الأمور-الحسبية

عدم اعتبار الأعلمية في الأمور الحسبية / آية الله الميرزا جواد التبريزي “قدس سره”

الاجتهاد: مسألة (68): لا يعتبر الأعلميّة فيما أمره راجع إلى المجتهد إلّا في التقليد، و أمّا الولاية على الأيتام والمجانين والأوقاف التي لا متولّي لها و الوصايا التي لا وصي لها و نحو ذلك فلا يعتبر فيها الأعلميّة، نعم الأحوط في القاضي أن يكون أعلم من في ذلك البلد أو في غيره مما لا حرج في الترافع إليه

عدم اعتبار الأعلمية في الأمور الحسبية

قد يذكر في المقام دعوى الإجماع على عدم اعتبار الأعلميّة في ما أمره راجع إلى الحاكم الشرعيّ في غير مسألة التقليد في الأحكام الشرعيّة على ما تقدّم، و لكنّ الإجماع على تقديره غير مفيد في المقام، فإنّه من المحتمل جدّا التزام الجلّ ممن تعرّضوا لذلك لإطلاق بعض الأخبار كإطلاق التوقيع: «و أمّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة أحاديثنا» [1] و ما ورد من أنّ العلماء ورثة الأنبياء [2] و أنّهم خلفاء النبي (صلّى اللّه عليه و آله) و أنّ المؤمنين الفقهاء حصون الإسلام‌ [3] و أنّ مجاري الامور و الأحكام بيد العلماء [4].

و ما ورد من ثبوت منصب القضاء للفقيه على ما ورد في مقبولة عمر بن حنظلة و معتبرة أبي خديجة و غيرها، و الظاهر أنّ الولاية للامور المشار إليها من شئون ثبوت منصب القضاء، و كان المتصدّي لها القضاة، كما يفصح بذلك بعض الروايات كصحيحة محمد بن إسماعيل بن بزيع قال: «مات رجل من أصحابنا و لم يوص فرفع أمره إلى قاضي الكوفة فصيّر عبد الحميد القيّم بماله، و كان الرجل خلّف ورثة صغارا و متاعا، فباع عبد الحميد المتاع فلما أراد بيع الجواري ضعف قلبه‌ عن بيعهنّ إذ لم يكن الميّت صيّر إليه وصيته، و كان قيامه فيها بأمر القاضي لأنهنّ فروج، قال: فذكرت ذلك لأبي جعفر (عليه السلام) [إلى أن قال (عليه السلام)‌]: إذا كان القيّم به مثلك و مثل عبد الحميد فلا بأس» [5].

أقول: قد تعرّضنا للأخبار الواردة في كون العلماء ورثة الأنبياء و نحوها في بحث ولاية الفقيه في «إرشاد الطالب» [6]، و ذكرنا أنّه لا يتمّ الاستناد إلى شي‌ء منها في الالتزام بثبوت ولاية النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله) أو الإمام (عليه السلام) للفقيه العادل بلا فرق بين زمان الحضور و زمان الغيبة، و أنّ غاية ما يستفاد منها أنّ ما على الانبياء في أمر تبليغ الدين و إرشاد الناس و هدايتهم من بعدهم على العلماء،

وأمّا الولاية الثابتة للنبيّ(صلّى اللّه عليه وآله) والإمام(عليه السلام) من كون أمره الولائيّ واجب الاتّباع حيث إنّهم (عليهم السلام) قوم فرض اللّه طاعتهم فلم تثبت ذلك للفقيه فضلا عن الولاية على التصرف، و يشهد لذلك إطلاق تلك الأخبار و شمولها حتى لزمان الأئمّة (عليهم السلام)،

وغاية ما يستفاد من مقبولة عمر بن حنظلة ومعتبرة أبي خديجة نفوذ قضاء الفقيه وفصل خصومته وأنّ له ولاية القضاء بالنصب العامّ و لم يظهر منهما أو من غيرهما إعطاء الولاية في أموال القصّر و الأوقاف مع عدم القيّم و المتولّي للفقيه.

