الاجتهاد: يصادف اليوم الأول من شهر جمادي الأولى 1309هـ ق ذكرى انتشار فتوى تحريم التنباك من قبل المرجع الكبير آية الله العظمى السيد محمد حسن الشيرازي (قدس سره)./ فتوى تحريم التنباك من المجدد الشيرازي : بسم الله الرحمن الرحيم: إستعمال التنباك والتتن حرام بأي نحو كان، ومن إستعمله كان كمن حارب الامام المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف. والسلام. محمد حسن الحسيني الشيرازي.
لم تكن فتوى الجهاد الكفائي ضدّ داعش هو الموقف العظيم الأوّل أو الأخير الذي يُسجّله التأريخ لمرجعية الشيعة الإمامية، بل هناك ألف موقف وموقف قد نهضت به هذه المرجعية لتُغيّر به مسار الأحداث – بحسب الممكن – قديماً وحديثاً .
فلو استعرضنا بعضاً من تلك المواقف التي هي أكثر من أن تُحصى لظهر لنا جلياً أنّ تلك المرجعية هي ضمير الأمّة الحي الذي يتحسّس همومَها ويستشعر آلامَها وآمالَها .
الإمام السيد محمد حسن الشيرازي و فتوى التنباك :
فقد سجّل التأريخ الموقف العظيم الذي وقفه المرجع الكبير آية الله العظمى السيد محمد حسن الشيرازي (قدس سره) بـ تحريم التنباك ، حيث أدّت الى إفلاس الشركة البريطانية المتاجرة بالتبغ ، والتي كانت غطاء التغلغل في إيران والسيطرة على الحكم والإقتصاد .
حيث وافقت حكومة الشاه ناصر الدين القاجارية سنة 1312 هجرية على منح إمتياز زراعة وتجارة التبغ في إيران للشركة البريطانية ، وهذه كانت بوّابة لدخول الإستعمار في بلاد الإسلام وفرض الهيمنة السياسية والإقتصادية والثقافية على المسلمين في ايران ، وبالتالي في غيرها من بلدان المنطقة .
فلم يمض على توقيع هذه المعاهدة الإستعمارية الخطيرة وقت طويل حتى تصدّى لها الإمام الميرزا الكبير المجدد آية الله العظمى السيد محمد حسن الشيرازي قدس سره بإصدار فتوى حرَّمت إستعمال التنباك وهذا نصّها :
«إستعمال التنباك والتتن حرام بأي نحو كان، ومن إستعمله كان كم حارب الامام المنتظر عجل الله تعالی فرجه الشريف».
الإمام الشيخ محمد تقي الحائري الشيرازي وثورة العشرين :
وحين أراد الإحتلال البريطاني فرض هيمنته على العراقيين وتسويق مخططاته الاستعماريّة تحت عناوين الحريّة و الازدهار ليُجبروا الشعب على انتخاب من يمرّر لهم مشاريعهم ، وقف المرجع العظيم الشيخ محمد تقي الحائري الشيرازي (قدس) ذلك الموقف التأريخي العظيم وأفتى بما نَصُّه :
(بسم الله الرحمن الرحيم .. ليس لأحد من المسلمين أن ينتخب غير المسلم للإمارة والسلطنة على المسلمين) 20/ربيع الثاني/1337. الأحقر محمّد تّقي الحائري الشيرازي .
وكانت هذه الفتوى الشرارة الروحية التي أوقدت ثورة العشرين ، حيث تشكّل مجلسٌ ثوريٌ يضمُّ عدداً من العلماء للإشراف على الثورة العراقية على الإنكليز ، وكان هذا المجلس يتضمن كل من :
1. الشيخ محمد رضا الشيرازي النجل الأكبر للإمام الشيرازي .
2. السيد محمد علي هبة الدين الشهرستاني.
3. الميرزا أحمد الخراساني ، نجل المحقّق الأصولي الكبير (الآخوند) .
4. السيد أبو القاسم الكاشاني .
وآخرين .
فبدأ الكفاح المسلّح ضدّ الإنكليز بعد إذن المرجع الحائري الشيرازي للشعب بالثورة ، وهذا نص فتواه :
(مطالبة الحقوق واجبة على العراقيين ، ويجب عليهم في ضمن مطالبتهم رعاية السلم والأمن ، ويجوز لهم التوسّل بالقوّة الدفاعية إذا امتنع الإنجليز عن قبول مطالبهم) . الأحقر محمّد تّقي الحائري الشيرازي . (الختم المبارك)
ثم نصر الله المؤمنين من حيٍّ إلى حي ومن بلدةٍ الى بلدة .
