الدولة العثمانية كانت تعتمد المذهب الحنفي مذهبا رسميا للخلافة، وقد حكمت أكثر من خمسمائة عام، وقد بذل بعض الباحثين في مرحلة من المراحل جهدا في إخراج بعض هذه الكنوز، والمثال الأبرز هنا: هو مجلة الأحكام العدلية، وهي مجلة قام بكتابتها عدد من الفقهاء والعلماء بتقنين الفقه الإسلامي بصيغة قريبة لصياغة القانون، على هيئة مواد، على المذهب الحنفي.
الاجتهاد: الأرشيف العثماني التركي يحوي كنوزا لا حصر لها، ليس على مستوى المخطوطات الإسلامية التراثية فقط، فهذا مسلم به، وتشهد به كل الدوائر العلمية، فكثير من المخطوطات عند التحقيق العلمي تجد الباحث يعتمد على نسخة من نسخ متاحف اسطنبول أو دور الوثائق التركية المختلفة، ولكن الذي لا يلتفت إليه أحد وهو أمر مهم جدا، هو كنوز الأرشيف العثماني، والتراث العثماني الفقهي،
فالدولة العثمانية كانت تعتمد المذهب الحنفي مذهبا رسميا للخلافة، وقد حكمت أكثر من خمسمائة عام، وقد بذل بعض الباحثين في مرحلة من المراحل جهدا في إخراج بعض هذه الكنوز، والمثال الأبرز هنا: هو مجلة الأحكام العدلية، وهي مجلة قام بكتابتها عدد من الفقهاء والعلماء بتقنين الفقه الإسلامي بصيغة قريبة لصياغة القانون، على هيئة مواد، على المذهب الحنفي.
ظلت مجلة الأحكام العدلية غير منشورة فترة، لأنها كتبت باللغة التركية القديمة (العثمانية)، وظل أهم شرح لها غير منشور بالعربية، وهو شرح حيدر علي حيدر، في أربعة مجلدات، حتى قيض الله لها المحامي فهمي الحسيني، فترجمها، ولولا ذلك لظل هذا الكنز الفقهي غائبا عن الساحة العلمية الفقهية،
ولحيدر علي حيدر نفسه شرح آخر لكتاب الطلاق في مجلدين كبيرين ولكنهما باللغة العثمانية، ولو وجدا مترجما لهما لانتفع به طلبة العلم، فمن خلال كتابه: درر الحكام شرح مجلة الأحكام، تجلى للقارئ عقلية الرجل الفقهية، ومكانته العلمية، وما يدرينا لعل له كتبا أخرى مهمة في التجديد الفقهي ويحول بيننا وبينها عائق اللغة.
وليس من المعقول أن خلافة حكمت كل هذه المدة، وتبنت مذهبا معينا، أن تخلو من كتب في التجديد الفقهي للمذهب الحنفي، وأن كتبا من هذا النوع باللغة العثمانية، وليس معقولا كذلك أن هذه المئات من السنين خلت من رسائل بين بعض العلماء والحكام، من نصيحة، أو كتاب في السياسة الشرعية، وقد اكتشفنا كثيرا من الأكاذيب التاريخية حول الحكم العثماني، وأنه عصر تخلف أدبي وعلمي، لا يعقل أن تستمر فترة حكم كل هذه المدة دون إنجاز فقهي مذهبي، أو فقهي سياسي، فيقينا يوجد كتب في هذه المجالات باللغة العثمانية،
فقد كانت الدولة العثمانية تؤوي معظم العلماء والنابغين والفقهاء، وقد كان العلامة ابن عابدين العالم الشامي ممن وفد لاسطنبول للمساهمة في كتابة (مجلة الأحكام العدلية)، وكذلك وفد جمال الدين الأفغاني للآستانة، أي أن الدولة كانت معنية في كثير من فترات حكمها باستقدام العلماء والفقهاء.
لقد وجدت بلاد تتبنى مذهبا معينا في العصر الحديث وحملت أمانة نشر كتبه، قديما وحديثا، فالفقه الحنبلي تبنته السعودية وقطر ونشرتا كتبه، والمذهب المالكي تبنى المغرب العربي نشره وتحقيق تراثه، وكذلك الفقه الشافعي وجدت مكتبات ودور ومراكز لذلك، وللأسف غابت العناية عن الفقه الحنفي حيث إن كثيرا من مخطوطاته توجد في الأرشيف العثماني وهو ما يلقي بأمانة على عاتق الدولة التركية والمؤسسات الدينية فيها، بحمل هذه الأمانة، في ظل تراجع عدد المتضلعين في اللغة العثمانية،
وفي ظل وجود باحثين عرب كثر وفدوا لاسطنبول ممن درسوا الفقه الحنفي، والفقه السياسي، وهي فرصة لهذا التعاون العلمي الكبير، ولإبراز هذه الكنوز، وإماطة اللثام عن مرحلة تاريخية تعمد كثير من المؤرخين طمسها، بل وتشويهها، ولو تم ذلك سنكون قدمنا خدمة للإسلام، والفقه الإسلامي، والفقه السياسي، وهو واجب رد الاعتبار لهذه المرحلة، ولهؤلاء العلماء الذين عاشوا في هذه الفترة، وهو أقل ما يجب فعله نحوهم، وعائق اللغة لا شك حائل بين الاستفادة منها، وأرجو أن تجد الفكرة من يحملها، وبخاصة من المؤسسات الوقفية والعلمية التي تملأ تركيا، وهي مظهر حضاري وإسلامي من أهم مظاهرها.
المصدر: عربي21