والتوقيع المتقدّم وإن كان ظاهرا في غير ذلك إلّا أنّ السند فيه غير تامّ، و وقوع بعض التصرّفات من المنصوبين للقضاء من قبل ولاة الجور وإن لا يقبل الإنكار، إلّا أنّه لم يثبت إعطاء الولاية لهم من قبلهم لدخولها في منصب القضاء، بل من المحتمل أنّها كانت منصبا زائدا كان يعطى لهم، و على تقديره فتلك كانت في المنصوب بنصب خاصّ لا ما إذا كان بالنصب العامّ.

وعلى الجملة بما أنّ هذه الولاية مخالفة للأصل فلا بدّ من الاقتصار على مورد اليقين، وهو ما إذا كان المتصرّف في تلك الامور الفقيه ولو بغير المباشرة من التوكيل و الإجازة لمن يقوم بها، ولكن لا تعتبر الأعلميّة في المجيز ومن يرجع إليه في التوكيل والإذن أو النصب على ما مرّ؛ لأنّه لا يحتمل أن يكون جميع الأمور الحسبية في جميع أرجاء العالم بيد شخص واحد.

نعم في الأمر الذي يريد الشخص التصدّي له إن كان من الامور المهمّة جدّا كحفظ نظام البلاد و ترتيب امور نظمها و المحافظة على أمنها و تهيئة الاستعدادات اللازمة للدفاع عنها ومنع نشر الفساد و إقامة مراكزه فيها فلا يبعد اعتبار إجازة الأعلم و أنّ له إجازة التصدّي للغير إذا كان الغير أهلا له، و أنّ عليه الامتناع عن الإجازة إذا لم يحرز الأهليّة فيمن يستجيزه.

هذا بالإضافة إلى الأمور الحسبية، وأمّا بالإضافة إلى القضاء فلا يعتبر فيه الأعلميّة كما هو مقتضى الإطلاق في مقبولة عمر بن حنظلة، وإطلاق معتبرة أبي خديجة سالم بن مكرم حيث ورد في الاولى: «ينظران إلى من كان منكم قد روى حديثنا و نظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا» [7] و في الثانية: «انظروا إلى رجل منكم يعلم شيئا من قضايانا» [8] و الشي‌ء و إن كان نكرة يعمّ الشي‌ء اليسير إلّا أنّه قد تقدّم أنّه بالإضافة إلى علم قضايا الأئمة (عليهم السلام) فلا ينافي كثرته في نفسه. و على تقدير الإغماض يقيّد بما ورد في المقبولة: «نظر في حلالنا و حرامنا و عرف أحكامنا».

وما ورد في المقبولة من فرض العلم بالمخالفة في القضاء والأمر بالرجوع إلى الأعدل والأفقه لا يعمّ فرض عدم العلم بالمخالفة مع فرض الشبهة فيه حكميّة كما هو مقتضى اختلاف الفقيهين في حديثهم (عليهم السلام)، و أمّا ما في العهد المعروف إلى مالك الاشتر: «اختر للقضاء أفضل رعيّتك» [9]

فهو وإن كان معتبرا من حيث السند حيث إنّ الشيخ (قدّس سرّه) ذكر له طريقا معتبرا، وعدم الإشارة إلى الاختلاف في متن العهد، وأنّه يروى بالطريق المعتبر العهد المعروف دليل على عدم الخلاف في متنه، إلّا أنه لا دلالة له على أنّ وظيفة المترافعين المراجعة في القضاء إلى الأفضل، بل غاية ما يستفاد منه هو أنّ على الوالي الذي عليه تعيين القاضي للبلد بالنصب الخاصّ أن يعيّن الأفضل، و الكلام في المقام في الرجوع إلى القاضي المنصوب بنصب عامّ.

ثمّ إنّه قد يعدّ من الأمور الحسبية التي يرجع في التصرف فيها إلى الفقيه السهم المبارك للإمام من الخمس، أو أنّه و إن لم يكن من تلك الامور إلّا أنّه إذن الفقيه معتبر في التصرّف فيه في زمان الغيبة و عدم حضور الإمام (عليه السلام).