الإمام السيد محسن الحكيم ومواجهة إلحاد الشيوعية
وفي عهد عبد الكريم قاسم انتشرت الأفكار الماركسيّة اللادينية والإلحادية في العراق وأصبحت تهدد هوية الشعب الإسلامية وانتمائهم إلى الدين الحنيف، وكان آنذاك على رأس الحوزة العلمية والمرجع الأعلى للإمامية الإمام المحسن الحكيم (قدس) وحين رأى أن الإرشاد والوعظ لم يكن كافياً …. أصدر فتواه العظيمة التي هدَّت كل ما بناه الشيوعيّون من أفكار ضالة ومنحرفة في الوسط الشبابي وبدأت المواجهة الفكرية من قِبَل الأمة مصطفةً مع مرجعيتها حتى ختم الله لهم بالنصر واندحرت الأفكار الإلحاديّة.
الإمام السيد الخوئي ومحافظته على الحوزة
ثم جاء البعثيون في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي بمشروع القضاء على علماء الحوزة العلمية وأساتذتها وطلابها .. وقد أُعدِم الكثيرون وسُجِنَ المئات وشُرِّد آخرون .
وكان المفروض “أمنياً” أن يغادر المرجع الأعلى الإمام الخوئي النجف الأشرف والعراق ، ولو شاء لكانت أغلب الدول الاسلامية مرحّبة به وعلى الأقل ذات النسبة الشيعية .
ولكنّه أبى إلا أن يبقى في العراق حارساً ثانياً بعد أمير المؤمنين لصرح النجف وتأريخها وحاضرها ومستقبلها ؟ حتى لو أدى ذلك إلى سفك دمه المقدس ، وقد دفع ضريبةً كبيرة من المضايقات وتشريد الأبناء والتلاميذ وقتلهم .
الإمام السيد السيستاني وفتوى الدستور والجهاد الكفائي
وحين سقط النظام البعثي وتسنّم الحكم في بغداد المحتلّون الأمريكيون عام 2003 م لم يرضخ لهم مراجع النجف وفي مقدمتهم الإمام السيستاني ولم يسمحوا لهم بحمايتهم في وقتٍ كانوا مهددين بالقتل .
وحين أراد الحاكم المدني آنذاك تعيين مجلسٍ لكتابة دستورٍ دائم للعراق تحت إشراف المحتل … أحسّ المرجع السيستاني بخطر هذه الخطوة لو تمّت ، فوقف وقفةً لم يحسب الأمريكيون والبريطانيّون حسابها ، وهي رفض كل مسودّة دستور لا تكتب بأيدي عراقية مرشَّحة من مجلسٍ تشريعيّ منتخب !
وهذا نَص فتواه يوم 25 . ربيع٢ 1424 هجرية :
بسمه تعالى
ان تلك السلطات لا تتمتع بأية صلاحية في تعيين أعضاء مجلس كتابة الدستور ، كما لا ضمان ان يضع هذا المجلس دستوراً يطابق المصالح العليا للشعب العراقي ويعبّر عن هويته الوطنية التي من ركائزها الأساس الدين الإسلامي الحنيف والقيم الاجتماعية النبيلة ، فالمشروع المذكور غير مقبول من أساسه ، ولابدّ أولاً من إجراء انتخابات عامة لكي يختار كل عراقي مؤهل للانتخاب من يمثّله في مجلس تأسيسي لكتابة الدستور ، ثم يجرى التصويت العام على الدستور الذي يقرّه هذا المجلس ، وعلى المؤمنين كافة المطالبة بتحقيق هذا الأمر المهم والمساهمة في إنجازه على أحسن وجه ، أخذ الله تبارك وتعالى بأيدي الجميع إلى ما فيه الخير والصلاح والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
۲٥/ ع۲ /۱٤۲٤
علي الحسيني السيستاني
وقد جاهد الشعب بقيادة مرجعيته جهاداً مريراً حتى رضخ المحتلّون بعد هذه ذلك وتحققت مطالبهم في كتابة مسوّدة الدستور .
ولا أريدُ أن أُسهب في فتوى الجهاد حين اجتاح العدو الداعشي محافظات البلاد ووصل الى التاجي في أطراف محافظة بغداد وقد انهارت كل مؤسسات الدولة وبلغت القلوب الحناجر ..
وإذا بصوت النجف يجهجر : حيّ على الجهاد !
فتجنّد الشعب ودُجّج بالسلاح .. حتى ربّات الحجال !
وتم النصر وما النصر إلا من عند الله .
وفي اليوم (2017 / 12 / 7 م) يتجدد موقف آخر من مواقف المرجعية الشيعية وهو رفض القرار الأمريكي بمصادرة القدس والاعتراف بها كعاصمة للكيان الصهيوني الغاصب .
هذه المواقف العظيمة غيضٌ من فيض بحر مواقف لا تُعَد ولا تُحصى .
أُولئكَ آبائي فجئْني بمثلِْهمْ , إذا جمعتْنا يا جَرِيرُ المَامعُ. نسأل الله تعالى أن يرحم من مضى من أعلامنا ويحفظ من بقي . وصلى الله على محمد وآله الطاهرين .
إعداد: ابو تراب مولاي
المصدر: كتابات في الميزان