فقـه النظرية

فقه النظرية لدى الشهيد الصدر (قدس‏ سره) / بقلم: الشيخ خالد الغفوري

الاجتهاد: فقه النظرية هو عملية استنباط واكتشاف الاطار العام للموقف الفقهي تجاه مجال معيّن من مجالات الحياة ـ كالمجال الاقتصادي أو الاجتماعي أو القضائي أو السياسي أو الاعلامي وغير ذلك ـ وبلورة المعالجة الاسلامية وصياغتها بصورة نظرية كلّية محكمة.

الشيخ خالد الغفوريتكون الحاجة إلى دراسة نظريات القرآن والاسلام حاجة حقيقية ملحّة، خصوصا مع بروز النظريات الحديثة من خلال التفاعل بين انسان العالم الاسلامي وانسان العالم الغربي، بكل ما يملك من رصيد كبير وثقافة متنوعة في مختلف مجالات المعرفة البشرية، حيث وجد الانسان المسلم نفسه أمام نظريات كثيرة في مختلف مجالات الحياة

فكان لابدّ لكي يحدّد موقف الاسلام من هذه النظريات وأن يستنطق نصوص الاسلام ويتوغل في أعماق هذه النصوص لكي يصل إلى مواقف الاسلام الحقيقية سلبا وإيجابا ، لكي يكتشف نظريات الاسلام التي تعالج نفس هذه المواضيع التي عالجتها التجارب البشرية الذكية في مختلف مجالات الحياة. (المدرسة القرآنية، ضمن المجموعة الكاملة لمؤلفات السيد محمّد باقر الصدر 13 : 40 ـ 41.)

هذا الاتجاه التنظيري يعتبر جديدا نسبيا في أجوائنا الاسلامية، سيما في مراكز العلوم الاسلامية، فإنّ تاريخ ظهورها على الساحة الفكرية قد لا يتعدّى خمسة أو ستة عقود، فقبل ذلك لم تكن هذه الرؤية متداولة ولا واضحة المعالم.

وتعدّ بحق اطروحة آية اللّه‏ العظمى الشهيد محمّد باقر الصدر (قدس‏ سره) في بلورة النظرية الاسلامية في المجال الاقتصادي التجربة الرائدة والناضجة في هذا المضمار، حيث قام بمحاولة موفّقة لكيفية اكتشاف مباني وقواعد المذهب الاقتصادي في الاسلام وفق منهجية مبتكرة ومحدّدة بعد أن خاض معركة فكرية حادّة مع أهم المدارس الاقتصادية وأكثرها اقتدارا وهيمنة على الساحة ، وهما الاتجاه الاشتراكي والاتجاه الرأسمالي.

ولا نبالغ إذا قلنا بأن هذه الاُطروحة القيّمة ظلّت يتيمة لم تشفع باُخرى رغم مرور حقبة من الزمن ليست بقصيرة ، فلا غرو أن تعتبر أحد الفتوحات الفكرية الكبرى في تاريخنا المعاصر، وأحد الانجازات الهامة في عصرنا الحاضر، والتي كان لها بالغ الأثر في تغيير الخطاب الاسلامي شكلاً ومضمونا وأبعادا، وفتحت للعقل الاسلامي آفاقا رحيبة للتجديد الأصيل، وشقت الطريق أمام الرسالة للمنافسة المتكافئة مع الآخر، بل ساهمت مساهمة مؤثرة في قلب مركز الاقتدار الفكري لصالح الاتجاه الاسلامي في الصراع الثقافي المحتدم بينه وبين الاتجاهات الوضعية، ولا زالت في ذاكرتنا تلك الأيّام العجاف حين كان خصماؤنا الوضعيون يتبجّحون بمل‏ء أفواههم بامتلاكهم منهجية تامة حول برنامج الحياة لزعمهم أنّ سرَّ تفوّقهم هو انطلاقهم من نظرية عامة كأساس تصوري تقف عليه بناءاتهم التفصيلية المتكثّرة كافة.

وكنا يومها نتوارى من القوم تحاشيا للاحراجات إذ لم يكن باستطاعتنا أن نقدم وقتئذٍ أكثر من إجابات سريعة ومرسلة ومتناثرة حول ما يكتنف الشريعة الحنيفة من إبهامات وفراغات متوهمة على أصعدة حساسة وخطيرة لا يمكن الغض عنها أو تأجيل البحث فيها إلى وقت سيأتي.

من هنا ندرك حجم الانعطاف المبين الذي حدث في مسار الفكر ومدى التوسع الكبير في اُفق الذهنية الاسلامية ببركة فقه النظرية وما رافق ذلك من نقلة ملحوظة وتحول بارز من موقع الدفاع الغاضب إلى موقع السباق الحضاري الواعي. . ولا نزال نحن نستصحب المنهج ذاته في حالات الزهو والتألق الفكري. . وما نفتأ نسترجع مفرداته بعينها في أوج الخطاب الثقافي.

فقه النظرية لدى الشهيد الصدر (قدس‏ سره)

مشاهدة المقال في الرابط الأدنى:

 ohttp://islamicfeqh.com/main.php?ObjShow=ShowPage&Tshow=EMagazine&PS=emain&kind=102

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign

Clicky