الأمور الحسبية في الفقه الشيعي ودور الفقيه فيها / السيد علي الحسيني

وينبغي في المقام الكلام في سهم الإمام (عليه السلام) من الخمس أوّلا، والتكلّم في أنّه كيف يتصرّف فيه زمان الغيبة، فنقول المشهور بين أصحابنا أنّ الخمس يقسّم على ستّة أسهم ثلاثة منها للّه و لرسوله و الإمام (عليه السلام) فإنّ ما كان للّه بملكيّة اعتباريّة يصل النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله) و ما كان للنبيّ (صلّى اللّه عليه و آله) وصولا و أصالة يصل إلى الإمام (عليه السلام)، فيكون نصف الخمس ملك الإمام بعنوان أنّه الإمام المنصوب بعد النبيّ بحسب العصور و الأزمنة، و ثلاثة أسهم منه للأيتام و المساكين و ابناء السبيل ممن ينتسب إلى هاشم بالابوّة،

ولزوم اعتبار الخمس ستة أسهم كما ذكرنا هو المشهور بين الأصحاب واستظهر ذلك من ظاهر الآية المباركة: وَ اعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‌ءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبى‌ وَ الْيَتامى‌ وَ الْمَساكِينِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ‌ [10]، مضافا إلى دلالة بعض الروايات.

وربّما ينسب الخلاف إلى ابن الجنيد و أنّه قال: السهام في الخمس خمسة، بحذف سهم اللّه، و عن «المدارك» الميل إليه، و قد تعرّضنا لذلك في بحث قسمة الخمس من مباحث كتاب الخمس، و بيّنا أنّ نصف الخمس يعني سهم اللّه و سهم الرسول و ذي القربى المعبر عنه بسهم الإمام (عليه السلام) يصل إلى الإمام (عليه السلام)، وأنّ نصفه الآخر يعني سهم اليتامى و المساكين و ابن السبيل المعبّر عنه بسهم السادات يصرف و يعطى الهاشميّ منهم أي من ينتسب إلى هاشم من جهة الأب، و في موثقة زرارة عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «لو كان العدل ما احتاج هاشمي و لا مطّلبي إلى صدقة، إنّ اللّه جعل لهم في كتابه ما كان فيه سعتهم» [11]، و نحوها غيرها. و من الظاهر أنّ المجعول لهم في الكتاب ما في آية الخمس.

و المحكيّ عن ابن الجنيد أنّ السهام في الخمس خمسة، بحذف سهم اللّه تعالى، و عن «المدارك» الميل إليه لصحيحة ربعي بن عبد اللّه بن الجارود عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «كان رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) إذا أتاه المغنم أخذ صفوه وكان ذلك له ثمّ يقسم ما بقي خمسة أخماس و يأخذ خمسة ثمّ يقسم أربعة أخماس بين الناس الذين قاتلوا عليه ثمّ قسّم الخمس الذي أخذه خمسة أخماس يأخذ خمس اللّه عزّ وجلّ‌ لنفسه ثمّ يقسم الأربعة أخماس بين ذوي القربى واليتامى و المساكين و أبناء السبيل يعطى كلّ واحد منهم حقّا و كذلك الإمام يأخذ كما أخذ الرسول» [12].

وفيه أنّ مدلولها اكتفاء رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) بسهم اللّه سبحانه و أنّه كان يترك سهمه، و حيث إنّ سهم النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله) ملكه فله وضعه كيف ما شاء، فلا دلالة لها على أنّ فعله (صلّى اللّه عليه و آله) كان واجبا عليه، و ما في ذيلها: و كذلك الإمام أخذ كما أخذ الرسول، لم يكن بيانا للحكم الواجب على الإمام (عليه السلام) في الخمس فضلا عن صفو المال من المغنم.

