الاجتهاد: تسعى هذه المقالة إلى إثبات مشروعية الصلح الابتدائي؛ بالأدلة العامة للعقود، من قبيل: ﴿أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾ (المائدة: 1)، و﴿تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ﴾ (النساء: 29)، و«المسلمون عند شروطهم»؛ وبعض الأدلّة الخاصة. ومن هنا فإنها؛ لهذه الأدلة، تعتبر الصلح الابتدائي مشروعاً، وتعتبر الأدلّة المذكورة لإثبات عدم مشروعيّة الصلح الابتدائي غير تامّةٍ. / الكاتب: فضيلة الأستاذ الشيخ مسلم الداوري / الشيخ مجتبى المسعودي؛ المترجم: مرقال هاشم.
يذهب المشهور من فقهاء الإمامية إلى القول بأن الصلح عقدٌ عامّ يمكن توسيع دائرته بشكلٍ كبير، وفي المقابل ذهب بعض الإمامية وعموم أهل السنّة إلى اشتراط أن يكون عقد الصلح مسبوقاً بالخصومة والنزاع، أو احتمال ذلك؛ لإضفاء المشروعية عليه.
إن هؤلاء؛ من خلال التمسُّك بلفظ الصلح، وإثبات الوضع اللغوي والمتفاهم العُرْفي، قد أثبتوا سبق الخصومة، ومن ناحيةٍ أخرى قالوا بأن الصلح على خلاف مذاق الشارع. وقال هؤلاء في بيان استدلالهم: كيف يمكن للشارع أن يعمل من جهةٍ على وضع أحكام وعقود خاصّة لكلّ واحدةٍ من المعاملات على أساس من المصالح والمفاسد الواقعية، ويعمد في الوقت نفسه من جهةٍ أخرى إلى السماح للمكلَّفين في التهرُّب من هذه الأحكام والعقود الخاصّة من خلال تغيير ظواهر هذه العقود تحت عنوان الصلح؛ كي لا يجري أيٌّ من تلك العقود بعد تحقُّق هذا التغيير الظاهري.
وعلى حدّ تعبير بعض الحقوقيين: «إن الصلح الابتدائي وسيلةٌ وذريعةٌ لارتكاب أنواع الغشّ والحِيَل القانونية، ويؤدّي إلى اختلال نظم القوانين، وعدم جدوائية الكثير من العقود».
من الطبيعيّ أننا إذا اعتبرنا توقيفيّة العقود، واشترطنا من جهةٍ أخرى سبق الخصومة في مشروعية الصلح، سوف نواجه تحدّياً في ما يتعلَّق بمشروعية العقود المستَحْدَثة؛ لأن إضفاء المشروعية على العقود المستَحْدَثة رَهْنٌ بأحد أمرين:
1ـ أن لا نعتبر العقود أمراً توقيفياً، ونقول بمشروعية كلّ عقدٍ يجري على بناء العقلاء، ولا يتنافى مع القواعد الشرعيّة المسلَّمة في المعاملات.
2ـ أن نعتبر الصلح الابتدائي في مقام المعاملات مشروعاً، وعندها سوف يكون القيام بتلك المعاملة المستَحْدَثة في إطار عقد الصلح الابتدائي أمراً ممكناً؛ لأن ماهية الصلح هي التسالم. وبعبارةٍ أخرى: يجب أن يكون المقصود الأصلي في الصلح هو التسالم، وأما الأمور الأخرى، من قبيل: التمليك والتملّك، فيجب أن تكون مقصودةً بالتَّبَع.
وتسعى هذه المقالة إلى إثبات مشروعية الصلح الابتدائي؛ بالأدلة العامة للعقود، من قبيل: ﴿أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾ (المائدة: 1)، و﴿تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ﴾ (النساء: 29)، و«المسلمون عند شروطهم»؛ وبعض الأدلّة الخاصة.
ومن هنا فإنها؛ لهذه الأدلة، تعتبر الصلح الابتدائي مشروعاً، وتعتبر الأدلّة المذكورة لإثبات عدم مشروعيّة الصلح الابتدائي غير تامّةٍ.
وتجدر الإشارة إلى أنه قد تمّ السعي في هذه المقالة إلى بيان الأدلة التي أقامها الفقهاء على شرعية عقد الصلح الابتدائي، وإنْ كان فيها ضعفٌ عمد الكاتبان إلى ترميمه وتكميله، مع بيانها وتقريبها بشكلٍ واضح، بالإضافة إلى استقصاء جميع الأدلّة، بما في ذلك الأدلة غير التامّة أيضاً.
ويرى كاتبا هذه المقالة أن عقد الصلح يمتاز من بين العقود الشرعية بامتيازاتٍ وخصائص فذّةٍ وفريدةٍ، الأمر الذي جعل هذا العقد يحظى بمكانةٍ هامّة؛ إذ هو من ناحيةٍ عقدٌ مستقلّ وأصيلٌ؛ حيث لا يحتوي على الأحكام والشرائط الخاصّة بالعقود الأخرى؛
ومن ناحيةٍ أخرى يمكن لهذا العقد أن يضفي المشروعيّة على آثار وفوائد أكثر العقود والإيقاعات المعروفة، أو العقود المستَحْدَثة التي لا تندرج ضمن أيّ واحدٍ من العقود؛ ومن جهةٍ ثالثة يمكن لهذا العقد ـ بالإضافة إلى مكانته الأصلية، التي هي عبارةٌ عن موارد الصلح ورفع النزاع والاختلاف بين الطرفين ـ أن يلعب دَوْراً في المعاملات الابتدائية التي تخلو من أيّ نزاعٍ أو خصومةٍ سابقة.
ودليلُهما على عدم ضرورة سبق الخصومة المتحقِّقة والمحتملة هي أدلة العقود العامّة، من قبيل: ﴿أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾، و﴿تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ﴾، و«المؤمنون عند شروطهم»؛ وكذلك بعض الأدلّة الروائية الخاصّة، التي أشَرْنا إلى آحادها في بحث أدلة مشروعية الصلح الابتدائي، ويمكن لها أن تكون أدلّةً واضحة لإضفاء المشروعية على الصلح الابتدائي.
ومن هذه الناحية ـ وفي ضوء عقد الصلح الابتدائي ـ يمكن الالتزام حتّى بما كان المتقدِّمون يعتقدونه من انحصارية العقود أيضاً، وليس من اللازم لإثبات مشروعية العقود المستَحْدَثة أن تُرفَع اليد عن انحصاريّة العقود والمعاملات.
ولذلك فإن هذه المكانة الخاصة التي تحقَّقت لعقد الصلح جعلَتْ بعض العلماء يصفونه بـ «أنفع العقود».
المصدر: العدد الجديد (59 – 60) من مجلة الاجتهاد والتجديد
تحميل العدد (60 – 59) من مجلة الاجتهاد والتجديد
بصيغة وورد
البي دي إف