمة الدليل القطعي في أنه ذروة السعي الإنساني عادة توصلنا إلى أقرب مسافة من اليقين.

مع الأسف يقول أحد العلماء أن الملحد لو كان له دليل فله الحق أن يلحد! هذا كلام صدمني بالفعل. لأنه لا يمكن القبول به ولا دليل عليه بتاتا. إن الملحد لا يمكن أن يكون لديه مسار سليم في توصله إلى الأدلة التي أوصلته إلى الالحاد. لا أنفي أن بعض الملحدين قد يكون لديه دليله ولكن ليس لديه الدليل. الفارق بين أدلة الناس و الأدلة و بين دليل الشخص و الدليل فارق كبير و ههنا الحسم والأهمية القصوى.
الله تعالى لا يريد من الإنسان دليله ولكن الدليل. أي أن دليل الإنسان شيئ والدليل شيئ آخر.

في النهاية كل من الناس يهودا و نصارى و مسلمين و بوذيين و عبدة الشياطين و..لديهم أدلتهم. الإنسان لا يتخذ ديانة أو نحلة أو ملة أو مذهبا مهما كان بنظرنا رؤية فاسدة و ضعيفة إلا عن دليل له. هذا الدليل لا يكفي ولكن يجب أن يكون الدليل هو الطريق.

ما الفارق بين دليل الملحد و الدليل المقبول شرعا و عقلا؟

الفارق هو واضح. إن الدليل والحجية والاعتبار ترجع قيمته و ضوابطه إلى خارج الإنسان الفرد والشخص وإنما قيمته ترجع إلى مدى انطباقه مع المنطق العقلي والفكري. لذلك لو نفترض أن أحدا أخذ بسكين و طعنها في بطن أحد بالشارع ثم برر جريمته بأنه كان لديه الدليل على ما فعل و فعلا قدم دليله بأنه رأى في المنام أن هذا الشخص مجرم يستحق القتل فقتلته. القاضي يقول له هذا دليلك أنت ولكنه ليس الدليل. الإنسان الذي له الدليل ينجو من العقاب ولكن من لديه دليله فقد لا ينجو من العذاب مهما كان يقينه شديدا.

بعبارة أخرى، إن للدليل والتوصل إليه منطقا و طريقا و سعيا يجب أن يتكبد الإنسان لتحقيقه. تجاوز هذه الحقيقة و الإدعاء بأن من له دليل ففعله مشروع يسبب خراب الدين والدنيا.
يبني أحدهم على هذا الأمر و يصرح بأن الملحد لو كان له دليل فيحق له الالحاد و ينجو و قد يكون له ثواب! والحقيقة هذا فهم خاطئ و كارثي. لأن الله تبارك و تعالى لا يقيم للدليل قيمة إلا بقدر ما يوصل إلى الحقيقة إذن إن العلماء الكبار حفظهم الله ينبغي أن يتخذوا جانب الحيطة والحذر ولا يتهوروا في إصدار هذه الأحكام التبريرية لتبني الملل والنحل.

الله يريد من العبد البرهان على ما سبب عمله. نعم هذا هو صحيح ولكن ليس برهان الإنسان ينجيه بالضرورة ولكن يجب أن يكون برهانه برهانا حقيقيا. لأن البرهانية ليست مطلوبة بذاتها وإنما هي مطلوبة لكونها الطريقة الموصلة إلى الحقيقة. عليه فيجب أن يكون الدليل والقطع مما بُني على منطق يوصلنا إلى الحقيقة غالبا.

تخيلوا أن شابا أفغانيا يرى في سلوك المجاهدين فسادا عميقا أو شابا مصريا يرى في سلوك الإسلاميين من دواعش و غيرهم سلوكيات فاسدة جدا جدا فيصبح لديه اليقين والدليل على بطلان الإسلام فيبني عليه فيترك الإسلام. هل برأي هذا العالم العزيز أن هذا الإنسان ينجو من العذاب فيصبح خياره محترما؟ بلا شك لا يقبل منه الدليل. لأن الدليل واليقين والعلم يجب أن يكون عن منطق ولا يكفي أن يكون عندي دليل أو عندي يقين. لذلك الله تعالى يقول في كتابه الكريم: لو كناس نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير

موضوع السمع والعقل أهم من موضوع الدليل والقطع الشخصي. أطمئنكم أن قسما كبيرا ممن في النار هم من الناس الذين كان لديهم اليقين بأن طريقهم صحيح. ولكنهم يدخلون النار بسبب أنهم ما سعوا و ما بذلوا في سبيل الله و ما أتعبوا أنفسهم للتوصل إلى الحق و ما هاجروا في الأرض و ما عملوا الصالحات. من أهم الأعمال الصالحة هو العلم والتعلم.

الذي لا يسمع أي لا يتابع العلم ولا يتدارس ولا يتواصل مع أهل العلم ولا يهاجر في سبيل كشف الحقيقة ولا يسير في الأرض ولكنه يتكئ على وسادته في البيت أو في حزبه أو في مجموعته المسلحة الإرهابية و يصبح قلبه متينا بأن ذبح الأطفال يمكن و هو يكتسب يقينا و برهانا و دليلا عليه. هل هذا الإنسان سيُقبل منه عذره و دليله؟ كلا

كل النظريات التي تبنى على التعددية و حق الناس في التعبد بأي مذهب أو دين أتى ما دام هناك دليل هي نظريات باطلة بهذا السبب. لأن العقل والبرهان والدليل هي فوق التيارات والمذاهب والمدارس والنحل. بناء على توهّم أن ما في البخاري أو البحار أخبار يقينية و بناء على توهم أن ما قاله هذا العالم و ذاك المرجع هو أمر يقيني لو ارتكبت جرائم أو تبنيت مدرسة فكرية أو سلوكية خاصة فكل ذلك لن يبرر لك و لن يشرعن لك اعتناقك الفكري أو التزامك العملي.

الله سبحانه و تعالى دعى إلى اليقين و لكنه نفسه وضح الطريق الموصل لليقين الحقيقي. وأما اليقين المتحقق بالأوهام و قلة السعي والانخداع فلا يكون الدليل المقبول والعذر المشروع. عليه فالحديث عن مطلق الدليل و اعتباره لتبني أي فكرة أو مذهب أو منطق سلوكي هو حديث غير مقبول بل من أخطر ما يمكن أن يتفشى في المسلمين.

نعم كما سبق و قلنا إن الإنسان لو بذل ما يمكن من أن يُبذل من جهد وفعلا سمع و عقلَ و قارن و تأمل و تدبر و نظر و رأى و سار في الأرض و اعتبر و أعملَ جميع ما طلب منه أن يُعمله في سبيل التوصل إلى الحق و قرأ الآيات في الكتاب والأنفس وفي الآفاق وتتلمذ على يدي الأنبياء والرسل وكتبهم بقدر وسعه و إمكانياته من ثم حصل لديه اليقين والقطع بطريقة معينة هنا هذا الدليل يكون مشروعا و مقبولا.

لذلك في المعتقدات لا يكفي أن يقلد الإنسان. لأنه يملك العقل و هو مخاطب الشرائع والأديان. يجب أن يسعى الإنسان ليصل إلى اليقين بالتلاوة والقراءة والتفكير والنظر إلى الآيات و هي مسائل تختلف عن الفقهيات والشرعيات العملية الفرعية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign

Clicky