وعلى الجملة ففي الآية المباركة و لو بملاحظة الروايات الواردة في قسمة الخمس ظهور و دلالة على كون الخمس على ستّة أسهم، و ورد في روايات منها صحيحة البزنطي عن الرضا (عليه السلام): «أنّ ما كان للّه و للرسول يصل إلى الإمام (عليه السلام) حيث سئل (عليه السلام) عن قول اللّه عزّ و جلّ: وَ اعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‌ءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبى‌ فقيل له: فما كان للّه فلمن هو؟ فقال: «لرسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) و ما كان لرسول اللّه فهو للإمام» [13] كما أنّ المراد بذي القربى في الآية الأئمة (عليهم السلام) كما يظهر ذلك من غير واحدة من الروايات،

وهذه السهام الثلاثة بعد النبيّ (صلّى اللّه عليه وآله) للإمام من بعده و للإمام من بعد الإمام، و في مرسلة حماد بن عيسى عن العبد الصالح (عليه السلام) في حديث طويل قال: «و له [يعني للإمام‌] نصف الخمس كملا، و نصف الخمس الباقي بين أهل بيته، فسهم ليتاماهم و سهم لمساكينهم و سهم لأبناء سبيلهم يقسّم بينهم على الكتاب‌ والسنة ما يستغنون به في سنّتهم» [14] وقد تقدّم في موثقة زرارة: «لو كان العدل ما احتاج هاشمي ولا مطّلبي إلى صدقة، إن اللّه جعل لهم في كتابه ما كان فيه سعتهم».

ثمّ إنّه لا ينبغي التأمّل في جواز تصدّي مالك المال لدفع نصف الخمس يعني سهم اليتامى و المساكين و ابن السبيل إليهم زمان عدم حضور الإمام وعدم التمكّن من إيصال هذه السهام الثلاثة إليه- بناء على ما ذكرنا من عدم ثبوت الدليل على الولاية العامّة للفقيه العادل ونيابتهم عن الإمام (عليه السلام) بالنيابة العامّة- فإنّ مقتضى الآية المباركة والروايات المشار إليها أنّ نصف الخمس إنّما جعل لسدّ حوائج اليتامى و المساكين و أبناء السبيل من السادات، كما يشهد لذلك صحيحة زرارة عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «إنّه لو كان العدل ما احتاج هاشمي و لا مطّلبي إلى صدقة، إنّ اللّه جعل لهم في كتابه ما كان فيه سعتهم، ثمّ قال: إنّ الرجل إذا لم يجد شيئا حلّت له الميتة، و الصدقة لا تحلّ لأحد منهم إلّا أن لا يجد شيئا و يكون ممّن يحلّ له الميتة» [15].

و هذه الصحيحة و مثلها بضميمة ما تقدّم من كون السهام الثلاثة للإمام (عليه السلام) تدلّ على قسمة الخمس على ستة أقسام وأنّ سهم السادة تعويض عن الزكاة التي يكون فيها للمالك أكثر المال وله الولاية على إخراجها؛ و لأنّ الشركة في كلّ من الزكاة و الخمس بحسب الماليّة، لا من قبيل الإشاعة في العين حتى لا يجوز لأحد الشريكين و لو كان سهمه أكثر التصرّف في بعض المال بلا إذن شريكه،

فإنّ الشركة في العين بحسب الماليّة مقتضاها إخراج الزكاة و الخمس من العين أو من قيمتها، و يجوز التصرّف في المال بعد إخراج سهم الغير ولو بالقيمة- و لو قلنا بأنّ تعلّق الخمس أو الزكاة بالمال بنحو الكلّي في المعيّن جاز التصرّف و لو قبل الإخراج- كما يدلّ على ذلك صحيحة محمد بن خالد البرقي قال: «كتبت إلى أبي جعفر الثاني (عليه السلام) هل يجوز أن أخرج عما يجب في الحرث من الحنطة و الشعير و ما يجب على الذهب، دراهم بقيمة ما يسوى؟ أم لا يجوز إلّا أن يخرج من كلّ شي‌ء ما فيه؟ فأجاب أيّما تيسّر يخرج» [16].

وعلى الجملة مقتضى الإشاعة في ماليّة العين كما في إرث الزوجة من البناء دفع القيمة، وأنّه إذا كان من بيده المال الذي فيه حقّ من سهم الغير بنحو الإشاعة في الماليّة يجوز أن يدفع سهمه بالقيمة.

والحاصل إذا كان مدلول الآية المباركة ولو بملاحظة الروايات الواردة في تفسيرها وملاحظة صحيحة زرارة المتقدّمة أنّ نصف الخمس ولو بالقيمة سهم السادات الكرام، يجب على الذي أكثر المال له إيصال هذا السهم إليهم.

وما دلّ على ولاية الإمام (عليه السلام) على ذلك السهم و وجوب إيصاله إلى الإمام (عليه السلام) كصحيحة حفص البختري عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «خذ مال الناصب حيثما وجدته و ادفع إلينا الخمس» [17].

و في صحيحة علي بن مهزيار قال: «قال أبو علي بن راشد قلت له: أمرتني بالقيام بأمرك و أخذ حقّك فأعلمت مواليك بذلك، فقال لي بعضهم: و أي‌ شي‌ء حقّه؟ فلم أدر ما أجيبه، فقال: يجب عليهم الخمس» [18] الحديث، غاية ما يستفاد منه إيصال سهم السادات أيضا إلى الإمام (عليه السلام) و لو مع التمكّن من الإيصال إلى وكلائهم،

وأمّا مع عدم إمكانه و انتهاء أمر الوكالة كما في زمان الغيبة الكبرى يكون مقتضى الآية المباركة بضميمة مثل صحيحة زرارة المتقدّمة إيصال المالك و دفعه سهمهم إليهم، و لا ننكر أنّ الدفع إليهم بالاستيذان ممّن يلزم إيصال سهم الإمام إليه زمان الغيبة- على ما نذكر- أحوط، و أمّا بالإضافة إلى سهم الإمام (عليه السلام) فلا يجري فيه حكم المال المجهول مالكه، نظير مال الغير الذي بيد الإنسان و لا يمكن إيصاله إليه لجهالة مكانه و عدم إمكان إحرازه، حيث إنّ جهة صرف المال معلوم في الجملة كغيره من المال المجهول مالكه مع العلم بجهة صرفه الذي عيّنه ذلك المالك.

ويبقى في البين دعوى الجزم بأنّ الإمام (عليه السلام) راض و صادر منه الإذن في التصرّف في ذلك السهم في امور، من ترويج أحكام الشريعة وتثبيت أمر المذهب و نشره حتّى في الأجيال الآتية من المؤمنين بتربية علماء الدين و المذهب و تبيين معتقدات الشيعة و طريق عرفانهم حجج اللّه بعد نبيّهم و إيصال و إبقاء آثار أهل البيت وإنقاذ المضطرّين و رفع اضطرارهم و ابتلاءاتهم إلى غير ذلك من المهمات التي ترجع كلّها إلى أمر ترويج الدين و المذهب و نشره في الأجيال و البلاد و القرى و إنقاذ المضطرّين من المؤمنين بقضاء حوائجهم الضروريّة،

وحيث إنّ المتصرّف في السهم المبارك غير مالك بل هو ملك الإمام (عليه السلام) و لو بعنوان الإمامة فاللازم أن يكون المتصرّف من يعلم برضاء الإمام عليه في تصرّفه على ما ذكر، و المتيقّن هو الذي‌ يرجع إليه في أخذ الفتوى لاحتمال دخالته في الرضا بالتصرّف، حيث إنّ إيصال السهم المبارك إلى يد وكلائه الثقات و رعاية نظره في التصرّف يوجب عزّ المذهب و يعرف المذهب بعظمة هؤلاء الرجال كما يعرف كلّ من الأقوام برئيسهم،

وإذا احتمل دخالة هذا الأمر في رضاء الإمام (عليه السلام) فلا يجوز التصرّف فيه بطريق آخر؛ لأنّ القاعدة الأوّليّة عدم جواز التصرّف في مال الغير، و لا يجري هذا بالإضافة إلى سهم السادة الكرام؛ لما ذكرنا من ثبوت الإطلاق في وجوب إخراجه و دفعه و عدم ثبوت التقييد لها بالدفع إلى الإمام (عليه السلام) إلّا بمقدار إمكان الإيصال إليه (عليه السلام).

هذا كلّه على تقدير ثبوت الخمس و التكليف بالأداء كما هو ظاهر الآية المباركة و الروايات الواردة في السؤال عن الخمس و المعادن و الكنز و الغوص و أرباح التجارات و الصناعات من فاضل المئونة، ولكن ربّما يتوهّم أو يستظهر من بعض الروايات تحليل الخمس أو السهم المبارك للشيعة من ناحية الأئمة (عليهم السلام)، فلا يكون للمؤمن تكليف بالإضافة إلى الخمس أو السهم المبارك كصحيحة أبي بصير و زرارة و محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام) علي بن أبي طالب:

«هلك الناس في بطونهم و فروجهم، لأنّهم لم يؤدّوا إلينا حقّنا، ألا و إنّ شيعتنا من ذلك و آباءهم في حلّ» [19] و صحيحة ضريس الكناسي قال: قال أبو عبد اللّه (عليه السلام): «أ تدري من أين دخل على الناس الزنا؟ فقلت: لا أدري، فقال: من قبل خمسنا أهل البيت، إلّا لشيعتنا الأطيبين، فإنّه محلّل لهم و لميلادهم‌ [20].

و معتبرة يونس بن يعقوب، قال:

«كنت عند أبي عبد اللّه (عليه السلام) فدخل عليه رجل من القمّاطين فقال: جعلت فداك تقع‌ في أيدينا الأرباح و الأموال و تجارات نعلم أنّ حقّك فيها ثابت و إنّا عن ذلك مقصّرون، فقال أبو عبد اللّه (عليه السلام): ما انصفناكم إن كلّفناكم ذلك اليوم» [21]،

و معتبرة أبي خديجة سالم بن مكرم عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: قال رجل و أنا حاضر حلّل لي الفروج، ففزع أبو عبد اللّه (عليه السلام) فقال له رجل: ليس يسألك أن يعترض الطريق، إنّما يسألك خادما يشتريها أو امرأة يتزوّجها أو ميراثا يصيبه أو تجارة أو شيئا اعطيه، فقال: هذا لشيعتنا حلال، الشاهد منهم و الغائب و الميّت منهم و الحيّ و ما يولد منهم إلى يوم القيامة فهو حلال، أمّا و اللّه لا يحلّ إلّا لمن أحللنا له» [22] الحديث،

و في مقابل ذلك روايات تدلّ على إيصال الخمس و حقّ الإمام (عليه السلام) إليه و جملة من الروايات في صورة كون المال للشيعة كصحيحة حفص بن البختري عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «خذ مال الناصب حيثما وجدته و ادفع إلينا الخمس» [23]، و ما في صحيحة علي بن مهزيار بعد عدّ ما يجب فيه في كلّ عامّ من الخمس كتب (عليه السلام):

«فمن كان عنده شي‌ء من ذلك فليوصله إلى وكيلي» [24].

و على الجملة قضية وكلاء الأئمة (عليهم السلام) و أنّهم كانوا يأخذون الحقوق للإمام (عليه السلام) و كان عمدتها الخمس من الواضحات، وشي‌ء من ذلك لا يجتمع مع الأمر بالتحليل المتوهّم من الروايات المتقدّمة، بل أمر الإمام (عليه السلام) مواليه بإيصال الخمس إلى وكيله أو دفعه إليه، كما هو ظاهر صحيحة علي بن مهزيار، و أنّ ما يصل إليه في كلّ عام‌ بعنوان الربح و الفائدة أو سائر العناوين الراجعة إلى الدخول في عنوان الفائدة هو المراد من الغنيمة.

وأمّا أخبار التحليل فهي ناظرة إلى تحليل ما يؤخذ من الناس و قد تعلّق الخمس به في أيديهم ثمّ يصل إلى الشيعة منهم فإنّه مورد التحليل، بل ظاهر بعضها عدم اختصاص التحليل بوصول ما فيه الخمس ممن لا يعتقد به، بل يعمّ ما يصل المال المتعلّق به الخمس ممن لا يدفعه كما هو الحال بالإضافة إلى معتبرة أبي خديجة، و ما ورد ما ظاهره عدم حلّ الخمس فيما كان متعلّقا به في الأيدي السابقة على تقدير تماميّة السند كرواية أبي بصير عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سمعته يقول: «من اشترى شيئا من الخمس لم يعذّره اللّه، اشترى ما لا يحلّ له» [25] يحمل على شراء غير الشيعة.

بقي أمر و هو أنّه قد ورد في صحيحة علي بن مهزيار قال: قرأت في كتاب لأبي جعفر (عليه السلام) من رجل يسأله أن يجعله في حلّ من مأكله و مشربه من الخمس، فكتب بخطه: «من أعوزه شي‌ء من حقّي فهو في حلّ» [26] و ظاهرها بإطلاقها يعمّ ما إذا كان حقّه (عليه السلام) قد انتقل إليه بالشراء و نحوه أو تعلّق حقّه (عليه السلام) بالمال في يده فتحمل على الصورة الاولى، و مع الإغماض عن ذلك فللإمام (عليه السلام) الإغماض عن الخمس في حقّ شخص أو جماعة واقعين في الحرج، كما يشهد لذلك صحيحة علي بن مهزيار حيث أوجب الإمام (عليه السلام) في سنة الكتابة بعض الخمس و أغمض عن بعض آخر.

 

الهوامش

[1] وسائل الشيعة 27: 140، الباب 11 من أبواب صفات القاضي، الحديث 9.
[2] المصدر المتقدم: 78، الباب 8، الحديث 2.
[3] انظر وسائل الشيعة 3: 283، الباب 88 من أبواب الدفن، الحديث الأول.
[4] بحار الأنوار 100: 80.
[5] وسائل الشيعة 17: 363، الباب 16 من أبواب عقد البيع، الحديث 2.
[6] إرشاد الطالب 3: 26 فما بعد.
[7] وسائل الشيعة 1: 34، الباب 2 من أبواب مقدمات العبادات، الحديث 12.
[8] وسائل الشيعة 27: 13، الباب الأول من أبواب صفات القاضي، الحديث 5.
[9] نهج البلاغة: من كتاب له (عليه السلام) كتبه للأشتر النخعي، الكتاب رقم (53).
[10] سورة الأنفال: الآية 41.
[11] وسائل الشيعة 9: 276- 277، الباب 33 من أبواب المستحقين للزكاة، و فيه حديث واحد.
[12] المصدر السابق: 510، الباب الأول من أبواب قسمة الخمس، الحديث 3.
[13] المصدر السابق: 512، الحديث 6.
[14] الكافي 1: 619، الباب 186، الحديث 4.
[15] مرّ تخريجه قبل قليل.
[16] وسائل الشيعة 9: 167، الباب 14 من أبواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث الأول.
[17] المصدر السابق: 487- 488، الباب 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 6.
[18] وسائل الشيعة 9: 500، الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 3.
[19] وسائل الشيعة 9: 543، الباب 4 من أبواب الانفال، الحديث الأول.
[20] المصدر السابق: 544، الحديث 3.
[21] المصدر السابق: 545، الحديث 6.
[22] المصدر السابق: 544، الحديث 4.
[23] وسائل الشيعة 9: 487- 488، الباب 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 6.
[24] المصدر السابق: 501- 502، الباب 8، الحديث 5.
[25] وسائل الشيعة 9: 540، الباب 3 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 6.
[26] المصدر السابق: 543، الباب 4، الحديث 2. 

 

المصدر: كتاب دروس في مسائل علم الأصول لآية الله الميرزا جواد التبريزي المجلد السادس الصفحة 424.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign

Clicky